الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدليل ليس عداء للأديان بل أحتراماً للإنسان

بسام البغدادي

2012 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الادعاء بأن المُلحد يطالب برؤية الله للتصديق بهِ هو إدعاء باطل أخترعهُ رجال الدين في محاولة فاشلة للتقليل من أهمية فكرة طبيعية جداً وهي الحاجة لدليل حقيقي للتصديق بتفسير غير طبيعي وغير عقلاني مثل التفسير الديني للكون والحياة. المطالبة برؤية الله لم ولن تكون دليلاً على شئ أكثر من التصديق بوجود شخصية تسمي نفسها الله. بل حتى لو رأينا الله وجهاُ لوجه فهذا لوحدهُ ليس دليلاً كافياً على أن الله هو التفسير المنطقي للكون و الحياة. بل هو مجرد دليل على أننا رأينا الله وبعدها نستطيع أن ننطلق لمرحلة إيجاد الدليل على أن الله هو الشخصية التي تقع خلف الكون وإرادته المُطلقة منفرداً هي التي تسير الكون وتجعلهُ بالشكل الذي هو عليه الآن وبأنهُ هو الذي يرسل الرسل و يكتب الكتب. كل فرضية مهما كان حجمها صغيراً أو كبيراً فأن الدليل المطلوب لأثباتها يتناسب طردياً مع حجم التفسير الذي تطرحهُ.

لنأخذ مثالاً للتوضيح, لو قلت لك بأن السماء تمطر الآن فأنهُ من السهل أثبات ذلك, تستطيع أن تنظر من النافذة لترى أن كان كلامي صحيحاً, الصعوبة تكمن عندما أدعي بأن السماء تمطر مطراً أنتَ لاتستطيع أن تراه لسبب ما كان تكون أعمى مثلاً. حينها يجب أن يتناسب الدليل مع حجم هذا الادعاء, كأن أقودك للخارج كي تشعر بهطول المطر على يدك دون أن تراه لأنهُ مطر غير مرئي. يزداد الامر صعوبة إذا كنت فاقداً لحساتي البصر و اللمس, حينها يجب أن أثبت لك بأن المطر ينزل بالاستعانة بحواس أخرى. وهلم جراً من طرق تثبت لك أدعائي الذي حدسك لم ينبأك بهِ.

الآن تخيل معي أن أقوم بتحريف الواقع قليلاً وأقول لك بأن السماء تمطر سلاحف ؟ هل قولي لك بأن السماء تمطر سلاحف يعتبر دليلاً يجب عليك تصديقهُ وبأن السماء حقاً تمطر سلاحف؟ هل مطالبتك برؤية السلاحف تهطل من السماء هو طلب سخيف أو متكبر أو جاحد لي أو للسلاحف؟ هل قول الف شخص غيري بأن السماء تمطر سلاحف يعتبر دليلاً على أن السماء حقاً تمطر سلاحف ولاتحتاج لدليل حقيقي يثبت صدق ما نقوله؟ لو كانت السماء تمطر سلاحف هي الحالة الطبيعية و المعروفة في الطبيعة بدل الماء ربما سيكون من السهل عليك أستيعاب الفكرة, لكن كيف نستطيع أستيعاب فكرة لم ولن تحدث مرة أخرى مثل الخلق؟ بداية الوجود؟ وجود الآلهة وهي كلها أشياء لاتنتمي لواقعنا اليومي من قريب أو بعيد؟ الا تبدو فكرة الخلق وكأنها سلاحف ماطرة ولكن يجب علينا تصديقها فقط لأنها ذكرت في كتب مقدسة تم حشوها في أدمغتنا منذ نعومة أظافرنا؟

الآن لنعود لسؤآل المُلحد حول طلب الدليل على وجود الله وطلب الدليل على أن الله وراء الخلق وطلب الدليل على أن الله أرسل أنبياء وكتب؟ هل المطالبة بدليل على فرضية غريبة جداً مثل وجود كائن موجود قبل الكون خلق الكون من العدم هي فرضية تنتمي الى عالمنا اليومي مثل هطول المطر وشروق الشمس؟ هل نرى كل يوم الهاً يخلق كوناً أمامنا فنستغرب من الذي ينكر مثل هذه الفرضية؟؟ هل صنع الحياة من العدم ينتمي الى حياتنا اليومية؟ هل إرسال الانبياء و الكتب الهاطلة من السماء يعتبر من حيثيات حياتنا اليومية؟؟؟ لهذا, فأنهُ من الاجدر لي ولك وللجميع المطالبة بدليل يتناسب مع حجم الادعاء نفسهُ. لا أن نقوم بتسخيف أو الضحك على العقول شغلت نفسها وسارت عكس التيار لتتأكد من مصداقية ما توارثناه من مفاهيم حول الكون و الحياة.

تأريخياً نعرف بأن الاقصاء و الاستهزاء و الملاحقة كانت دائماً من مصير العلماء و الفلاسفة الذين تجرأوا على طرح تساؤلات حول مدى جدية المعتقدات التي يعتقد بها أبناء عصرهم. جميعنا نعرف بأن البشر كانت تعتقد بأن الارض مسطحة, وجميعنا نعرف بأنهُ حتى اليوم من يعتقد بأن حركة الغيوم و هطول المطر لهُ أسباب روحية تقع ماوراء الطبيعة وليس أسباب طبيعية بحتة لهذا لازلنا نسمع وبشكل مخجل مايسمى صلاة الاستسقاء. بل حتى اليوم هناك من يعتقد بأن السماء هي سقف مرفوع بدون عمد مزين باضواء صغيرة خافتة نسميها النجوم, وأن فوق هذا السقف توجد روحانيات وعالم الآلهة و الملائكة. تخيل أن نتقبل كل هذه الفرضيات دون أن نجرؤ على السؤآل عن مدى مصداقيتها؟ تخيل أن نتقبل بأن الخسوف ناتج من أن الحوت يلتهم جزء من القمر؟ تخيل أن نتقبل بأن الكون كلهُ وكل مافيه ما كان الا من أجلنا نحن البشر؟

يجب أن نخرج من نطاق الوهم و الخرافة, يجب أن نؤمن بعقولنا للوصول الى نتائج حقيقية حول ماهية الكون الذي حولنا. يجب أن نؤمن بالمنهج العلمي الرصين للوصول الى أجوبة لأستفساراتنا العلمية. وعندما يعجز العلم عن الاجابة عن أسئلة نطرحها فأن هناك المجال واسع أمام العقل الإنساني للبحث في الفلسفة و الفن و الرياضيات عن أجوبة تناسب قدراتنا وتطلعاتنا, لا أن نعيد علك ما بصقتهُ الاقوام التي قبلنا بقرون, ونتباهى بأفكار لم تعد تضحك العالم بعد بل تثير ريبتهم حول الكهف الذي خرجنا منه.

هل تريد أن تؤمن بالله أو بالملائكة أو الشياطين هذا الحق كفلتهُ لك حرية العقيدة, لكن لاتحاول حشر معتقداتك المتوارثة في وسط لايناسبها مثل العلم. وحاول أن لا تعتمد على معتقداتك الدينية في تعاملك مع البشر من حولك. بل عامل البشر جميعهم أنطلاقاً من إنسانيتهم لا من معتقداتهم ولونهم أو لغتهم. جميعنا بشر ونطمح للسعادة و الحياة, وانت نفسك تطمح للسعادة و الحياة الابدية من خلال أعتقادك بوجود حياة مابعد الموت, فلا تحتكر هذا الحق لنفسك ودع البشر يبحثون عن السعادة بأنفسهم, ولاتجبرهم على شكل محدد للسعادة التي أنت تعتقد بانها قمة المنتهى.

بسام البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة