الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المسيحية ديانة ثورية؟

طارق قديس

2011 / 10 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن أجمل ما في المشهد المصري إبان الثورة الناشئة في 25/01/2011 هو اللحمة التامة بين أقباط مصر والمسلمين، حيث كان ميدان التحرير مسرحاً لإقامة الصلوات بطقوسها المتلونة المتعددة، متغلبين بذلك على بذور الفتنة الطائفية التي لطالما حاول النظام السابق أن يغذيَها كي لا يجتمع الناس على كلمة سواء، وكي يظل ضعف الأواصر المجتمعية المصرية عامل قوة بالنسبة له طوال مدة الحكم التي ناهزت الثلاثين عاماً.

وقد ضرب مسيحيو مصر نموذجاً حيَّاً عن الثورية في الديانة المسيحية، مكسِّرين كل القوالب التي لطالما رسمها الزمن على أن الديانة المسيحية ديانة خنوع وذلة، حيث أن المسيحيين أينما كانوا هم موالون للنظام الحاكم كيفما كان، ديمقراطياً، أو مستبداً، إمبراطورياً، أو جمهورياً، فهم لا حول لهم ولا قوة ولا دخل لهم بالشأن الداخلي، حتى أنه لا يحق لهم حتى أن يدافعوا عن حقوقهم وأوطانهم، وذلك استناداً إلى ما يلي:

1- موقف الكنيسة القبطية من الثورة القبطية حيث أعلنت الكنيسة عشية الثورة تأييدها للرئيس مبارك.
2- الشواهد الإنجيلية التي تثبت أن المسيحية ديانة سلام وتسامح ومنها:

مت-5-38: سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن
مت-5-39: وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر ، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا.
مت-5-40: ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا.
مت-5-41: ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين.
مت-5-42: من سألك فأعطه ، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده.

و قول بولس الرسول:

رو-13-1ليخضع كل امرئ للسلطات التي بأيديها الأمر، فلا سلطة إلا من عند الله، والسلطات القائمة هو الذي أقامها.
رو-13-2: فمن عارض السلطة قاوم النظام الذي أراده الله، والمقاومون يجلبون الحكم على أنفسهم.
رو-13-3: فلا خوف من الرؤساء عندما يفعل الخير، بل عندما يفعل الشر. أتريد ألا تخاف السلطة؟ إفعل الخير تنل ثناءها،
رو-13-4: فإنها في خدمة الله في سبيل خيرك. ولكن خف إذا ، إذا فعلت الشر، فإنها لم تتقلد السيف عبثا، لأنها في خدمة الله كيما تنتقم لغضبه من فاعل الشر.
رو-13-5: ولذلك لابد من الخضوع، لا خوفا من الغضب فقط، بل مراعاة للضمير أيضا.
رو-13-6: ولذلك تؤدون الضرائب، والذين يحبونها هم خدم لله يعملون ذلك بنشاط.
رو-13-7: أدوا لكل حقه: الضريبة لمن له الضريبة، والخراج لمن له الخراج، والمهابة لمن له المهابة، والإكرام لمن له الإكرام.

وعن حجة موقف الكنيسة القبطية أقول أنه لطالما كانت القيادات الكنسية والمسلمة في أي دولة مرتبطة بالنظام ارتباطاً مباشراً بمقتضى قوانين بروتوكولية، وعرفية، ومدنية أكثر من ارتباطها بروح النصوص الدينية التي تتبع لها، وهي بذلك لا تعبر عن روح الديانة المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح ليغير المفاهيم التقليدية ويثور على الظلم والاستبداد، وإنما هي مرغمة على إصدار تصريحات مناقضة لحقيقة الأمر الواقع وروح الديانة المسيحية.

أما عن حجة قول المسيح في إنجيل متى (لا تقاوموا الشر)، فالقول يمثل القاعدة العامة التي ينبغي أن تسود في حياة الفرد، وهي أن يكون متسامحاً، وأن لا يبادل سوء التعامل بمثله، فهنالك طرق أخرى للتعامل مع سوء التعامل، ومنطق يسوع المسيح بحد ذاته يمثل ثورة على الأسلوب القديم المتبع بالرد على العدوان والخطأ بالمثل.
فعبارة (لا تقاوموا الشر) لا تعني البتة أن نترك الشر يدخل حياتنا ونجعله يعيث فساداً، وإنما علينا أن لا نقاوم الشر بالشر، فإن جاء أحد وارتكب قبحاً بحقك، فعليك أن تتاسامح معه بأن تجد طريقة غير قبيحة للتعامل معه وأسلوباً جديداً مغايراً لمبدأ (العين يالعين والسن بالسن)، لا أن تبادله القبح بالقبح، وأن لا يكون للثأر المكانة الأولى في حياتك.

وعن دعوة بولس الرسول الخضوع للرئاسات كونها من عند الله، فهذه الدعوة تمثل ترسيخاً للفكرة القائلة بأن الله ضمن ترتيبه قد جعل منذ البدء ميلاً لدى الناس لإيجاد قادة لهم أينما كانوا، فوجود القادة هو شيء طبيعي، وإنه بالطبيعة يجب الخضوع لهذه الرئاسات، إذ أن هذا هو القانون الإلهي الطبيعي المزروع في العالم المادي.

وأما قوله بأن (من عارض السلطة قاوم النظام الذي أراده الله)، فتفسره الآية التالية وهي : (فلا خوف من الرؤساء عندما يُفعل الخير، بل عندما يُفعل الشر. أتريد ألا تخاف السلطة؟ إفعل الخير تنل ثناءه) .. أي أنه عندما تَتَّبعُ القوانين لن يقوم أحدٌ بالتعدي عليك، وإنما يَحدثُ ذلك عندما تُخرق القوانين، لأن السلطة هي في سبيل خيرك كما يقول بولس في تتمة قوله.

وعليه يتضح أن بولس يدعو المسيحين لاتباع الأنظمة الحاكمة إذا كانت تعمل لخير الإنسان، وأن لا يكونوا عامل بلبلة، فهم مطالبون باتباع الحكام، أمسيحيين كانوا أم مسلمين أم بوذيين أم ملحدين، استناداً لقول المسيح (أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، فالمسيح قد دعا إلى طاعة الله باتباع روح الشريعة القائمة على المحبة والأمانة، وإلى طاعة قيصر الذي هو روماني وثني بدفع الضرائب واستيفاء الجزية واتباعه قانوناً.

ونسفاً لكل الإدعاءات الإنجيلية المضللة لمن يريد أن يثبت بأن المسيحية هي ديانة خنوع و ضعف ولا تؤيد التغيير والدفاع عن الذات أقول بأن القاعدة الرئيسية التي ينبغي على المسيحي أن يتبعها في سلوكه الشخصي، هي أنه ينبغي عليه أن يتحلى بخلق التسامح والفضيلة، فإذا أساء إليه أحد فعليه ألا يرد الإساءة بمثلها، وإن أراد أن يخدم أحد مثقال ذرة فليكن متفانياً بخدمته إلى أبعد، لكن ذلك لا يعني أنه إذا أخطأ أحد إلينا فيجب علينا ألا نقاضيه، وذلك تبعاً لقول المسيح الذي أثبت وجوب اللجوء إلى القضاء حين قال : (مت-5-25: كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي، ويسلمك القاضي إلى الشرطي ، فتلقى في السجن)، لكن ما لا ينبغي أن نفعله هو أن نرد الإساءة بمثلها، كأن يقوم شخصٌ بسرقة منزل فتكون ردة فعلنا أن نسطو على منزله هو الآخر استناداً لمقولة (العين بالعين والسن بالسن).

كما أنه وتبعاً لتأكيد المسيح بأنه من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل ، زنى ، فسق ، سرقة ، شهادة زور ، تجديف. وأن هذه هي التي تنجس الإنسان ... بحسب إنجيل متى 15 : 19 -20 ، فإنه بإمكاننا أن نتصور كيف لنا أن تكون شهادتنا بحق رئيس ظالم، فيما نحن مطالبون بشهادة الحق وتجنب شهادة الزور! وحيث أننا إن شهدنا له نكون شهود زور، فهل لنا أن نثني على هتلر أو نيرون أو حسني مبارك؟ إنه لمن المستحيل، والحري بنا أن نشهد بالحق وأن نقف في وجه أيٍّ كان من الرؤساء، لو حتى على قطع أرقابنا، كما وقف يوحنا المعمدان في وجه هيرودس، وانتهى به الأمر إلى فصل رأسه عن جسده في سبيل شهادة الحق.

هذا و ينبغي لنا أن لا ننسى بأن نقذف بوجه من يدعي بأنه لا ينبغي للمسيحين أن يدافعوا عن بلدانهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم المغتصبة دليلنا الأهم وهو موقف المسيح حينما قام بتطهير الهيكل إذ يروي الإنجيل:

يو-2-13: وكان فصح اليهود قريبا، فصعد يسوع إلى أورشليم،
يو-2-14: فوجد في الهيكل باعة البقر والغنم والحمام والصيارفة جالسين
يو-2-15: فصنع مجلدا من حبال، وطردهم جميعا من الهيكل مع الغنم والبقر، ونثر دراهم الصيارفة وقلب طاولاتهم،
يو-2-16: وقال لباعة الحمام: (( ارفعوا هذا من ههنا، ولا تجعلوا من بيت أبي بيت تجارة))
يو-2-17: فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: (( الغيرة على بيتك ستأكلني))
يو-2-18: فأجابه اليهود: (( أي آية ترينا حتى تعمل هذه الأعمال ؟))
يو-2-19: أجابهم يسوع: (( انقضوا هذا الهيكل أقمه في ثلاثة أيام)) !
يو-2-20: فقال اليهود: (( بني هذا الهيكل في ست وأربعين سنة، أوأنت تقيمه في ثلاثة أيام ؟))
يو-2-21: أما هو فكان يعني هيكل جسده.

ففي الوقت الذي كان فيه المسيح يدافع عن بيته كان هو ذاته يشرِّع لنا حقاً لا لبس فيه أن نقوم بالدفاع عن بلدنا بالكلمة وبالسلاح، كي لا يبقى حرجٌ على من يدافع عن حقه وأرضه أينما كان، فهذا حقٌ مشروع، و لا يحق بعد لأحد أن يسلبه من المسيحيين على مر العصور في أي زمان وأي مكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تفسيرات وتساؤلات
نيسان عيساوي ( 2011 / 10 / 10 - 10:24 )
تحية محبة واحترام
شكرا للمقال، رأيك يُحتَرم... لي ملاحظات جدا صغيرة لو تسمح لي، الاولى: لم افهم قصدك بتعبيرك -ونسفا لكل الادعاءات الانجيلية المضللة-. الثانية: تفسير انجيل متى الاصحاح الخامس والعدد الخامس والعشرون ليس هو كما ذكرت حضرتك. والثالثة والاخيرة: الفقرة الاخيرة من مقالكم وكأنه يفسر انجيل يوحنا الاصحاح الثاني، لكن ماذكرته حضرتك في هذه الفقرة لاعلاقة له بالمرة، البتة، مطلقاً بالاعداد التي ذكرتها حضرتك من انجيل يوحنا.
تقبل محبتي واحترامي


2 - طارق قديس المسيحية ثورية وليست ديانة
وليد يوسف عطو ( 2011 / 10 / 10 - 14:14 )
ايسيد طارق قديس ا لمحترم اولا اقول ان المسيحية في نشاتها حسب الانجيل هي فلسفة عرفان وليست دينا ولكنها تحولت الى دين بدخول الملك قسطنطين في المسيحية انا كتبت مقالات وابحاث حول الموضوع تجدها في موقعي الفرعي يسوع اعدم لاسباب سياسية واما تعاليم يسوع عن عدم مقابلة الشر بالشر فهي تخص العلاقات بين الاشخاص ولاتشمل العلاقة مع النظام وانا اوضحت ذلك بالنسبة للخضوع للسلطة كما كتب بولس انا قلت ان هذا يتعارض مع فلسفة العرفان لدى بولس ويسوع معا وهو نص مضاف على اصل الرسالة راجع بحثي المعنون موقف المسيحية من السلطة مع اسمى تحياتي


3 - ردود وتعليقات
طارق قديس ( 2011 / 10 / 11 - 18:37 )
شكرا نيسان عيساوي ولك مطلق الحرية بإبداء رأيك .. بخصوص معنى نسفاً للادعاءات الإنجياية المضللة فالمقصود تأويلات النصوص الإنجيلية التي تهدف إلى إثبات أن المسيحية ديانة خنوع .. أما عن باقي التعليقات فالنصوص تتحدث عن نفسها وأنا لم أخرج عن أي دلالة لها.

السيد وليد يوسف عطو .. شكرا على رأيك فهو جدير بالدراسة، ولكن شئنا أم أبينا فالمسيحية ديانة وليست مجرد فلسفة عرفان، أما قولك أن نص بولس في رسالته إلى أهل روما هو نص مضاف فهو ما لا أتفق معه البتة.

اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن