الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساسة من غير سياسة...3

ياسر المندلاوي

2013 / 2 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بالتزامن مع تبوأ صدام حسين، بشكل رسمي، صدارة المشهد الديكتاتوري في العراق، كان آية الله الخميني في إيران المجاورة للعراق من جهة الشرق، قد أفلح في (ركل أسنان) مناوئيه من بقايا النظام الشاهنشاهي، وأسنان حلفاءه إبان الثورة، من قوميين وليبراليين ويساريين، في نحو منتصف عام 1979، لتتحول إيران من ملكية إلى جمهورية ثيوقراطية، يكون الحكم فيها لرجال الدين الشيعة يتقدمهم الولي الفقيه آية الله روح الله الإمام الخميني الموسوي قدس الله سره. (اللهم صلي على محمد وآل محمد).
ومع هذا التحول في إيران، وإنتهاج قادتها الجدد نهج تصدير الثورة الإسلامية، برزت تحديات طائفية في بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، وبدرجة أشد في العراق، بسبب التواجد الكثيف للشيعة في الوسط والجنوب، وتنامي أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، بالإضافة إلى عاملي الجوار والعتبات المقدسة بمتعلقاتها في الدروس والطقوس. وفي محاولة لإستباق التداعيات الضارة لهذه التحديات على أنظمة الحكم في الدول المذكورة، شن صدام حسين حربا وقائية تحت شعار حماية البوابة الشرقية للأمة العربية، ولم تكن في حقيقتها بأكثر من حرب التحديات الطائفية التي باتت تطرق الأبواب من حيث لا يحتسب.
هنا لابد من ملاحظة بأن قيام الدولة الدينية وفق المذهب الإثني عشري، ومن ثم إندلاع الحرب بين العراق وإيران، ساهمتا من جهة، في تعميق الشرخ الطائفي في المجتمعات العربية ، وكشفتا المحتبسات الطائفية الكامنة في بنية الأنظمة القومية في كل من سوريا والعراق من جهة أخرى. ففي سوريا تجرأ النظام (القومي) على الإصطفاف إلى جانب إيران بدافع التناغم الطائفي، كما وأبدى النظام السوري قدرا أقل من الحرص المعهود في التعامل مع الإسلام السياسي السني، حيث حل البطش المنفلت محل القمع المقنون، من دون إكتراث للتداعيات الطائفية التي كانت تلجم فيما سبق بوابل من الشعارات القومية. ولم تكن المسارات في العراق لتختلف كثيرا عن تلك التي كانت في سوريا، مع الأخذ بعين الإعتبار إختلاف الجهات والطائفيات السياسية. السعودية ودول الخليج الأخرى بدل إيران، والإسلام السياسي الشيعي بدل الإسلام السياسي السني. ولكن ما ينبغي ملاحظته أيضا، إن تفعيل المحتبسات الطائفية الكامنة ما كان له أن يتم قط بالإستناد إلى موجهتين فقط، أي موجهة حكومة ولاية الفقيه في إيران ما بعد الثورة، وموجهة الحرب العراقية-الإيرانية. وحسب ظني فإن للديكتاتوريات الحاكمة، ولأحزاب الإسلام السياسي في بلدان التنوع الطائفي، اليد الطولى في تمكين هاتين الموجهتين من التأثير الديناميكي على مجريات الأحداث بالكيفية التي عايشناها، وصولا إلى تداعياتها الراهنة في البلدين.

الديكتاتورية في ميزان الطائفية
من المعلوم، أو ما أعتقده معلوما، إن الديكتاتورية الأسدية وشقيقتها الصدامية، مارستا أقصى درجات القمع ضد المناوئين من مختلف القوميات والطوائف والأديان ، فهم سواسية في تلقي بركات الديكتاتورية في الإمتهان، بإعتبارهم دون منزلة الإنسان. أما عبيد الديكتاتورية، وأيضا من مختلف القوميات والطوائف والأديان، فلهم الإحسان بإحسان، ومن زاد فله أجران، أجر العبودية لنصف الإله حضرة جناب السلطان حفظه الله ورعاه، وأجر الفتك بالمعارض أيا كان. إلا أن الصورة العامة هذه ما كانت لها أن تحجب عن إدراك شخص الديكتاتور في البلدين، حقيقة توزع السكان إلى مجموعات سكانية متمايزة دينيا وطائفيا وقوميا، وإنهما ينتميان إلى (الأقلية) الطائفية ضمن الأغلبية القومية التي يدعيان تمثيل مصالحها في الوحدة والحرية والإشتراكية. وفي إدراك هذه الحقيقة تكمن سر أعظم إكتشافين في سجل الحفريات الأثرية للديكتاتور حافظ الأسد، والديكتاتور صدام حسين نصف الواحد الأحد. فالأول إكتشف بأن المتواتر من الأنباء بخصوص قول أحدهم: مضيرة معاوية أدسم والصلاة خلف علي أقوم، إنما هو قول مكذوب، وصحيحه: مضيرة السلطة أدسم والصلاة على مذهب أهل السنة والجماعة في الجامع الأموي أقوم. أما الثاني فقد إكتشف، وفي لمح البصر، الشجرة العلوية التي ينتسب إليها، وإن جده الإمام علي أوصى له بالرئاسة على رؤوس التعاسة. وهكذا يكون حافظ الأسد أمويا وصدام حسين علويا (والديكتاتور لا ينام إلا على الجنب الذي يريحه)، والرياحة في سوريا أن تنام سنيا، وفي العراق أن تنام علويا. وبالمناسبة فأن الحصري ينقل عن ملك العراق (كان علوي أوريجينال) حضوره في اليوم العاشر من محرم تمثيلية مقتل الحسين في صحن الكاظمية، وكيف إن حامل علم العراق كان يسير إلى جانب عمر بن سعد قائد الجيش الأموي، فوجه الحصري بأن يبتعد عن عمر وأن يسير بالعلم إلى جانب ممثل الحسين، ولما فعل دفعه ممثل الحسين بعيدا وبغضب، وعاد وفعل مثله، فنال مثلما نال في المرة الأولى، الأمر الذي أجبر حامل العلم الأخذ بفضيلة الإنسحاب عوض رذيلة السير إلى جانب عمر بن سعد. وأرجح الظن لو كان الحصري إلى جانب الأسد في سوريا لوجه حامل العلم أن يلازم القائد الأموي عمر بن سعد ويبتعد قدر إستطاعته عن ممثل الحسين، وحينها كان عمر بن سعد يركل حامل العلم ليبعده شر إبعاد.
بهذا المعنى نذهب إلى القول بأن الحكام يجهدون في نفاق المكونات المجتمعية ما دام الأمر يتعلق بإستقرار الحكم ودرء مخاطر التمرد عنه. والحاجة إلى تكريس هذا النفاق في الأنظمة الديكتاتورية، حاجة مضاعفة يؤازرها القلق الدائم من إنحسار القاعدة الشعبية نتيجة القمع المنظم وغير المنظم الذي تمارسه السلطة الغاشمة ضد المواطنين بالظن والشبهة بعدم الولاء لشخص الديكتاتور. إن الإقرار بالحاجة إلى المنافقة بالكيفية الساذجة التي بيناها، لا يغني عن السؤال فيما إذا كان بمقدور هذا النفاق تذليل العقبات الإجتماعية التي تحول دون الديكتاتورية ودوام إخضاعها للمجتمع بجميع أطيافه ومكوناته. وهنا تنتصب أمامنا ثلاثة عوامل مهمة تحدد الإطار العام لأية محاولة جادة لتفكيك لغز التحولات والتحولات المعاكسة من الوطنية إلى القومية ثم الطائفية وهلمجرا.
العامل الأول: يتعلق بماهية الديكتاتورية من حيث درجة إقترابها وإبتعادها من حدي ثنائية العلماني-الديني. فالديكتاتورية بالطبعة العلمانية حركتها أيسر في النفاق الطائفي، ولا يعدم إنها تحقق بعض النجاحات المؤقتة في هذا السبيل. بينما الديكتاتورية الدينية و/أو الطائفية فإن نطاق حركتها في النفاق الطائفي لا يتعدى قدرتها على إضافة لفظة (الكريمة) في ذكرها للمجموعات الدينية والطائفية من غير دينها وطائفتها. فكلما طرقت (كريمة) مسامعكم، فإعلموا إن الخراب دب في أوصال مجتماعاتكم. (زوجوها وإخلصوا منها).
العامل الثاني: له علاقة بالهوية وفق ثنائية الوطن-الطائفة. فالذي يقدم الهوية الطائفية على الهوية الوطنية لا يجد للظلم الذي وقع عليه من ديكتاتور ينتمي إلى غير طائفته سوى التوصيف الطائفي. فهو ظلم بعلة الإنتماء الطائفي، بغض النظر فيما إذا كان هذا الظلم قد طال الآخرين من غير طائفته أم لا.
العامل الثالث: قوة وضعف الديكتاتورية. وبين حدي هذه الثنائية تتقلب الديكتاتورية ما بين الوطني والقومي والطائفي، وفي لحظات النزع الأخير، أي قبل نهاية الديكتاتورية، تكون الطائفة والطائفية، الملاذ الأخير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن الطبيعي القول بأن ملاذ الطائفية بالنسبة للديكتاتورية لا يتحقق بمنح إمتيازات لأبناء الطائفة على حساب الطوائف الأخرى، وإنما بتفعيل الأصل الشرعي الذي ينص على درء المفاسد يتقدم على تحقيق المنافع، والمفسدة المطلوب إبطالها، هي السيطرة الطائفية للطوائف المعادية حسب زعم اليكتاتورية، وهو زعم يقتات في بعض مفاصله على إداء الإسلام السياسي، الذي لا يمكنه أن لا يكون طائفيا في مجتمعات التنوع الطائفي. ولنا فيه قول في القادم من الأيام.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات