الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمكنة ناطقة ( 6 ) : مقبرة الأندلس أو شتائل -لاغلاغ- الشجرية

محمد بقوح

2012 / 7 / 25
كتابات ساخرة


"لاغلاغ"، هو اسم لشخصية لا أعرف أنا الراوي كيف التصق بك هذا الاسم أنت دون غيرك. و إذا كانت بداية حديثي عنك، فليكن عن اسمك الغريب و المستفز هذا. اسم يشبهك تماما. لا معنى له سوى ذلك المعنى الذي يتركه في الذهن.. خال من أي معنى. يعني معنى عبثي. أي اللامعنى. لكن، هذا لا يعني أنني أنتقص من قيمتك، كشخص في وجود المجتمع الذي تنتمي إليه؟ دورك كطرف في العلاقات الاجتماعية مهم للغاية، رغم سلبيته تجاه غيرك حسب ما يقال. لأرجع من حيث بدأت. مسألة اسمك اللعين العجيب هذا الذي عرفتك به و لا أعرفك بدونه. قبح الاسم يدل على قبحك. إنه أمر طبيعي.. لا عليك. كل الذين ينحدرون من "مهمّش" الشعب قبيحون في هيئتهم، و خاصة وجههم الذي هو عنوان شخصيتهم. و قد نسجت حكايات و حتى نكت عديدة حول سقراط و الجاحظ و ليوناردافنتشي و نيتشه.. بخصوص مدى قبح وجوه هؤلاء الأشخاص، و قبح حركة جسدهم و هم يمشون.. لكن هؤلاء أشخاص يفكرون. عباقرة زمنهم، و مبدعون لأوطانهم و لأوطان غيرهم، تركوا قبحهم كعلامة إبداع في تاريخ البشرية. صحيح أنك لست مبدعا، و لا يمكن أن تكون عبقريا رغم قبح وجهك و اعوجاج مشيتك مثلهم. لسبب بسيط أنك أمّي الثقافة، و إنسان يفكر بالجسد كباقي أفراد المجتمع العادي. هؤلاء هم الذين سماهم نيتشه بأفراد القبيلة. لهذا كانت أخلاقهم منحطة انسجاما مع بيئتهم الطبيعية و المجتمعية. هكذا أجد نفسي الآن و هنا أمام إجابة مميزة لسؤال قديم. لماذا كنت دوما تحمل فأسا نصفه الأعلى من خشب، و نصفه الأدنى من حديد، على إحدى كتفيك العريضتين؟ لا يمكن أن تُرى إلا و الفأس معك. و كثيرا ما تنشغل بالحفر و الحفر العميق.. تحاول به اقتلاع الأشجار اليابسة. كنت تحفر بكامل قوتك و لا يهدأ لك البال، حتى تقتلع آخر جذر لعين، من جذورها التي كان يجب أن تقتلع حسب تعبيرك من زمان ولى. كنت تقول " تبا لهذا الزمان البليد. لقد تأخرنا كثيرا في اقتلاع هذه الجذور السامة و الفاسدة. لو كنا نفكر حقيقة، لاقتلعنا أول جذر فاسد لهذه الشجرة مبكرا، دون أن نصل إلى مهزلة اقتلاع الشجرة المسكينة بالكامل، بعد ما استحال الآن تركها و جذورها ينخرها الفساد.."
أليس هذا الكلام عين العقل؟ لماذا يقولون عنك أحمقا و كلامك كله حكمة و تأمل ؟

كان أهل الدوار، حيث تمر كل يوم، كلما رأوك قادما و الفأس على كتفك، ينعتونك سرا بينهم بالأحمق و المجنون. و عندما يجرأ أحدهم، و يطلقها علنا على مسمعك و أنت قريب بقوله : "لاغلاغ" ...... "لاغلاغ"...... الأحمق !! يرسل للجماعة الفأس دون تفكير، و لا حتى النظر إلى حيث مصدر الصوت، طائرة كما لو كانت سهما في اتجاههم. تشتت الجماعة. يهرب الجميع مخلفا وراءهم الفأس و قد أصابت جانبا من جدران البيت، حيث كانوا واقفين ينتظرون. في ثواني قليلة يخلو المكان سوى من "لاغلاغ" الذي يسبّ و يشتم في أصل الهاربين منه، و السفهاء الخائفين من شرارته، هو الوحيد و هم الجماعة.. يتقدم، و ينحني على فأسه الموجودة على الأرض المغبرة. يلتقطها بسهولة متناهية، و كأنه يلتقط كنزا.. لا يرغب في إزعاجها، أو يطلب منها السماحة، ثم يتابع سيره إلى الأمام.

كنت أتحفظ شخصيا أن أنعتك بنفس النعت- الأحمق- و أكتفي دوما باسم أو على الأصح بلقب "لاغلاغ". هكذا جافة بدون زيادة ولا نقصان. تسمية مركبة من ثلاث وحدات. الأولى تعني "لا" التي تدل على شخصك كل الدلالة. تاريخك هو تاريخ الرفض منذ نعومة أظافرك. ربما رفضك المبالغ فيه هو الذي جعلك تعيش تائها هكذا بين أفكارك القاسية و أحلامك الكبيرة. قيل أنك اقترفت جريمة قتل في شبابك. هل هذا صحيح؟ بالنسبة إليّ، كنت دوما أستبعد ذلك. لا يمكن لإنسان مثلك، يظل طيلة اليوم باحثا عن الأشجار اليابسة، لاقتلاع جذورها الفاسدة، و يغرس مكانها في أحيان كثيرة، شجرة خضراء بديلة.. أن تقترف يداه جريمة في حق إنسان آخر قريب منك.. قيل لي أنك قتلت زوجتك. و لما خرجت من السجن، بعد السنوات السبع من العقوبة الحبسية، خرجت هكذا أحمقا و مجنونا و غامضا. بعدما دخلته و أنت في صحة جيدة، بل قوة بدنية لا تضاهيها قوة. كنت في بداية مرضك تتهم الدولة.. و البوليس بكونه كان يكثف في وسائل معاقبتك ب " التعذيب بالكهرباء و الضرب المبرح.. و العزل في أماكن قذرة لا يمكن أن يتحملها البهائم.. حتى يكف عن الكلام و الاحتجاج و الفوضى. و أخيرا لما استسلم أخي. كانوا يفرضون عليه شرب دواء غريب. و أحيانا يقدم له الدواء على شكل حقن في جسمه. جسمه أصبح كله كالغربال بسبب حقنهم اللعينة. هم الذين حولوه إلى كائن مريض و غريب و أحمق هكذا" هذا كلام أخوه مسعود الذي قال أن اسم "لاغلاغ" هو بلعيد. و هو اسم لم يعد يذكره أحد في مقبرة الأندلس.

كنت دوما أعتبر المعلومة- معلومة قتلك لزوجتك- مجرد إشاعة أريد بها الإساءة إلى شخصك المختلف و الغريب الأطوار. "لاغلاغ".. قد تكون "لاقلاق"، بالاحتفاظ بمعنى الرفض و التمرد، الذي هو إحدى ملامح شخصيتك العنيفة، عملا بالقاعدة اللغوية المعمول بها في لغتنا: كل ما يغمغم يقمقم و يجمجم.. حسب السائد في ثقافة الجماعة الممارسة لهذه اللعبة الفهمية و التواصلية. فتكتب مثلا تسمية- الفيلسوف الألماني- هيغل بالغين، و قد تكتب عند البعض الآخر بالجيم هكذا: هيجل. و تبعا لمنطوق القاعدة السابقة، فيمكن كتابة تسمية فيلسوفنا هكذا: هيقل، لكن هي تسمية غير واردة حتى في القاموس الألماني، لسبب وحيد أن صوت القاف غير موجود عندهم. بالإضافة إلى أن "لاغلاغ" كشخصية بشرية لا علاقة له بالطائر المعروف: "اللقلاق". لا من حيث الصورة و لا من حيث المعنى. شتان بين الكائنين."اللقلاق" يلتقط و يبتلع، أما "لاغلاغ" فلا تكاد تراه العين إلا و هو آخذ في غرس شتل من شتائل أشجار اللوز أو الزيتون الخضراء.. في إحدى رحلات مروره بالمدينة.. أو بعيد عنها بقليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا