الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية أحمد...

محمد الخمليشي

2013 / 1 / 28
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


مرثية أحمد...
محمد الخمليشي


أحمد... لماذا تركتنا لتستريح أو ترحل وحيداً، بعيداً؟ وقد مكثنا في انتظارك جميعاً لتدلنا قليلاً، وتدل أهلك الطيبين بعينيك المفتوحتين حتى لا تتعطل بوصلة أزمنة الربيع العربي، الإنساني...
أحمد... لماذا تركتنا في هذا المدّ الطافح بالقلق على مستقبلنا، وقد تحولت سنة 2012 إلى سنة إحباط لمن كانوا ينتظرون أن تتحول وعود الثورة إلى وفرة خبز وشغل وكثير من الحريات... فكم كنت رهيفاً يا أكثر من أخ وأنت تدخل وقتنا وذاكرتنا في الصباح وفي المساء، في الحضور وفي الغياب...
مات أحمد...متم سنة 2012 في اليوم الخامس من شهر دجنبر، و وريَ الثرى في السادس من نفس الشهر والسنة، في مقبرة الشهداء بأجدير.
عزاؤنا واحد، خاصة، أن ليس هناك من خاتمة سعيدة إلا بوجود ذاكرة سعيدة قادرة أن تتذكر وأن تنسى و..تحب...
في البدء كان أحمد....
في الخامس من شهر يونيو سنة 1948 ازداد أحمد...لعلها اللحظة أو السنة ذاتها 1948 التي أعلنت فيها الشعوب والأمم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. في السنة ذاتها استكملت فيها الدول إحدى خطايا حروبها المدمرة، فرسم فيها الوضع البشري حدا فاصلا في حوار بين هاوية العنف والخطيئة والاقتتال والاستعمار والعدوان.... من جهة، وبين علو قيم الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية
في نفس هذه السنة ازداد أحمد، كسنبلة في حقول الريف تتنسم عبق أسطورة الوطن والمقاومة في أسمائها الحسنى، أنوال والظهار أوبران وعبد الكريم ... وفي يده ذاكرة سعيدة قادرة أن تتذكر وأن تنسى ... وتسامح. وتسامح، حتى من عبثَ، انتقاماً، برؤوس الريفيين.
في نفس هذه السنة ازداد أحمد، وهو يسمع نشيد الحب الآتي من بعيد، عبر شذى النوارس ، ملفوفاً بنسائم المتوسط... منذ أزمنة الفينيقيين والقرطاجنيين والأمازيغ والرومان والعرب ... هؤلاء الذين حطوا الرحال وأسدلوا أشرعة السفن ليزرعوا ما تبقى لهم من بذور النسل على ضفاف الأودية من كورت وأمقران والنكور إلى بادس وطنجس غربا... ولينحتوا الحجر ويشدُّوا بعضه بعضاً بتراب المكان في غسَّاسَة وسيدي إدريس والنكور والمزمة وبادس..
في نفس هذه السنة ازداد أحمد وهو على شاطئ المتوسط يتملى معنى الرحيل من أندلس لأندلس مثل الرحيل الذي واكبه ليون الإفريقي بدءً من أندلس حوصرت بصلبان إيزابيلا لتنتقم من جمالية التعايش بين ابن ميمون اليهودي وابن رشد ونونية ابن زيدون المتيم بحب شاعرة، ولادة بنت المستكفي... تناثرت أصداء نغمات موسيقى أندلس في كل المتوسط ليشذوَ جزءً من رذاذها محمد العربي التمسماني...
بعد تلك السنة سارت مياه تحت الجسر... وقد أصبح الآن أحمد شاهداً على براءة الاستقلال الوطني، أما وهو ذلك الفتى اليافع من زمن الرصاص المغربي، فقد شهد وتذكر أحداث 1958/1959 فلم يتوان أحمد عن استجماع كل رحيق ذلك الحب الأسطوري للفهم و للعيش الكريم.. فبعد أن درس الابتدائي والثانوي في مدينة الحسيمة التي نال فيها شهادة الباكالوريا سنة 1971، كان قد انخرط في الخلايا التلاميذية منذ 1965، وفي خلايا 23 مارس سنة 1970.
ارتحل بعدها كعادة طلاب العلم ومجايليه إلى فاس ليجاز في يونيو 1975، من شعبة الأدب العربي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية،. لكن طلبه المعرفة والإجازة كان يوازيه طلب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية...وهو المناضل القيادي سيتم أعتقاله سنة 1973 بتهمة "التآمر" على أمن الدولة الداخلي على إثر حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
أطلق سراحه، ولم يتخل عن صراعه مع الظلم والقهر .. استجمع أحمد في مساره العقل والغضب والحب والثقافة والسياسة والرياضة...في تركيبة سحرية، أضحت منارة رحلته في الزمن وفي المكان... أحبَّ إمرأة: حكيمة خالد التي عشق فيها المدينتن "كازابلانكا" و"كازانيكرا" كما أحبَّ مدينتين: البيضاء والحسيمة، فتنقل في كل الفضاء بين المدينتين، من المتوسط إلى المحيط ومن المحيط إلى المتوسط.
اشتغل أولاً، مدرساً للغة العربية وآدابها بالبيضاء من سنة 1975 إلى 1979، وبعدها انتقل إلى الحسيمة ليعلم فيها الآداب والحلم، ما بين 1979-1982. لكنه، مرة أخرى يعود إلى البيضاء ليستقر بها طيلة الفترة الممتدة من 1982 إلى 1988. لن يستقر أحمد فهو سيزيف ذاته وعصره... سيعود ثانية إلى الحسيمة ليعانق هموماً وقضايا المجتمع والإنسان منذ 1988 حتى لفظ أنفاسه الأخيرة... فمات كما تموت الأشجار واقفة...
ابتدأ مشواره المهني منذ 1975 بالانخراط في النضال النقابي في إطار الجامعة الوطنية للتعليم.
ومابين سنتي 1978 و 1979، كان المبادر في جمع شتات قيادة المؤتمر الخامس عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب لإعادة هيكلة ذاك التنظيم النقابي الطلابي العتيد.
ساهم منذ سنة 1979في التحضير المادي والأدبي لإصدار جريدة أنوال. كما شارك سنة 1983 في تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. أصبح عضو لجنتها المركزية سنة 1985، غير أن تحولات عرفها المسار السياسي للمنظمة، ستجعله ينحاز إلى تقدير سياسي آخر تمثل حينها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي تبوأ فيه عضوية لجنته المركزية سنة 1996.
بعد عملية اندماج الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في حزب الإتحاد الاشتراكي، حيث سيتم انتخابه عضواً في المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ونائباً أولا للكاتب الجهوي لنفس الحزب عن جهة: تازة – تاونات - الحسيمة .وأخيراً وليس آخراً سيتم انتخابه على رأس الكتابة الإقليمية للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحسيمة.
شغل اهتمام أحمد ذلك البعد الحقوقي، فهو العضو في منتدى الحقيقة والإنصاف والعضو المؤسس لفرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لم يتوان في المساهمة الفعالة في بتجربة العدالة الانتقالية التي شهدتها البلاد سواء ما يتعلق منها بمواكبة تجربة هيأة الإنصاف والمصالحة أو المساهمة في تنظيم جلسات استماع محلياً وجهوياً و صياغة "إعلان الريف لحقوق الإنسان" وتنظيم وتنشيط مناظرات في مجال حقوق الإنسان بالريف.
وليس بعيداً عن هذا المسار النضالي الإنساني، فقد انشغل اهتمام أحمد بالرياضة، وبكرة القدم خاصة، فكان من رواد الوداد الرياضي وشباب الريف الحسيمي.. وبالمناسبة فالمقابلة الودية التي تجمع اليوم قدماء فريق شباب الريف وقدماء فريق النادي المكناسي هي لحظة التقدير والإحساس الرهيف والجماعي بذاكرة المناضل الإنسان...أحمد أومغار.
أحمد... وأنت الآن ، مسجى كما البحر، تقول أنا صديقكم جميعاً، نبادلك قبلة وداع، فإرحل قليلا، وحيداً أو بعيداً، نم قليلاً، مطمئناً، لعل تذكارك، تذكار أحمد هي الذاكرة عينها القادرة أن تتذكر وتنسى ...وتسامح وتحب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام