الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العراقي ومهمة التنوير

بتول قاسم ناصر

2013 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


المثقف العراقي ومهمة التنوير
( حقيقة الربيع العربي )
ما زال المثقف العراقي يؤكد أنه لم يتجاوز الدور الذي أراده النظام السابق له ، وأهم ما جاء في بنود ذلك الدور المرسوم أن يبقى بعيدا عن الحياة والمجتمع وما يعتمل فيهما . بعض المثقفين يحاول تبرير ذلك بموقف الحكومات بعد سقوط النظام من المثقف وبأنها تتعمد تهميشه وإبعاده عن ممارسة اي دور سياسي فاعل في المجتمع . وهذا الكلام يدلل على حالة الضعف التي يعاني منها المثقف الذي تلبس دور المتفرج على الأحداث غبر المتفاعل معها . وإذا ما تعامل معها فإن هذا التعامل لا يدلل على التفاعل الإيجابي المطلوب الذي يستلزم المبادرة الذاتية بدون الإيعاز من أية جهة والتعبير عن الرأي بشجاعة وصراحة فما زال يلزم حالة الصمت التي تفسر بأنها استمرار لحالة الخوف التي تطبع عليها زمن النظام السابق أو التي زرعتها فيه الظروف الأمنية وحالة عدم الاستقرار الحالية ، أو تفسر بعدم وضوح الرؤية فنجده يستعير رؤية الآخرين وتفسيراتهم للأحداث مما يدلل على عدم قدرته على سبر حقيقة الأمور ويدلل كذلك على صفة المتابعة والامتثال للغير . والرأي التابع لا يمكن أن يكون متفاعلا وفاعلا ولا قائدا لأنه مقود وموجه ومحتوى من الآخرين . ما ندلل به على هذا التوصيف لحالة المثقف العراقي (الحالة الغالبة ) والتي هي استمرار للحالة التي وصف بها زمن النظام السابق , هي موقفه مما يجري مما يسمى بـ(الربيع العربي) ، فكما كان المثقف العراقي يلوذ بالصمت ، وكما كان يلوذ بالآخرين ويتلقف الأفكار والنظريات الغربية وغيرها ويفسر بها مواقفه الفكرية من خلال تبعية فكرية عمياء حتى للأفكار الملتوية والسلبية والبعيدة عن الواقع مما يدلل على عدم قدرة على التمحيص والاختيار وعدم وجود حصانة ثقافية تؤكد وجود ثقافة خاصة مانعة عن الترديد والتكرار غير المتفحص لما يصدر إلينا من أفكار ونظريات . ما نقرؤه للمثقف العراقي الآن عما يحدث من تحركات في الشارع العربي سميت بـ(الربيع العربي) يتصف بما ذكرنا من عدم قدرة على المقاربة وعدم تعمق وسطحية واضحة وتبعية لطروحات الغرب في وصف هذه الأحداث وتطوراتها . المثقف العراقي لم تصدر عنه قراءة معمقة لهذه التطورات من خلال تحليل دقيق يرى كل الدوافع والمسببات والغايات البعيدة المرسومة . إنه يصدر عن وجهة النظر المعلنة لا المخفية لمن يحرك هذه الأحداث لصالحه في الغرب ولا يصدر عن وجهة نظر من حرك هذه الأحداث في الشارع العربي ولم يجد – في الوقت نفسه - ما كان يسعى إليه بعد أن حاولت القوى الكبرى أن توجه تلك الأحداث لصالحها . المثقف العراقي فرح بحركة الشارع العربي – وكلنا فرحون لاسيما أنها بدأت في دول ترتبط حكوماتها بالغرب بعلاقة عمالة واضحة - ولكنه لم يتطلع الى النتائج والى ما يحدث في بلدان أخرى ليس الغرب راضيا عن شعوبها بقدر ما هو راض ومرتبط بحكوماتها والى بلدان حكوماتها وشعوبها مناهضة له . إن موقف الدول الغربية مختلف تماما مما يجري في هذه البلدان المختلفة في أوضاعها . ولم تصدر عن المثقف العراقي قراءة معمقة تعكس اختلاف أوضاع هذه الدول ومواقفها ومواقف الغرب منها واختلاف مآل التحركات والثورات فيها . إنه يتحدث وكأن الشعوب نالت كل مبتغاها وأصبحت تنعم بالحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعي ولم يتبين هل أصبحت هذه الغايات واقعا ملموسا أم إنها مازالت أوهاما وشعارات ؟ . السيد رئيس اتحاد أدباء وكتاب العراق في لقاء معه في قناة الحرة يعبر عن هذه الحال المغتبطة بنتائج الربيع العربي حتى أنه يأسف لأنه حزن يوما على انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تحكمها أنظمة عبر عنها اللقاء بأنها ( شمولية وغير ديمقراطية ) وكأنه كان عليه أن يؤمن بالديموقراطية الرأسمالية الغربية التي أصبحت الشعوب العربية تتنعم بخيراتها العميمة لاسيما ونحن سبقنا غيرنا الى اقتطاف خيرات هذه الديموقراطية . المطلوب من المثقف الذي تقع عليه مهمة التنوير أن يبصر الناس بحقيقة ما يجري وبحقيقة العولمة التي يسعى الغرب من خلالها الى السيطرة على العالم والنظريات التي يتبناها الغرب والتي منها ما يؤكد أن النظام السياسي الذي يتبناه وهو الديموقراطية الليبرالية هو النظام الذي سينتهي عنده النظام العالمي كما جاء في اطروحة فوكوياما حول نهاية التاريخ ، ولذلك فهو يحاول أن يعمم هذا النظام على العالم أو أن يعولمه من خلال هذا النظام الذي يريد أن ينتهي عنده تاريخه . و الديموقراطية الليبرالية هي الوجه السياسي للعولمة ، هي الأداة السياسية التي تحقق انتشارها وسيطرتها على العالم وبطريقة الفرض أو القسر الذي يناقض طبيعة الديموقراطية والذي يتمثل بهذه الفوضى (البناءة) التي تثيرها في البلدان لتتحرك الشعوب التي كان تحكم بالحديد والنار وكانت فرصة التحرك معدومة لديها . ولكن هذا لا يعني أن الشعوب مسيرة فلقد بلغ البغي والظلم بها حد الانفجار وبلغت الأنظمة قي الوقت نفسه حد التهالك والموت فخاف الغرب أن تسقط بيد الشعوب فحرك الأمور التي رآها على وشك التحرك لكي يوجه الأمور كما يريد ولكي ينعم بـ(الربيع) كما سماه .. إن المطلوب من المثقفين أن يضعوا هذا أمام شعوبهم وأن الغرب لن يترك البلدان العربية ويتخلى عن مصالحه بل انه يستغل هذه الثورات - التي كان لابد من وقوعها ولم يكن قادرا على منع وقوعها - لكي يسيطر من جديد على مقدرات هذه البلدان من خلال الطبقة الحاكمة الجديدة التي يمهد لوصولها الى السلطة . لقد استغلت القوى الكبرى تطلع الشعوب المستضعفة الى العدل والحرية ونيل الحقوق وتحقيق المساواة أمام القانون وسيادة القانون . ولكن هل تحققت تلك الأهداف والشعارات التي نادت بها الجموع . لقد حدث تغيير في النظام السياسي في الدول التي شهدت تلك الأحداث ، ولكن لم يتبين أنه لصالح الشعوب إنما يبدو أنه استعمار جديد وسايكس بيكو جديدة .
إن الذي رجح لدينا كل ما أدلينا به من تصور ما يأتي : 1- أن الشعوب التي نهضت في الدول التي أنظمتها عميلة أو مرتبطة بالغرب ما زالت لم تجد شيئا قد تحقق من أحلامها إلا بعض الانجازات التي تموه على حقبقة ما يجري ولهذا فإنها ما زالت تنزل الى الشارع بين الحين والآخر وفي كل مرة تمتص غضبتها ببعض الإجراءات المسكنة دون إحداث التغيير المطلوب الذي يرجوه المتظاهرون . أما في البلدان المستقلة أو المناهضة للسياسات الامبريالية فإن التغيير حدث فيها بسرعة وبتدخل مسلح من قوى الامبريالية أو أدواتها وبما يخرق القانون الدولي كما أن الجهات الراعية للقانون الدولي أصبحت أداة بيد هذه القوى وتصدر لها ما تشاء من القوانين التي تمكنها من العدوان على هذه الدول واحتلالها . 2- نحن نعرف أن هذه التحركات مدعومة من الغرب الامبريالي وهو الذي كان يدعم أغلب حكام الدول العربية التي حل فيها الربيع العربي وإن هذه التحركات وجهتها صفحات الفيسبوك ومراكز الاستخبارات وعبارة (الربيع العربي) أطلقت من الدول الغربية الامبريالية التي اطلقت سابقا عبارة (ربيع براغ )على ما جرى من تمرد على المنظومة الاشتراكية في جيكوسلوفاكيا ، أي ان هذا الربيع يعكس وجهة نظر قوى الامبريالية ومصالحها . وهنا نؤكد مرة أخرى أن الشعوب العربية تحركت لتحقق مصلحتها لا مصالح هذه القوى ... بعض المثقفين العرب استطاع أن ينفذ بعمق الى حقيقة ما يجري ويقدم للقارىء قراءته الخاصة للأحداث لا ما يملى من قراءات ومنهم المفكر التونسي مازري حداد الذي يدرس في الجامعات الفرنسية وقد أحدث كتابه ( الوجه المخفي للثورة التونسية ، الأصولية والغرب تحالف محفوف بالمخاطر الكبرى ) ضجة في الأوساط العربية والفرنسية بل انه انفجر فيها كقنبلة موقوتة فغير الصورة المثالية التي تشكلت عن الربيع العربي . إنه يبين أن انتفاضات ( الربيع العربي) التي قدموها على أساس أنها عفوية وطبيعية ليست كذلك فلديه وثائق تثبت أن الأجهزة السرية للقوى الكبرى بدأت بتدريب بعض الشباب العربي منذ العام 2008 على كيفية تفجير الثورات عن طريق الفيسبوك وبقية أجهزة المعلوماتية الحديثة ، فضلا عن البروبوغاندا الهائلة التي تمارسها قناة الجزيرة وغيرها ، فهذا الربيع العربي قد خطط له مسبقا ووقع الجميع في الفخ دون أن يدروا ، وسوف يتحول هذا الربيع الى خريف أو شتاء قارس . وهذا يذكرنا بنظرية المؤامرة التي يتبناها محمد حسنين هيكل لكن المفكر المازري حداد يبين أنه لا يمكن للمؤامرة أن تنجح لولا أن هناك عوامل مساعدة على نجاحها وهي تؤكد مشروعية الثورة العربية . فحكم الاستبداد المخابراتي للحزب الواحد أو للعائلة الواحدة على الصعيد السياسي والفساد والرشوة والمحسوبية على المستوى الاقتصادي والبطالة الكثيفة الهائلة التي تصيب الشباب ، كل ذلك يشكل عوامل موضوعية لانفجار ( الربيع العربي ) فالأرضية كانت مهيأة تماما لذلك الانفجار والوضع كان ينتظر شرارة فقط لكي يشتعل وهذا ما حصل عندما ضغطت الأجهزة الامبريالية على الزر واندلعت شرارة الثورات وهدفها هو تجديد الطبقة السياسية العربية وقطع الطريق على الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية الحقيقية . وعلى هذا النحو تصبح نظرية المؤامرة مفهومة فهي ضمن هذا التفسير لم تعد مؤامرة تقريبا وإنما أصبحت عبارة عن استغلال ذكي لوضع جاهز للاستغلال . ويرى المازري أن الربيع العربي ليس هو الربيع الذي تنتظره الشعوب فلقد صادرته القوى الكبرى وحرفته عن مساره وأجهضت الحلم العربي بالديمقراطية والحرية وأفرغته من محتواه وأعطته هدية لأعداء الحرية والديمقراطية وكل الفلسفة الإنسانية الحديثة - وهو يشير الى الجماعات الإسلامية التي وصلت الى السلطة بعد التغيير - وهكذا يرى أن شبح الاستعمار يتراءى خلف هذا الربيع الممتد من المحيط الى الخليج ، وأن وراء هذا الانتشاء بالحرية والفرح بالديمقراطية يكمن شبح ثلاثة مخاطر قاتلة هي الأصولية الظلامية والفوضى الشاملة وفقدان السيادة الوطنية لمصلحة الأجانب . إن هناك ما هو أخطر من الدكتاتورية : الفوضى الشاملة بعد انهيار الدولة وما هو أخطر من الفوضى الشاملة : الحرب الأهلية ، وما هو هو أخطر من الحرب الأهلية : عودة الاستعمار ( ينظر : الربيع العربي ونظرية المؤامرة ، هاشم صالح ) .


د. بتول قاسم ناصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجين محكوم عليه بالمؤبد نفذ أكبر سرقة فندق في نيويورك


.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق




.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟


.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف




.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح