الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة محمد رشيد بداية مشجعة

مهند عبد الحميد

2012 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



الحكم غيابياً بالسجن والغرامة على رجل الأعمال رئيس صندوق الاستثمار سابقاً محمد رشيد (خالد اسلام) أثلج صدور الكثيرين، وأعاد الاعتبار للحق العام، وأعطى جرعة كبيرة من الثقة بمشروع مكافحة الفساد وبإمكانية فتح الملفات المغلقة منذ زمن طويل، ومحاكمة المتهمين بالفساد الذين ألحقوا ضرراً فادحاً بالمواطنين وبالقضية الوطنية. الفساد لا يسقط بالتقادم كما تقول كل قوانين وأنظمة مكافحة الفساد، ومحاكمة رشيد دليل ملموس على ذلك، ووجود 35 ملفاً مقدمة من هيئة مكافحة الفساد إلى محكمة جرائم الفساد، واسترداد أراضي الدولة من الذين سطوا عليها في الضفة الغربية كما أعلن عن ذلك رفيق النتشة رئيس هيئة مكافحة الفساد. كل ذلك يؤكد أن ثمة بداية مشجعة لمعالجة وباء الفساد الذي يهدد مناعة المجتمع، ويساعد على تدمير نسيجه الاجتماعي وبنيته ومنظومة قيمه الأخلاقية، ويقوض ثقته بمشروعه التحرري وحكم نفسه بنفسه.
أثارت محاكمة رشيد جدلاً واسعاً، وبخاصة أنها جاءت بعد أربع حلقات تلفزيونية لمع فيها نجم رشيد على فضائية العربية، وبدا كلاعب سياسي يتقن فن التمثيل، وكأنه أراد أن "يبيض" ذاتيته السوداء استباقاً للحكم. في تلك المقابلات قدم رشيد نفسه كقائد سياسي "في ثياب الواعظين"، تحدث كظل للرئيس الراحل، ولم يكن هذا بلا مغزى. غير ان صدور الحكم عليه جاء ليقول له انتهى الدرس يا شاطر.
رشيد من بين كبار الفاسدين الذي جوبه بحكم صارم لا لبس فيه، هل هذا يعني أن ثمة متهمين بمستواه قادمون للامتثال أمام المحكمة حضوراً او غياباً؟ أم أن رشيد قدم ككبش فداء لحماية إخوانه المتهمين وهم كثر. البعض ينحاز لهذه الرواية وينطلق من حقيقة ان رشيد لا يملك قبيلة تدافع عنه، ويفتقد لمجموعات من المنتفعين بأمواله ومشاريعه. خلافاً للآخرين الذين يملكون شبكات حماية من المنتفعين. في كل الاحوال إن محاكمة احد المتهمين من الحلقة الأولى شيء إيجابي ومريح ومشجع. لأن الحكم بالسجن 15 عاماً بالاشغال الشاقة غيابياً وتغريمه بـ 15 مليون دولار يعد عقوبة رادعة للآخرين. إن اكثرية المستطلعين 57% حسب (أمان ) يرون أن العقوبات غير الرادعة تشجع على الفساد، و26% يعتقدون بعدم جدوى التبليغ عن حالات فساد. هذه النتيجة السلبية ستتغير ايجاباً بعد محاكمة رشيد وستتلاشى إذا ما جرت محاكمة آخرين بوزن رشيد وأعلى منه.
إذا كنا أمام معالجة جدية للفساد، هذا يعيدنا للسياسات التي تنتج الفساد، ويعيدنا الى البدايات التي زرعت فيها بذور الفساد. وبداية رشيد مع الفساد كانت مع "صندوق الطوارئ" والحساب السري الذي اعتمد على ضرائب الوقود التي كانت تحول للصندوق عبر حساب خاص باسم السيد رشيد. وكانت الحلقة الثانية، احتكار بعض القطاعات الاقتصادية، من قبل بعض كبار المسؤولين في السلطة، في مقدمتهم محمد رشيد، الذي أسس الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية التي يترأسها بنفسه. كان رشيد يقوم بشراء النفط من المصنع الاسرائيلي او من المستورد ويبيعه في السوق الفلسطيني بسعر أعلى كثيراً، وكذلك الاسمنت، الذي فرض على جميع المقاولين شراء الاسمنت الإسرائيلي عبر شركة رشيد. وكان يقتطع نسبة كبيرة من الارباح، جزء منها يذهب الى صندوق الطوارئ وجزء آخر لا أحد يعلم اين يذهب. وشملت الاحتكارات التبغ والطحين والأعلاف والإلكترونيات وغيرها من الاحتكارات التي كون أصحابها 27 شركة خلال الأعوام الاربعة الأولى من قيام السلطة، كان اهمها شركة البحر التي بنت منتجعاً على بحر غزة وعقدت عدداً من الصفقات العقارية واستثمرت في البناء. والغريب في الأمر ان "الشركة الفلسطينية التي يترأسها رشيد" كانت تعمل بدون مجلس إدارة وبدون إشراف أو تدقيق حسابات وبدون تدخل من جانب السلطة. الملاحظ هنا أن الاحتكارات ارتبطت بنمو مراكز قوى اولاً، وفي غياب الرقابة والمساءلة تحولت وظيفة الاحتكارات من تأمين موارد للجهاز البيروقراطي، وبعض الاحتياجات المشروعة كدعم اسر الشهداء والمعتقلين والمخيمات خارج الوطن، الى استئثار القائمين عليها بحصص ومكاسب متعاظمة. وهذا يفسر إثراء محمد رشيد وأمثاله وامتلاكهم الملايين ودخولهم في مشاريع استثمارية كبيرة داخل وخارج الوطن.
كان لمشاركة اصحاب الاحتكارات او الطامحين إليها في المفاوضات والسياسات الاقتصادية تأثير سلبي مدمر. فقد تبنى هؤلاء السياسات الضريبية والجمركية الاسرائيلية المجحفة. وأعادوا البلد للقوانين الاردنية والمصرية القديمة التي تجاوزها الزمن، وأدخلوها في فوضى تجارية، ولم يعطوا الأولوية لتأهيل البنية التحتية وإيجاد فرص عمل حقيقية، عوضاً عن ذلك جرى تضخيم الجهاز البيروقراطي الأمني الإداري الذي أصبح عبئاً على الاقتصاد وعلى المواطنين.
لم يكن محمد رشيد نبتاً شيطانياً، بل هو جزء من ظاهرة وبنية، تحتاج الى تشخيص أعمق، من اجل معالجة أشمل، هناك "غير راشدين" كثر، منهم ما هو أكثر خطراً ومنهم ما هو أقل خطراً. السياسة الاقتصادية الخاطئة والمغامرة هي البيئة التي تنتج أناساً "غير راشدين". وتنقلنا من أشكال من الاحتكار البدائي والقديم - ما قبل علاقات السوق - في مراحل التأسيس، الى أشكال جديدة من الاحتكار عبر كبار الرأسماليين الذين يعتمدون علاقات السوق، الأشد خطراً.
الموضوع يتطلب إعادة النظر في السياسة الاقتصادية المعتمدة وفي اتفاق باريس المهين، ومراجعة من قبل جهات اختصاص وخبراء ينطلقون من المصلحة الوطنية في شروط الاحتلال، ويحتاج الى أجسام مستقلة للتعامل مع قضايا وملفات الفساد، أجسام مساندة لهيئة مكافحة الفساد، وبحاجة لأجسام مراقبة مستقلة تتابع العملية في مختلف حلقاتها، وبحاجة الى إعلام ناقد يجري التحقيقات حول الفساد والفاسدين ويكون رأياً عاماً داعماً لمحاكمة كل المتهمين بالفساد بدون استثناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مغزى التوقيت
سيمون خوري ( 2012 / 6 / 12 - 17:52 )
أخي مهند عبد الحميد المحترم تحية لك كما تعرف أكثر مني بحكم وضعك ، فإن محمد رشيد لم يكن اول المتهمين وليس أخرهم هناك رموز كبيرة وفي مواقع المسؤولية لم تفتح ملفاتها بدءاً من أسمنت جدار الفصل العنصري ومروراً بصفقات بيع أراضي في القدس ..الى الخ السؤال إذا كانت سلطة رام الله جادة في فتح ملف رشيد لماذا تأخرت حتى الأن ..؟ وما مغزى السكوت عن بقية الملفات لرموز أخرين أم أن السلطة لم تجد ما تلهي به الشعب عن قصة مسلسل المصالحة المضحك سوى هذا الملف..؟ مع التحية لك

اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل