الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسئلة المقلقة للتاريخ السياسي المغربي المعاصر

رضا الهمادي

2013 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يقف الدارس للتاريخ المغربي "الرسمي" للسياسة ببلادنا على مجموعة من المفارقات و المتناقضات المفضوحة، كما يقف على مجموعة من الثقوب السوداء التي تترك المؤرخ فاغرا فاه لحجم العبث و التزوير و الأذى الذي ألحقته الدوائر بالتاريخ السياسي المغربي. في هذه المقالة سنستدل بثلاث أمثلة لمحاولة طرح الثقوب السوداء و علامات الإستفهام التي تكلمنا عنها. ثم سنترك الأمر لذكاء القارئ لفهم المستفيد الأول من العبث بذاكرة جماعية للمغاربة الذين هم أحق الناس بفهمها على حقيقتها

المثال الأول: حين نبحث عن اسم "دار بريشة" في كتب التاريخ نجد صفر جواب. لكن الكل يعرف أنه معتقل سري كان تابعا لحزب الإستقلال، يوجد مقره بتطوان و كان مخصصا لاعتقال أعداء الحزب و تعذيبهم والتنكيل بهم كأعضاء جيش التحرير الذين رفضوا الإستقلال الشكلي الذي حصلنا عليه و الذين أزعموا على استكمال النضال لتحرير باقي ربوع الوطن (سيدي إفني و الصحراء). كما كان هذا المعتقل سيء الذكر مخصصا لاستقبال بعض مناضلي حزب الشورى و الإستقبال و بعض المناضلين الشرفاء الذين رفضوا سياسة هذا الحزب الذي حاول فرض نفسه كحزب وحيد و حاول فرض منطق دولة داخل الدولة علىباقي المؤسسات في مرحلة من المراحل التاريخية التي لم يشملها توثيق دقيق. ك يف استطاع حزب الإستقلال بنفوذه طمس هذا المعتقل من التاريخ المغربي؟ ولماذا تتعالى الأصوات والصراخ بمجرد تذكر هذا الإسم؟ ألم تعط الدولة المثال الصحيح حين كانت لها الشجاعة للتصالح مع ماضيها (ولو بطريقة جزئية) و دونت كل وقائع سنوات الرصاص في تقارير رسمية وجلسات علنية؟ لماذا يرفض حزب الإستقلال التصالح مع ماضيه و الإعتراف بأخطاءه؟ ألم يكن سباقا لسن عادة المعتقلات السرية قبل الدولة نفسها؟


المثال الثاني: كلنا نعرف أن المهدي بنبركة مناضل فذ قاد صراعا طويلا من أجل استقلال المغرب، ثم من أجل منازعة حزب الإستقلال والمؤسسة الملكية على الحكم. والحق يقال أن اختفاءه يشكل لغزا سياسيا و مصابا جللا للزمن السياسي المغربي آنذاك. لكن يبقى للرجل أخطاءه، فإضافة إلى كونه أصيب بالعمى الإيديولوجي في بعض مراحل مساره تشير الكثير من أصابع الإتهام إليه لتسببه في مقتل عباس لمساعدي، أحد رجالات الريف الأفذاذ انتقاما من طرده لبنبركة من الريف شهورا قبل ذلك. لماذا يرفض الإتحاديون حتى مناقشة الموضوع كما لو أن السي المهدي من الأنبياء؟ لو كانوا متأكدين من برائته لطلبوا هم أنفسهم فتح تحقيق أو على الأقل بحث تاريخي في الموضوع حتى يدفعون التهمة عن الرجل و يتركون روحه ترقد بسلام. لماذا لم يدفع اتحاديوا حكومة التناوب في اتجاه كشف ملابسات اختفاء قائدهم التاريخي؟ هل لاستمرار هذا الملف مفتوحا كل هذه السنوات مكاسب يجنيها أصدقاء المهدي بنبركة؟ أو أن الملف أصبح ورقة ضغط ومزايدة سياسية بامتياز؟

المثال الثالث: كيف تم صنع زعماء سياسيين في لمح البصر و جلسوا في مقاعد جنبا إلى جنب مع صانعي التاريخ الحقيقيين؟ كيف وجد أوفقير نفسه في السيارة الملكية التي طافت بشوارع الدار البيضاء بالملك محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى و قد كان مجرد ضابط نكرة في الجيش الفرنسي؟ ليجد نفسه سنوات بعد ذلك أقوى رجل بالمملكة بعد الحسن الثاني و مسؤولا عن محاولتين انقلابيتين. كيف وجد المحجوبي أحرضان نفسه على رأس حزب سياسي و هو الآخر القادم من الجيش الفرنسي؟ و كيف كون جيش تحرير مزيف لتسلق السلم السياسي؟ و كيف وضع يده في يد الدكتور الخطيب رجل القصر بامتياز والذي خرج من رحم حزبه حزب العدالة والتنمية إلى الوجود؟ كيف وجد أحمد الزايدي نفسه مرشحا للكتابة العامة لحزب الإتحاد الإشتراكي وهو الذي قيل عنه أنه "ناضل" في حزب الكوكوت مينوت؟ بل كيف كان الراضي الإشتراكي ـ الإقطاعي يصيد الحلوف مع ادريس البصري بينما رفاقه في المعتقلات و السجون؟ وكيف لرئيس حكومتنا الحالي أن يجد نفسه في الشبيبة الإسلامية بعد أن ناضل في حركات اليسار؟ ألم يخرج حزب البيجيدي نفسه من القصر؟ ألم يكتب الرميد المحامي تقريرا عن الحركات الإسلامية رفعه إلى البصري ادريس الذي قدمه بدوره إلى الحسن الثاني حتى يعطي للدكتور الخطيب الضوء الأخضر لنزول الشبيبة الإسلامية إلى معترك السياسة؟ أين ذهب ثراث عبد الكريم الخطابي و تاريخ المقاومة الريفية؟ ما هو سر انتفاضة عدو أوبيهي عامل الراشيدية بعيد الإستقلال؟ ومن المسؤول عن سوء الفهم الكبير بين الدولة المغربية و الطلبة الصحراويين و الذي انتهى بحرب في الصحراء و احتضان الجزائر لهم و تشجيعهم على المطالبة بالإنفصال؟

هي مجموعة أسئلة لا نجد لها جوابا في التاريخ الرسمي و هو ما يجعلنا نعيش حالة "ميتافيزيقا تاريخية" بامتياز. قبل ختم هذا المقال أود الإشارة إلى أن الهدف منه ليس التجريح و الطعن في مصداقية أشخاص بعينهم. بل يبقى الهدف هو طرح كل الأسئلة المقلقة و الطابوهات التاريخية لبلادنا وكذلك محاولة إطلاق نقاش جماعي لمحاولة فهم الدوافع وراء كل هذا الضرر بماضينا المشترك. إن الشعوب التي تفقد ذاكرتها تصاب بالوهن والشحوب و الهزال لما للذاكرة الجماعية من دور كبير في فهم الحاضر و التطلع إلى المستقبل

رضا الهمادي
باحث في الإعلام و التواصل
الكاتب العام لمنتدى الأطر الشابة الديمقراطية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم