الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية هذا الشيء اللعين

أحمد فرحات

2013 / 2 / 14
الادب والفن


حسنا ، هل انتهى هذا الآن أم لم ينتهِ ، أم أنني سأرثي هذا الذي لم ينتهِ ؟ ، أخاطبك ، تخطَّ حاجز الخوف واليوم والرائحة العفنة ، يجب أن تمتليء الجملة ، هل تمرن فاك على الكلام ؟ ، يجب أن تتكثف ، وتصل إلى نهاية السطر ، وبدلا من الموت النرجسي الساذج والعظيم ، قال ميهير بابا " لا تنسوا : في جسدي الإله " ، لو ذهبت وذهب من البدن ، فهو باق ، وتلك أيضا زعمت الاتحاد والحلول ، كلمات قديمة مجتلبة من أكثر الكتب قيمة ومسخرة ، لو حسبنا حساب الطرفين ، هذا وذاك ، أليس كذلك ، إذا كان حقا باق ولم ينتهِ فأنا أرثيه ، وإذا كان قد انتهى وزال وترك لغزا ، أو ندوبا أو شيئا مثل تلك الهالات السوداء تحت عيني من آثار الإدمان ، فهذا رثاء يليق به أيضا ، وعليه اللعنة أين كان ، سأرثيه حتى لو ظل باقيا يكتب معي.

لازال وجهها قبيحا كما عهدته ، تخرج من الباب تطل ، ثم تخبيء نصفا وتبدي نصفا ، والبيت يحترق من ورائها ، الدخان المتصاعد والعشوائي ، النيران التي تلتهم كل شيء ، ولم تلتهمها هي على الرغم من كل ذا القبح .

تلك الأفعى تعود وتسكن ويهدأ بالها ، كيف أنامتني في حضنها تلك الليلة ، تلتف حول عنقي ، وتهددني ، وتنتشي باعتصار جسدي ، وتفتح فمي ، وتصير داخلي مرة أخرى ، شطح ، شطح ، شطح ( كان صباحا عاديا ومألوفا ، طرقُ الباب لم يعد باستجابة ، اقتحموا شقته ليجدوه مختبئا في الغرفة القديمة ، محتميا بأسلحة بيضاء ، وبآيات من القرآن ، كان يظن أنها تحميه ، ولا يدري لماذا يخيفونه ، هو لم يألف الخوف ، ولكن الاقتحام ، والمبادرة ، والحقنة المخبأة خلف ظهر أحدهم ، لم يمكنه سوى الصراخ ، ثم التشنج بين الأيادي والاستسلام للاختلاط ). كتبتَ الكلمةَ ذاتها في المرتين ، هل ستفشل كل مرة في الاختبار ، وفي كل مرة قصدت شيئا ، وكان المكتوب واحدا ، وكانوا يحاولون معك ، وكنت تجلس بين كثير من الأبرياء والمعاتيه والمختالين بمرضهم ، والعجوز التي تخيفك ، وتراها ليلا ماثلة أمامك على صفحة الجدار المبطن الأبيض ، ما كتبتَه كان كاللحن الواحد ، عند البدء يمهد بمعنى ، ومع اختفاء النهاية يفصل بمعنى . وقلتَ " الحريق " ، لم يسمعك أحد ، كنت تحترق بالداخل مع من يحترق بالداخل ، وحريقك أنت كان عاتيا ، كان سيأتي على كل شيء زرعوه أو حاولوا أن يسعدوا به في يوم من الأيام ، أردت الهروب من الغرفة ذات الجدران المبطنة البيضاء ، ولكنك كنت تتألم ، ولكنك وجدت نفسك تهرب منها ثم إليها تعود ، ثم اكتشفت أن منفذ الهروب كان واحدا كل مرة ، لم تقرأ الغلط ، كررته ، كنت تلف حول ذاتك ، حول ذاتك ، ذاتك ، تستدير ، وتلصق نفسك بالجدار الأبيض المبطن ، بطانات تكتم الصراخ العالي والحاد والرفيع والغليظ ، وتكتم تعثرات اللسان في مراحل التشنج كلها ، تكتم القبح بداخلك ، ولا يستطيع أحد منهم مهما وقف أمام باب الغرفة أن يسمعك ، وتلك التي تمنعك الانتحار وأنت تحاول أن توقف الألم في رأسك بنطح الجدار ، أو حتى بتمزيق ثيابك الرقيقة التي صممت خصيصا لمن هم في مثل حالك ، إذن ، كلهم كانوا يعرفون أنك تتألم ، وألما حادا ممضا ، تفتت أعصابك تحت تأثير الصدمات ، أو الانسحابات المفاجئة ، لم يكن يعنيهم كثيرا ، إنما أنت شيء آخر لديهم ، ستسير أمامهم مرتديا بدلتك ، مصففا شعر رأسك بالكريم ، ومرتديا نظارتك الشمسية ، نازلا وصاعدا من وإلى البيت ، بهدوء وقليل كلام وهياج ، وأنت لازلت تبحث عن عمل يرضيهم بعد التغيرات العنيفة .( عندما جرى بك أبوك وأنت طفل مشجوج الذقن ، دمي كان يسيل على كتفه ، وأشعر بالغثيان الكامل ، نزفتُ كثيرا ، وكان يركض يركض خائفا مذعورا . جئنا نصيف ، وذهب ليأتي بالكباب ، وها أنا أنزف على كتفه ، كان التحول عنيفا ) ، وعنيف أيضا عندما يودعك الجميع ، وتُترك وحيدا ، ذاهل العينين ، مجذوبا تبدو ، مرخىً تماما تحت تأثير الحقنة الكبيرة............الواقع.............الواقع..........تستعيد تأثيره على نفسك. ذهب بعضهم لينهيَ بقية الإجراءات ، والبعض الآخر جلس ليبكي ، ويعد الأيام ، وينتظر الأمل من جديد ، وهذا الشخص الذي بالتأكيد كما وعد الأطباء سيكون مختلفا عن السابق ، كانت ذكراه مؤلمة ، العنف ، والتطرف ، والإفراط الذي اتسم به في كل شيء ، احتراقه مع حرائق الحياة ، وذوبه في نفسه حتى النهاية ، كل تلك الكتابات غير المفهومة التي ترك والتي اعتاد أن يكتب في الأيام الأخيرة ، انجرافه بعيدا عنهم وعن البيت ، التغيرات الهائلة ، التغيرات المخيفة ، التغيرات التي كادت أن تشمل كثيرا ممن أحب ، كانت لديه القدرة على التغيير والإقناع ، وكان فاسدا وشيطانا رجيما ، فأصبح مؤذيا لكل من حاول أن يستمع إليه. يا ولدي ، لقد كنتَ جيدا جدا وسيما وكاتبا ، ترتدي الغالي وتدخن السيجار والغليون مع الويسكي في الشتاء ، وكنت تكتب وتكتب وتكتب ، لم تكن سيئا إلى هذا الحد كلا ، هي السيطرة التي أدت بك إلى هنا ، عشقهم للسيطرة وعشقك للانطلاق ، أنت خطيئتهم وذنبهم ولن يرتاحوا قبل أن ينسجموا مع " أنت " الجديد ، وينعموا بهدوء الغفران ، نعم ، وقلتَ " الحريق " ، لم يسمعك أحد ، اختلط كل شيء وعدتَ مخلوعا ، تُستهلك عند الحاجة ، ويُذهب بك أنت إلى الحمام ، وتتمزق داخل جدرانك البيضاء ، وجاءوا ليأخذوك ، وكنتُ جيدا جدا ، أحمل الزهرة وأمشي بها إلى قبر أمي في الوقت الذي لم يعرف فيه أحد أنني أزورها ، كنت أختبيء معها قليلا ، وأخرج أصفق ، وأغني وأختلط في زحام السيدة عائشة وأغيب ، وكانت المشاهد منسقة للغاية . الواقع كان حادا قليلا ، تستعيده بهدوء ، هذه الحالات تتكرر ، والتشنجات والصراخ أمر طبيعي . وكان يبكي داخل غرفته كلما تذكر كيف كان يغني مع لعبته الصغيرة ، وكيف كان يداعب أطرافه ، ويدغدغه ، مع العنف والإفراط الذي اتسم به ، ثم إنهم أبعدوا عنه صغيره ، وبقي وحيدا فترة ، كانوا يرتبون خلالها بشكل واقعي كل شيء يمكن أن يحدث في المرحلة القادمة ، حتى علبة الكمبوت لم ينسوها ، ثم أصبحوا يترقبون ، متى يخرج هذا الجديد. لقد اختلط علي كل شيء ، لقد كنت جيدا ، وأنا الآن أرتدي الأبيض والرقيق من الثياب ، ومحجوز بين جدران مبطنة بيضاء ، ولماذا يخرجونني من هنا ويأتي هؤلاء لزيارتي ، يجب أن أرتب كل شيء من جديد ، لا تبك يا صغيرتي ، سأؤخذ منك قليلا ، يقولون لا تخف ، سأنتهي بعيدا ، حيث لن تدري بانتهائي ، ولن يكون هناك سبب للبكاء. الترتيب يعني استعادة اكتشاف الأحداث الماضية بشكل صحي ، بعد الاختلاط العنيف وبعد الصدمات الكهربائية ، يقولون كنتَ في غاية العنف ، وأنت الآن تحسنت كثيرا ، أنت على أفضل حال ، وستكون أفضل وأفضل في الغد وبعد الغد مع استمرار العلاج ، كيف يتحدثون عن الغد بهذه السهولة ، أنا لا أملك أي رؤى الآن ، ثم أنساق وراء الحديث ، لقد أصبحت مثلهم ، ها أنت تشاهد نفسك من بعيد ، وأقول ".....وسأخرج من هنا؟ " ، أستعيد الأغاني ، وأغني بصوت عال ما أتذكره وأغرد ، أتذكر الآن ، تدخل الممرضة لتطمئن أن كل شيء بخير ، ثم يمر هذا الرجل المهيب بالبالطو الأبيض الطويل والنظارة الرفيعة ، يكلمك باستعلاء ويبتسم لك وينصرف ، كيف سمحتَ له ؟ ، هذا ليس أنت الذي تعرف ، لقد أصبحت مجهدا ، الكثافة انتهت ، وحل مكانها فراغ وسكون ، لا يمكنني أن أضج ، لا يمكنني أن أنفعل ، لقد تحكموا جيدا بالأعصاب ، العلاج يسير بشكل جيد ( لقد رفع الموسى الحاد ، وقام بالتغيير ، وأعاد هو ترتيبك حتى الوعي والعقل من جديد ، وأغلق الباب ورمى بمفتاحه في صندوق نفايات المستشفى الذي يحترق جيدا ويهرس ويختفي ، ثم أصبح هناك آخر في رأسي ، واكتشفت أنه ليس أنا ) . فهل هو هو لا زال قابعا يحترق مع تلك الأفعى التي تخيفه ، أو مع رؤاه وخيالاته في الليل مع العجوز ، ومع الصراخ والتشنج ؟. أم أنك اختلفتَ قليلا والماضي أصبحت تدركه بشكل مشوش بعد أن أعادوا ترتيبك لهم من جديد ، وعليك أن تعيد اكتشاف ماضيك مرة أخرى وتقع في محذور أو اثنين وأنت في طريقك للكشف والفضح ، وينقلب كل شيء ، وتختلط عليك الدنيا ، وتصبح أبله ، تسير في الميدان بقصة عن ماضيك أو قصتين بغية أن ينشرا في هذه الجريدة أو تلك؟. أم أنني أنا لا زلت أنا ، وسأحضر مراث أخرى لكل هؤلاء ، وسأغني ، وأتذكر لعبة القمار القديمة ، وأتمزق مع الليل ، وأكتب ، وأدخن السيجار والغليون مع الويسكي في الشتاء ، وسأعيش مترفا على أقفيتهم ، نفر نفر ، هاها ، وسأستغل كل هذا في قصة ربما ، أو لكي أجد ما أقوله وأنا جالس معها ؟. ها هي تطرق الباب ، تقدمي يا عاهرتي ، يا نفسي الغالية ، لم أر منذ زمن كل هذا الكم من الخطايا والآثام مركبا في تجاعيد هلامية كتجاعيدك أنتِ ، الاختفاء النرجسي معها ، والعشق السادي العنيف ، وتشنج المتعة بين الصلب والترائب ، والحب والرقص حتى الخوف من الذات في لحظة ما ، نعم نعم ، إنهم يحبون هذه الكلمات ، وتلك التنويعات ، غن لهم قليلا ، ثم العنهم ، نفرا نفرا ، وتعال معي ، أرجوك لا تنفصم عني ، وقال الشيطان لما قضي الأمر : لم نعرف أين ذهب بعدُ ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ