الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة نقدية 30 عامًا على قيام جبهة الناصرة الدمقراطية *

سهيل دياب

2005 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الخميس 10/2/2005
إسمحوا لي في بداية كلمتي (*) التأكيد على الملاحظات التالية:
1- انا ارى بهذا الاجتماع الهام بداية جيدة وهامة لمراجعة المسيرة الرائعة لشعب الناصرة وجماهيرنا عامة، واعتبره "فتح شهية" لأخذ العبرة من الخبرة التاريخية لهذه المسيرة والانطلاق نحو المستقبل.
2- تقييم علمي للمسيرة والبدايات، لا يمكن حصره بمداخلة لمدة 12 دقيقة، ولكن اود بكلمتي هذه طرح عدد من النقاط باختصار، والتي اعتبرها هامة، ولكل نقطة حديث اوسع لاحقا.
3- لا يمكن اجراء مراجعة تاريخية لبناء جبهة الناصرة الدمقراطية، دون دراسة تاريخ وكفاح الحزب الشيوعي في هذه المدينة المكافحة، كما انه لا يمكن دراسة تاريخ الاقلية القومية الفلسطينية في هذه البلاد دون دراسة تاريخ الحزب الشيوعي الاسرائيلي.
4- هنالك من قام بالامس القريب، بالتصريح بغرور مسبوق، في وسائل الاعلام الاسرائيلية المرئية، وباللغة العبرية ومن باب انه "المفكر الاول" والقائد الاعلى صرح بما يلي: "كل شخص لم يؤيد الحزب الشيوعي وهو في جيل العشرينيات فهو غبي... وكل من واصل تأييده للفكر الشيوعي بعد سن الاربعين فهو مجنون".
من هنا آتي لملاحظتي الاخيرة في المقدمة، وهي ان مستقبل شعب الناصرة وجماهيرنا عامة مرتبط الى حد كبير ليس فقط بمدى الاثبات بصدق طريقتنا، سياسيا وفكريا وممارسة وانما ايضا بمدى استطاعة هذا الجسم العريق مراجعة نفسه واستعادة عافيته ومواصلة طرح الفكر والسياسة الصحيحين والحوز على ثقة فئات الشعب وشرائحه، عمالا واجيرين ومستقلين واكاديميين وطلابا، رجالا، نساء، شبابا وشيبا.

كيف نحلل اسباب قيام جبهة الناصرة الدمقراطية؟!
باعتقادي ان هنالك ثلاثة عوامل موضوعية، وعاملان ذاتيان.
العوامل الموضوعية:
1- ان المناخ السياسي الذي ساد الناصرة وجماهيرنا عامة بعد نكسة 1967، خلق جوا وطنيا وأعاد ثقة الجماهير بقدرتها، وبدأت تتجاوز آثار النكسة، والاستفادة من اسبابها، هذا المناخ جلب احتراما اضافيا لصحة موقف الشيوعيين وحلفائهم في ذلك الوقت، وجاءت حرب اكتوبر 1973، وظهور عرفات في الامم المتحدة حاملا غصن الزيتون، ليعطينا املا واقعيا اضافيا لهذا المناخ الوطني المتصاعد. هذا المناخ شجع فئات مترددة او شبه يائسة للانخراط في العمل الوطني بين جماهيرنا عامة، وفي قلعة الكفاح، الناصرة خاصة.
2- التغييرات الكمية والنوعية للتركيبة الاجتماعية لشعب الناصرة، اكثر واكثر عمالا في المصانع والمشاغل الاسرائيلية، زيادة عدد الاكاديميين ووزنهم في المجتمع، اقامة الاطر الوحدوية مثل رابطة الاكاديميين ومعلمي المدارس الثانوية، اتحاد الطلاب الثانويين، لجنة الطلاب الجامعيين ابناء الناصرة، هذا التغيير في التركيبة الاجتماعية خلق مناخا جديدا في البحث عن حلول للاوضاع المحيطة.
3- تفاقم اوضاع الفساد في بلدية الناصرة في ذلك الوقت، وتوسيع رقعة المحسوبية وساد شعور عام من الغضب والمطالبة بضرورة التغيير، على هذه الارضية اقيمت لجنة التجار والحرفيين واصحاب المصالح الخاصة، وكانت الى جانب الاجسام الاخرى في كفاح محلي وبلدي لتغيير القيادة التقليدية السائدة منذ 1948 وتحويل البلدية الى قلعة وطنية ودمقراطية.

العوامل الذاتية:
1- النعمة في وجود الحزب الشيوعي في الناصرة، كجسم سياسي حاز على ثقة الجماهير الواسعة والفئات والشرائح الاجتماعية الاخرى. في طرح الموقف الصحيح وايضا النعمة في وجود قيادة شجاعة وحكيمة لهذا الحزب وهنا لا بد من الاشارة الى الامور التالية:
أ?- الشجاعة والمسؤولية: اكثر ما اثار اهتمام المراقبين والمحللين السياسيين هو استطاعة الحزب الشيوعي الربط المبدئي بين اقصى ما يمكن من شجاعة واكثر ما يمكن من مسؤولية فالشجاعة الزائدة لوحدها توصل الى المغامرة، والمسؤولية الزائدة لوحدها توصيل الى المأسسة البيروقراطية والميوعة.
هنالك احزاب وظيفتها رصد وتحليل الاوضاع السياسية، ولكن الحزب الشيوعي هو الذي صنع الاحداث السياسية، وغيّر وجه المجتمع، فقد رأينا هذا الربط في قيادة الحزب في معركة البقاء وضد الترحيل عام 1948، رأيناه في المعارك الطبقية والاضرابات ضد البطالة عام 1951، في الكفاح ضد الحكم العسكري في الخمسينيات والستينيات، رأيناه في مظاهرات اول ايار 1958، 1959، رأيناه ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، في المظاهرات ضد مقتل الشبان الخمسة عام 1961 وغيرها.. وغيرها. هكذا وربح الحزب الشيوعي ثقة الجماهير، لقد اجادت قيادة الحزب الشيوعي ليس فقط السباحة ضد التيار في البحر المائج، وانما في الحفاظ على الناس كل الناس من الغرق في هذا البحر".

ب?- الرؤيا الصحيحة من موضوع التحالفات:
دعا الحزب الشيوعي كل الوقت الى توسيع رقعة الكفاح والمكافحين، سواء أكان ذلك بالدعوة الى اقامة جبهات سياسية حول قضية معينة مثل "ضد الحكم العسكري" او "من اجل قبول العامل العربي عضوا كاملا في الهستدروت" او على اساس قائمة انتخابية لهذا الاطار او ذاك، او بالدعوة لائتلافات مع اجسام سياسية واجتماعية اخرى، وانعاشا للذاكرة اود ذكر الحقائق التالية:
1- الحقيقة الاولى: في الانتخابات الاولى لبلدية الناصرة بعد قيام الدولة والتي جرت عام 1954 قام الحزب الشيوعي في الناصرة بتشكيل قائمة للانتخابات على اساس قائمة تحالفية اوسع من الحزب وسميت "قائمة الحزب الشيوعي وغير الحزبيين". وهكذا بقيت حتى قيام جبهة الناصرة الدمقراطية عام 1974.
2- الحقيقة الثانية: تجربة الائتلاف مع المرحوم عبد العزيز زعبي عام 1966 كانت مميزة. الحزب الشيوعي ورئيس قائمته في البلدية في حينه القائد المرحوم فؤاد خوري دعا الى ائتلاف بين "الكتلة الشيوعية وغير الحزبيين" 7 اعضاء، وكتلة المرحوم عبد العزيز زعبي (عضو واحد) وقام الحزب باقتراح الاخ عبد العزيز رئيسا للبلدية.
صحيح ان التجربة لم تدم اكثر من ثلاثة اشهر، وفشلت امام ضغط السلطة واجهزتها ولكن هذه التجربة كفيلة في تقديم البرهان على الحسابات الصحيحة لقيادة الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، واستعداده لعمل كل شيء من اجل خدمة مصالح الناس السياسية والاجتماعية والبلدية، وتقديمها ولو خطوة واحدة الى الامام.



3- الحقيقة الثالثة: إبان تشكيل جبهة الناصرة الدمقراطية، قامت قيادة الحزب بالاقتراح بان يقوم القائد الجبهوي الراحل، الدكتور انيس كردوش، بترؤس قائمة الجبهة لرئاسة البلدية عام 1975. ولكن شاءت الظروف ان مرض الدكتور انيس كردوش ورحل عنا قبيل الانتخابات.
ومن المفارقات الهامة في هذا الصدد، ان رابطة الجامعيين الجبهوية، وباقي الاطر الجبهوية هي هي التي اقترحت فيما بعد ان يكون مرشح الجبهة للرئاسة، القائد الشيوعي الرفيق توفيق زياد. هذا ان دل على شيء فانه يدل على مدى الثقة التي سادت في العلاقات بين الشيوعيين والجبهويين، ومدى رؤية المصلحة العامة لكل الاطراف.
4- الحقيقة الرابعة: لقد كان الحزب الشيوعي هو الذي بادر الى ادخال مبدأ "الاقناع والاجماع" كطريقة عمل داخل الجبهة والتي تحدد العلاقة بين اجسامها الاربعة – الحزب الشيوعي فرع الناصرة، رابطة الاكاديميين ومعلمو المدارس الثانوية، لجنة التجار والحرفيين واصحاب المصالح الخاصة، ولجنة الطلاب الجامعيين ابناء الناصرة. فالتصويت كان كتلويا بناء على هذا المبدأ وليس فرديا، كل جسم ينتخب مندوبيه لهيئات الجبهة بشكل مستقل، كما وينتخب مرشحيه للقائمة الانتخابية البلدية.
هذه المبادرة لم تكن مبادرة روتينية، ولا تدل فقط على مصداقية قيادة الحزب ومبدئيتها، وانما تدل بالاساس على النظرة الخلاقة في ابتكار الادوات والآليات التنظيمية واعطاء الثقة الكاملة امام الحلفاء بان التحالف هو استراتيجي، سياسي وبلدي، وان الحزب لا ينوي على الاطلاق، الهيمنة والتسلط على تنظيم الجبهة، بل العكس هو الصحيح – الحزب يريد مشاركة حقيقية ومتساوية وندية، وبهذا تكمن مصلحة الحزب الحقيقية وليس في الضيق والتقوقع.
في احد الاجتماعات للكادر الحزبي في الناصرة قبيل انتخابات 1978، قدم الرفيق توفيق زياد مداخلة هامة حول تجربة السنوات الاولى لقيام الجبهة وما لفت نظري من اقواله ما يلي:
"لو اننا خُيرنا من جديد ان نحصل على 11 عضو بلدية عام 1975 كلهم شيوعيون، وما بين ان نحصل على 11 عضوًا، في قائمة جبهوية ستة منهم شيوعيون، وخمسة جبهويون لكنا كحزب شيوعي اخترنا من جديد قائمة جبهوية شاملة".
واضاف ملخصا: "هذه هي المصلحة الحقيقية للحزب، وما احداث يوم الارض 1976، واقامة الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة القطرية عام 1977، وحصولها لاول مرة على 51% من اصوات الجماهير العربية، الا برهان على ذلك".
ان كل ما جاء في هذا السياق يوصلنا الى الاستنتاجين التاليين:
الاستنتاج الاول: ان اعتماد "التحليل الطبقي" على اساس علمي وموضوعي، هو التحليل الاكثر صحة لانه يبتعد عن أي نوع من التعصب ايا كان نوعه، قومي، عائلي، اقليمي او عرقي، فاعتماد التحليل الطبقي لرؤية المستجدات السياسية والاجتماعية والفكرية هو برأيي التحليل الاكثر وطنية، والاكثر صدقا، والاكثر دمقراطية، والاكثر تقدما اجتماعيا في رؤية قضايا كالموقف من المرأة، او قضايا الطبقة العاملة والفئات المسحوقة والمظلومة، وهو ايضا التحليل الاكثر انسانية واخلاقا.

والاستنتاج الثاني: هو ان لا تناقض على الاطلاق، بين محافظة الحزب الشيوعي على الفكر المبدئي، وتنظيمه الداخلي الصارم، وما بين توسيع قاعدة التحالفات، فالتجربة التاريخية، العالمية المحلية والنصراوية تثبت عكس ذلك.
نقاط للتداول في المستقبل القريب:
1- على ما يظهر هنالك حاجة ماسة وضرورية لدراسة ونشر تاريخ هذا الجسم السياسي الهام في حياة شعبنا ومدينتنا. علينا جميعا الاجتهاد اكثر في كتابة هذا التاريخ احتراما للحقيقة العلمية اولا وثانيا، لوقف مشروع "التزوير" السلطوي وتزوير دعاة الفكر القومي والفكر الاصولي.
2- في النقاش الدائر اليوم وكأنه بين الحزب والجبهة، فانه في الحقيقة بين فكرين ورأيين بالاساس داخل الحزب وانعكس ذلك على الجبهة. علينا جميعا التفتيش عن مدى قرب او بعد أي موقف عن اعتماده "التحليل الطبقي"، برأيي هذا هو المقياس الاساسي والحاسم لمدى صحة هذا الرأي او ذاك.
هذا الجسم السياسي اضافة الى اثبات صحة موقفه السياسي والاجتماعي التاريخي يملك كنزا تعجز كل الاحزاب الاخرى عن امتلاك مثيله، وهذا الكنز هو الاف الكوادر الجبهوية المؤيدة والمنتسبة، والتراث الفكري والسياسي والعملي هي كوادر مسيّسة فكريا وسياسيا واخلاقا، من هذا الكنز نبدأ نحدث الصحوة المرجوة لكي نحمي شعبنا ونحضنه من المغامرين والانتهازيين والسلطويين ونحن قادرون على ذلك.

(الكلمة في الاحتفال بمرور 30 عامًا على قيام جبهة الناصرة الدمقراطية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا