الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاهد على ثورتين (١-٢)

جمال البنا

2012 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أراد الله تعالى أن أشهد ثورتين (٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢، و٢٥ يناير سنة ٢٠١١)، وأن أسجل شهادة على كل واحدة فى كتاب مستقل.

عندما وقعت حركة ٢٣ يوليو كنت فى الثلاثين من عمرى، أتقد نشاطاً وحماسة، وكنت قد خلَّفت ورائى ماضياً ألّفت فيه «ديمقراطية جديدة» و«على هامش المفاوضات المصرية/الإنجليزية»، ثم جاء هذا الحدث فأنسى كل شىء.

بعد أسبوع واحد من قيام «٢٣ يوليو» بدأت أكتب كتاباً بعنوان «ترشيد النهضة.. دراسة توجيهية للانقلاب العسكرى فى مصر»، وأهديته إلى «الأبطال محمد نجيب وزملائه لكى يظلوا أبطالاً وحتى لا يكون الفجر الكاذب»، وأخذت أرسل إلى المطبعة ما أكتبه أولاً بأول وكانت مقدمته تعبيراً عن «عشم» فى هذه الحركة وأمل ألا تنزلق، ليبدأ الفصل الأول، وهو عن تقييم حركة ٢٣ يوليو وأنها فى التحليل الأمين «انقلاب» وليست «ثورة»، ويأتى الفصل الثانى عن إمكانية تحويل الانقلاب إلى ثورة، وما يتطلبه هذا من «البحث عن عقيدة» وهو الفصل الثالث، ثم «حزب من نوع جديد» وهو الفصل الرابع.

وكانت المطبعة ترسل كل ملزمة تطبع إلى الرقابة التى أخذت تدرس الملزمة الأولى التى تحلل ما حدث باعتباره انقلاباً فجن جنونهم، وأمروا بمصادرة الكتاب، وهكذا بينما كنت فى المطبعة فوجئت بـ«بوكس» كبير يصادر «الملازم» ويأخذ على المطبعة تعهداً بعدم الطبع.

واتصلت ببعض المسؤولين، فطُلب منى مقابلة كبير الرقباء، وهو البكباشى أنور السادات فقابلته، فقال لى إن أربعة من الضباط قرأوا الكتاب، كل واحد على حدة، ووجدوا أن المصلحة تقضى بمصادرته.

وكان من الأعمال الأولى للحركة إعادة نظر قضية اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، وإلقاء القبض على القتلة (وكانوا معروفين)، وكان هذا عملاً حسناً حتى لو أريد به تدعيم الثقة بالحركة، ووجد الوالد، رحمه الله، أن علينا أن نشكر قادة الحركة على ذلك، وجمعنا فزرنا أولاً اللواء نجيب ثم عرجنا على البكباشى عبدالناصر، وعندما عرّفه الوالد بى سألنى: هل أنت شيوعى؟ فلما نفيت هذا قال: إذن ما هذا الكلام الذى طبعته؟! فهمت أن «عبدالناصر» ورقباء الحركة درسوا الكتاب وقرروا مصادرته.

كانت الفكرة فى الكتاب أن ما حدث فى ٢٣ يوليو ليس ثورة لكنه انقلاب، وقد يمكن إصلاح هذا الخطأ بتكوين حزب جماهيرى فى الأيام الأولى للثورة، خاصة وقد آزرها الشعب كله، وظفرت بالأغلبية، ولما كان فى حاجة للمشروعات الاستثنائية.

وأُبت إلى مكتبتى ووضعت أصول الكتاب فى الدرج لمدة أربعين عاماً - وعُنيت وقتئذ بالحركة النقابية التى استوعبت ثلاثين عاماً - وهكذا وُئـد كتاب «ترشيد النهضة» فلم يوضع فى متحف، ولم يقرأه أحد، حتى كاتب الثورة الكبير هيكل، وقد أعدنا طبعه حديثاً بعد مرور خمسين عاماً.

■ ■ ■

جاءت ثورة ٢٥ يناير بصورة مفاجئة للناس جميعاً، لأن عهد الناس بالثورات أن تقوم بها الجيوش أو تظهر فكرة أو عقيدة يؤمن بها فريق من الناس ويرزقون قائداً مُلهماً يقودهم للانتصار، أو أن يثور الجياع على أصحاب الأعمال كما تنبأ بذلك «ماركس»، ولكن الثورة جاءت من لفيف من الشبان المثقفين الذين تابعوا التدهور، وآمنوا بضرورة القيام بأى عمل لأن الشعب لم يعُد يطيق الانتظار، واختاروا يوم ٢٥ يناير الذى كان فى الأصل عيد الشرطة، لأنه، بالإضافة إلى أنه يوم إجازة، فإنهم أرادوا أن يصححوا أخطاءه، وكانت نقطة الإبداع فى هذه الثورة استخدامها التقنية الحديثة والكمبيوتر، وهذا ما يميزها عن غيرها وما مكنها من بلوغ غاية كانت ولاتزال أمنية لكل قادة الثورات وهى الحشد المليونى للجماهير ونجاحها.

ما بين ثورتى ٢٣ يوليو و٢٥ يناير حدثت حوادث جسام انتهت بتولية «مبارك»، وبدأت فترة الفساد الذى بدأ فى دائرة محدودة هى بيت الرئيس، ثم أخذت تتسع وتتسع حتى عمَّ وطمَّ ووصل إلى درجة دمرت الاقتصاد الصناعى بحركة الخصخصة التى قامت على بيع المنشآت جميعاً، الكاسبة والخاسرة، الكاسبة لكى تجذب الشارين إليها، والخاسرة حتى لا نبوء بخسارتها، ثم جاء دور نهب أراضى مصر فأعطيت مساحات واسعة من الأراضى تعد بآلاف الأفدنة للأفراد الذين يمثلون القيادات فى الحزب الوطنى، بحيث كاد يتكون إقطاع جديد، وظهرت أطماع زوجة مبارك وحرصها على أن تكون بجانب كونها حرم الرئيس - أم الرئيس.

فى هذه الفترة، وبالذات من ٢٠٠٧، كنت أحرر لجريدة «المصرى اليوم» مقالاً أسبوعياً كان يتصدر صفحة «مساحة رأى»، فخصصته للقضاء على نظام الحكم ومقاومة الفساد وإثارة الهمة للقضاء عليه والتأكيد أن «التغيير آت.. آت»، لأن نظام مبارك الفاسد كان قد جاوز عمره الافتراضى، وكان لابد أن يسقط، وفى أحد المقالات سردت سقوط اللورد كرومر الذى كان أحد عمد الإمبراطورية البريطانية وحاكم مصر المطلق عندما أخطأ فكوَّن محكمة قرية دنشواى لمحاكمة الفلاحين الذين قتلوا ضابطاً بريطانياً كان يصيد الحمام من أبراج القرية، والتى حكمت بالإعدام شنقاً على عدد منهم وعلى آخرين بالجلد وطبق الحكم فى ساحة القرية وعلى مرأى ومسمع أهلهم، واستغل مصطفى كامل هذه السقطة ففضح «كرومر» فى كل الدوائر الدولية حتى اضطرت الحكومة الإنجليزية إلى سحبه من مصر، بعد هذه الكلمات قلت: «وأزعم أننا اليوم أمام مثل هذا الحادث، فعندما حاصر اثنان من عتاولة المخبرين من ذوى الماضى الإجرامى شاباً يدعى خالد سعيد كان فى مقهى فقيدوا يديه خلف ظهره وأخذا يضربانه بوحشية ودفعا رأسه فى شريحة رخامية وسحلاه حتى مدخل إحدى العمارات وظلا يضربانه وهو يستغيث حتى مات بعد أن تهشم وجهه وتساقطت أسنانه»، وكما تنبأت فإن فصيل «كلنا خالد سعيد» كان من أقوى فصائل ثورة ٢٥ يناير.

ولما نجح شباب الثورة فى حشد مليون أو أكثر فى ميدان التحرير، فضلاً عما حشدته المحافظات واستمرار هذه الحشود فى البقاء وزيادتها شيئاً فشيئاً، ثم شعارها «الشعب يريد إسقاط النظام»، حتى اضطر الطاغية لأن يتنحى عن الحكم يوم ١١ فبراير، وأن يعهد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة البلاد، كان يجب فى اليوم التالى لتنحية مبارك أن يذهب شباب الثورة إلى المجلس الأعلى ويقول إننا فجرنا الثورة لإسقاط نظام الظلم الذى قام عليه حكم مبارك وبدء عهد العدل، وقد سقط نظام مبارك وبقى أن نبدأ إقامة نظام العدل، ويتم هذا بتشكيل مجلس باسم المجلس التنفيذى الثورى يتكون من عدد من الضباط وعدد من ممثلى شباب الثورة وعدد من الشخصيات التى أثبتت الأيام الأخيرة وطنيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شاهد مشفشي حاجة
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 25 - 21:34 )
ليس المهم هو وصف الفساد والكتابة عنه فهذا من البديهيات
لايجب ان نكتفي بوصف المزبلة بل يجب ان نعمل على ازالتها
غريب ان نكون اخ امام الدعاة الشهيد حسن البنا دون ان تتاثر به وتكون مع اتباعه
هاهي البذور التي غرسها تعطي اكلها
ا


2 - شاهد مشفشي حاجة
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 25 - 21:34 )
ليس المهم هو وصف الفساد والكتابة عنه فهذا من البديهيات
لايجب ان نكتفي بوصف المزبلة بل يجب ان نعمل على ازالتها
غريب ان نكون اخ امام الدعاة الشهيد حسن البنا دون ان تتاثر به وتكون مع اتباعه
هاهي البذور التي غرسها تعطي اكلها
ا


3 - شاهد مشفشي حاجة
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 25 - 21:34 )
ليس المهم هو وصف الفساد والكتابة عنه فهذا من البديهيات
لايجب ان نكتفي بوصف المزبلة بل يجب ان نعمل على ازالتها
غريب ان نكون اخ امام الدعاة الشهيد حسن البنا دون ان تتاثر به وتكون مع اتباعه
هاهي البذور التي غرسها تعطي اكلها
ا

اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في