الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو...

خالد صبيح

2012 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



روى المناضل الوطني العريق زكي خيري في مذكراته انه كان قد شارك في عام 1928،وكان في السابعة عشر من عمره، في مظاهرة جماهيرية تضامنا مع الشعب الفلسطيني تندد بقدوم السير (الفريد موند) احد دعاة الحركة الصهيونية الى بغداد. واثناء المظاهرة هاجمتهم في نقطة ما قوة من خيالة الشرطة بقيادة رئيس شرطة بغداد، وقد تسبب حصان رئيس الشرطة بكسر كتف الفتى زكي خيري مما اضطره لترك المظاهرة بسبب الالم، وفي طريق عودته التقى مفوضا للشرطة اسمه (عبدالقادر دولمة) كان زميلا قديما له في المدرسة فاخبره عما حل به:
ـ ان مدير شرطتكم قد كسر كتفي.

فوجهه المفوض الى مركز شرطة قريب ليرفع فيه دعوى ضد مدير شرطة بغداد. وفعل خيري ذلك بدون تردد. وحين علم مدير الشرطة غضب وارسل بطلب الفتى زكي في الليل مع ثلة من الشرطة ومختار المحلة. طردهم عمه بصوته الجهوري من غير ان يفتح لهم الباب، لكنهم عادوا بعد بضع ساعات، بعدما سكر العم ونام نومة ثقيلة، فاضطر زكي خيري، بالحاح من والدته، للذهاب معهم، وعرف في الصباح ان في الموقف هناك ايضا بضع اشخاص من رفاق المظاهرة منهم حسين جميل القائد الوطني المعروف لاحقا. وفي الصباح ايضا جاء مدير الشرطة الى الموقف ليتفقد الموقوفين ويرى الفتى الذي اشتكاه. سأل الموقوفين عن حالهم، فتجاهلوه بالصمت. غضب وخرج بعد ان كرر السؤال وتلقى نفس الجواب. وفي المساء أطلق سراح زكي خيري بكفالة.

بسبب نفس المظاهرة ذُكر (في مصدر اخر) ان الملك فيصل الاول، وبضغط من سلطة الانتداب البريطانية، كان قد فصل، على خلفية الحدث، مجموعة من المعلمين والتلاميذ ( بينهم الشاعر الغنائي المعروف سيف الدين ولائي)، لكنه اعادهم للعمل والدراسة بعد اسبوعين. وحين احتج الانكليز ضحك وقال:

ـ ماذا تريدون اكثر، لقد عاقبتهم.

اكيد ان ابناء الاجيال المتاخرة يذكرون جيدا ويعرفون ان اي شرطي محلي، ناهيك عن شرطي الامن، منذ الخمسينات الى يومنا هذا، قادر ان يهين ويجرجر اي شخص لايروق له سلوكه الى السجن او التوقيف، بحق وبغير حق. ولاداعي لان نتطرق للممارسات الفضة وطرق التعامل القرقوشية التي طغت زمن البعث، مثلا (اهانة وضرب ضباط شرطة المرور من قبل حماية علي حسن المجيد وباشرافه الشخصي، كما ظهر في فلم الفديو المسجل للحادث، لانهم اوقفوا موكبه ليمر موكب عدي صدام حسين!!).

مرة اخرى مع زكي خيري ومذكراته فقد ذكر في موضع اخر ان الشيوعيين السوريين قد دهشوا من قسوة الحكم بالسجن سنة وسنتين على خيري ومجموعة اخرى في عام 1935 لنشاطهم السياسي. لانها بنظرهم كانت احكاما قاسية. بينما دهش خيري وجماعته للاحكام القاسية التي اصدرها شاه ايران على القادة الشيوعيين هناك، تقي ارائي ورفاقه، بالسجن عشر وعشرين سنة.

ماالذي الت اليه اوضاع المعارضين السياسيين، بعد سنوات، في هذه البلدان الثلاثة؟.

لاحقا سيمارس النظام الملكي الاستبداد ويزداد قسوة في معاقبته لخصومه السياسيين. بيد ان قسوة وانفلات وهمجية العهود اللاحقة وخصوصا عهد البعث جعلت قسوة النظام الملكي واستبداده السياسي يبدوان وكانهما واحة للديمقراطية وفردوس للحرية.

اتساءل:

ماالذي جعل مدير شرطة بغداد يحجم عن معاقبة فتى اساء له بحسب اعراف ومقاييس ذاك الزمن عقوبة عنيفة وقاسية؟. يومها لم يكن العراق، كحاله طوال تاريخه المعاصر، دولة قانون ولا فيه نظام ديمقراطي. بل العكس فقد كان خارجا للتو من بطن الدولة التركية القاسية والبيروقراطية والمتخلفة، وكانت الاعراف الارستقراطية، بما تفرضه من شروط تراتبية متعالية لقيمة الانسان، شائعة ومتحكمة في المجتمع، أي ان المجتمع، العراقي كعهده دائما، منقسم الى خاصة وعامة، ولم يكن زكي خيري من ابناء الخاصة، الذوات، بل كان فقيرا من ابناء طبقة وسطى ماتزال تحبوا وتتعثر بخطاها وهي في طور التشكل. فهل كان ذلك بسبب خصلة، مرت مرورا عابرا، لدى النظام السياسي بعمومه، وتسربت بعد ذاك بخفة ليحل محلها التجهم والقسوة والاستهتار؟. هل كان بسبب صفة شخصية لمدير شرطة بغداد نفسه؟!!.

اين يمكن ان نعثر على اجابة؟ّ!!!.

هل نعود الى السؤال التاريخي عن دور الفرد في التاريخ؟.

ومن دون (التورط) والخوض في متاهات نظرية عن دور الصدفة والفرد في التاريخ
اتساءل:

ماذا كان يحدث لو ان ضابط المرور الذي لاحق صدام حسين، بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال عيدالكريم قاسم في شارع الرشيد عام 1959، واطلق عليه النار واصابه بساقه، حسب الرواية الرسمية لنظام صدام حسين التي صاغها روائيا عيدالامير معلة في رواية الايام الطويلة، اقول كيف كان سيكون عليه شكل تطور العراق او مصيره لو ان هذا الضابط قد اجاد التصويب لحظتها ونجح في قتل صدام حسين؟.

كيف كان سيكون عليه مصير العراق ونخيله اللذين دمرتهما رعونة ومطامح صدام حسين المخبولة؟.

وماذا كان يمكن ان يكون عليه مسار الاحداث ومصير العراق لو ان صدام حسين وجماعته كانوا قد نجحوا حينذاك في قتل عيدالكريم قاسم في محاولتهم الفاشلة تلك؟.

وماذا كان يمكن ان يكون عليه مصير العراق وايران والمنطقة برمتها لو ان الشاه (محمد بهلوي) لم يرضخ لضغوط الحوزات الدينية ونفذ حكم الاعدام بالخميني بدل نفيه الى النجف، ليعود بعد سنوات ويسقط حكم الشاه وتشتعل الحروب والتوترات والمد الاسلاموي في المنطقة؟.
والسؤال الاهم لماذا لم تتحقق كل هذه الاحتمالات - المصادفات الجميلة والضرورية؟!!.
ولماذا تضافرت كل هذه الوقائع المشؤومة لتخلق مصيرا عراقيا ماساويا وكالحا.
هل هو حظ العراق والعراقيين العاثر... ام....؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إشكالية الصدفة والضرورة
حميد خنجي ( 2012 / 6 / 11 - 23:48 )
وأنا أتساءل معك يا أخي الكريم؛ ماذا لو عاش لينين عشر سنوات لاحقة أخرى من عمره ؟! ومئات، بل ألوف من الاسئلة التابعة لباب التمنيات الجميلة، التي لو يمت اصحابها (كقادة) لكانت بالطبع سيرورة التطور اللآحق ستكون غير ما عرفناه وقد تكون أفضل بشكلٍ ملحوظ ! إلا أن محصلة التطور- بتقديري-لا تفرق كثيرا أو قليلاً في عمر الزمن! صحيح أن المرء يتساءل بحسرة؛ لماذا في الملمات والمنعطفات التاريخية المصيرية يسقط -الفارس- عادة قبل الأوان؟! سؤال صعب! وفلسفيا عبارة عن تجليات -الصدفة والضرورة-والعلاقة االجدلية بينهما، وهي برايي من أكبر الإشكاليات التي لا تبرح تفكيري ولا أجد لها بعد جوابا علميا شافيا! ربما تنقصني أو ينقصنا المعرفة النظرية المطلوبة لسبر أغوار هذه الفرضية الإشكالية!؟
قالت لي يوما- وأنا في مقتبل عمري-إحدى الروسيات الجميلات، وكلانا نتمشي معا: هبّ أنك وصلت إلى مفترق الطريق، اتدري أن مصيرحياتك قد يختلف كليا لو اتجهت يمنة بدل يسرة؟!؟
شكراً على إثارتك لهذه المسألة الفلسفية، التي قد تحفز عقولنا للتفكير والإبداع، الأمر الذي قد يمهد لإنتاج فكرغير نمطي، وهذا بدوره قد يفضي إلى إنتاج ألمعية غير إعتيادية


2 - العزيز حميد خنجي
خالد صبيح ( 2012 / 6 / 12 - 18:00 )
ماقلته صحيح تماما ولو اننا واصلنا تاملاتنا في مااذا لو.. لما انتهينا من الامنيات والاف التساؤلات.. لكن مادفعني لتساؤلاتي هو كم المرارة الذي نجترعه نحن العراقيين من توقف صدفة معينة(كالتي ذكرتها فوق) عن ان تحول حياتنا الى حياة، صرنا لانطمح لاكثر من ان تكون حياة عادية مثل حيوات الاخرين..
امنياتي الطيبة لك واتمنى لك النجاح في مسيرة البحث عن اجابات لاسئلة الفكر والحياة المعقدة والمسلية معا..

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م