الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آمال عبد الباقى

سمير الأمير

2013 / 3 / 3
الادب والفن



الفنانة التلقائية" أمال عبد الباقى " هى ربة بيت أنجبت خمسة أبناء وعلمتهم فى مدرسة الحياة والفن فضلا عما تعلموه فى مدارس التربية والتعليم المجانية التى أنشأتها ثورة يوليو فى الكفور والنجوع، هذه الفنانة وجدت فى قطع الصابون ضالتها فراحت تنحت عليها ووجوه الزعماء فرأى الأبناء وأنا واحد منهم وجووه أنديرا غاندى وجيفارا وناصر وشخصيات روايات نجيب محفوظ وشخصيات واقعية عرفناها وأخرى لم تشأ هى أن تخبرنا عنها، وحين جاء دورنا لنقرأ عن هؤلاء المشاهير فى المدارس أو فى المكتبة التى وجدناها كجزء طبيعى من عالم هذه الفنانة العظيمة لم نستغربهم إذ كنا نقابل أناسا نعرفهم ويعرفوننا فصارت تلك الوجوه أقرب من أقاربنا وأصبحنا لا نقبل أى إساءة توجه لذكرى أو سيرة طه حسين أو لينين أو ناصر أو جيفارا لأنهم شاركونا حتى فى "صابون الغسيل" الذى ربما كان اختفاؤه السريع محيرا لأبى ولابد أنه وجد إجابة لحيرته حول كثرة استهلاك الغسيل لكل هذا الصابون حين عثر ذات نهار على تلك الوجوه التى لم تكن أمى تطلعه عليها واختصتنى أنا وأخوالى المثقفين "رد السجون" بها، جاوزت آمال عبد الباقى الرابعة والسبعين وتوقفت عن صنع التماثيل بعد أن اختفى صابون "شمس" التقليدى، و كانت التماثيل تتشقق بفعل الزمن وكانت هى تتحسر لأنها لم تعثر على خامة أخرى تساعدها على إنجاز كل الوجوه التى قرأت عنها فى الخمسينيات والستينيات، ولكنى أنقذت بعضا منها وقمت بتصويره وهذا ما خفف قليلا من حسرتها على ما صنعته أناملها، ودائما أقول لها لا تحزنى يا أم سمير فقد نحتى ملامح أخرى على أرواحنا وهى لن تنتهى وسيرثها أحفادك منا، إن حب الحياة والدفاع عنها وعن جمالياتها ورفض القهر والاستغلال والاستبداد هو ما حفرته أنامل تلك الفلاحة الأصيلة على شخصياتنا بل وعلى شخصيات الفلاحات من حولها، ألم تكن أول امرأة فى قريتنا تنفصل بزوجها بعيدا عن العائلة ومن بعد فِعلتها التى كانت بمثابة زلزال أصاب القرية عرفت الأسر الصغيرة طريقها إلى الاستقلال وتحملت فى سبيل ذلك انتقادات أهل الزوج وكبار أعيان القرية الذين وجدوا فى فعلتها خرقا للنواميس، إذ كانت البيوت تعج بالأبناء المتزوجين فى نفس الدار وكان لكل ابن حجرة واحدة فى الدار الكبيرة يعيش فيها مع زوجته وأبنائه ويتناولون طعامهم معا وكان أبى لا يجرؤ على دخول حجرته دون أن تقوم أخته أو زوجة أبيه بتفتيشه إذ ربما يكون قد أشترى حلوى أو فاكهة لزوجته فتتم مصادراتها فورا،

لم تخرج أمال عبد الباقى البالغة من العمر 74 سنة من بيتنا فى القرية الصغيرة فى العشر سنوات الأخيرة إلا مرتين، مرة للتصويت للثورة مستمرة فى الانتخابات البرلمانية السابقة ومرة للتصويت لحمدين صباحى فى الانتخابات الرئاسية التى انتهت إلى حالة تشبه الحالة التى سادت قبل ثورة يناير، حيث عاد خيار الحزب الوطنى أم الإخوان؟ وكأن شهداء لم يضحوا وثورة لم تشتعل، وهذا طبعا ما أصاب كثيرا من الشباب بالإحباط لدرجة أن أحدهم اتصل بى وقال لى بالحرف الواحد “ لا أستطيع أن أتقبل ما حدث.. أخبرنى ماذا نفعل الآن ؟" الغريب أن أمى لم تنبس ببنت شفة عن الإحباط واليأس بعد النتيجة التى ربما سببت لها ألما أضعاف ما نشعر به نحن من ألم، فهى لا تنام كل ليلة قبل أن تمر على كل القنوات الفضائية وحين أقول لها “ نامى واستريحى يا أمى تقول وهى محدقة فى التلفزيون و ممسكة بالريموت كنترول “ لا.. نم أنت... فتقول “ أنا لا أنام قبل أن "أطمئن على مصر " -بحد تعبيرها- وتذهب للنوم متأخرا بعد أن تنتهى برامج "التوك شو" ولكنها تصحو فى الصباح أكثر قلقا وتقول “ أنها استمعت لفلان من اليسار ولفلان من الإخوان " ولعلان من السلفيين وأن كل واحد منهم يريد أن يقتطع لنفسه قطعة من مصر ويأخذها بعيدا، فأسألها وما الفرق يا أمى فى رأيك بينهم وبين النظام السابق ؟ فتقول “ النظام السابق كان يريدها كلها لنفسه.. حية أو ميتة " لكن النتيجة واحدة أنتم تقتلونها كما كان يقتلها مبارك ورجاله والفرق أن كل طرف منكم يريد أن يقتل الجزء الذى يظن أنه نصيبه فيها بطريقته، أما مبارك فكان يقتلها بأكملها ليحتفظ بها محنطة فى باترينة "
لا تتعجبوا من فصاحتها فهى قرأت كل جورج زيدان وكل طه حسين ومحفوظ وإدريس وجوركى، وهى التى مولت الأنشطة السياسية لأخيها ورفاقه بقروشها القليلة حيث كانت تنحنى بالساعات على ماكينة الخياطة وتمدهم بالنقود متخيلة أنها بذلك تعجل ببناء الاشتراكية فى مصر، أصبحت أمى بعد إجراء عملية جراحية كبرى لا تذهب لدورة المياه إلا بصعوبة بالغة وبمعونة الأبناء والأحفاد، ولكنها جاهدت للذهاب لمقر لجنة الانتخاب مستندة إلى زراع أخى من جانب والعصا التى ورثتها عن أبيها من جانب آخر وسط إعجاب أهل قريتنا بالشرقية وإعجاب رجال الأمن والمشرفين على عملية التصويت، فقط لكونها تظن أن صوتها من الممكن أن يدفع الثورة والثوريين إلى الأمام رغم رفضها لفكرة الانتخابات من الأساس، أمى التى طاردت السلطات فى العهد الملكى أباها مدرس الإلزامى بتهمة الانتماء " لجماعة الإخوان المسلمين " واعتقلت السلطات فى العهد الناصرى أخاها بتهمة الانتماء للشيوعية، وحين ذهبت عند أبيها للولادة كما جرى عرف تلك الأيام و أنجبتنى وأسمتنى باسم الغائب فى سجن الواحات استنكر أبى وأهله من البدو الذين يمتلكون حقولا ولا يمتهنون الفلاحة ما فعلته وهددوها بالطلاق لأنهم لا يريدون لابنهم أن يكون شيوعيا مثل خاله المعتقل،تلكم هى " أمال عبد الباقى" هى التى بكت عبد الناصر الذى اعتقل أخوها فى عهده وظلت تحمد سيرة ناصر ووطنيته ولا تتقبل كلمة تنتقص من قدره، بل وتقنعك أن نظام يوليو أضر بعبد الناصر كما أضرنا، فهى لا تخلط بين معاداة الديكتاتورية والتسلط وحبها للاشتراكية والإصلاح الزراعى والعمال والفلاحين، ولذلك قررت أن أحيل سؤال الشاب الذى ينتمى لشباب الثورة إلى أمى لأننى لا أجد إجابة عندى لسؤاله " ماذا نفعل الآن؟" أتعرفون ماذا قالت أمى ؟ قالت" لقد صوتُ لكم فى الانتخابات التى اخترتموها أو قبلتم بفرضها عليكم، رغم علمكم أن الانتخابات بعد الثورة مباشرة لا تنتج سوى الوضع السائد، ألم يقل لكم أحد أن الثورة هى فعل استثنائى وأن الانتخابات هى مقبرة الثورة والثوار ؟ اذهبوا وتحدثوا مع الناس فالثورة مستمرة، ولكنها لن تستمر بكم وحدكم وإنكم إن فشلتم فى جعلها قضية معظم الناس فستعلقون على المشانق على أيدى سدنة رأس المال، تلكم هى أمى التى تنحت الوجوه التى لم يعد يذكرها المذياع فوق قطع الصابون، فهل أحببت أمى كما ينبغى لجلال أناملها التى شكلت روحى وملامحى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي