الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 7) ه- أطباء الحضارة والتيه في الحلم الحضاري

محمد قرافلي

2012 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ه-أطباء الحضارة والتيه في الحلم الحضاري
هكذا راجت الأرض وعلا صفاء سماء الشرق دخان بركاني كثيف لم يعهده الإنسان الشرقي وتاهت أحلامهم في صحراء الشرق وضاقت بهم الأرض بما رحبت وقطعت أكبادهم الحيرة مما أدى إلى اضطراب قاموس أطباء الحضارة وتطايرت بينهم الألقاب والتسميات، منهم من سمى نفسه واصلا ومتصلا بروح الحضارة وخصوصية حلمها والأخر اعتبر منفصلا انفصاليا عن تلك الروح وواصلا ووصوليا لحلم حضارة مظفرة ما يفتأ يخطف افقها بصره، وبعضهم مضى بين الاثنين جدليا تارة نازلا وأخرى صاعدا، أصوليا بالنهار وحداثيا ليلا أو العكس، والأخر لا ادريا لا إلى أهل الانفصال ولا لأهل الاتصال ولا لأهل التوفيق والتلفيق وربما في ظل استمرار رحلة التيه سنسمع مستقبلا بملل ونحل تفوق مدونات الملل والنحل التراثية تختلف باختلاف الألوان كالخضر والسمر والحمر، وباختلاف الجنس كالذكورين والأنثويين، وباختلاف أحلام الأندية والفرق كالبرساويين والمدريديين وتكتلهم تحت لواءات، أو بحسب اللباس وموضة الغناء كالهيبهوبيين........ أو باختلاف الانتماءات الدينية كاليسوعيين الجدد والمسويين الأحرار والوهابيين الأبرار والإخوان البنيين والقطبيين الأفذاذ وباختلاف الصيحات الفلسفية كالابيقوريين والرواقيين والنتشويين واليوغيين(نسبة إلى اليوغا) أو كائنات افتراضية كالفيسبوكيين والتويتريين........ أو باختلاف الغداء مثل النباتيين واللحميين والسمكيين.....وبحسب الحلم بالسكن كالقصديريين والقصبيين والبلاستيكيين والاسمنتين والترابيين والورقيين والمعششين والقبوريين والمغاورين والبرجيين ....كل بحسب حلمه ووفق رؤاه فالأذواق لا تناقش، وكل شئ في عالمها مستباح ومتاح. الأمر الذي يؤدي إلى تهافت الحلم الحضاري ويفتح الباب على مصراعيه أمام مدونات جديدة للحلم قد تحتاج البشرية إلى جهود أطباء الحضارة وسابري الأعماق(علماء الباطن) ليس فقط قصد تشخيصها وتمحيصها بل الأهم من ذلك تطهيرها وترسيخها وان اقتضى الأمر الانعتاق والتخلص منها.
انتهت قرون التشخيص وخرجت جماعة الأطباء من غرفة العمليات تعلو وجوههم الصدمة وتملا محياهم آثار الدهشة والاستغراب لا يلتفتون إلى بعضهم البعض ولا يتفاوضون حول ما سيقدمونه للجموع المنتظرة والمتلهفة لمعرفة أحوال حلمهم وحاله، لم ينطقوا بأية كلمة ومضوا في اتجاه الريح كل واحد يهمس إلى ظله، يحتاج هذا الحلم إلى روح رشدية (نسبة لابن رشد) تبعث الروح في قصور الحمراء وتحرك جامعات قرطبة ومن هناك تمتد إلى أوربا وبقية العالم همس الأول، والآخر في خشوع وإجلال نحتاج إلى روح غزالية( نسبة لأبي حامد الغزالي) تعيد إحياء علوم الدين والدنيا وتربط المشرق بالمغرب وتوجه البشرية نحو قبلة واحدة، وثالث تلزمنا روح ثورية الحسن البصري وأبو موسى الأشعري حتى نخطف اللقمة من فم الأسد ونقطع دابر الفقر وتتحقق العدالة الاجتماعية، ورابع ابتسم وهمس ما في الجبة وما تحتها إلا كأسا وخصرا وصفرا، وخامس تفل ولعن ودار حول ظله وركض جهة الغرب ولم يلتفت وراءه ، وسادس...، وسابع...........، وثامن........... وتاسع..............
إلا أن الناظر المتروي لا ينساق وراء هذا المناخ العام الذي يبعت على اليأس ويرسخ مشهدا مأساويا مادام الواقع أعمق من ذلك وان مهمة أطباء الحضارة هي من التعقيد والالتباس قد تتجاوز سلطان أهل الطب وعالم ممارستهم المخبرية. شتان بين عالم الممارسة الطبية الذي ترسمت حدوده و وتحددت قواعده وأدبياته وأخلاقياته واحتوته السياسة الاقتصادية وحولته إلى مؤسسات عابرة للقارات والى جامعات للترويج والتسويق وتقف خلفه إرادات وقوى، وبين عالم أطباء الحضارة وان اشتركوا في التسمية- ويرجع لهم الفضل في تأسيس الطب- فان مكر التاريخ قد انتزع البساط من تحتهم ولفت عالمهم الأسرار والطابوهات. فلا غرابة أن تهافت الناس على صالونات الأطباء وبالمقابل عزفوا عن ساحات أطباء الحضارة وقد يصير الأمر إلى حد تسفيه أحلامهم والتنكيل بهم والتواطؤ لإقبار أحلامهم . يعزي البعض الأمر إلى مناخ التلبيس الذي يعم الأرض وسياسة خلط الأوراق التي تكرس وتسوق العماء حتى لا يمكن التمييز بين الدجال والسياسي بين المشعوذ والطبيب بين أمراض الجسد وأمراض الحضارة، بين الطبيب الخاص والطبيب الكوني، بين المعترف به والذي ينتزع منه الاعتراف.
وتلك لعمري من أهم المفارقات التي لازمت أطباء الحضارة خاصة من تجرد منهم لتلك المهمة المستحيلة ورهنوا وجودهم لحلم اعتبروه حلم الأحلام، وحلما حضاريا بحيث ما تلبث أن تتنكر الحضارة لأحلامهم، منهم من افترست حضارته حلمه والتهمته في أزهى فترات عمره، حصل ذلك مع القديسين والملهمين وتاريخ الحضارة يكشف عن ذلك البعد التراجيدي، حصل ايضا مع الفلاسفة والعلماء، منهم من تجرع السم بتهمة تسفيه أحلام المدينة ونصبت له محاكمة عادلة وفي الأخير اعترافا بحلمه دونت الحضارة اسمه في لائحة شهداء الحقيقة (سقراط)، ومنهم من حاكمته باسم الإله وإرادته وأحرقته تطهيرا واعترافا ( جيوردانو برونو) ومنهم من كانت رحيمة معه وحكمت عليه بالتيه في الأرض وتجريده من هويته والحكم عليه بالجنون.........والبعض منهم رمتهم في غياهب البئر ومع الأسف لم تمر قافلة عابرة لتنقدهم وتبعت حلمهم من ظلمات الجب وتجعله يشرق مثل حلم يوسف.
قد يحتاج حلم أطباء الحضارة إلى قوة خارقة لكي تصير أحلامهم شمسا تنير الكواكب. كما يحتاج إلى التأييد ليس من داخل الحضارة بعدما تبت تنكرها لأحلام أطبائها وان احتفائها بأحلامهم ليس عربون اعتراف بحلمهم وتثمينا لانجازاتهم وإحياءا لذلك الحلم وإنما بدافع تلميع صورتها وبغية التنكر من مسؤولياتها وتبرئة لذمتها من ماسيها وإخفاء لجرائمها ورغبة في تجديد شبابها. فلا نستغرب أن مسخت الحضارة تلك الأحلام وحولتها مناسبة للاحتفالية والبهرجة والتسويق. هل من الممكن أن يسقط أطباء الحضارة ضحية خداع الحلم الحضاري ؟ وإذا ترسخ أن تاريخ الحضارة وأحلامها هو تاريخ تشويه ومسخ لتاريخ أحلام أطباء الحضارة فكيف يمكن إعادة بناء تلك العلاقة أو قلبها؟ ومن يقدر على ذلك؟ أم أن منطق الأحلام لا منطق له مثل الحضارات وان كل انبعاث لحلم آجلا أم عاجلا تطويه الاحتفائية وان الحضارة مثل عاهرة متقلبة ولا تعترف إلا بحلمها وأوهامها ولا تحتفي إلا بذاتها؟
تبدو المهام أصعب من الانتظارات وان الحلم يحتاج إلى تنازلات جسيمة وحسابات معقدة، منها ما يرتبط بالحضارة وأوهامها وأحلامها ومنها ما يرتبط بأطباء الحضارة ورهاناتهم في علاقتهم بأحلامهم من جهة وفي مواجهتهم لأحلامهم وأوهامهم الحضارية من جهة ثانية كما يطال أيضا علاقاتهم بانتظارات عيون أبناء جلدتهم التي تتدافع في مختلف المحطات وتنتظر رحلة العبور إلى العالم الأخر والى السفر عبر حلم يراودهم وطال انتظاره ويسقونه بدمائهم...........

ها قد بسطت أمامك أحلامنا كما رأيناها فيك وكما همست لنا بها وبالكيفية التي حاول أن يرسمها لنا أهل العلم والعرفان، أطباء الحضارة، وأتمنى أن يحالفني التوفيق في نقلها كما أرادها أصحابها ولكن لا باس لو لم أتوفق في نقلها فمن طبيعة الأحلام أنها ضبابية ولا يدركها إلا الراسخون في العلم والتأويل، كما أني أعتذر إذا نسيت أو تناسيت بعض صناع الحلم خاصة الشعراء( فناني الأحلام ومبدعيها) وكذا السياسيين فهم يستحقون وقفة أعمق لأنهم يعتبروا دجالي الأحلام وماسخيها وسماسرتها ومروجيها. والآن بعدما اتضحت أمامك الصورة حان دورك كي تبشرينا بحلمك الموعود وتطفئين نار حيرتنا الحارقة وتغطي سوءاتنا وتنقذينا من رحلة التيه التي طال أمدها وأضحت قدرا ومكتوبا ونتمنى ألا تخذلينا لأننا لم نعد نحتمل المزيد من الخذلان في هذه اللحظة التاريخية.

يتبع..........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص