الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان من أجل القضاء /2

هايل نصر

2012 / 4 / 17
دراسات وابحاث قانونية


اشرنا في المقال السابق الى "بيان من اجل القضاء" صادر عن نادي العدالة والقضاء والأمن في فرنسا. اشترك في وضعه حقوقيون فرنسيون: قضاة, وأساتذة جامعيون, ومحامون, وموظفون سامون في الإدارة الفرنسية . ورأينا من المفيد تسجيل بعض ما اقترحه البيان فيما يعتقد بأنه يعزز استقلال القضاء الفرنسي.
لاغرابة أن يتابع الفرنسيون سير عدالتهم, وهي القضاء هنا, بالنقد والاقتراحات والدراسات والندوات والمحاضرات, والاقتراحات الهادفة لتحسين أدائها وفاعليتها, أليسوا في دولة القانون؟, دولة في حركة دائمة تجعل من أهدافها أن لا يهضم فيها حق ولا يضار إنسان, كما هو معلن على الأقل. اليس القانون هو التعبير عن الإرادة العامة, والذي يجب أن يكون واحدا في الحماية وواحدا في العقاب, كما نص عليه إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789؟, المرجع الأساسي الذي يعتز به الفرنسيون إلى يومنا هذا,
العدالة (القضاء) عندهم وضعية لا علاقة لها بالسماء, تُقوّم حين تنحرف, وتُحاسب حين تخطئ, وتُعدّل حسب تغير المعطيات وتطور المجتمعات. كلمة العدالة توصل إلى مفهومين, مفهوم أخلاقي يتضمن الفضيلة, وأخر يقود إلى السلطة الممنوحة للمؤسسة المنوط بها توليها. إدغام العدالة بالفضيلة يقتضي مجموعة قانونية (Code ) أخلاقية. أما العدالة في مؤسسة قضائية فتستوجب مجموعة قانونية code تُؤسّس على أحكامها وتمارس وظيفتها بمقتضاها.
يعترف الفرنسيون بأن عدالتهم تقوم بدورها, حسب إمكانياتها, وبان لها عندهم احترام, ولكن حسب استطلاعات الرأي فاحترام قضاتها يفوق احترامها كمؤسسة. وبان العيوب القليلة لتي تشوبها لا تعيب سير العدالة بمجملها, ولا تخرجها عن طبيعتها ونزاهتها.
ومع ذلك يعتبر الكثير منهم أنها رسميا تحتل في فرنسا درجة ليست من الصف الأول في النظام السياسي. فلم يُعترف بها سلطة حقيقية Pouvoir في دستور عام 1958, وإنما مجرد هيئة " Autorité . وهي مع ذلك في النظام العام تعتبر, ومنذ سنوات طويلة, سلطة فعلية, بفضل المقتضيات الاجتماعية الجديدة, وبفضل العمل القضائي نفسه.
وقبل التعرض لاستقلال القضاء والمقترحات التي قدمها النادي المذكور في بيانه المذكور, يُطرح السؤال التالي عن واقعنا على القارئ العربي ــ وهدفنا دائما القارئ العربي والواقع العربي ــ : بما ان العدالة (السلطة القضائية) قد كرستها الدساتير العربية وجعلتها سلطة, وليس هيئة, سلطة تقف إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية على قدم المساواة ودن عقد أو دونية, فهل هي فعلا كذلك؟. هل هي محصنة من تطاول باقي السلطات (السلطات المكرسة في الدستور ثلاثة ولكنها في الواقع, وفي غياب المفهوم القانوني والسياسي للسلطة , أصبحت لا تعني غير التعسف و التسلط. فأصبحت على سبيل المثال المخابرات بأنواعها سلطة, وان كان غير منصوص عليها في الدساتير, ولكنها تملك كل امتيازات السلطة العامة وتتعداها لتصبح تعسفا و تسلطا. ورجال الأعمال ومراكز القوى سلطات تعسف وتسلط. والمسؤولون الحزبيون سلطات تعسف وتسلط. والعائلة الحاكمة قمة السلطة والتعسف والتسلط), وعليه, فأية مكانة, والحال هذا, يبقى لهذه "السلطة" القضائية, من امتيازات السلطة, وفي نفوس المتقاضين وعموم المواطنين؟. و أية استقلالية يمكن أن تتمتع بها. واية نزاهة يمكن ان تدعيها؟. لا نعتقد أن المواطن العربي بحاجة لعميق تفكير ليجيب على مثل هذه التساؤلات. ( لقد بلغ الاستخفاف بالقضاء والقضاة عند العامة إلى القول الشائع عندهم: "ما يعرفه القاضي يعرفه راعي البقر (العجال)). يا للتخصص, ويا للمهنية!!!.
بالعودة للموضوع, بعد هذه الأسئلة, التي هي في مجموعها سؤال واحد يسبقه جوابه, يمكن القول أن مهمة القضاء, أولا, ضمان وحماية حقوق المواطنين وإعطاء القوة لهذه الحقوق . والمؤسسة القضائية, هي في قلب التناقضات التي تعبر المجتمع والتي يعيشها. وعليه لا بد لها من حماية نفسها من التأثيرات المباشرة .
لكسب ثقة المواطنين على قضاته إعلاء القيم التي تقوم عليها العدالة واولها الاستقلال الذي تنحدر منه النزاهة, فوق كل شيء.
يصدر استقلال القضاء عن طريقة تعيين القضاة, دون ترك أي مجال للتعسف, للمجاملات, وللعلاقات الخاصة, وللصداقات, أو للقرابة . المعيار الوحيد الذي يجب أن يؤخذ به هنا هو الكفاءة.
كما أن طرق بناء القضاة وتربيتهم على ثقافة الاستقلال والنزاهة, والقيم الديمقراطية, والحريات الأساسية وحقوق الإنسان, إلى جانب التكوين المهني المتين, هي شروط أساسية في استقلال القاضي ونزاهته وإدراكه للمسؤولية الكبيرة التي تقع عليه فيما يتعلق بحياته المهنية والشخصية.
ومن المقترحات الأساسية التي يقدمها "بيان أجل القضاء" والهادفة لاستقلال القضاء:
"1 ـ تسمية أعضاء المجلس الدستوري, بناء على اقتراح من اللجان القانونية, من قبل غرفتي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) بغالبية الثلثين في كل غرفة.
2 ـ إلغاء علاقة التسلسل الوظيفي, بين وزارة العدل والنيابة العامة, في متابعة وقيادة الدعاوى ذات الطبيعة الخاصة, مع الاحتفاظ بها فيما يتعلق بقيادة السياسة الجزائية.
3 ـ تسمية الأعضاء, غير القضاة المهنيين, في المجلس الأعلى للقضاء, بناء على اقتراح اللجان القانونية, من قبل البرلمان بأغلبية الثلثين في كل غرفة.
4 ـ منح المجلس الأعلى للقضاء اختصاص تسمية قضاة الحكم magistrats du siège.
5 ـ تسمية مجموع قضاة النيابة بناء على اقتراح وزير العدل, ورأي مطابق صادر عن وجلس القضاء.
6 ـ ربط التفتيش العام للمصالح القضائية بمجلس القضاء الأعلى.
7 ـ الحصول من أعضاء مجلس القضاء الأعلى على تصريح يتعلق بمجموع ممتلكاتهم المادية.
8 ـ منع منح أوسمة تقدير للقاضي بصدد قيامه بمهام وظيفته القضائية.
9 ـ التحريم على وكلاء الجمهورية ( Procureur de la République ) إرسال أي من أوراق الدعوى لمرؤوسيهم في قضية لم تزل موضوع النظر. أو إرسال الشرطة القضائية أي من أوراق القضية التي لا تزال موضوع البحث, إلى وزير الداخلية.
10 ـ الحفاظ على نزاهة محققي الشرطة القضائية بوضعهم, حصرا , تحت السلطة المهنية لوكلاء الجمهورية, أو لقضاة التحقيق عندما يقوم هؤلاء بقيادة التحقيقات القضائية.
11ـ إنشاء 10 مراكز جامعية متخصصة مكلفة بالإعداد العام لمسابقات الدخول للمعهد الوطني للقضاء, مع منح مالية خاصة للطلاب غير المقتدرين ماديا.
12ـ إدخال مواطنين عاديين كمساعدين في محاكم الجنح, وفي قضاء تطبيق العقوبات, و القضاء المدني في القضايا غير المعقدة قانونيا أو تكنيكيا.
13ـ إنشاء لجان جهوية متخصصة في أدبيات المهنة déontologie لمساعدة القضاة على حل المسائل ذات الطبيعة الأخلاقية.
14 ـ السماح للجمعيات المدنية الكبرى بتحريك الدعوى العامة, فيما يتعلق بملاحقة المشتبه بهم في الجنايات ذات الطابع الدولي. ( Manifeste pour la justice, P.66 – 68)."
الاطلاع على تجارب الآخرين في القضاء المستقر, والذي قطع شوطا كبيرا في تحقيق العدالة بمفهومها القيمي والمؤسساتي في الدولة الديمقراطية , نراه ضرورة تساعد الدولة العربية التي تريد دخول العصر وتأخذ بمفاهيمه, خاصة وانه , في مجال القضاء, لا يوجد لدينا ارث نظري أو عملي يعتد به لبناء القضاء والقضاة في الدولة الجديدة التي ضحىت شعوبنا تضحيات غير مسبوقة في التاريخ الحديث, حالمة بأن تكون دولة سيادة القانون, ديمقراطية التنظيم شكلا وجوهرا, تقوم على المؤسسات وفصل السلطات. ويكون القضاء فيها حام فعال وضامن نزيه للحريات الأساسية وحقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نداء عاجل
mohamedchouakri ( 2012 / 4 / 21 - 00:48 )
سلام عليكم نداء عاجل :أنا محمد شواقري أب لي ستة أطفال إنني أطلب من الحكومة الجزائرية ومن جميع منظماة حقوق الإنسان المتخصصة في مكافحة الجريمة المنظمة بأن يرفعو دعاوى قظائية ضد منظمة إجرامية متكونة من قظاة ومحامون وعدد كثير من الدكاترة وشرطة متخصصون في تجارة أعظاء البشر والقتل العمدي والتعذيب لي إمرأة حامل وقتل جنينين وخلع قلبها وبتر ساقها وتعذيبها وتعذيب ولدها وترك عاهة مستديمة له ولم يسمحو لي بزيارتها إلا مرة واحدة والأن الظحية موجودة في المستشفىالجامعي بي أليكانتي وعندما طالبت إستلام الجثة رفظو وأنكرو أنها موجودة وإتصلوبي حراس المستشفى وأخرجوني بي القوة فإتجهت مباشرة إلى مركز الشرطة لى أبلغ على الجريمة فطردوني وحذروني بأن لاأعود إليهم وهذا كله بسبب تواطؤ المحكمة العليا الإسبانية معهم ثم إتجهت لي سفارة جزائرية لإبلاغهم بي الحادث فإتصلت القنصلية بي المستشفى وردو عليها بأنها ميتة منذ أسبوع وأنا زوجها لاعلم لي ولي هذا أناشد منظمات حقوق الانسان بي التدخل فورا لي إنقاذ حياتي أنا وأولادي من جرائم مؤكدة كلقتل والتعذيب وإرتكاب جرائم ضذ الانسانية أو الزج بي في السجن أو أي حادث فإني أحمل ال

اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة