الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعصار -ساندي-: إنتقام إلهي أم غباء بشري؟

وديان حمداش

2012 / 11 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حل إعصار "ساندي" ضيفاً ثقيلاً على الأراضي الأمريكية وحلت معه سيول من التعليقات الجارحة على المواقع الإجتماعية، تعليقات توحي بالشماتة والتشفي من ضحايا الإعصار والتلذذ بمشاهد معاناتهم اليومية لأنهم من وجهة نظر بعض المتعصبين (دينيا وثقافيا وإنسانيا) مجرد "كفار" يستحقون ما أصابهم لبعدهم عن الله وانشغالهم بأمورالدنيا، فجاء الإعصار ليذكرهم بأمور الآخرة. هكذا إذن تحول فريق من الحاقدين إلى فقهاء في علم الطبيعة يُصدرون الفتاوى بعلم أو بدون، ويُنصبون أنفسهم خليفة الله في الأرض: يُكَفِرون و يُذِلون ويُعِزون، ويَدعون الناس إلى الثوبة ويحذرونهم من ويلات الإنتقام الإلهي مستشهدين بما فعل الله بقوم عاد وتمود وفرعون ولوط ،لعلهم يعقلون.

الإله المُنتقم ما بين الشخصنة والتقديس

إن الطرح الذي يقول بأن الكوارث الطبيعية هي انتقام إلهي من بني البشر لأنهم عصوا أوامره أو تقاعسوا في عبادته، هو طرح ساذج بل يَنتقص من عظمة الله (صانع الكون). فالمنطق السلفي التكفيري يُشخصن الله ويجعله بشرا مثلنا (يثور ويغضب وينتقم ويكره ويتلذذ بعذاب الاخرين) وأحيانا أخرى (يحب ويرحم ويغفر ويلطف بعباده)، وهذه كلها صفات بشرية محضة ولا تصلح بأي حال من الأحوال أن تُستخدم لوصف إله كامل ومنزه من كل ضعف أو عيب، إله أقل ما قيل عنه في جميع الأديان السماوية بأنه "ليس كمثله شيء" ولهذه الجملة أبعاد فلسفية كُتبت فيها مجلدات ولاداعي للخوض فيها الان. لكن من حقنا أن نتساءل : كيف ولماذا حول الإنسان إلهه إلى صورة كربونية منه: يغضب وينتقم ويحب ويكره في اّن واحد؟ كيف يكون الله رؤوفا ورحيما بعباده يغفرالذنوب كلها وفي نفس الوقت يصفونه بالمدبر للمصائب والكوارث والمنتقم من خلفائه في الأرض؟ إن التفسير السيكولوجي تجده في الفرويديات التي لخصت الإجابة في جملة واحدة وهي أن "الإنسان خلق الله على صورته وليس العكس"، فقد جعلنا لإلهنا وجها ويدين ورجلين وأطفينا عليه صفات الكره والمحبة والعظمة والإنتقام بدون وجه حق. وقد ناقش سيجموند فرويد‏ هذا الموضوع باستفاضة في كتابه " مستقبل الوهم"، والذي قال فيه بأن الإنسان يرى الله في صورة "الأب العظيم"، أي صورة الأب كما عرفها المرء في طفولته، الأب الذي يحب أطفاله ويخشى عليهم من الأذى وفي المقابل يجب على الأطفال طاعته والخضوع والإمتثال لأوامره.

إن الهدف وراء استخدام صفات بشرية لوصف الذات الإلهية هو تبسيط فكرة الخلق والخالق للإنسان اّنداك، فتخيل معي مثلا إذا قام الله بسرد تفاصيل كتاب خلق الكون للإنسان في العصرالجاهلي بطريقة علمية باستخدام حسابات ومقاييس هندسية/فلكية ومعادلات رياضية معقدة... فهل يُعقل أن يستوعب الإنسان البسيط في تلك الحقبة التاريخية محتوى الكتاب وفهمه؟ بالطبع لا، ونفس الشيء ينطبق على وصف الأديان لله تعالى، فإطفاء صفات بشرية على الخالق قد ساعد على تقريب صورة الإله للإنسان البسيط وشعورهذا الأخير بأن الله مثله وقريب منه (مثل الأب العظيم)، يستمع إلى شكواه ويستجيب لدعواته: فينتقم له من الظالمين وينصره على القوم الفاسقين ويحبه ويرحمه ويغفر له...إلخ وبهذا تصبح العلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة متينة وقوية يشعر من خلالها الإنسان بالإرتياح والإطمئنان على نفسه من ويلات المستقبل لأن الله معه أينما كان (يرى ويسمع ويراقب ويعاقب). لكن مع مرور الوقت وتطور الإنسان العلمي والمعرفي أصبح باستطاعته الإعتماد على نفسه أكثر وفي الكثير من المجالات، فإذا مرض لم يعد يعتمد كليا على الدعوات لله كي يشفيه بل يذهب إلى طبيب مختص للعلاج، وإذا أراد أن ينتصر في حرب يُعِد لها ما استطال من قوة وتخطيط وتدبير ولا ينتظر من إله الريح "انليل" أن يرسل طوفان يُدمر مدن العدو أو يطلب من إله الحرب "آريز" أن ينزل "الهلاك والخراب واللعنة والشقاء" على أعدائه كما كان يفعل أجدادنا، فاليوم أصبح بإمكان الإنسان تدمير العالم عن طريق استخدام (التكنولوجيا النووية) وربما الكون في المستقبل، لهذا أخشى تهور الإنسان أكثر من غضب الطبيعة.

الإنتقام الإلهي: وَهم ورِثناه من أساطير الأولين

إن فكرة "الإنتقام الإلهي" ليست وليدة الصدفة بل كانت سائدت عند القدماء المصريين والسومريين والبابليين والاشوريين والكنعانيين، فهي إرث ثقافي ورثناه عن أجدادنا. ففي زمن بعيد كان لكل عشيرة إله خاص بها تلجأ إليه في وقت الشدة، فإذا أهلك الفيضان بلدا معينا يقوم سكانه بتقديم قرابين لإله المطر، وإذا عصفت الرياح والأعاصير تُقدم القرابين لإله الريح، وإذا أراضوا الإنتصار في المعارك فعليهم إرضاء إله الحرب "آريز". هكذا كانت تُفسر الهزائم والكوارث والإنتصارات في زمن أجدادنا، فمثلا عندما دمرت جيوش العيلاميين مدينة "أور"، حاضرة مملكة بابل القديمة، لم يكن الفكر البابلي قد إرتقى فكريا وعمليا ليفسر ذلك الحدث على أنه نتيجة طبيعية لإنتصار شعب منظم طموح على أمة تحتضر وتعاني من الجهل، بل فسروا تلك الكارثة بأن إله الريح (انليل) هو الذي أرسل ريحا بالليل دمرت مدينة "اور". ونجد نفس صورة "الإله المنتقم" حاضرة بشكل قوي في الأسطورة السومرية القديمة "أنانا والبستاني" والتي تروي بان بستانى إغتصب الالهة "أنانا"، وقامت الالهة بالانتقام منه، فأنزلت الكوارث المهلكة على البلاد حيث حولت مياه الابارإلى دم، فلم يجد الناس ماءا ليشربوه او ليزرعوا به أراضيهم، وفاضت كل الغابات والبساتين بالدم وعم الجوع والعطش فى البلاد. وقد انتقلت دموية الالهة الأسطورية "أنان" وما فعلته بالبستاني وقومه إلى الأديان بحكم التسلسل التاريخي وخاصية التأثير والتأثر بأساطير الأولين، لنجد التوراة تسرد نفس الأحداث تقريبا في ( سفر الخروج 7 : 17) " بهذا تعرف أني أنا الرب ها أنا أضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دما...و مات السمك الذي في النهر فلم يقدر المصريون ان يشربوا ماء من النهر و كان الدم في كل ارض مصر". ولم يعد سرا أيضا أن قصة نوح والطوفان أخذت عن "ملحمة جلجامش البابلية" التي كانت قد قامت بدورها على أساس أسطورة "زيوسودرا" السومرية ، و"زيوسودرا" هو أصل شخصية "نوح".
وللأسف لم يستخدم البشر اسم الله في معاركهم الإنتقامية ضد بني جلدتهم فقط بل استُخدِم أيضا كذريعة لإحتلال أراضي الغير، فنجد كاتب سفر التكوين (15 : 7 ) يخبرنا بأن الرب إختار خليلا ( ابراهيم ) ووعد بأن يهبه هو ونسله أرضا تفيض لبنا وعسلا فقال: " أنا الرب الذي أخرجك من اور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها " وتابع " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات" (15 : 18) وبهذا المنطق تُنهب أراضي الغير بشرعية إلهية لا يستطيع العالم أن يجادل فيها أو يناقش.

هكذا إذن كانت تُفسر الكوارث الطبيعية بطريقة غيرعلمية يتم إلصاق المسؤولية المطلقة فيها لله، فهو من يغضب ويدمر وينتقم ويشرد ويفقر... وقد ورثنا هذا الطبع عن أجدادنا وهذا هو سر فشل شعوبنا العربية، فنحن أكثر الشعوب استخداما للمبررات لتفسير فشلنا والله دائما هوالشماعة التي نُعلق عليها انهزاماتنا وأخطائنا. فإن كنت فقيرا يقال لك "الفقراء يدخلون الجنة" وإذا تشردت في الشارع يقال لك "الله سيبني لك قصرا في الجنة"، وإذا كنت مريضا تقف في الطابور لساعات أو أيام كي ترى الطبيب وبعدها تموت بسبب الإهمال والإستهتار بحياة الناس يُقال لك " الأعمار بيد الله" ، وإذا كنت عاطلا عن العمل يقال لك "إنها فرصة للتقرب من الله"، وإذا لم توفر الدولة أدنى متطلبات الحياة لمواطنيها يقال لك " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وإذا طالبت بحقوقك في العيش الكريم يقال عنك: شيوعي، ماركسي، كافر ومرتد، وفي الاخر يحللون دمك، لكن لا تقلق "فالمؤمن مصاب".

الكوارث الطبيعية من المنظور العلمي

إن التفسير العلمي السليم للكوارث الطبيعية يجب أن يستند على دراسات علمية دقيقة، لا على تأويل الأساطير والرجوع إلى الخلف، إلى زمن الإله الشخصاني. إن وجود الكوارث مرتبطا إرتباطا وثيقا بتغيرالمناخ الذي ساهم الإنسان بشكل كبير في صنعه بغبائه واستهتاره وطمعه، وللحد من خطورته يجب علينا القيام بدراسة شاملة لإستيعاب سبل تدارك الكوارث أي الإدراك المسبق بقدومها والإستعداد للتصدي لقوتها عبر إنشاء نظام «الإنذار المبكر»، فساندي إذا زارت منطقتنا العربية ( المتجمدة فكريا) ستُمحي اثارنا من خريطة العالم ونصبح عرضة لسخرية القدر. إنه من العيب والسذاجة أن نستمر في التفكير بطريقة أجدادنا بأن "الخالق ينتقم" من الناس، أيعقل أن يترك الله الكون برُمته ويتفرغ للإنتقام من كوكب لا يُمثل سوى حبة رمل في صحراء قاحلة أونقطة في محيط؟ إن أبعد مجرات تم تصويرها تبعد حوالي 10 إلى 13 مليارسنة ضوئية عن كوكبنا، ويمكنك تخيل شساعة الكون، أما عدد مجراته فهو مهول، فمجرتنا وحدها " درب التبانة " تحتوي على أزيد من 200 مليار نجم، أما العدد الإجمالي للمجرات في الكون المرئي فيقدر ب 200 مليار مجرة داخل كل واحدة منها أكثر من 200 مليار نجم (مثل كوكبنا)، طبعا الرقم خيالي ويصعب علينا كتابته أو حتى تخيله، لكنه يعطينا فكرة عن عظمة صانع الكون واستحالة وصفه بصفات بشرية أو حتى القول بأنه يتدخل في شؤون الإنسان الداخلية، فنحن نعتبرحديثي الولادة "طفل رضيع" عُمركوكبنا لا يتعدى 5 مليار سنة، مقارنة بالكون والذي يقدر ب حوالي 14 مليار سنة. فاسأل نفسك، هل خلق الله هذا الكون الشاسع ولمليارات السنوات كي نعبده ونتبع أوامره وإلا سيغضب وينتقم؟ وحتى إذا افترضنا جدلا بأن الله لا يفعل شيئا سوى الإنتقام (يراقب ويعاقب) فهل يعقل أن ينتقم من الأطفال الرضع من الشيوخ والمحتاجين، من الحجر والشجر والحيوانات؟؟ ولنفترض أن إعصار"ساندي" كان عقابا إلهيا فكيف نفسرما حدث في بلاد المسلمين من كوارث طبيعية فى بنغلاديش ( 2008-2009)، واليمن (1981 ) والقاهرة (1992 ) والجزائر(1954 ) وزلزال ليبيا ( 1990) وفيضانات أندونسيا (2004)؟؟ وكيف نفسرغرق عبارة السلام 98 المصرية والتي كان على متنها مصريين عائدين من أداء مناسك الحج؟ وكيف نفسر أيضا الجفاف والمجاعة وانتشار الأمراض والأوبئة في البلدان الإسلامية وعدم الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط (مهد الأديان السماوية الثلاث) حيث يُقتل يوميا عشرات أضعاف من ماتوا في إعصار "ساندي": ففي سوريا وحدها وفي أقل من سنتين قُتل ما لا يقل عن 36 ألف سوري على أيادي أشقائهم السوريين، ويتكرر نفس السيناريو في العراق وليبيا واليمن ولبنان...الخ

إن العنف الطائفي أشد من لعنة وغضب الطبيعة، فالإعصار على الأقل لا يفرق أو يختار ضحاياه بسبب العرق أو اللون أو الدين أو السن، لا يفرق بين الشيوخ والأطفال والرضع و بين الصالح والطالح؟ لكن نحن بنو البشر من نحدد ونختار ونغضب فنقتل وننتقم ونُدمر بدون ضمير ولا رحمة. فكفانا أساطير ولنستمع إلى صوت العقل ونُفكر في مصير الإنسانية بصفة عامة بدون جرد وفرز، فهَمنا واحد ومصيرنا واحد ولتكن هويتنا واحدة وهي "الإنسانية" هذا، إن أردنا أن تستمر الحياة على هذا الكوكب المعلق في الفضاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العتب على الاغبياء الذين يصدقون الشيوخ
حكيم العارف ( 2012 / 11 / 7 - 01:21 )
الشيوخ دول كانهم يخاطبون عقول اطفال .... الكوارث والمجاعات التى فى بلادهم هى حكمه من الله لاختبار ايمانهم ولكن نفس الكوارث والمجاعات التى تحدث للاخرين هى عقاب الهى ...

ولكن العتب على من يصدقهم من الاغبياء


2 - ليفسّروا لنا نكبات المسلمين من بدء تاريخهم وللآن
ليندا كبرييل ( 2012 / 11 / 7 - 06:40 )
أراك كأنك زعلان من منطق السلفيين يا أستاذ.. ولمَ الزعل؟ دعهم ينشرون مما عندهم من غسيلهم الوسخ المؤنتَن، هذه ثقافتهم ومن تراثهم يجودون
يا ليتهم يذكرون لنا ضرب الكعبة وسرقة الحجر الأسود كيف حصل هذا تحت عينيْ الله؟
أنا لم أقل ( نظر الله وإنما قلت عيني الله: ذلك أني أفعل مثلهم وأجسّد الله )
ذكرت هذه الجملة في المقال

تخيل معي مثلا إذا قام الله بسرد تفاصيل كتاب خلق الكون للإنسان في العصرالجاهلي بطريقة علمية باستخدام حسابات ومقاييس هندسية/فلكية ومعادلات رياضية معقدة... فهل يُعقل أن يستوعب الإنسان البسيط في تلك الحقبة التاريخية محتوى الكتاب وفهمه؟

أستاذ
القرآن أشد صعوبة من كتاب خلق الكون، لذا لم يفهموه، والدليل ظهور الشروووووحااات وشروحات الشروحات، منذ ذلك العصر وللآن
والسؤال
لمن أنزل الله القرآن؟ ألهؤلاء الأميين ؟
ولم أنزله بهذه اللغة الصعبة؟
وكيف يفهمها أهل آسيا الجنوبية؟
الحياة على الكوكب تريد أن تسير بمنطق الإنسانية
لكنهم يريدون تسييرها بمنطق الإسلامية
إسلامية وبس وعلى طريقتهم

الشكر والاحترام لحضرتك

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال