الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلفادور ألندي في ذكراه .

فريد العليبي

2012 / 9 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



في الستينات و السبعينات من القرن الماضي كان العالم يرقص على نغمات " الحر " و " الاشتراكي " ، مع رجحان الكفة لصالح الاشتراكية على نطاق عالمي ، حتى أن بورقيبة تنازل عن تسمية حزبه الدستوري بالحر و أخذ بنعت الاشتراكي ، و هو ما يحصل اليوم أيضا في تونس ، و لكن في اتجاه عكسي .
كانت الحرب الباردة على أشدها ، قصف بشتى الأسلحة الحربية و السياسية و الإيديولوجية ، و سيطرة على بلدان بأكملها ، انقلابات عسكرية و حروب شعبية تحررية ، من معركة الكرامة الفلسطينية حتى بطولات الفيتكونغ في الغابات الفيتنامية ، نشاط محموم للمخابرات الدولية ، و صراع في الأرض و في السماء ، وصولا إلى القمر . في هذه الحرب أشهرت أمريكا سلاح الديمقراطية فهي زعيمة العالم الحر ، بينما أشهر الاتحاد السوفيتي سلاح العدالة الاجتماعية فهو زعيم المعسكر الاشتراكي .
في خضم المعركة كانت أمريكا اللاتنينة ساحة من ساحات الوغى ، ففي أدغالها و جبالها و غاباتها تردد صدى رصاص بنادق الثوار في السيرا مايسترا الكوبية ، فانتشرت حروب الغوار الثورية ، من التوباماروس الى الساندينيستا ، و لكن النصر الكوبي لم يتكرر، مما دعم الاتجاه نحو البرلمانية ، و انتشار فكرة الوصول إلى الاشتراكية بالطرق السلمية ، هذا الاتجاه سيحمل في مجراه سلفادور ألندى إلى سدة الحكم في الشيلي ، خلال الانتخابات الرئاسية سنة 1971.
أمَم ألندى مناجم النحاس و البنوك ، و بدأ الإصلاح الزراعي ، ووفَر الرعاية الاجتماعية و الصحية ، ولكن سرعان ما فُرض عليه حصار اقتصادي فتدنى ثمن النحاس ، و عانت الشيلي من ندرة في المواد الغذائية ، وتراجع الصادرات و نمو الواردات ، وضخت أمريكا أموالا طائلة لإفساد الحياة السياسية و الاجتماعية ، وعملت المخابرات المركزية على توفير مناخ مناسب لانقلاب عسكري ، و هو ما حصل ، ففي يوم 11 سبتمبر 1973 ، على الساعة التاسعة صباحا غطت غربان سوداء سماء العاصمة الشيلية سانتياغو، يقودها الجنرال بينوشيه ، فحاصرت القصر الرئاسي و قصفته بالطائرات ، كان ألندى قبل ذلك بأيام قد قال كأنما في حدس مبكر لما جرى : إن هؤلاء الذين يدمرون الثورة السلمية سيجعلونها تتحول إلى ثورة عنيفة ، و عندما اقتربت أصوات المدافع خاطب الشعب عبر أمواج الإذاعة للمرة الأخيرة لكي يشكره و يبلغه بقرار المقاومة حتى النصر أو الموت .
استشهد ألندى مثلما أراد و البندقية في يده ، و بعد مقتله حول الإنقلابيون أكبر ملعب لكرة القدم إلى سجن بدون سقف ، جمعوا فيه أربعين ألف إنسان ، تم إعدام حوالي ألفين و ثلاثمائة منهم على الفور ، بينما اختفى آلاف آخرون ، و هُجر مليون شخص من إجمالي عدد سكان يقدر بإثني عشر مليون بشر، بما يذكر بتعداد التونسيين هذه الأيام ، من بين من أعدموا المغنى الشيوعي فيكتور جارا، الذي عذب بوحشية ، و قطعت أصابع يده بفأس ، عقابا لها على ما عزفته للكادحين والوطن والحرية .
كان ألندى طبيبا مثل تشي غيفارا ، و حلم الاثنان بما سماه ابن الجزار القيرواني " طب الفقراء " ، و قد أدركا مبكرا أن السياسة هي بوابة ذلك الطب فطالما لم تتغير طبيعة الدولة و المجتمع فإن المسحوقين لن يشفوا من أمراضهم أبدا ، و بينما وضع غيفارا سماعة الطبيب جانبا ، و امتشق البندقية ، فإن ألندى الذي تخلى عن تلك السماعة أيضا ، امتشق صندوق الاقتراع ، طريقان مختلفان كثيرا ، طريق الإصلاح و طريق الثورة ، و المفارقة أن الاثنان انتهيا شهيدين ، غيفارا سنة 1967 في الأحراش البوليفية ، و ألندى سنة 1973 في القصر الرئاسي بسانتياغو الشيلية ، و هو الذي رثاه سميح شقير بأغنية تقول بعض كلماتها : سلفادور يا سلفادور، كيف نبنى يا رفيقي دولة العمال في هذا الزمان تحت سقف البرلمان ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا