الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة فى مجتمعات أوروبية وإسلامية (٢-٣)

جمال البنا

2012 / 10 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس من شأن الإسلام أن يمتدح المواطنة أو ينقدها لأنها موضوع يدخل فيه تفاصيل عديدة تؤثر على الحكم عليه، ولكن الإسلام قدم ما هو أهم من هذا لدعم قضية المواطنة وتيسير إقامتها وتأكيد حقها فى الوجود المستقل فى آيات عديدة جدًا أطلق فيها الحديث على النصارى واليهود والمشركين والمجوس، وعُنى بوجه خاص بالتنويه إليها، بحيث لا تكون هناك صعوبة فى أن يتقبل الإسلام مجتمعًا متعدد الألوان والأديان واللغات، وسنعرض فى بيان بعضًا من هذه الآيات باختصار:

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة:٦٢).

«وَقَالَت الْيَهُودُ لَيْسَت النَّصَارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَت النَّصَارَى لَيْسَت الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» (البقرة:١١٣).

«قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (آل عمران:٨٤).

«قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ الله وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (سبأ: ٢٤، ٢٥).

وتحدث القرآن الكريم عن اليهود والنصارى حديثاً منصفًا، يمثل الحياد والنزاهة التامة وما يمكن أن يُعد درسًا فى الموضوعية والإنصاف، ففى الوقت الذى ندد فيه بتعصب وإصرار اليهود، فإنه اعترف بما لدى البعض منهم من فضائل، فقال:

«وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (آل عمران:٧٥).

«لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ» (آل عمران:١١٣ - ١١٥).

واستغرب القرآن أن يدعو اليهود الرسول ليحكم بينهم، فقال:

«وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُم التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ» (المائدة:٤٣).

وتحدث عن الإنجيل:

«فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِن التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» (المائدة:٤٦).

«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة:٤٧).

وكان توجيه القرآن للحكم على الآخرين: أن يترك ذلك لله، وأنها أمم «قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ»، «وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ».

ووجه الحديث إلى المؤمنين فيه:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» (المائدة:١٠٥).

«تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (البقرة:١٣٤).

«أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى» (عبس:٥-٧).

«فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» (الغاشية:٢١، ٢٢).

وتقدم الآيتان التاليتان المبدأ الرئيسى الذى يحكم العلاقة ما بين المسلمين وغيرهم:

«لا يَنْهَاكُمُ الله عَن الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة: ٨ ، ٩).

سابقة فريدة .. «صحيفة المدينة»:

على كل حال، إننا نجد سابقة فريدة من نوعها، فعندما أدت الظروف لأن يؤسس المسلمون «دولة» فى المدينة كان بها ثلاث مجموعات مختلفة:

أ - أهل المدينة الأصليون الذين ينتظمون فى قبيلتى الأوس والخزرج، ويطلق عليهم تعبير «الأنصار».

ب - اليهود الذين استوطنوا المدينة وسيطروا على التجارة فيها وبنوا الأطام «الحصون»، وبقوا مع الأنصار فى محالفات.

جـ - المهاجرون وهم عرب مكة الذين آمنوا بالإسلام وهاجروا إلى المدينة فرارًا من اضطهاد المكيين.

وضع الرسول صحيفة يُطلق عليها «صحيفة المدينة» أو «دستور المدينة»، وفى بعض الروايات القديمة «صحيفة الموادعة».

والصحيفة تبدأ بـ:

هذا كتاب من محمد النبى رسول الله من المؤمنين والمسلمين من قريش، وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم .. أنهم أمة واحدة من دون الناس.

ثم تذكر الصحيفة المهاجرين من قريش، وتذكر الخزرج والأوس واحدة واحدة، وتقيم الصحيفة بينهم علاقات تعاون وتكافل، ثم تقول «وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم».

ثم تذكر الصحيفة فئات اليهود على وجه التحديد فتقول:

وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

وأن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف.

وأن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف.

وأن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بنى عوف.

وأن ليهود بنى جشم مثل ما ليهود بنى عوف.

وأن ليهود بنى ثعلبة مثل ما ليهود بنى عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

وأن ليهود بنى الأوس مثل ما ليهود بنى عوف.

وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.

وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.

العنصر البارز هنا هو أن هذه الصحيفة ربطت ما بين المواطنة والمكان «المدينة»، وكما قال الدكتور محمد سليم العوا: «ومن ثم أصبح عنصر الإقليم هو الذى يعطى الحق فى المواطنة، أى فى عضوية المجتمع» (كتاب «فى النظام السياسى للدولة الإسلامية»، ص ٣٢).

إن صحيفة المدينة تقدم لنا مثالاً فريدًا لإعطاء حق المواطنة لكل الذين يعيشون على بقعة واحدة أو من هاجر إليهم مع تعدد دياناتهم وأعراقهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محاولة تلبيس
سامح عبدالله ( 2012 / 10 / 31 - 08:34 )
حضرتك ماجبتش يعني اي سيرة عن الآيات المدنية التي تحث علي قتل غير المسلمين!


2 - ان كنت تدري فهي..
احمد حسين البابلي ( 2012 / 11 / 1 - 13:42 )
كم انت جاهل للامور او انك تتجاهل وهذا مأكد استاذنا (البنا )بما كتبت..اني لا اريد انتقادك لان ما كتبت لا يستحق اي انتقاد لانك لم تقل عن الحقائق كلها الا اني اقول لك اذا كان اسلامنا ونبي اسلامنا عادلا ومتسامحا كما ذكرت في مقالتك اسأل نفسك اين ذهبت اليهود والنصارة والتي كانت الجزيرة والخليج والعراق زاخرة بهم وبثقافتم وكل الشعوب التي غزاها الاسلام خليت من الاديان الاخرى.. استاذ ان الاسلام لا يفعل ما يقول بل يفعل العكس تماما كأن يقول لا تقتل يعني اقتل ولا تقطع شجرة يعني اقطعوا كل الاشجار وكذلك لا تعتدوا على النساء والاطفال يعني ازنوا بهم لانهم حلال عليكم واقتلوهم كما هو مذكور في القرآن والاحاديث.. لا اطيل عليك لانك عالم بكل سيرة الاسلام ونبيهم لذا ارجوا ان تبحث جيدا ان كنت لا تعلم وبعدها تكتب لان الوعي والباحثين عن الحقيقة ازدادوا يا الكاتب الجريئ وشكرا..

اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما