الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كراكوف ومقارنات مغلفة بالألم

كريم عامر

2012 / 3 / 2
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


عندما حطت طائرة شركة الطيران البولندية فى مطار العاصمة وارسو شعرت بأننى ولدت من جديد ، لست مبالغا فى وصفى لما كنت أشعر به حينها ، فحين تنتقل من بلد يمارس ضدك فيه كل أشكال الإضطهاد والقهر لمجرد أنك أظهرت إختلافك وتفردك الى بلد آخر تعد حرية الإنسان فيه أمرا بديهيا لا يقبل التفاوض ، حينها سينتابك ذات الشعور .
المشكلة أن قمع الحريات فى مصر لا تمارسه السلطات فقط ، بل يمارسه بدرجة أو بأخرى معظم فئات الشعب ضد بعضها البعض وضد الأفراد الذين يظهرون إختلافهم وتفردهم ، فقمع الحريات وكبتها هو جزء من الثقافة العامة السائدة ، وانا هنا لا أمارس فعل الهجاء تجاه وطنى الذى ولدت على أرضه ، بل أصف واقعا مريرا عانيته طوال الفترة التى عشتها داخل حدود هذا الوطن متعلقا بالأمل فى أن يتغير كل شىء نحو ما هو أفضل .
إستغرق الأمر وقتا طويلا حتى عبور حاجز الجوازات ، فالطائرة التى قدمت لتوها من القاهرة كانت تحمل على متنها عددا لا بأس به من المصريين ، ولا أعرف إن كان ضباط الجوازات هنا يدققون فى فحص هويات ووثائق سفر جميع القادمين من خارج أوروبا أم أن الأمر يقتصر على مواطنى دول الشرق الأوسط ، على كل الأحوال فإننى أرى أن من حق كل دولة إتخاذ كافة الوسائل والإجراءات الإحترازية لحماية أمن حدودها ، ولكنى فى ذات الوقت أرفض التمييز فى المعاملة بين مواطنى دولة وأخرى ، خاصة أننى لا أزال أذكر كيف كان يتم تفتيش ذوى الأصول العربية وهم يغادرون مطار عاصمة ليتوانيا " فيلنيوس " بشكل مختلف عن بقية المسافرين ، فقد كان يطلب منهم خلع أحذيتهم عند حاجز التفتيش بينما لم يكن يطلب ذالك من بقية المسافرين ، يشغلنى دائما التفكير فى هذه الأمور المتعلقة بشبهتى العنصرية والتمييز ، لا غرو فى ذالك فقد دفعت ثمنا غاليا فى وطنى جراء معارضتى لهاتين الآفتين اللتين تستندان أحيانا على أسس دينية أو إجتماعية .
انتظرت فى المطار قرابة ساعتين قبل حلول موعد الطائرة المتجهة الى مطار كراكوف حيث وجهتى الأخيرة ، قضيت الوقت فى ارسال رسائل لأصدقائى عبر الإنترنت أطمئنهم من خلالها على وصولى بسلام الى بولندا ، كان آخر ما أتوقعه أن أجد راكبا مصريا بجوارى فى رحلة داخلية ببولندا ، ولسوء حظى جلس بجوارى راكب مصرى ثرثار ، حاول أن يتحدث كثيرا وحاولت بتر الحديث من المنتصف ، ولم أنجح إلا عندما وصلت الطائرة لمطار كراكوف .
بدأت أستكشف معالم المدينة فى اليوم التالى ، وسط المدينة يغلب على مبانيه الطابع الأثرى التاريخى ، لا أعرف على وجه التحديد سببا لغرامى بكل ما هو تاريخى وقديم ، كنت دائما أجد متعتى فى زيارة المناطق الأثرية ومتاحف الآثار منذ صغرى ، وكانت شغفى بقراءة التاريخ لا حدود له ، دائما ما يبهرنى بقاء الطابع المعمارى لبعض المدن على حاله لمئات السنين ، وأحزن بشدة عندما أجد فى بلادى بعض الهمج أعداء الحضارة ينهالون بمعاولهم هدما لبعض المنازل التاريخية كى يقيموا على انقاضها تلك الكتل الخرسانية الصماء التى أوشكت أن تحجب ضوء الشمس عن الشوارع والبيوت ، كنت أشعر بالحزن الشديد كلما مررت بجوار تلك الكتلة الخرسانية الشاهقة المطلة على نيل القاهرة فى منطقة الزمالك والمعروفة بفندق "أم كلثوم" ، هذا المكان الذى شهد جريمة بشعة فى منتصف سبعينيات القرن الماضى عندما أقدم ورثة هذه المطربة العظيمة على هدم فيلتها بعد أشهر من وفاتها خوفا من أن تضمها الدولة إلى الآُثار لكونها تخص واحدة من علامات الغناء والطرب فى مصر والعالم كله .
لا أعرف لماذا كلما توجهت الى مكان فى تلك المدينة تنتنابنى تلك الشجون وأجد نفسى مضطرا لعقد مقارنة بين ما اجده هنا وما عشته طوال سنوات حياتى الماضية تخرج بلدى فى نهاية المطاف خاسرة ، لم تستثنى مقارناتى أى شىء ، شملت البشر والحجر والحيوانات ووسائل المواصلات بل حتى أساليب بناء وتصميم المنازل بل والألوان السائدة ! .
كلما ذهبت الى مكان وجدت تلك المقارنات تعقد داخل رأسى ، دون أن أتمكن من تجاوزها أو التفكير فقط فيما اعايشه هنا ، أذكر عندما تعودت إستخدام خط الباص الداخلى فى تنقلاتى داخل المدينة ، عقدت مقارنة بين سلوك الناس هنا داخل وسائل المواصلات العامة وما يحدث فى مصر ، والجمتنى الصدمة ، هنا يحجز الركاب تذاكرهم بأنفسهم من ماكينات مخصصة لذالك على محطات الباص وداخل الباص نفسه، ولا يتأكد أحد بعد ذالك مما إذا كانوا قد قاموا بشراء التذاكر أم لا ورغم ذالك تجدهم مزدحمين أمام تلك الماكينات حرصاعلى شراء التذاكر رغم أن لا أحد سيطالبهم بها فيما بعد فى الغالب ، ما صدمنى هو أننى تخيلت هذا النظام فى المواصلات العامة بمصر ، وتخيلت حجم الخسارة التى ستلحق بالشركة التى ستقوم بتشغيل هذه الباصات ، ببساطة لأن الكثيرين فى بلادى يميلون الى التهرب من اى التزامات عامة وعندما لا يجدون رقيبا عليهم يسيئون التصرف ، أتسائل دائما عن هذا الفارق الذى يجعل هؤلاء حريصين تماما على الإلتزام فى غياب اى رقيب فى مقابل من يحتاجون الى رقيب لتقويم سلوكهم .. آلمنى كثيرا التفكير فى الأمر .
مقارناتى تلك لم تغفل شيئا على الإطلاق ، حتى الطيور والحيوانات وجدت سلوكها مختلف ، عندما كنت أذهب الى ساحة ميدان السوق الرئيسى فى المدينة ، كنت أجد الحمام واقفا على الأرض فى سلام غير عابىء بمن يتحركون حوله جيئة وذهابا ، وتذكرت الطيور فى بلادى التى لا نستطيع أن نراها سوى وهى طائرة فى الجو أو أسيرة داخل الأقفاص فى المنازل والمحلات وحدائق الحيوان ، الطيور هنا تشعر بالأمان لأن سلوك الناس مختلف عن نظرائهم فى بلادى ، فى بلادى يتعامل الناس بقسوة مع الحيوانات والطيور التى تضطر الى الهرب منهم أو الدفاع عن نفسها ومهاجمتهم أو انتهاج سلوك عدائى تجاه الجميع ، سلوك البشر فى أى مكان نابع من خلفياتهم الثقافية ، وفى بلادى تسود ثقافة القمع والكبت والقهر ، عندما يشعر الإنسان بأن هناك من يتحكم به ويحصى عليه أنفاسه يحاول أن ينفث عن ذالك فى التعدى على من هو أضعف منه ، وتصبح الكائنات الأضعف كالأطفال والحيوانات والطيور هى الضحية التى تفقد الشعور بالأمان وتهرب عندما يقترب منها أى إنسان أو تهاجمه كرد فعل أو سلوك مكتسب من تلك البيئة المغلفة بالكراهية والعداء لكل شىء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقا, اختلاف يدعو الى التأمل
بشارة خليل قـ ( 2012 / 3 / 2 - 23:11 )
كان اول ما لفت نظري عندما وصلت الى اوربا منذ عقود هو تصرفات القطط والكلاب فهي لا تخاف ولا تهرب فزعة من البشر بل تراها واثقة الخطوة تمشي ملكا.ولا يتنازع الكلاب والقطط فيما بينهم بينما في بلادنا تنشب حروب طاحنة بينها خاصة عند اكوام النفايات عادة ما يخسرها القطط التي يستشهد بعضها في سبيل لقمة الزبالة واخر تراها تجر اذيال الهزيمة مخضبة بدمائها وليس من مغيث او بغبغان عاقل حكيم يحقن الدماء ويؤلف بينها
لكن الغريب ان الغش وعدم الامانة في بلادنا إزداد طردا مع مظاهر التدين وطول اللحى وعدد المحجبات ناهيك عن الكذب والغدر والقسوة واهم من هذا كله الانانية وبرغم غياب المباديء تراهم يرمون الاخرين بالانحلال وغياب المباديء
سلامي للكاتب واهلا بك في الشتات,ولا تاسف على وطن لم تعد تسكن فيه لانه هناك ساكن فيك ولن ينتزعه احد من داخلك
رغم حبي للمطبخ الايطالى الا اني البارحة بعد العشاء قمت بجولة على الانترنت حول الاطباق العربية من كوارع(مقادم بالسوري) ولحمة الراس الى الممبار(الفوارغ الفلسطينية) والرقاق باللحم والفطائر بالسبانخ الى ان احسست بالجوع وقمت بغزوة على بني مطبخ وغنمت ما غنمت من الاطايب داخل الثلاج

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م