الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تربية الحروب والازمات ونتائجها

اسعد الامارة

2012 / 7 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من بعض تعريفات التربية انها عملية صناعة الانسان وتعرف ايضا بأنها اي مجهود او نشاط يؤثر في تكوين الانسان أما "دوركايهم" فيرى ان التربية هي تكوين الافراد تكويناً اجتماعياُ. اذن التربية هي ان تشكل سلوك الانسان على وفق قيم المجتمع وعاداته ونسق التعامل الانساني بما يتوافق مع النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتظهر قدراته وطاقاته في بيئته التي يعيش فيها .
يعرض "بيير داكو" في كتابه الانتصارات المذهلة في علم النفس ان التربية المرتكزة على روح التقسيم تفرز افرادا تبعاً لايديولوجيات ومنظومات سياسية وطبقية ودينية ..الخ ومن الواضح ان هذه التربية تمنع الفرد من ان ينفتح بحرية وتضيق مجال علمه فما دام الناس يرددون على الفرد أنه من بلد معين ،ودين معين ومذهب معين ولسان معين فإنهم يحطمون تطوره وتقمع طاقاته من الظهور ويختفي الابداع عنده لأن الابداع لا ينمو في البيئات التي تحكمها الدكتاتورية او المحاصصة ويضيف "داكو" انهم ينمون عدوانيته تجاه اولئك الذين ينتمون الى البلد الاخر فالتربية حينئذ تدفع الانسان الى الحقد والعنف واحتقار الاخر لانه لا يتشابه معه في المذهب او الدين او القومية او الانتماء الجغرافي ومن هنا تنشأ عواطف الاطفال مشوهة منحرفه في تصوراتها فتتولد لديهم تأكيد للذات منحرفه غير سوية تبتعد عن الموضوعية في الاحكام ويتولد العدوان من لا شيئ فقط من تكوينات افتراضية زرعت في ذات الطفل في مرحلة من مراحل النمو العمرية .
نقول ونؤكد ويتفق معنا العقلاء انه ليس ثمة تربية ممكنة دون الحب وتلك من البديهيات فالطفل كما يحب امه وابوه يحب من يعلمه ويروضه ويضع قدمه على التطبيع الاجتماعي الصحيح ، ان الحب في التربية هو كمال داخلي وليس نقيضه فكلما ينقص الحب الموجه في الطفولة نحو الناس ينقص كمال الانسان وهو ناضج .
ادت عقود وازمنة الحرب الى ازاحة الحب في الاسرة وفي روح الاطفال ونقل التراث الاسري من الاسرة المستقرة الهادئة الى الاسرة المضطربة التي تزرع عشق تعذيب الآخر بجميع صوره واشكاله لأنها عانت الالام والمتاعب وربما فقدان اعزاء لديها فتحولت من المسالمة الى العدوانية .يقول"د.فرج احمد فرج"مما لاشك فيه ان للعوامل الاجتماعية والاقتصادية دور مهم وهو دور يستحيل على كل منصف ذي عينين ان ينكره او يغض البصر عنه فالظلم والاضطهاد والقهر كانت وما تزال حقائق ووقائع ماثلة امام اعين الجميع ولا شك في انها على رأس العوامل الفعالة في إثارة العدوان لدى الفرد والاسرة لا بل في المجتمع حتى بات وكأنه السلوك السوي الصحيح ونقيضه في المسالمة هو الخطأ .
طرحت ازمنة الحرب والحصار والتقلبات السياسية في المجتمعات العربية وتفاوتها في خلق الازمات للشعوب وافتعال عدم الاستقرار واشغال الاسر في عدم العطاء لابنائها إلا بارضاعهم السم وزرع روح عدم الاستقرار والاتزان في اجيال واجيال حتى باتت الشخصية التي عاشت تلك الارهاصات اشبه بعدم الاتزان النفسي لما يصدر عنها من قرارات او انفعالات في مواقف الحياة ، فتعمدت الانظمة ان تزرع روح العنف كسلوك في نفوس الاطفال وهي مقولة احد الدكتاتورية "تا يتعلموا على الطك" او نَفس الحرامية وسلوكه بتجاوز الاحترام للقانون فكانت الدولة تدير منظومات كاملة مزيفة واقع التربية الحقيقية القائمة على الحب والمودة ومفهوم المواطنة والعطاء فنشروا الحب المزيف بكل اشكاله وهو تزييف روح المواطنة والوطنية وروجوا فكرة القائد او المستبد الناعم المخالب من اجل ان تحقق دولة المستبد حفاظا لامنها الداخلي في استمراره فتحطمت البنى الفوقية والتحتيه في الطفل وفي الاسرة وفي اليافع والناضج وفي المجتمع وعلاقاته واساليب التعامل حتى غدى المجتمع غابة تحكمها الرغبات الفردية الهائجة المضطربة لكن الرغبة الجامحة هي الاستئثار بالانتقام من الاخر بشتى الاساليب ومنها في ايقاع الاذى في التعامل بالمدرسة وفي المراجعات في المؤسسات والدوائر الحكومية وتخريب وسلب ونهب المال العام حتى بات سلوك الرشوة شئ سوي وطبيعي وسلوك عرقلة اجراءات المعاملات طبيعي وهنا فقد الضمير وحل محله .. انني على وضوء .. ظاهرة التدين الزائف ..ظاهرة التدين الوسواسي .. لقد ادركتنا الصلاة ، الدين كعادة .. والغي الدين كسلوك وعبادة .

السلوك العدواني بديل لسلوك المسالمة
تنتج تربية الحروب والازمات والكوارث خبرات مؤلمة على المستوى الفردي او على المستوى الجمعي ويكون القاسم المشترك لها هو السلوك العدواني لدى الافراد الذين تعرضوا لخبرات الحروب او عايشوها وهم صغار او نشأوا على ايقاعها وتشكل سلوكهم فمن سلوك المراهقين إتلاف الممتلكات العامة والعبث فأموال واشياء الغير وسرقة الحاجات من البيوت او من الاماكن العامة بصورة قصدية متعمدة وهو تعبير رمزي عن العدوان على اشخاص أصحاب هذه الممتلكات ونجد سلوك العدوان يأخذ مؤشرات عدة فقد يكون بالفعل او بالقول او بالوهم وفي الخيال كما هو الحال في الالعاب الايكترونية المنتشرة في كل شارع وزقاق في المدن الكبيرة او الصغيرة في مقاهي الالعاب الاليكترونية ، يمارسها الصبية "المراهقين" لاشباع غريزة العدوان ليصب بها نيران عداونه على اللعبة وبها اشخاص افتراضيين .
ترى الدراسات النفسية المعمقة ان هذه الالعاب الافتراضية تتحول من رياضة بدنية الى مسابقة ثم الى منافسة تفسح الطريق لتأكيد الذات بتحول رفيق – اللعب- من خلال تدفق "سيل" العداون الى منافس ثم الى خصم ثم اخيرا الى "عدو" يجب قهرة بكل السبل وتتراجع الروح الرياضية وينمو التوتر ويتزايد العنف ويكون السلوك العدواني هو السائد في كل الاحيان والاوقات والمواقف حتى في الحياة الاجتماعية وبين الاخوان في البيت الواحد.
ان الدول التي عاشت خبرات الحروب والازمات والتوترات الجمعية خلال العقود الماضية في مجتمعات اتسمت بالفوضى التي تديرها الدولة ونظمت سلوك ابناء تلك الشعوب على غرار حالة العصاب الجمعي انها تعيش الازمة السيكولوجية الوجودية لانسان العصر الحديث عصر السيطرة الفردية الانانية وحب الامتلاك اللامتناهي لكل حقوق الاخرين فضلا عن الغاء الاخر وهو يمكن ان نطلق عليه عصر التمرد والحرية عصر قهر الارادات ومسخ الاخر المسالم ويمكننا ان نطلق عليه زمن تربية الحروب والازمات ويفصح عن نفسه بنقل السلوك العدواني الشرس الى بدائل رمزية في الاسرة وفي العلاقات الاجتماعية وفي التطرف الديني والطائفي وفي اساليب التعامل بين من يقدم خدمة عامة غير كفوء وبين مراجع لدائرة او مؤسسة من مؤسسات الدولة ..إذن هذا السلوك هو سلوك العدوان شر كله لا تقف عنده حدود وإن الانسان عاجز تماماً حياله .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة