الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإنتاج ملك للشعب.. أم أن الشعب ملك للإنتاج؟

جمال البنا

2012 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


فى الأيام الأولى للثورة ثار كل العاملين وقاموا بمظاهرات وإضرابات متوالية شملت الجميع: عمال الزراعة، وعمال الصناعة، وعمال النجارة، وعمال المرافق، والمدرسين، والمحامين وغيرهم، مطالبين الثورة بزيادة الأجور وحسم المظالم، فارتفعت الصيحات تلومهم، وتقول إنهم يستغلون الثورة لزيادة مكاسبهم، وقال آخرون: كيف يمكن أن تزيد الأجور وعجلة الإنتاج واقفة، وأنتم لا تعملون؟

بدا هذا الموقف كما لو كان مقبولاً، لكن الحقيقة غير ذلك، فالإضرابات الفئوية قامت لأن الفساد كان قد عمّ وطمّ كل شىء، ومادام الفساد قد وصل إلى هذه الدرجة فلا يُلامون إذا ثاروا عليه، وهل ثورة ٢٥ يناير إلا مظاهرة كبيرة على المستوى القومى لمقاومة الفساد؟ فكيف يُلامون إذا كانوا يطالبون بمقاومة الفساد وإصلاح الأوضاع؟ وكان الواجب بدلاً من انتهارهم أن يُعين المسؤولون عن الثورة محققاً لكل مجموعة من المجموعات المتظلمة ليحقق فى القضية ويتأكد من الفساد، لكن هذا لم يتم لأن الثورة لم تدر بأيدى ثوريين، ولكن بأيدى بيروقراطيين برجوازيين، ولعلهم من المنتفعين من نظام المخلوع.

وخلال هذا السجال من الشكوى ومن اللوم لم يتساءل أحد: هل هذا الإنتاج الذى نشفق عليه ونعمل للنهضة به، هل هو ملك للشعب حتى يستفيد منه الشعب بشكل مباشر أم أن الشعب نفسه يعمل فى خدمة الذين يملكون؟! لأن الصورة تختلف اختلافاً كبيراً. هناك نظامان إنتاجيان فى العالم كله:

الأول: نظام يملك فيه الأفراد وسائل الإنتاج، أى المصانع ورؤوس الأموال التى تحرك الآلات وتتولى تشغيل العمال نتيجة لعملهم، وهو النظام الرأسمالى.

والثانى: هو النظام الاشتراكى، وقد ظهر نتيجة استغلال الرأسماليين العمال، وأنهم يخصون أنفسهم بالجزء الأعظم من الربح الذى تحقق نتيجة عمل العمال ساعات طويلة فى ظروف سيئة ثم يمنحون الفتات.

وقد نجح النظام الأول فى العالم، وهو النظام الرأسمالى لأنه يوفر الحرية للجميع، وهذه الحرية تسمح بظهور الطامحين والمتميزين فى العمل، ويرغم العمال على قبول العمل، ويرد العمال بأنهم هم الذين يتملكون المصانع فلم يكن للعمال خيار، وأن الأصول فى العمل العام العدل وليس تكديس الأرباح.

ولكن أصحاب الأعمال لم يهتموا، فتكتل فريق من العمال وأقاموا دعوى تطالب بتملك الدولة وسائل الإنتاج حتى يتحرر العمال من العبودية الرأسمالية، وهذا هو النظام الاشتراكى الذى ظهر فى النصف الأخير من القرن الثامن عشر ورأسه من ناحية التنظير كارل ماركس، كما مارسه من ناحية التنظيم «لينين» الذى قاد العمال فى معركة دامية انتهت بانتصار الاشتراكيين وهزيمة الرأسماليين، وقضت الدولة الاشتراكية على الرأسماليين واستصفت أموالهم وجعلت الإنتاج اشتراكيًا، أى أن تكون الدولة هى المالكة لوسائل الإنتاج.

وكان يفترض أن ينجح النظام الاشتراكى، لكنه لم ينجح النجاح المأمول لأنه تورط فى السلطة، وكان لابد أن تفسده السلطة، فضلاً عن أن الإنتاج خضع لبيروقراطية وتخطيط مركزى.

هذا هو جوهر القضية فى الحقيقة، هل يكون العمال سادة العمل أم يكونون عبيداً للرأسماليين؟ وفى كل ثورة لا جدال فى أنها تقوم لكى يكون العمال سادة العمل وللقضاء على كل سوءات النظام الرأسمالى، وأن الفساد إنما زاد وطم نتيجة تزاوج الثروة بالسياسة وهيمنة أصحاب الأعمال على الحزب الحاكم، وعلى المجلس النيابى المنحل.

كان على قادة الثورة أن يتبينوا أن الخيار أمامهم لا محالة، وأن عليهم أن يحددوا الموقف بكل دقة وشجاعة، ومادامت هى ثورة قائمة على الفساد الرأسمالى والإقطاعى الذى تملك الثروات وهيمن على الأمور فستجده أمامها، فإما أن تتغلب عليه أو أن يتغلب عليها، وفى الأيام القليلة الماضية اتضح أن «كعبلة» الثورة أدت بها إلى سلسلة من الانحرافات التى شغلتها عن عملها السليم، ألا وهو تحقيق العدالة والتنمية، وأن ما نراه اليوم من فساد وصراع إنما هو عينة صغيرة لما ينتظرنا فى المستقبل إذا لم نحل القضية.. قضية الإنتاج.

ولن أشير فى هذه العجالة إلى أن علينا أن نأخذ بالنظام الاشتراكى الذى افترض أنه يستأصل مفاسد النظام الرأسمالى، لأن الخبرة والتجربة أثبتتا أن النظام الاشتراكى لا يخلو من عيوب جسيمة بعضها يعود إلى أن تملك الدولة وسائل الإنتاج يجعل السياسة الاقتصادية تخضع للبيروقراطية والمركزية، فضلاً عن نقائص عديدة أخرى، وفى الوقت نفسه فإن التمسك بالنظام الرأسمالى وعيوبه الفاحشة لا يعنى لأبناء الدول الصغيرة إلا التفرقة والحزبية والمقاتلة على سبيل كراسى الحكم مما لا يدع لهم سبيلاً للعمل على مصلحة العمال.

لابد من حل ثالث لقضية التنمية يخلو من أنانية الرأسمالية وبيروقراطية الاشتراكية، وسنشير إليه فى مقالات مقبلة.

ولكن المهم الآن أن يضع المسؤولون فى اعتبارهم أن يحلوا هذه المشكلة وألا يحاولوا الفرار منها، لأن الفرار منها لا يعنى إلا الفوضى والإفلاس والخراب.

وهذا الحديث عن الإنتاج مهم، لأن الإنتاج فى الحقيقة هو معركة النهضة للشعوب المتخلفة إلى مستوى يكفل للشعب قدراً من الحرية والكرامة بحيث يستطيع أن يُعايش العصر الحديث، وقد كانت معركة الشعوب المتخلفة، كما يقولون، مع الإنتاج وضرورة النهضة به من المستويات البدائية شاقة وعنيفة، وكانت أقسى من أى حرب وتطلبت تضحيات لا عدد لها، وعندما أقول هذا أتمثل معركة الدولة التى خاضت معركة الإنتاج أول مرة وهى روسيا التى كانت دولة متخلفة، وكان «بسمارك» يُطلق عليها «اللاشىء الكبير»، وكانت أوروبا تتبرأ منها وتدعى أنها من آسيا حتى وصلت إلى ذيل الأمم، وكانت الفترة التى نتحدث عنها من أشد فترات التاريخ الروسى سواداً وتحللاً، فقد هزمت الجيوش الروسية التى كانت من الفلاحين الذين لا يعلمون شيئاً أمام الجيش الألمانى المتقدم المسلح بكل أساليب الحرب الحديثة، واستولت على قرابة نصف روسيا حتى اضطر «لينين» الذى كان قد قام بثورته الاشتراكية منذ شهور إلى قبول معاهدة «برست ليتوفسك» التى كان على روسيا أن تتنازل بمقتضاها عن أوكرانيا وعن معظم الأجزاء الخصيبة من روسيا، وكانت من الإذلال بحيث هرب كل أعضاء المكتب السياسى «بوليت بيرو» من التوقيع عليها، ولكن «لينين» قبل لأنها على سوءاتها ستصبح الأمور أسوأ ما لم يوقع عليها، كانت هزيمة بروست تشبه هزيمة مصر فى ١٩٦٧، لكن «لينين» استطاع أن ينهض وأن يحول هذه الهزيمة إلى انتصار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل