الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المصرية بين الأفراح والمآتم

سمير الأمير

2011 / 8 / 13
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يا سادة.. الثورة غير مسئولة عن موت دجاج «الخالة سكينة

الأفراح والمآتم في قريتنا وربما في كل قري مصر هي فرصة لعودة الغرباء الذين يعيشون في المدن والذين ينظر إليهم باعتبارهم سفراء القرية في المدينة، و لحسن حظ البعض تحيط بأبناء القرية القادمين من القاهرة والمدن الكبيرة هالة تجعل شباب القرية يتطلع إلي اليوم الذي سيكون فيه قادرا علي الهروب من هذا العالم البسيط ليلتحق بعواصم المراكز أو المحافظات أو ربما بالقاهرة عاصمة العواصم والتي يستأثر القادمون منها إلي قراهم في المناسبات والأعياد بأكبر قدر من الاهتمام والإعجاب لدرجة تجعل أمثالي الذين اكتفوا بالسكن في عاصمة الإقليم يندمون ندما بالغا، إذ أن رأي القادم من القاهرة كفته أرجح عند أهله من الفلاحين ودعواتهم إليه لتناول وجبة دسمة من الدجاج أو البط البلدي هي أكثر بكثير من دعواتهم لهؤلاء الذين أمسكوا بالعصي من المنتصف فسكنوا في المراكز غير بعيد عن حقول آبائهم وأجدادهم، ومن المؤكد أن المؤتمرات الجانبية التي تفرضها طبيعة الوجود في مكان واحد قد اتخذت رونقا جديدا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وجعلت لأبناء القرية المنتمين لأحزاب المعارضة والذين كانوا يحظون فقط بقدر قليل من الحفاوة قبل الثورة، جعلت منهم نجوما لامعة ما إن يدخلوا إلي خيمة العزاء حتي يقف الجميع مرحبين بمن فيهم أعضاء الحزب الوطني المنحل وهنا يشعر أمثالي من المناكفين بأن الله عوضنا عن السنوات التي بحت فيها أصواتنا ونحن نحاول إقناع هؤلاء بعدم دعم الحزب الذي سعي إلي خراب حقولهم وبيوتهم وشرد أبناءهم في بلاد الواق واق وأغرقهم في عبارات الموت في البحر الأحمر أو في مياه الأبيض المتوسط وهم يحاولون الوصول إلي شواطئ إيطاليا، ولكن الأمر لا يمضي بتلك السلاسة إذ سرعان ما تجد أعضاء الحزب المنحل يتحينون الفرصة لشن هجوم مضاد ولاسيما بعد أن تهدأ عاصفة الترحيب والإعجاب، ويبدأ الفلاحون من الشكوي من نقص السولار أو ارتفاع الأسعار فينبري في هذه اللحظة (فلٍ) من "الفلول" ليحمل شباب الثورة كل تلك المآسي ويعلن أن بشائر الخراب قد هلت وأن الثوار سيلقون حتفهم حرقا بأيدي الشعب المصري الذي صدقهم والذي لم يع في خضم الأحداث أن هؤلاء الشباب كانوا يعملون وفق أجندات أمريكية وإسرائيلية وإيرانية وفلسطينية ومهلبية وأي كلمة تنتهي بـ"ياء وتاء مربوطة" ما عدا كلمة "مصرية"، ولم تحدث علي الإطلاق أي مصيبة في مصر بعد الثورة مثل حرق كنيسة أو سرقة سيارة أو جاموسة أو حتي خناقة عابرة في أتوبيس شرق أو غرب أو شمال أو جنوب الدلتا ( أو أي حاجه في أي حته) إلا ويحملها " الفلول" للثوار بما في ذلك مرض" بقرة" لطفيه أم السيد" و"الفره "التي أصابت دجاج الخالة "سكينة أم سويلم، طبعا ناهيك عن ارتفاع أسعار كل شيء، و تكثر أحاديث هؤلاء عن الضباط المساكين الذين يعاملهم الشعب المصري بمنتهي البجاحة ويرد عليهم الشتائم وكأن الروس تساوت والبلد لم يعد بها فرق بين كبير وصغير، ورغم كل تلك المحاولات اليائسة من جانب الإخوة المقيمين في الريف من أنصار النظام السابق (لامؤاخذه) نظل نحن القادمين من المدن حيث الأحزاب والجماعات السياسية والندوات والمظاهرات محتفظين بحالة الانتشاء، إذ نجد أحد الفلاحين الظرفاء يسخر من أحد أعضاء الحزب "اللي مايتسماش" ويقول له " أسكت الله يخرب بيتك كنت هتودينا في داهية، ".. ثم يلتفت ناحيتي ويتابع.. "تصور يا أستاذ سمير إن الأخ كان عامل عزومة لجمال مبارك وناصب زفه من الزقازيق لغاية بلدنا لولا ربنا ستر والثورة قامت قبلها بيومين بس واتلغت العزومة .. كان زمان بلدنا بتتعاير بالزيارة دي في كل المحطات الفضائية"، فيضحك الجميع ويتبارون في السخرية من المذكور حتي يغادر المجلس وهو يسب ويلعن ويتوعدهم بالخراب، أما نحن الضيوف وأنصارنا من المقيمين المؤيدين للثورة فلا ينسي أن يبشرنا بالحرق والإعدام علي أيدي الشعب الذي سيجوع بسببنا نحن وبسبب الفوضي التي أحدثناها في مصر كما حدث بالضبط بحسب روايته في الثورة الفرنسية. كان النقاش السابق يدور في خيمة العزاء فقطعه بلهجة آمرة أحد الإخوة الملتحين لينبهنا أن أحد الإخوة بدأ بإلقاء خطبة وأن علينا أن نصمت وإلا تأثم قلوبنا لأن الموت آت.. آت ولن تنفعنا كل تلك الاختلافات في السياسة وأننا إن أردنا القول الفصل فعلينا أن نتبع ما سيلقيه علينا الشيخ لأنه من التابعين وليس من المبتدعين"- وأضاف وهو ينظر إلي- "من هؤلاء الذين يريدون لمصر أن تصبح علمانية وتبتعد عن الدين- مش كده يا أستاذ سمير"، وهنا برز أحد " الفلول" وكان منزو في ركن بعيد قائلا وهو ينظر ناحيتي "اشرب يا عم.. آدي اللي عملته الثورة مش كنتم زعلانين من " نُقرة الحزب الوطني" آدي انتوا وقعتوا في " دحديرة" الإخوان والجماعات السلفية"، شعرت وكأن الواد " محمود" ابن أخي الذي لم يتجاوز عامين قد فعلها وأنا أحمله علي رقبتي وسرت قشعريرة في ظهري تماما كتلك التي تصحب جريان الماء البارد فوق سلسلة العمود الفقري، فالأخ الملتحي كان في مقتبل الشباب وكان معظمنا قد جاوز الخمسين، ولكني وجدتهم منصاعين وكأنهم أطفالا تلقوا أمرا من مدرس الفصل في المرحلة الابتدائية، فتوكلت علي الله- متعمدا قمع ذكريات تقفيل ندوات الشعر بالجنازير في الجامعة في نهاية السبعينيات - وسألته ماذا يقصد بالعلمانيين وما شأني أنا بهم ؟ ولكنه تركني ومضي دون أن يكلف نفسه عناء الرد ، والغريب أنني لم أجد من هؤلاء الذين كانوا قد احتفوا بي من يعنفه علي بجاحته، وحين عاتبتهم وجدت تعليقات مثل " يا عم ده قد ابنك.. انت حتعمل عقلك بعقله" أو " حماس شباب.. أصله فرحان بالثورة وكان مكبوت طول عمره.. " وهنا أدركت أن غيابنا عن القرية لم يعوضه انضمامنا للأحزاب وللحركات السياسية ولم يعوضه حضورنا للندوات، أو اشتراكنا في الاحتجاجات والمظاهرات، وأنه كان ينبغي علينا أن نقيم جسورا مع أبناء قرانا تتجاوز الأفراح والمآتم ليس من أجل ثني الشباب عن التدين لا سمح الله ولكن من أجل مد جسور التفاهم التي تجعل هذا الشاب وغيره يدركون أننا نحب الوطن والدين ولكن ربما بطريقة مختلفة قليلا وأكثر سماحة من طريقتهم.

قررت أن أذهب إلي بيته قبل عودتي للمدينة وأقول له إن الثورة نجحت لأننا كنا في الميدان متحابين بغض النظر عن اختلاف رؤانا ومنطلقاتنا وقررت أن أستحلفه بالله هل كانت مصر تستطيع أن تتخلص من نظام مبارك لو كانت تعانيس الانقسام الذي تشهده الآن، أقصد لو كان حديث الإسلاميين عن العلمانيين قبل الثورة كحديثهم بعدها أو كانت مخاوف الليبراليين أو الأقباط من الإخوان وجماعات الإسلام السياسي كمخاوفهم الآن وتخيلته وهو يجيب بالنفي وعندها عاهدته أن نعود مصريين وأن نختلف في إطار الوحدة لكي ننقذ الثورة ولكي لا ينقلب علينا الشعب كما يردد " الفلول" ولكني للأسف لم أقم بتلك الزيارة لأن نداهة المدينة ندهتني فاكتفيت بشيئين أولهما أن أحذر قبل أن أبدأ مداخلتي في أي لقاء أوندوة من أن الانقسام قد يعيد إنتاج الاستبداد وإن بأشكال أخري وثانيهما أن أكتب هذا المقال عن الثورة المصرية بين الأفراح والمآتم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟