الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفاصيل

فواز قادري

2012 / 12 / 13
الادب والفن


لن نتعب من كتابة مأساة شعبنا التي لم تنته، صحيح، لم تعد الكتابة عن مئات الشهداء في اليوم الواحد ولا تكرار الكتابة عن المجازر التي لم تتوقّف، تشفي الغليل، لا الحديث عن دمار المزيد من المدن والقرى، بكلّ صنوف الأسلحة وحتى المحرّمة دوليّاً منها، ولا الحديث عن عشرات ألوف الشهداء والمعتقلين وملايين النازحين الهاربين من موت أكيد، قادر أن يجعل العالم ينظر نظرة مختلفة إلى بشاعة ما يحدث لشعبنا! لهذا سنكتب عن التفاصيل المهملة، سنكتب عن أوجاعنا الصغيرة مثلما كتبنا عن أوجاعنا الكبيرة، سنكتب تفاصيل التفاصيل، مهما بدت صغيرة وهامشيّة في لوحة الموت السوري السورياليّة والعصريّة جداً!

في الفيديو طفل يحاول أن يخطو أمام خيمة اللجوء، بحذاء منزليّ من البلاستك، إصبعه الكبير الخارج من مُقدّمة الحذاء، يمتدّ كلسان يسخر من ضمير عالم بارد يتفرّج على الأطفال السوريين وهم يموتون من البرد، بعد أن هربوا من كل أشكال الموت الذي يتربّص بهم، إصبع وحيد يتحرّك في المقدّمة، تاركاً خلف بقيّة القدم الصغيرة، قارة شاسعة من الوحل! الطفل شبه حاف في زمهرير يأكل أضلاع الحديد، فكيف بالأطفال؟ الطفل "بشحّاطته" الواسعة، لم يكن يرتجف على الأرض المبلولة بالمطر، صديقتي التي رأت فيديو الطفل بحذائه العجيب، هي التي كانت ترتجف ويرتحف صوتها: "لايكفي موقفه المخجل من الثورة السوريّة، والذي لم تغيّره كل مآسي شعبنا، بل يريد منّي أن أساعده لأنّ أحواله صعبة وهو بحاجة إلى المال. ماذا يعني أنّ يكون أخي؟ أنا أخوتي من يقفون مع شعبهم ويحسّون بمعاناته والكثير منهم يقدّمون أرواحهم، أمثال هذا الطفل الصغير وهم بالآلاف، بحاجة إلى كل قرش، لا لن أساعده وليذهب إلى قاتل الشعب ومدمّر البلد ويطلب منه المساعدة." لم أعرف ماذا أقول؟ وأنا أرى الدموع في عينيها وأتفهّم حالها! قلتُ في نفسي: أيّة أواصر فكّكتْ مأساتنا الخرافيّة؟ وأيّة أواصر جديدة ستجمع قلوب الناس؟
**
دير الزور، مرّة أخرى!

حين أحاول أن أجري مسحاً لذاكرتي عن المدينة، لا أستطيع أن أفكّك الأمكنة عن بعضها، تتداخل الحارات مثلما تتداخل
الوجوه وتتشابه، أتذكّر أشخاصاً، لم أعتقد يوماً، أنّهم سيكونون فيها، كل شيء أصبح عزيزاً وغالياً حتى الذين لم أكن أرتاح لهم والبعض منهم فاجأني بموقفه المُشرّف من الثورة، عكس المتوّقع! لا أترك فرصة حين تتاح، لكي أسأل عن فلانة وفلان من هؤلاء الذين شاركوني الهواء والماء الفراتيّ ذات يوم! هكذا حالي مع الناس البعيدين، فكيف بالأصدقاء؟ الكثير منهم لا أعرف عن أخباره شيئاً: ربيع شطيحي: أينك يا صديقي؟ على أيّ أرض تمشي؟ وعلى أيّ وجع تنام؟ نذير العاني: أيّ سماء تتّسع دمعتك الآن؟ مثلما اتسعت ضحكتك رغم غيومها الحالكة يا صديقي! عبد الملك عساف: أين تواري حكمتك في هذه العاصفة؟ غرز الجازي: ما الذي تُخبّئ للغريب عندما يعود؟ زياد مشهور: ماذا تفعل بفائض صمتك بعد كلّ انفجار؟ عبد القهار السرّاي: احتفظ بفائض الحديث لريثما أعود! عبد الله طعمة: مازال لحديثنا بقيّة، فلا تفرّط به، يحيى العاني: أينها أراضيك يا صديقي؟ جمال العنتري: خبّئ حكايتك السوداء ليوم أبيض قادم، أبو انمار، وجمال عبد الحي، ووليد، ونبيل، ومعن، ونضال، ورفيق، وعمّار، وحازم وآخرين وهم كثر، يا ويل قلبي ما أكثرهم!: تتسع الحياة رغم كلّ هذا الموت يا أصدقائي! أصدقائي وصديقاتي الذين أعرف بعض أخبارهم أو كلّها: أحمد، يحيى، بشير، مراد، فؤاد، عبد العزيز، رافع، سفيان، رافع، كرم، عامر، عيد، زكريا، باسل، نورس، عبّود، غادة، فلك، تهاني، ملاك، ياسمين، زينة، علي، أماني، سميرة، سوسن، أم يعرب، أم ذياب، أم عبود، كاريمان، شهناز، فرح، لولو، مهنّد، أماني، ياسمين: جواهر وآخرين: ثمة فرح ينتظر، فلا تفرّطوا بأجنحة الطيور!


أفتّش عنّي في ما تبقّى منكِ
أقلّب الحطام حجراً حجراً
تحت ركامكِ ذكرياتي
هنا مشيتُ
وهنا اغتسلتُ بالفرات
وهناك ودّعتُ الأصدقاء
هنا حلمتُ بكِ حرّة
وأنا ألفّ بالأغاني رأسي المصدوع
هنا كتبتُ رسائل عتب للصباح
هنا غنّيتُ:
"ضرب الخناجر ولا حكم النذل بيّا"
الرخّ المعدنيّ مازال يطير
حمام الجبيلة مجروح الأجنحة
نصفكِ يمشي مع الدم
ونصف يحاصره الحصار.
**
سننسى
ونحن نلملم الفجيعة
من على ألف طريق.
أحمر ما يرشح من عروق الطين
وأحمر ذلك الوحل العالق بالأرواح الهاربة
وأخضر أخضر
دفتر الصبي المنسيّ تحت الحطام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع