الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والسعادة في فلسفة سبينوز

محمد رتيبي

2013 / 1 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السعادة والحرية في فلسفة سبينوزا
ترجمة محمد رتيبي
الكاتبة : كارولين أندرسن
بتاريخ: 21-09-2011
كلمة هامة :
نظرا لأنني لم أجد المقابل لبعض المفاهيم التي كان يستعملها سبينوزا ، فقد احتفظت بمعناها الأصلي ، ككلمة الإيتيقا ، لم أرد ترجمتها بالأخلاق ، وذلك لعدة أسباب لا يكفي الوقت لشرحها ، هذا ويجب على القارئ الكريم أن يعلم أنني حاولت بأقصى جهدي تجنب الابتعاد عن النص الأصلي ، لذا أوجه الشكر للأستاذة كارولين التي سمحت لي بترجمة هذا المقال ، ونظرا لوجود تكرارات في النص الأصلي ، فقد عملت جاهدا على حذفها ، وبطبيعة الحال بمشورة من الأستاذة الفاضلة .
.

إن الفلسفة السبينوزية ، هي لحظـة مفصلية في تاريخ الفكر الغربي ، وذلك لما فـيها من جـرأة ، فإذا ما رجعنا إلى القرن السابع عشر ، أي قرن سبينوزا لوجدنا أن أوربا كانــت لا تزال تعاني من رواسب الفكر الديني ، القـــائم على التزمت والجهـــل ، لذا فقد كان غرض سبينوزا ، شأنه ، شأن فلاسفة عصــره ، إخراج الـــناس من التفكــــير الخرافي الضيق ، إلى أفق علمــــي رحب وواسع . لهذا انخرط الفيلســــوف في المعمعـــة السياسية لعصره ، وذلك لنصرة التوجه المستنير ، الذي مثله يان دوويث ، غير أن الأصـــوليين المتـــزمتين قتلوا يان دو ويت ، الشيء الذي كان له التأثير البالغ على الفيلسوف ، فما أن مـــات دي ويت حــــــتى قرر سبينوزا إتمام كتابه الشهير الإيتيقا ، هذا الكتاب الذي رافق فيلسوفنا ، حيث تطلب منه مدة طويلة لإتمامه لهذا ، يمكن القول أن الإيتيقا هي رفيقة العمر . ولا غـــــرابة في ذلك ، فهذا الكتاب بالإضــافة إلى منهـــــجه الرياضي الصارم ، فهو يحوي أفكارا متميزة ، كان لها دور أساسي في شق طريق الحداثة ، عن طريق استبعاد التفكير الخرافي ، وإحلال محله تفكير علمي منطقي قل نظيرة عند فلاسفة ذلك العصر . لكن الســـؤال الذي يمكن أن نطرحه ، والذي سيشكل نقطة انطلاقنا في ترجمة هته المحاضرة كالتالي : لماذا يشكل الإتيقـــــا محطة جوهرية في تاريخ الفكر الأوربي الحديث ؟ بعبارة أخرى ، ما مبررات العودة إلى الإيتيقا؟
يشكل الإيتيقا أعظم كتاب في تاريخ الفلسفة ، وذلك لأن سبينــــوزا أرسى من خلاله صــرحه الأنطلوجي ، والأخلاقي ، فقد تطرق فيه لإشكالية السعادة ، إذ أن السؤال الذي طرحه الفيلســــوف كان على الشاكلة التالية : ما السبيل إلى تحصيل السعادة ؟
لقد كان سبينوزا من بين الفلاسفة القلائل ، الذين استطاعوا تقديم إجابة مرضية لهذا السؤال المغــــرق في القدم ، حيث ذهب إلى أن السعادة لا يمكن أن تتحقق إلا باستبعــــاد كل ما هو غامض ، ومن هنا ســـــر عظمة سبينوزا الذي قال عنه هيغل . بأنه أعظم الفلاسفة على الإطلاق ، وقد وصفه الآن إذ قال عنه بأنه نموذج الرجل الحر . أما جيل دولوز فلم يستطع هو الآخر إخفاء إعجابه بحيث ذهب إلى أن سبينوزا هو من أكبر الفلاسفة على الإطلاق . أما ألبرت أينشتاين ، فقد أعلن إعجابه بمادية سبينوزا .
لقد وجه سبينوزا كتابه الإيتيقا إلى الفلاسفة ، وليس إلى العامة ، وذلك لما لقيـــه من يلات إثر نشره لرائعته الفلسفيـــة ، ورقته في اللاهوت والســــياسة ، فالإيتيقــــا موجه إلى أولئك الذين ليس لهــــم غرض اللهم غرض البحث عن الحقيقة واليقين ، لهذا استعان سبينوزا بالمنهج الهندسي ، وذلك حتى يوضح أفكــــاره ، أولم نقل عنه بأنه فيلسوف الوضوح . لقد شيد بناءه الضخم بطريقة صارمة تفرض نفسها على العقول ، حين اســتعان بمنهج علمي ، وإن مثله في ذلك لكمثل الرجل الذي يسير من الأدنى إلى أعالي المعرفة . لقد تم صد الأغلبية عن قراءة الإيتيقا ، وذلك لأنها تتطلب مجهودا كبيرا ، هذا المجهود الذي لن يبدله إلا الفيلســـوف ، فحــــتى أنا واجهت صعــــوبات عندما كنت لا أزال أدرس في جامعة نيس ، حيث استغـــــرق مني كتاب الإيتيقا عدة سنوات ، وبمساعدة أفضل مفسريه على الإطلاق ، أقصد الأستاذ والمفكــــر فردنان ألكيي ، وجـــــويرول وألكسندر ماتيرون وروبرت ميسراحي .
إن الهدف من الإيتيقا هو تحقيق سعادة النفس عن طريق الحب وإبراز القـــوة الأخلاقية . إن المرء ليــدرك بدهشه سعيدة أن كل ما في هذا الوجود ، إنما هو تعبير عن جوهر لامتناهي ، جوهر يشكل طاقة الكون ، وبما أن هذا الموجود ، هو أساس باقي الموجودات ، فإن كل ما في الكون له معنى .
ولما كان الله أو الجوهر هو الموجود المطلق والكامل ، فإن حبه هو سعادة الإنسان ، إذ أن هـــذا الحب لا يترك مجالا للآلام والانفعالات ، وبالتالي يصير الإنسان متحررا من الخوف .
إذا نحن نظرنا إلى الفلسفة السبينوزية بعمق سنجد أن أول هدف وضعه سبينوزا هو الكشف عـــن حياة الإنسان السعيدة ، الأمر الذي يتحقق عن طريق الحب العقلي لله . إن هذا الحب هو الغاية القصوى لبني الإنسان ، وذلك لأننا كلما ازددنا حبا له ، كلما تحررنا من مخاوفنا وانفعالاتنا .
إن السعادة لا تكمن لا في المال ولا في الشهوة أو النساء ، وذلك لأن المال زائل لا محالة ، أما الشهــــوة فإنها تجعل صاحبها يفقد طمأنينته ، حيث يصير شقيا في سعيه إليها ولعل خير مثال على ذلك هو أن الرجل الذي يطلب النساء لا يعرف إشباعا لشهوته ، إذ كلما قضى غرضه مع إمرة ظـــهرت له إمرأة أخرى . والحــــــق أن السعادة تتحصل للرجل الذي تحمله نفسه على حــب الحياة ، لأن هذا هو المبدأ الذي يجب أن يسيــــر على هديه الحكيم ، وإن الرجل الحكيم ليتأمل في الحياة لا في الموت ، إذ يحس أنه مشارك في وحدة الكون ، بما هو جزء من الله ، أي من حيث هو فكر وامتــــداد . لهذا فالسعادة لا تتأتى من الإيمان بالمـــــفارقة ، بل من الإعتقاد أن الله محايث للطبيعة ، وأنه الطاقة الحيوية التي تحرك الكـــون ، وتمده بقوانين عقــــلانية صــــارمة لا يحيد عنها قيد شعرة .
إن السعادة القصوى تتحقق عن طريق المعرفة العقلية لله ، لذلك فالسعادة لا تتحقق بالرغبات المـــادية ، بل إن الرجل الغارق في الشهوات لا يرى في هذا الأمر إلا ضربا من السخافة ، وذلك لأنه اعتاد على الغرق في ملذاته . غير أن حب الله ، لا يجب أن يصدر عن مصلحة ، فمثلا يجب أن أحب الله لا لشيء آخــر ، بل لأنه العلة السببية للكون ، فإذا ما توصلت إلا هذا الحب ، زال الغموض الذي من شأنه أن يســـاور العقل.
مما لاشك فيه أن الإنسان يسعى للحفاظ على وجوده ، وكيانه ، هذا هـــــو المصدر الأول للفضــــيلة ، وتبعا لذلك فكل ما يساهم في هذا الغرض هو خير بلا شك ، وكل ما يهدده فهو شر ، لذلك كان لزاما عــلى المرء أن يلتمس السبل التي من شأنها أن تحقق له الفرح والسرور ، وأن يجتنب كل ما يعكر صفوة حــــياته . وإن الرجل الحكيم ليدرك أن لا حول له ولا قوة أمام الطبيعة ، أو الله ، وذلك لأنه مســــير من قبل عقل الله . لذلك كانت معرفة الله ، معرفة عقلية ، هي الخير الأسمى ، الذي لا يستطيع أي خير آخر أن يعـادله ، وبعبارة أخرى إن السعادة تكمن في معرفة القوانين الأزلية التي تسير الطبيعة ، أي معرفة الطبيعة وقوانينها من منظور أزلي .
كنا قد قلنا في أحد المحاضرات السابقة ، إن مذهب سبينـــوزا ، يقود بالضرورة إلى فكرة الجبر ، فما السبب الذي دفع الفيلسوف إلى تبني هذا التصــور ؟ السبب كما تعلمون يكمن في أن الإنســــان جزء مــــــن الله أو الطبيعة ، لذلك فالإنسان خاضع لقوانينها ، بما هو جزء منها . فكل شيء خاضع للضــرورة ، بل إن الوجـــــود بأسرة خاضع لهذا المبدأ ، وما شعور الإنسان بحريته ، إلا شعور يعتريه النقص . لأن الإنســـان خاضـــع لإرادة أعلى منه ، هي إرادة الطبيعة أو الله . ولكن هل هذا يعني أن الفرد لا يستطيع أن يكون حرا ؟
إن الرجل الحر هو الذي يستطيع أن يسيطر على انفعالاته ، وأن يفهمــــها . وهو بهذا الأمر يستطـــــيع فهم الطبيعة ، وإدراك أن كل شيء فيها خاضع للضرورة ، فحتى الله لا يمكن القــول أنه حر حرية مطلقـــــة ، لأنه يتصرف وفق الضرورة ، أي بموجب طبيعته .
إن الحرية تتحقق عن طريق المعرفة ، لأن العبودية ليست إلا سيطـــرة الانفعالات على الإنســان . فالإنسان يعتقد أنه حر في أفعاله لكن مثل هذا الشعور لا يعدو أن يكون جهلا بالأسباب الحقيقـــــة التي أدت به إلى ذلك الفعل .
هكذا قدمنا هذا النص الموجز الذي يلخص موقف سبينوزا من السعادة والحرية ، وعلى العموم يمكن القول إن الفلسفة السبينوزية كانت مرحلة ناضجة من مراحل الفكر الغربي ، بل والإنساني ، لأن هاته الفلسفة لا تستمد إلا من الطبيعة البشرية ، منظورا إليها على أنها جزء من الطبيعة ككل . وقد أصـــــاب جيـــل دولوز عندما وصف سبينوزا إذ قال عنه بأنه أمير الفلاسفة .

هذه الترجمة لم تكتمل ...يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات