الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفل خيري

هاشم تايه

2011 / 7 / 26
الادب والفن


استقبل عميد كلية (.......) سيّدة بثياب كهنوتيّة سود من تلك التي لا خرق فيها إلاّ لعينين وأنف وفم.
قدّر السيد العميد أنّ السيدة تحمل أمراً يرهقها وتعاني منه، وتودّ لو تستنجد به وحده ليخفف عنها، وقرّر في نفسه أن يختبر إمكانية استثماره حضورها لصالح صباحه الوظيفي بما يسمو به، قبل أن يمنحها استجابته.
جلست السّيّدة حيث أشار إليها أن تجلس على الكرسي الملتصق بمكتبه المستطيل، ورداً على ابتسامة وظيفيّة اعتادها السيّد العميد، بمصاحبة ذراعين انفرجتا في الفضاء للاستقبال، أعلنت السّيّدة أنّها ناشطة نسوية في مجال العمل الخيري، وأنّها ما قصدتْهُ إلاّ لأنّها تعلم علم اليقين كم هو سخيّ، وكريم، ومستعدّ لتقديم العون...
أشرق وجه السّيّد العميد واسترخى جسده كلّه فوق مقعده الدوّار، وتعلّقت عيناه بفم السّيدة التي أطرقت قليلاً ثمّ تابعت بعدما أبصرت تطلّعه إلى المزيد..
قالت إنّها سمعت أخباراً عن إنسانيته التي تفوق الوصف، ومحّبته أفعال الخير، وحرصه على أن يكون له فيها نصيب كبير، وإنّها شخصيّاً تغبطه على سعادته بما يهب من ماله لآخرته..
شعر السّيد العميد بالإحراج وبدا كما لو أنّ غرفته تحوّلت إلى برميل ماء وأنّه يختنق في قعره، واستعدّ للانتفاض ليخلّص نفسه، لكنّ السّيدة أسرعت تقول: سيدي العميد، إنّه حفل خيري لتقديم الدعم لأطفال يتامى يعلم الله كم هم محرومون، وسوف يحضر حفلنا مسؤولون حكوميون كبار، ورجال أعمال، ووجهاء عشائر، وضباط جيش وشرطة، وستغطي وقائعه قنوات فضائيّة شهيرة، ووسائل إعلام معروفة.
سأل السّيّد العميد وكأنّه يطلب النجاة على يديْ محدّثته:
- والمطلوب؟
- خمسمائة ألف دينار، أقلّ مبلغ تبرّع به كلّ من سيحضر الحفل من السّادة الذين ذكرتهم. أجابت السّيدة.
أطرق العميد وكأنه حُشِر في جيب سترته، فأضاءت السيدة عتمته:
سيدي، ستنال فرصتك في الحفل بالإعلان عنك محسناً كبيراً أمام عدسات الفضائيات، ولن يضيع أجرك وأنت سيّد العارفين!
ومضت تقول باندفاعة غالبة، سيكون الحفل غداً في المتنزه (......) في تمام السّاعة (........) وسيشرفنا حضورك!
أمضى السّيد العميد نهاره وليله يقنع نفسه بأنّ ظهوره على الملأ، كمحسن كبير، عبر أضواء الفضائيات يستحق خمسمائة الألف التي خرجت بها السّيدة... إنّها، مهما تكن، يمكن تعويضها من هذا الباب، أو ذاك، وفوق هذا ستجلب الفرصة لمصافحة ضروريّة مع السّادة المسؤولين والضباط والأعيان...
"لي الشرف سيّدي، أنا ....... بن...... الـ......... عميد كلية ........"...
........
في جهة من المتنزه انتصبت، على عشب أصفر، كراسٍ سود لا يزيد عددها على عشرين كرسياً، كانت السّيدة الناشطة تذود عنها أطفالاً استوقفتهم في الشمس، وكان هناك ضابطان عزفا عن الجلوس، وانتحيا جانباً، كأن لا علاقة لهما بما يجري، وليس بعيداً عنهما وقف شيخ بعمامة جامداً كما لو كان ينتظر بلبل السماوات يهبط على عمامته ويشرع بالتغريد..
قبالة الكراسي الفارغة انتصبت كاميرا وحيدة لفضائية مغمورة..
جلس السّيد العميد على أحد الكراسي وألقى بعينيه على الفراغ المحصور بين قدميْه، وشرع ينتظر... أقبلت عليه السّيدة وانحنت تقول... سيّدي تفضل لتوزيع هذه التـيـ شيرتات على أبنائك اليتامى... للأسف، سيدي، عطلٌ غير متوقع أصاب الكاميرا وأوقفها عن العمل، و..... لكن لا بأس، تفضل سيدي!
ظلت الكراسي فارغة أمامه حين شرع السيد العميد يضع، ممتقع الأسارير، التيـ شيرتات الصينيّة القليلة التي قدّر ثمن الواحد منها بما لا يعدو خمسمائة دينار، في أيدي أطفال لم يكن يعنيهم أبداً من يكون هو...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث