الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات العرب الخريفيّة

سيف عطية
(Saif Ataya)

2012 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الثورة هي تعبير إجتماعي من أجل التغيير السياسي في بلد ما وهذا التغيير يجب أن يكون جذري له ايديولوجية متفق عليها مسبقا وتنظيم له أولويات سياسية و إقتصادية وقيادات مشروعة ليست القصد منه تغيير الحكومات والطعن بها إنما التغيير نحو الأفضل متمثلا في تحقيق الرفاه الإجتماعي لخدمة الإنسان أولا ولإيصال أصوات العامة على أساس قاعدة عريضة من التأييد وحكم الشعب بالشعب. ولكل ثورة أسبابها ونتائجها التي تعتمد على مشروعها السياسي البديل ونظرتها المستقبلية في البناء والتغيير نحو الأفضل وليست بقصد السيطرة على السلطة من أجل الحكم. نذكر مثلا ثورة روسيا في فبراير شباط عام 1917 والتي كان من أهم أسبابها هو مجازر الحرب العالمية الأولى بالإضافة الى تبعاتها السيئة من مجاعة وإستفحال البطالة والإستغلال والفساد السياسي والأزمة الإقتصادية والطغيان القيصري في ذلك الحين. كل هذا أدى الى تجانس الأفكار وتفاعل طبقات الشعب المسحوقة من فلاحين و عمال وفقراء الشعب في إتخاذ القرار وإسقاط النظام القيصري في ثمانية أشهر. وقد إستطاع منظمي الثورة وقياداتها في تلاحم تاريخي في دمج قواهم السياسية وايديولوجياتهم في تأسيس نظام إشتراكي له تأثيره السياسي على المدى البعيد يستحق الدراسة والاستفادة منه برغم سيئاته وحسناته فقد تأسس مجتمع إشتراكي موحد وشامل لأكبر دولة في العالم.

أما الثورة الفرنسية التي إندلعت سنة 1789 وإستمرت لعشر سنوات متتالية لغاية 1799 والتي أنهت النظام الملكي المطلق والتي كان سببها هو أيضاً المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والبطالة حيث كان أبطالها الفلاحين والعمال والطبقات المسحوقة والتي نجحت في خلق نظام ديمقراطي جديد إرتقى به المجتمع الفرنسي وتطور الى مجتمع ديمقراطي حضاري وأوصل فرنسا الى ما فيه من تقدم وجعلها في مصاف الدول المتقدمة. نستنتج من هذه الأمثلة على أن الشعوب هي التي تقرر مصيرها ومستقبلها وليست حكامها وإذا ما كان حكامها من أبناء الشعب فلا ريب في ذلك. إن قيام الثورات ونجاحها يرتبط بالأحداث السياسية والإقتصادية من أجل التغيير والتطور وتحت قيادات وطنية ساهمت وتساهم في خلق الإستقرار وخدمة البلد والمواطنين في إرساء الحريات وإحترام الإنسان بغض النظر عن إنتمائاته وإيمانه وطائفته تحت مبدأ كل عليه واجبات وتحت قانون ودستور ثابت ومجالس محلية لتلبية إحتياجات المواطنين على السواء وبغض النظر عن الجنس والقومية والدين والطائفية أو الإنتماء السياسي والإجتماعي.

أما ثورات العرب الربيعية والتي أيدناها و باركنا لها لإنها تعبر عن الصحوة الوطنية والإنسانية من أجل التغيير السلمي والإيجابي من سبات عميق إنعدم فيه صوت الشعب وإنحنى وخنع تحت أنظمة النار والحديد ،وباركنا لأجل الشعوب التي عانت من الديكتوتوريات والإنقلابات والسلطات المطلقة وسيطرة فئات على حساب الأخرى بما في ذلك الفساد الإداري والسياسي. إن مباركتنا لهذه الثورات هو من أجل الإصلاح والتغييروصحوة الضمير، إنما هذه الإنتفاضات الوطنية سرعان ماتغيرت الى المطالبة بالحكم الديني والإسلامي والمطالبة بالشريعة الإسلامية كدستور للبلاد وعدم الإكتراث بالقوانين الوضعية والتي هي أساساً مستندة على القران والسنة النبوية في التعاملات الإنسانية والجرائم والعقوبات وقوانين التملك وما الى غير ذلك لخدمة الشعب ووحدة التراب الوطني ومصالح الأقليات. من المؤسف له أن هذه الثورات أعلنت دمويتها وباشرت بتسقيط الاخر وتهميش الأقليات والطوائف الأخرى على أساس ديني ومذهبي و فاشي. وكما أصبحت لها اليد العليا ساهمت بتدمير البنية التحتية والمؤسسات الحكومية والجيش والشرطة وقتلهم والتمثيل بهم وكأن هؤلاء هم أعداءً للوطن وهم النظام بعينه وأصبح من يحمل السلاح هو الثائر والمجاهد والحاكم والمنفذ في نفس الوقت من دون علم أو دراية و من دون حق أو دراسة موضوعية في تلاحم الجهود من أجل ثورات بيضاء تعكس الإرث الإسلامي والحضاري والإنساني. بدلا من ذلك أصبحت هذه الثورات ثورات مصالح و مناصب و ثارات قبلية و طائفية في تحدي القانون الإنساني والإلاهي في آن واحد.

نحن هنا لا ندعي العلم والدراية إنما ما نشاهد ونسمع ونلمس كل يوم هو تدمير متوحش غوغائي لشعوب المنطقة وأديانها وثقافاتها العريقة التي ساهمت في خلق وتأسيس أول الحضارات التي عرفها الإنسان. إن التغيير الحقيقي ليس معناه إلغاء الاخر وتكفير فئة على حساب الأخرى إنما هو كيف لنا أن ننمي الحكمة والموعظة والتسامح بأن نلتقي ونتفق ونبني من أجل كل الشعب بباقاته المختلفة لأن الإختلاف بقصد شريف وشعور وطني هو أساس البناء وإن المعارضة ما هي إلاّ من أجل الإستقرار ومراقبة الحكومة والأنظمة بطرق سلمية وحضارية وليست معناها إلغاء الاخر وتفجير المؤسسات الخدمية وتصوير كيف نقتل ونذبح على اليوتوب والقنوات التلفزيونية . هذا يؤدي بالتالي الى قتل الشعور الوطني وحبنا للبلاد وتهجير مئات الالاف لا ذنب لهم إلا وقوعهم ضحية بين ديكتاتوريات متسلطة و مسلحين لا يعرفوا إلا طريق السلاح من أجل التغيير وكسب المناصب والتسلط على رقاب الناس وكأننا نسير على خطى الإنقلابات العسكرية وثورات الحزب الواحد من جديد. لا أريد أن أدافع عن الحكومات والممالك والإمارات إنما أيضا لا أرى أي بديل وطني و منظمات سلمية وأحزاب وطنية تدافع عن المواطن أولا ولا تنفي مكاسب الحكومات السابقة بطرق شريفة و حفظ التراب والشرف الوطني و حقوق المواطنة وإلا فإن تخطيط و تقسيم دول العالم العربي آت لا محالة لأن ما أخذ بالدم والقوة سيأخذ بالدم والقوة و سنندم على دولنا لأنها ستصبح دويلات وإمارات قزمية لاحول ولا قوة لها كل يتبع سيده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لتفكك و تذهب إلى جحيم الله
حميد كركوكي ( 2012 / 10 / 24 - 07:35 )
لتفكك ، و تتقسم ، و تتقزم ، هذه الأصطورة الخرافية الأسلامية والدويلات البترولية المرتزقة المخرفة ، وثم ماذا؟؟؟ وبحق إلاههم ،الجبار ، المكار، لا أدمع عيني بدمعة، ما إذا تناثروا في يوم ريح كدقيق منثور بين أشوآك الأرض والكون !

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا