الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق واليابان ... تشابه البدايات واختلاف النتيجة !

احمد مكطوف الوادي

2011 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها لتبدأ بعدها عملية كتابة الدستور الياباني (دستور السلام) والذي تم تطبيقه عام 1947 أثناء حكم الجنرال الأمريكي دوغلاس ماكارثر وبموجبه تحولت اليابان الى دولة إمبراطورية دستورية برلمانية .
ومن ضمن الامور التي عالجها الدستور الياباني مشكلة مزمنة كانت تعاني منها اليابان وهي مشكلة الحروب وتكاليفها الباهظة في الأرواح والأموال ، الدستور الجديد عالج ذلك بفقرات تمنع إعلان الحرب وامتلاك الأسلحة المحرمة وخروج القوات اليابانية خارج حدود البلاد وجعل رئيس الوزراء قائدا عاما للقوات المسلحة بدلا من الامبراطور وتم الغاء وزارة الدفاع اليابانية وتشكيل وكالة الدفاع اليابانية عوضا عنها ، بل تغيير حتى التسمية ايضا من الجيش الإمبراطوري الى قوات الدفاع الذاتي اليابانية ، أي بعد 56 سنة من كتابة الدستور وتمت عملية الخروج بموافقة البرلمان الياباني باغلبية كبيرة كما يقر ذلك الدستور ومباركة كاتب الدستور الاصلي وحاميه (الولايات المتحدة) ، اضافة الى بقاء قوات امريكية في القواعد اليابانية وتنسيق الجهود معها من اجل توفير الحماية الكاملة لليابان والمحافظة على النظام الجديد فيها .
ترى هل عالج الدستور العراقي مايعاني منه العراقيين؟ واقصد مسألة الاستبداد والتسلط والقهر والسيطرة على السلطة والنفوذ والاموال ؟
هل استطاع دستورنا ان يكون عادلا وحياديا ويقدم الحلول لمسألة العدالة الغائبة بشكل مزمن في العراق ؟ هل استطاع ان يعالج قضية الثروة وتوزيعها بين العراقيين ؟ ام انه كرسها بيد الطبقة السياسية والحاكمة ؟
هل استطاع ان يقنع من يعيش فوق ارض يطفو على سطحها البترول ...... انه شريك ومالك ؟!
ورغم التطور الذي وصلته اليابان تكنلوجيا وكقوة اقتصادية هائلة ورغم امتلاكها للتقنيات اللازمة لانتاج سلاح نووي وببساطة لكنها لم تفكر بذلك ابدا فهي قد تصالحت مع الذات اولا.... وسلكت طريقا مغايرا تماما لطريقها القديم ، طريق الموت والحروب والدمار فأستبدلته بطريق المحبة والسلام وخدمة الانسانية ، طريق التطور والتكامل الانساني والمعرفي.
ومنذ ذلك اليوم 11 فبراير 1947 موعد اقرار الدستور الياباني وحتى هذا اليوم (64 سنة) توالت على حكم اليابان 51 حكومة أي بمعدل حكومة كل 15 شهرا ( لكل حكومة سنة وربع السنة تقريباً) ،وخلال هذه المدة حكم اليابان اكثر من 32 شخصية يابانية وبمعدل سنتين لكل رئيس وزراء ، بعض الحكومات في اليابان لم تستمر الا ايام قليلة وبعضها اشهرا قليلة وبعضها الآخر حكم لاقل من سنة ، ومن النادر ان نشاهد حكومة يابانية تكمل مدتها الكاملة الممنوحة لها بموجب الدستور ، وربما ان الشخص يستهلك مدته الدستورية كشخص لكنه يعيد خلالها تشكيل الحكومة عدة مرات .
في الفترة التي ابتدأ فيها تطبيق الدستور العراقي وللآن وبالمقارنة مع اليابان وهي من (2005 -2011 ) مدة 6 سنوات الأخيرة ، توالى على حكم اليابان 7 شخصيات يابانية من – كويزومي- الذي كان فاعلا اثناء التدخل العسكري في العراق وحتى رئيس الوزراء الحالي السيد نودا ، وتشكلت 7 حكومات في هذه الفترة وبمعدل اقل من سنة لكل رئيس وزراء ، فيما يحكم العراق السيد المالكي منذ 2006 وبحكومتين متتاليتين.
اما لو اردنا ان تكون المقارنة اكثر تعبيرا وواقعية فلنرجع الى نفس الفترة التي اعقبت تطبيق الدستور الياباني واقصد من (1947-1953) مدة 6 سنوات بعد تطبيق الدستور الياباني - فقد حكم اليابان ثلاثة شخصيات هي (يوشيدا وكاتاياما وأشيدا ) ، ومن ثلاثة احزاب مختلفة هي (الحزب الليبرالي والحزب الاجتماعي والحزب الليبرالي الديمقراطي ) وعلى التوالي .
خلال تلك الفترة واقصد من )1947-1953( وتشكلت في اليابان خلالها 7 حكومات خمسة منها شكلها السيد يوشيدا بينما في نفس المدة تشكلت في العراق حكومتان فقط وماتزال الوزارة الثانية غير مكتملة العدد وبلا وزراء امنيين بعد ان استفذت نصف عمرها .
وخلال 90 عاما هي فترة تشكيل الدولة العراقية الحديثة (1921-2011) تعاقب على حكم العراق فعليا حوالي 30 حاكما مابين رئيس وزراء أو رئيس فيما حكم اليابان ضعف هذا العدد تقريبا وهو 60 رئيس وزراء خلال نفس الفترة.
ربما سيقول البعض ان هناك عدم استقرار سياسي في اليابان وكثرة الحكومات هو عامل مزعزع للاقتصاد وقاتل للخطط التنموية وغير ذلك من التحليلات ، وحتى لا نكون مثاليين جدا ، نقول ربما ان في ذلك شيء من الصحة في جانبه النظري ، لكن الجانب العملي يفند ذلك تماما ،فالاستقرار والتطور الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت له اليابان لا يخفى على احد ، فاليابان اليوم مجتمع ملائكي قياسا بشيطنتنا ودمنا المسفوح دائماً لأتفه الأسباب وغياب التراحم والمحبة في مجتمعنا ، اما في الجانب الاقتصادي والتقني والمعرفي فذلك لا يخفى على احد ولا يمكن إنكاره أبداً ففي كل بيت ستجد سفيرا يابانيا متقنا وأميناً وناصحاً من أغلى الأجهزة والسيارات وحتى لعب الأطفال.
احتفلت اليابان قبل عشرات السنين بأخر اُمي ياباني وفيها تصل نسبة الملتحقين برياض الأطفال أكثر من 98 % ، هذه الأمثلة دليل على الاستقرار الاجتماعي والإداري الذي يرعاه استقرار سياسي تضمنه )الدولة) المستقرة والمتزنة بمؤسساتها ، اما تغير )الحكومة) ورأسها وفقا للحراك السياسي و التطور المستمر والمستجدات التقنية والعلمية والمعرفية والاقتصادية والسياسية فسيكون اقل تأثيرا حتماً من اضطراب الدولة .
أكيد ان طوكيو بحاجة إلى فترة مستدامة في رئاسة الوزراء لكن ذلك ليس ببعيد فقبل 5 سنوات حكم السيد جوينشيرو كويزومي ( 2001-2006) والذي قام بتحويل وكالة الدفاع الذاتي اليابانية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية الى وزارة الدفاع لأول مرة بعد موافقة البرلمان الياباني عليها وتفعيل هذه القوات لتشارك في العراق في مهمة تتعلق بالأعمار .
الآن جاء السيد نودا بعد انتخابه زعيما للحزب الديمقراطي الياباني، بعدما ألقى الحزب (بــــ كان) بعيدا عقب استقالته بعد عام في رئاسة الحكومة
لنستمع جيدا لنودا ماذا قال ؟ ففي كلمته قبيل تصويت الحزب على رئاسته قال" إنه ليس خاطفا للبصر كالسمكة الذهبية وإنما هو كسمكة اللووتش (السمك الذي يتغذى في القيعان) ، وهو مطمئن إلى أنه سيبذل جهدا يؤدي إلى تقدم يتمناه .
من بين رؤساء الوزراء الستة بعد كويزومي كان هاتوياما، زعيم الحزب الديمقراطي الياباني الوحيد الذي جاء عبر انتخابات عامة الخمسة الآخرون جميعهم جاءوا عقب تعديلات حزبية.
ياللهول ..... فأحزابنا في العراق عبارة عن إقطاعيات لا تختلف كثيرا عن أحزاب الدول الاستبدادية ولا تختلف عن مشيخة العشيرة وابوة العائلة . والامر ليس ميزة ولا مثلبة يابانية فهو يجري في أنظمة برلمانية أخرى فرئيس الوزراء لا يكون منتخبا من الشعب دائما. فقد حل براون مكان بلير، رئيسا للوزراء عام 2007، بعد تصويت أجراه نواب حزب العمال. .
وإذا كان الجمهور الياباني يطلب مزيدا من النضج من زعمائه، فينبغي له أن يتعلم مزيدا من الصبر وليدعهم يبقون في المنصب لفترة كافية كي ينجزوا شيئا فنحن في العراق نقدم لهم هذه النصيحة وببلاش !
ماذا سيجني المسؤول الياباني المسكين بهذه المدة القصيرة وهل يستطيع ان يؤمن مستقبل أطفاله وعائلته وأقاربه وعشيرته ؟!!
الزعماء والمسؤولون هناك يقدمون استقالاتهم بسبب أي ضجة او فضيحة او خطأ ، الأمر يختلف عن ماهو موجود لدينا ، المسؤول هناك " يستحي " اما لدينا فهو صلف ولا يخجل ولا يخاف ولا يستحي ...ويعمل مايشتهي كما يقول المثل .
فحتى لو امسكتهُ هيئة النزاهة متلبسا برشوة وفساد مالي فستجده يبرر ذلك ويدافع ويتهم يمينا وشمالاً ،بل وتنبري كتلته لتدافع عن مظلوميته وتذرف الدموع على نزاهته المغدورة . ..
حدث في زمن حكومة شينزو آبي كلام كثير عن السياسة المالية ومعها دليل غير نظيف على "السياسة القائمة على الأموال" التي أبقت الحزب الديمقراطي الليبرالي الياباني في الحكم فترة طويلة دون انقطاع.
والذي حدث هو أن ماتسوكا، وزير الزراعة في حكومة آبي 2007، انتحر بعد ثبوت صلته بتبرعات سياسية من شركات الإنشاءات التي عهدت إليها الحكومة بمقاولات مجزية.
وفي اليوم التالي، قفز الرجل الذي قيل إنه هو المسؤول عن تنظيم عملية التلاعب بالعطاءات، من مكان عال ولقي حتفه.
المجد لك يا ماتسوكا ... ماذا كنت ستعمل لو كنت تدري باختفاء المليارات من الخزينة العراقية ؟؟؟
من أي شاهق ستقفز واي طريقة للانتحار ستختار ؟
أما لو كنت متهما باهدار قوت اليتامى والمعذبين والجياع ، اشك انك ستكتفي بالقفز من مكان عال !!!
ربما ستدعو حكومتك كلها لقفز جماعي ؟
يقول أستاذ جامعة كولومبيا والمتخصص في الشؤون اليابانية جيرالد كريتس، إن اليابان تمر الآن بثالث تغير عظيم في تاريخها الحديث.
التغير الأول كان في عصر عودة ميجي وإصلاحاته، حين تخلى الحكام عن النظام الإقطاعي.
والثاني كان الإنشاء الذي تم بعد الحرب العالمية الثانية لآلة تقدم النمو الاقتصادي السريع.
ويطلق البروفيسور كريتس على الطور الثالث تعبير "عقد الـ 20 "،وفيه ستنتقل الهيمنة من الاقتصاد الى السياسة وهو يقصد ان القادم من الــــــ 20 عاما القادمة سيكون سياسيا بامتياز ويتوقع صعود قوة منصب رئيس الوزراء ومساءلته برلمانيا ، اذا ما عرفنا ضعف المعارضة بالمعنى التقليدي في اليابان وعدم قدرتها على تشكيل حكومة رغم هشاشة الوضع السياسي للحزب الحاكم .
المعارضة الأكثر تأثيرا في اليابان هي المعارضة الشعبية والنخبوية ومعارضة "استطلاعات الرأي والصحافة " التي تطيح أحياناً بالرؤساء .
اما في العراق فرغم الاحتجاجات والكلام والصياح والمقالات والقصائد وحتى الأغاني والمراثي لكن لا يبدو ان هناك من يستمع !
في العراق ومنذ اللحظة الأولى لسقوط النظام بدأ الصراع السياسي على السلطة ، وخلال كل هذه المدة والسنوات القادمة لم يجر أي استثمار وتنمية للإنسان وانتعاشة اقتصادياً ومعرفياً ولذلك فمن المتوقع ان تفرز العملية السياسية نخباً طفيلية ومصابة بالجفاف وفقر الدم " المالي" والمعرفي والسياسي .
ويبدو من تتبع ما عرضناه ان النخب السياسية والحاكمة في العراق تتحمل الجزء الأعظم من المسؤولية الوطنية والأخلاقية عن كل ما تتعرض له البلاد من مآسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا