الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يحلل هيكل...!!!

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2011 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ليس بواردي أن اقيم محمد حسنيين هيكل وقد لا أكون أنا من يقيم رجلا بحجم هيكل، وقد لا تكون لدي ما له من أدوات تحليل والمؤكد أنني لا امتلك إي قدر ضئيل مما له من مخازن معلومات، ولكن لأنه كذلك ولأنه –وهو الأهم- موضع ثقة متلقيه ومريده وحتى محبي ستينيات القرن الماضي وسياسات المد العروبي والقومي وخاصة في بعدها الناصري، ولغير ذلك من الأسباب، التي تجعل مما يقوله لدى هؤلاء قولا محكما في مبناه ومعناه، فان ذلك يقتضي المجازفة بمناقشته، للإشارة إلى أن محكم القول هو لله فقط، وان البشر خطاؤون مهما علت عصمتهم، وبالتالي فان قول البشر قد لا يستحق دائما المشي على هداه، وفي بعض الاحيان حتى الالتفات اليه.
ما دفعني لقول كهذا هو ما اصبح غطاء وفره محمد حسنيين هيكل لعدد من الرسميين العرب ومن وسائل الاعلام العربية للطعن في اهداف ودوافع الثورات العربية، من خلال ما اسمي انه حوار اجرته صحيفة الاهرام المصرية مؤخرا معه، وقال فيه ان ما يشهده العالم العربي الان ليس ربيعاً عربياً وإنما « سايكس بيكو » اخر لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده في اطار ثلاثة مشاريع ونصف، الأول أوربي- امريكي والثاني إيراني والثالث تركي والنصف اسرائيلي، وان الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الاسلوب باعتبارها فعل لا يتم بطريقة « تسليم المفتاح » من قوى خارجية هدفها السيطرة وتحقيق مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد ذلك تريد تحرير شعب،لافتاً إلى ان الاعتراف الامريكي الغربي بالاخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم ولا اعجاباً ولا حكمة لديهم، لكنه جاء لتوظيفه في اطار تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين.
وما يلفت الانتباه فيما قاله هيكل ان القارئ ِلما ُنقل عنه نصا في وسائل الاعلام لا يعثر فيه على ما يمكن الارتكاز اليه. لوضع احتمال ان الرجل يموضع قوله في اطار احتمال ما قد تذهب اليه الامور في سياق صراع بين قوى الثورة الداخلية وبين القوى الخارجية وامتداداتها الداخلية. بل انه يقع في شراك الدفع ليس فقط الى التشكيك في القوى التي تقف وراء الثورة، وانما الجزم بانها ليست سوى ارتدادات لافعال قوى خارجية، لست متيقنا فيما اذا كان هيكل جادا في اعتماده الكيفية التي على ضوئها قام بتوزيع الادوار فيما بين هذه القوى الخارجية لادارة هذه الثورات.
كما ان المرء قد لا يكون متيقنا ايضا فيما اذا كان هيكل يعني ما يقول عندما يصور احداث المنطقة على انها مساحة مفتوحة امام هندسة امريكية تتحكم بمسار خطوطها وفقا لزاوية نظرها. اذ يرى مثلا ان المنطقة دخلت منذ بعض الوقت في بوتقة فتنة المذاهب لاستكمال عزل ايران عن العالم العربي والاسلامي- وهي صاحبة مشروع تقسيمي للعالم العربي كما يشير لذلك في موضع اخر من نفس المقابلة- وفقا لما قال انها نصيحة المستشرق برنارد لويس. ويضيف أن السياسة الامريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب لتحقيق هذا المطلب، وعلقت أهمية ظاهرة على جهود الامراء والرؤساء في محاولة تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من صراع (عربي اسرائيلي) إلى صراع (عربي فارسي) وحيث لم يكن النجاح بمستوى ما تطلبه واشنطن وغيرها، تجددت نصيحة الاستشراق بان الافضل فاعلية لاذكاء المواجهة هو نقلها من مستوى المواجهة بين الحكومات الى حالة من الصدام المباشر بين المجتمعات والشعوب، عبر التصعيد المذهبي والطائفيً.
وتحدث هيكل عن ما اسماها بالتعديلات التي قال انها طرأت على السياسة الامريكية بتشجيع عملية المواجهة بين جماعات السنة وجماعات الشيعة وتوسيعها. موضحا انه بهذا القصد جاءت مسألة الاعتراف بالاخوان وبقبول مشاركتهم شرعياً فيما كان محظوراً عليهم من قبل، في اشارة لدورهم الان في بعض الحراكات العربية وعلى مستوى الشارع العربي بصورة عامة، دون ان يبين لنا السيد هيكل عن اي مجتمعات عربية يتحدث اولا، وعما اذا المجتمعات العربية بأكملها قابلة لصراع من هذا القبيل، حتى تلك التي لا ينطوي تركيبها الديني على مثل هذه الثنائية.
في الحقيقة ان المتابع لمجريات الاحداث في المنطقة يعرف ان تنامي ظاهرة الاسلام السياسي فيها يعود لعدد كبير من الاسباب، لعل اهمها فشل المشروع الحداثي الراهن لدولة ما بعد الاستقلال، والذي جاء خليطا من تعايش قصري لانماط متناقضة من الخيارات الوطنية والقومية التي لم تستطع ان تقدم حلا تاريخيا لتطلعات الشعوب بعد فشلها في اكتساب المشروعية العقائدية لدى الناس، كذلك فان تغول الغرب من اصدقاء انظمة الحكم العربي على حقوق الشعوب العربية المتنوعة وخاصة على صعيد التنمية والقضاء على التخلف والفقر، بالاضافة الى فشله في اقناع الشعوب بادائه المتحيز لاعداء هذه الشعوب على مستوى اكثر من قضية، كلها من الاسباب التي وقفت وراء تنامي الظاهرة الاسلامية، وصيرورتها الى طرف في معادلة القوى الوطنية المجتمعية التي يصعب على الادارة الامريكية تجاوزها لتجب اعادة تجرتها المريرة مع ايران .
صحيح انه قد تكون للادارة الامريكية حساباتها الخاصة في التعامل مع هذا الطرف الاسلامي او ذاك، وصحيح ان الاسلام السياسي هو احد المكونات الاساسية في المشهد السياسي العربي، ولكن ذلك لا يعني ضرورة ان يسحب ذلك على الثورات العربية، اذ لم يلحظ بعد انها ثورات اسلامية لا من حيث الشعار ولا الاداء ولا الممارسة، رغم ما تبدى من ملامح تشي بها وجوه وقسمات وحتى تصريحات ثوار ليبيا، حيث قد لا يعكس المظهر الديني مضمونا موازيا ومساويا للرؤية بعد ان تغيرت مدخلات الخطاب الديني نفسه.
مثل هذه الدلائل هو ما يحول دون قبول طروحات هيكل التي اخذت طابعا اسقاطيا بصورة آلية فجة، وتدعو بقوة لاعتبارها من تلك التي تدخل في آليات استراتيجة التشكيك التي تمارسها الادارة الامريكية بهدف احتواء هذه الثورات وافشالها، كذلك فان رؤيته للحالة الليبية ليست مدعاة لقبول هذا التعميم، حتى وان صح زعم انها ثورة اسلامية، وانه يجري دعمها امريكيا واطلسيا، اذ ان عسكرة الانتفاضة الليبية الشعبية التي اسقطت المشروعية الدستورية والشعبية عن نظام الحكم هناك من قبل القذافي، تجعل هذا الاخير هو من يتحمل مسؤولية استقدام قوات النيتو الى ليبيا ومحاولة اقتسام ثروات الشعب الليبي من قبل قوى اجنبية اشار لها هيكل في مقابلته تلك.
كذلك فان ما يعزز رفض هذه الاطروحة هو وكما اشرنا اليه في مقال سابق الحجم المتنامي للإدراك الامريكي-الاوروبي لاهمية الاصلاحات السياسية في المنطقة، والذي انتقل بهما من التنسيق الى العمل المشترك فطرحا "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" من خلال مجموعة الثماني في 2004. واستحدثت المبادرة "منتدى المستقبل" كمنتدى سنوي يشارك فيه بالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين على المستوى الوزاري، ممثلون عن المجتمع المدني وقطاع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية.
ولكن اهم ما لوحظ بالنسبة الى المبادرات الامريكية والامريكية – الاوروبية، انها مبادرات خاطبت بصورة لا لبس فيها الانظمة السياسية القائمة. اي انها طالبت انظمة الحكم العربية المبادرة باتخاذ مجموعة من الاجراءات الاصلاحية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي من شأن الاقدام عليها التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي كانت الولايات المتحدة ترقبه بكثير من القلق، حيث ادركت مدى الخطر الذي بات يتهدد سمعتها. فعلاوة على ما الحقتها حربان اقليميتان شنتهما على المنطقة، واسفرتا عن تفكيك دولة العراق، وتعمدها الفشل في حمل اسرائيل على التقدم في العملية السلمية، فانها اصبحت في موضع تحملها فيها الشعوب العربية مسؤولية استمرار حمايتها ورعايتها لانظمة استبدادية، تمارس سياسات افقار منظمة لشعوبها.
لقد فهمت الولايات المتحدة انه لتجديد قوة استمرارها في المنطقة في عصر يتصف بسرعة انتقال المعلومة والانفتاح الفضائي، فانه لم يعد بالامكان تجاهل بعض المطالب الملحة لشعوبها، وان عليها ان تجدد مشروعية وجودها بدعم مطالب التغيير التي ينادي بها الشارع العربي دون ان يتجاوز ذلك فقدانها للسيطرة على مجريات الاحداث، بهدف الالتفاف التدريجي عليها وتطويعها لاهدافها.
من هنا فانه لا بد من التمييز بين محاولات الولايات المتحدة الانحراف بمجريات الامور في المنطقة لتمرير مشروعها باعادة بناء شرق اوسط جديد، وهي محاولات جادة وخطيرة، وبين الادعاء بان ما يجري في المنطقة هو صناعة وتدبير امريكيين، كما يحاول محمد حسنيين هيكل الذهاب اليه، لان الوقوع في فخ ادعاء من هذا النوع بالاضافة الى انه الطريق الاسرع لوأد هذه الثورات، فانه اهانه للشعوب العربية، واستخفاف بارواح شهدائها ودماء جرحاها.
وحتى في حال افتراض ان السيد هيكل لم يذهب الى مذهب كهذا، فان التهويل من مخاطر الالتفاف الامريكي على ثورات الشعوب العربية على هذه الشاكلة التي جاء بها دون ان يقدم بديلا عمليا، فان ذلك يعني دعوة من جانبه لقبول الشعوب العربية باستمرار حكم انظمة متخلفة كانظمتنا العربية الى ما شاء الله.
ان الاصح هو ان نشخص طبيعة الثورات العربية على انها ثورات ضد فشل مشاريع دولة ما بعد الاستقلال، والتي صيغت بمعظمها برعاية ومباركة امريكية، وبالتالي فانها ضد خيارات وسياسات امريكية بالاساس، تضع تلك السياسات في الخندق المقابل، لا ان نشخصها على انها صناعة امريكية نقف في مواجهتها لترسيخ انظمة حكم فقدت امكانية استمرارها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا