الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤيا عامة لحالة سياسية جديدة

عادل أحمد

2005 / 3 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


1/ يتفق جميعنا على خطورة المرحلة التي يمر بها وطننا ، فالأحداث الدولية المتسارعة بعد الحادي عشر من أيلول والتي بدأت بأفغانستان والعراق والتي وصلت راهنا إلى لبنان وسوريا توضح بجلاء أن الولايات المتحدة ماضية في تنفيذ سياستها القائمة على التحكم والسيطرة على القرار الدولي ، على السياسة والاقتصاد الدوليين ، مستفيدة من ظاهرة العولمة التي صهرت أو كادت تصهر العالم في بوتقة واحدة ، ومستخدمة إياها كسلاح نافذ في الوصول إلى أهدافها . يشكل " الشرق الأوسط الكبير " بالرؤية الأمريكية الهدف الآني والملح للولايات المتحدة ، ومن هنا نتلمس مدى الجدية في الضغط الراهن على النظام السوري الذي أصبح في دائرة الخضوع الكامل لرغبات الإدارة الأمريكية . إن هذا الضغط والإرادة الأمريكية التي تحركه لم يأتيا حبا بالديموقراطية ، ولا كرها بالنظام ، وإنما لأن هذا النظام قد أدى وظيفته أولا ، وفقد القدرة على التأقلم الكامل والمطلق مع التوجهات الأمريكية الجديدة ، أي أنه بوضعه الراهن لم يعد قادرا( من حيث القبول الشعبي ) على تمرير السياسة الأمريكية، والتي أضحت بحاجة إلى أدوات جديدة وعصرية تتناسب ولو شكلا مع الأطروحات الأمريكية ( الليبرالية) . ونلفت هنا إلى أن هذا الهد ف إنما يخدم الهدف الأكبر والذي هو إدخال الدولة الصهيونية في المحيط العربي والوصول إلى التطبيع ومن ثم قيادة هذه المنطقة اقتصاديا وسياسيا وتأمينها كأحد أهم مناطق الثروة الباطنية ( النفط) . وبالطبع فان هذا لن يحدث ما لم يحصل حل كامل لما يطلقون عليه – نزاع الشرق الأوسط- ، طبقا لرؤيتهم وبما يخدم توجهانهم دون الالتفات لحقوق الشعوب والدول ومصالحها .
2/ ولأن النظام بتركيبته البنيوية الراهنة لا يمتلك الإرادة لمقاومة هذا النهج وتلك السياسة مما ينعكس سلبا على مصالح الوطن والشعب ، فان المأزق الراهن لا بد أن يجد حله في أحد الاحتمالات التالية :
- استمرار هذا النظام بالاستجابة للرغبات الأمريكية كاملة وهو ما حصل ويحصل راهنا بالتضاد مع مصلحة الشعب والوطن ، ويحفظ دوام النظام واستمراره ولو إلى حين . وهذا يعني استمرار الضغط الخارجي وسقوط النظام بفعل الخارج وهو ما يضع سوريا أمام المجهول .
- وإما أن يحصل التغيير في بنية النظام السياسية والاقتصادية والإدارية بتوافق وطني وشعبي يكون النظام جزءا منه .
ولأن الاحتمال الثاني هو المرجح ، ونظرا لما يتمتع به النظام من طبيعة مناورة واقصائية للآخر فانه قد يلجأ إلى محاولات ترقيعية تفسح في المجال لقليل من الحرية وعمل المؤسسات وبالتالي يتوقف نجاح مثل هذا الاحتمال ووصوله إلى مديات تصلح لأن تكون عاملا فعالا في الوحدة الوطنية والتقدم حثيثا نحو نظام وطني ديموقراطي على وجود حراك سياسي فعال وقوى موحدة تدفع في هذا الاتجاه وتجبر النظام على تقديم التنازلات المطلوبة منه .
ولأن طبيعة الحياة السياسية في سوريا لا تزال رهينة لمفاعيل الماضي الثقيلة ، ولما تتصف به من سكون وموات سياسي ، من خوف ورعب أضحى داخليا أكثر مما هو خارجي في الذات الإنسانية لدى كل مواطن ، بحيث يشكل المواطنون عددا من الذوات المتحركة الباحثة عن لقمة الخبز غير مكترثة بالهم الوطني والقومي ، ونظرا لما تعانيه المعارضة السياسية السورية ومنظمات المجتمع المدني من ضعف وتشتت وتقوقع على الذات ، وعجز عن التحرك المشترك والفاعل وذلك نتيجة لكونها تمثل الوجه الآخر للنظام من حيث هي تحمل كافة أمراضه وأزماته .
ولأن القادم كبير وكبير جدا ، ولأن سوريا أمام فرصة تاريخية مميزة ، ومن أجل تفعيل أكثر للحياة السياسية والحراك السياسي ، من خلال طرح جامع يوحد الناس والفعاليات ينقذ سوريا ويضعها على سكة الديموقراطية والتقدم الاجتماعي .
3/ من أجل كل ذلك وغيره كثير جدا يجب التفكير ومن ثم العمل على تكوين حالة جديدة تملأ الفراغ الحاصل في الواقع السياسي الراهن وتستبق ما تبقى منه ، تتجاوز نواقص وسلبيات ومعوقات العمل السياسي الذي تعاني منه القوى السياسية .
حالة جديدة تطرح مشروعا وطنيا ديموقراطيا جامعا ، مشروعا منحازا للقوى العاملة بسواعدها وأدمغتها ، متسعا لكل شرائح المجتمع الطبقية والاجتماعية الراغبة في عمل يخدم الوطن وتقدمه ويرفع راية العدالة الاجتماعية .
حالة تتشكل من أفراد أحرار ومستقلين قادمين ( أو كانوا في الأساس) من منابع واتجاهات فكرية وسياسية وطنية ديموقراطية، قومية ويسارية ، ومن أناس لم يمتهنوا العمل السياسي ، ومن أفراد اشتغلوا في إطار منظمات المجتمع المدني والنقابي ، ومن كل أولئك الذين يرون في الحرية والديموقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية والتطور والإنماء ونصرة القضايا العادلة طريقا لهم وهدفا يسعون إليه .
حالة ديموقراطية في بنائها وفي أسلوب عملها ، تعترف بالآخر وتحاوره وتؤمن له حقوقه كاملة بنفس المقدار الذي تعمل به من أجل أهدافها .
حالة تمثل الوحدة الوطنية دون النظر إلى الجنس أو اللون أو العرق أو الدين ... يوحدها الوطن بهمومه وشجونه ، ويجمعها برنامج يقر ديموقراطيا .
حالة ترى سوريا وطنا لكل أبنائها مهما اختلفت أفكارهم وتنوعت دياناتهم أو أعراقهم أو قومياتهم . كما ترى أن سوريا الشابة ( نسبة إلى غلبة سن الشباب على سكانها ) يجب أن تكون غير سوريا اليوم توحد الوطن حول برنامج متكامل وتنظر إلى السياسة ( فن تحقيق الممكن) باعتبارها عملا فعالا يساهم في تحقيق رقي البشر ورفاهم وتعميق إنسانيتهم .
حالة تطمح إلى أن تكون ممثلة لكتلة اجتماعية- تاريخية تجمع أكثرية المجتمع وتوحدها في حركة سياسية اجتماعية فاعلة وتهدف إلى خير الوطن وتحرص على كل أبنائه .
كما ترى في الصراع الطبقي داخل المجتمع قانونا تاريخيا طالما الطبقات موجودة لكنها تعمل على توجيهه ديموقراطيا وعبر الوسائل السلمية من خلال منظمات وهيئات المجتمع المدني المختلفة .
حالة يتمتع أفرادها بالحرية الفكرية، بالاستقلالية، ويشعرون بأنهم ذوات فاعلة مؤثرة ومتساوية ضمنها ، دون رقابة كابحة ظاهرة أو مقنعة .
4/ حالة تتطلع أن تكون حالة نوعية متميزة ومتمايزة : متميزة في تركيبها وبنيتها ، في طريقة وأسلوب العمل ، في أدائها الذي ينطلق من رؤية للعمل السياسي على أنه حق أولا ، وواجب ثانيا ، وأسلوب فعال في الاندماج والتغيير الاجتماعيين ، وفي كونه كذلك الوجه الحقيقي والفاعل للمواطنة ، فلا هو ترف ولا هو احتراف ، وإنما هو أسلوب في أن يكون لكل مواطن دور ووجود في مجمل القضايا الوطنية المطروحة على كافة الصعد والميادين .
متمايزة عن القوى الأخرى في كونها تطمح في أن تقدم ليس الإجابة على الأسئلة اليومية والمسائل الآنية في الاجتماع والاقتصاد والسياسة فقط ، بل كذلك في صياغة الأسئلة المتعلقة بأحلام البشر وطموحاتهم، وتقدم الإجابة عليها ، ليس منفردة وإنما عبر عمل جماعي وفردي ومؤسساتي يطلق حرية المبادرة ويستنهض الإرادة ويستفز العقل ويولد الإلهام .
حالة تطمح أن تكون الصوت المعبر عن آلام وآمال وطموحات الأكثرية المطلقة للمجتمع السوري ، بدءا من جيش العاطلين عن العمل مرورا بالطفل والطالب والمرأة والعامل والموظف والمثقف والطبيب والمهندس، والمساهمة في إفساح المجال لهم لإدارة قضاياهم وشؤونهم وتحقيق مطامحهم المادية والروحية ، وهي تطمح كذلك في أن تتسع للتاجر والصناعي طالما أنه يؤمن بأن الرأسمال والثروة ، ليسا هدفا بحد ذاتهما ، وإنما وسيلة لتحقيق المنفعة والرفاه من جهة ، وللإنماء والتطوير ودفع عجلة التقدم الاقتصادي والعلمي إلى أمام وبالتالي المحافظة أو المساعدة على سلامة المجتمع وتآخيه والحرص على حرية الوطن واستقلاله وسيادته من جهة أخرى .
5/ تنطلق هذه الحالة من رؤية أن ، المجتمع ( كسيرورة وصيرورة تاريخيتين ) والإنسان كفرد ، إنما يتشكل من جانبين أو وجهين : روحي ومادي . وبالتالي فان الإنسان في الجانب الروحي حر سيد مستقل على الصعيد الفردي ، متآلف متآخ مستند إلى التاريخ والجغرافيا والذاكرة ( العقل الجمعي) في الحقل الاجتماعي .
وكما يشكل الدين الموئل والملاذ الروحي للإنسان الفرد من خلال العلاقة الفردية بين ثنائية الإنسان – الله ؛ فان الفكر الإنساني بكل تنوعه ، الماركسية منهجا وأدوات وكل منتجات الفكر الإنساني والعلم وشرعة حقوق الإنسان تشكل الوعاء المعرفي الذي تنهل منه وتستند إليه .
ولأن سوريا تاريخيا موطنا للتعدد والتنوع / دينيا وعرقيا ، ثقافيا وفكريا وسياسيا / فانه ينبغي التأسيس على هذه الحالة وإبقائها موطنا لهذا التعدد والعمل على تأصيله وتطويره ، وهذا لا يكون إلا بالاعتراف بالآخر المختلف والمغاير، بحريته ، لكي يكون إسهام الجميع كاملا وناجزا لإعلاء شأن الوطن ودفع عجلة تطوره ونمائه وازدهاره . وبالتالي التحول بسوريا لكي تكون وطنا حرا سيدا مستقلا ، قادرا على مواجهة القضايا الوطنية والقومية ، وطنا منخرطا في محيطه العربي والإقليمي ، منفتحا على العالم ، مواكبا للعصر تقدمي التوجه إنساني النزعة .
اللاذقية 12/3/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت