الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منير العوادي سلاما !

فريد العليبي

2011 / 8 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي




رحل منير العوداي يوم 3 أوت 2011 عن عالمنا ، في ظروف غامضة ، فقد توفي فجأة و ربما كان ضحية أخرى من ضحايا تدهور الحالة الأمنية ، التي أصبح فيها القتل مثل شربة ماء .
كان منير مناضلا ثوريا عرفته ساحات الكفاح الطبقي في الحركتين الطلابية و النقابية و فضلا عن هذا كان مثقفا مولعا بمتابعة ما يُكتب ، و لا اذكر يوما التقيته فيه دون كتاب يتأبطه أو جريدة مهمة يتصفحها .
و قد مكنته سعة اطلاعه من أن يكون أرشيفا متنقلا يحتوى على أدق تفاصيل اليسار الجديد في تونس ، يحدثك عن منظمة آفاق و المجموعة الماركسية الليينينية التونسية GMLT و الشعلة و العامل التونسي و مجموعات صغيرة أخرى مثل كفاح و الحقيقة و غير ذلك من المنظمات و الحلقات و تفرعاتها اللاحقة ، كما لو كان عضوا عاملا فيها جميعها .
و كنت أنا المقيم في الجنوب التونسي ، إذا ما أردت معرفة ما يدور في سراديب الحياة السياسية في تونس العاصمة ، التقيه في مقهى من مقاهي ضاحية باردو ، فيقدم لى ما لا طاقة للآخرين بتقديمه .
كان منير مسكونا بهاجس كتابة ما يعرفه ، و لكنه كان في كل مرة يراجع نفسه و يؤجل عمل يومه إلى غده ، لورود تفاصيل جديدة أو لغياب وثيقة أو انتظار لقاء شخص له معلومة مفيدة ، و قد أثر ذلك سلبا على انجاز تلك المهمة ، رغم إلحاحي الشديد عليه بضرورة الكتابة و التركيز على الأهم ضمن المسائل التي يود الكتابة فيها ، فقد كان مهوسا بالتفاصيل و الجزئيات ، يحفظ السنين و الشهور ، و أحيانا الأيام و الساعات ، و الأمكنة و الأشخاص .
سمعت عنه قبل أن التقيه فغداة الانتفاضة العمالية الكبرى التي عرفتها تونس في جانفي 1978 كنا منشغلين بتنظيم الطلبة و التلاميذ ، و سمعت عن منير التلميذ الذي قدم مقترحا لتأسيس اتحاد وطني للتلاميذ ، وكيف بدأ بتجميع بعض زملائه من حوله في معاهد تونس العاصمة لهذا الغرض ، ثم تعرفت عليه بعد ذلك طالبا بكلية الآداب بمنوبة ، و كان مناضلا مهموما بحب الشعب و الوطن و الطبقة العاملة و فقراء الفلاحين ، لا يتواني عن التضحية بوقته و جهده متى تطلب الأمر ذلك ، و كان عند حديثه عن الشهيد فاضل ساسي كأنما يتحدث عن قديس من قديسي الثورات .
عايش منير تجربة الوطنيين الديمقراطيين في تونس بأغلب تفاصيلها ، حلوها و مرها ، ورغم تشظي المجموعة الأم إلى فصائل و كيانات يصعب أحيانا التعرف عليها و متابعة أحوالها و أخبارها ، فإنه بقي مدافعا لا يلين عما كان يعتبره باستمرار بيته : " الخط الوطني الديمقراطي " . لقد كان متماهيا في كينونته مع " الخط " لا بالمعنى الفكري و السياسي فقط و إنما بالمعنى السيكولوجي أيضا ، كان يسكن الخط و الخط يسكنه معتبرا إياه المبتدأ و الخبر، و ربما هذا ما يفسر نقده الشديد للحلقات التي انشقت عنه دون التوقف عن استثمار شرعيته النضالية ، فذاك ما كان يثير حفيظته .
و عند تناوله للمرجعية النظرية للوطنيين الديمقراطيين كان أبرز ما ينبه إليه أن ضياع البوصلة السياسية لدى أغلب الحلقات الوطنية الديمقراطية من بين أسبابه الفقر النظري و التنكر للقادة الخمس، الذين كان منير شديد الوفاء لهم و نعني ماركس و انجلس و لينين و ستالين و ماو تسي تونغ ، و من هنا كان تشبثه بالأطروحات الأساسية التي على قاعدتها بُني الخط الوطني الديمقراطي .
آخر مرة التقيته كانت خلال اعتصام القصبة الأول ، كانت علامات الإرهاق بادية عليه ، و كالعادة كانت بعض الكتب بين يديه ، بعينان تشعان بالفرح و بالحلم و الأمل وبجسد منهك بثقل تجارب قاسية استقبل منير انتفاضة 17 ديسمبر ، هذا ما ارتسم في ذاكرتي بعد ذلك اللقاء ، لم أجده يومها على الحال التي عهدت ان ألقاه عليها ، كان متوترا و علمت بعد ذلك أنه عانى منذ مدة من إرهاق أجبره على الانقطاع عن عمله كمدرس لمادة الفلسفة لبعض الوقت .
و اليوم و أنا أودعه فإنه بقدر الفرح الذي شعرت به عندما رأيته يكتب في الحوار المتمدن عن الحركة الطلابية و اليسار و مسألة الفلاحين و طبيعة المجتمع ، بقدر ما أشعر بالحزن لأن خزائن أفكاره وأبواب أرشيفه ظلت في معظمها مقفلة ، و هو ما يمثل خسارة كبرى للوطن و الشعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات