الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرض السكر الطائفي القومي

صلاح وهابي

2013 / 4 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يصاب الانسان بمرض السكر نتيجة لقصر في افرازات غدة البنكرياس لمادة الانسولين في مجرى الدم لحرق السكر لانتاج الطاقة الحيوية لعمل اجهزة الجسم، او تلبس خلايا الجسم بالدهون مما يعيق عمل النسولين لحرق السكر داخل الخلايا نتيجة لزيادة في تناول الاغذية الفائضة عن حاجة الجسم، وخاصة السكريات والنشويات والدهون والبروتينات، اضافة الى قلة الحركة، ويأتي العامل النفسي في مقدمة الاسباب لاصابة الشخص بهذا المرض والناتج عن الصدمات النفسية كالخوف والقلق والاضطرابات والفشل، فيعمل على ايقاف او عجز عمل البنكرياس من اداء وظيفتها بالشكل الصحيح. واختصرته امهاتنا ب(الهبطة). وهو من الامراض الخبيثة ومن نتائجه الامراض الباطنية والقلبية، بما فيها عدم كفاءة جهاز الدوران وارتفاع وانخفاض ضغط الدم، وتصلب الشرايين الذي يقود الى مرض (الكانكرينا) الذي يصيب الاطراف وخاصة السفلية المؤدي الى البتر المتدرج، والجلطة الدماغية والسكتة القلبية، وضعف الجسم و انهاك الجهاز العصبي بما فيه الجانب الجنسي، وتعطيل عمل الكليتين فتمتلئ الرئة والاطراف والوجه بالسموم ويضرب البصر وقد يؤدي الى العمى، وتهديم اللثة وتساقط الاسنان فهو في الاعم (نخرة الجسم).
حكى لي احد الاصدقاء القاطنين في المانيا منذ زمن، ان اعدادا كبيرة من الالمان الذين نجو من اهوال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 اصيبوا بامراض الحرب وفي مقدمتها مرض السكري، واخذ ينتقل وراثيا الى الابناء، وادرك الالمان لدرئ و التخفيف من مخاطره لا بد من (معايشته) والتعامل معه كصديق، والا سينفجر عليهم في اي لحظة.
لقد بدا مرض السكر الطائفي ينخر في جسم المجتمع العراقي، حين اختلف المسلمون في سقيفة بني ساعدة حول ايهم اولى بالخلافة بعد موت الرسول محمد، واخذ الخلاف يتسع بين المسلمين داخل قبيلة قريش بين فرعي الهاشميين بقيادة علي وابنيه الحسن والحسين ومن (شايعهم) فسموا لاحقا بالشيعة، وبين بقية الخلفاء واشتد نتيجة التحكيم فسموا (بالجماعة) وتاليا بالسنة باعتبارهم تابعين الكتاب و سنة الرسول
نقلوا هذا الخلاف والصراع الى المناطق الحضرية التي غزوها: العراق ايران بلاد الشام مصر وبقية شمال افريقيا واي بقاع وصلت اليه سنابك خيلهم. من هنا ظهر الاصطفاف الطائفي بشكل جلي بين اقلية حاكمة واكثرية محكومة واستمر هذا الخلاف لاكثر من 1400 شدة ووطأة حسب مذهب الحكام ودرجة مرضه السكري الطائفي، وتفاقم بعد الاحتلال الامريكي لرفع الغطاء عنه، وتبادل المواقع فحصد العراقيون جراء كل ذلك دما وتخلفا، وسيبقى هذا الجرح متقيئا ومفتوحا على كل الاحتمالات لعقود من الزمن، اذا لم يتعايشوا معه بحذر وروية وحس وطني غيور، بالانتقال التدريجي من الخاص الى العام بتطوير النظالم الديمقراطي سياسيا واجتماعيا.
استبشر اكثر العراقيين خيرا بالتغيير في 9-4-2003 واعتقدت الاكثرية ان ابواب الجنة ستفتح على مصراعيها، جاهلين او متجالهلين استحقاقات مرحلة التغيير بالانتقال من الانظمة الشمولية الى الانظمة التعددية، مسألة في غاية الصعوبة و التعقيد، ابتلاء بمواريث سلطة مؤهلين عدديا لا نوعيا، و فوضى خلاقة ؟! وهي فرصة لا يحسدون عليها، ولكن لابد من المرور بها، ولا يمكن القفز عليها بالدعاء لانها قيد التنفيذ، لكنها ليست مؤبدة. لان قوانين الديالكتيك الماركسي يبقى يشتغل داخلها و اولهم ((ان التغييرات الكمية تفضي الى تغييرات نوعية)) عبر سقف زمني قد يطول و يقصر مرهون بالعامل البشري و درجة التأثيرات الخارجية .
فالاعتصامات والتظاهرات التي تشهدها الساحة العراقية، و ضعف اقبال الجماهير على انتخاب المجالس المحلية حتى بلغت نسبة المشاركة ما يقارب 50% و بداية تغيير خطاب الردات الحسينية نحو تحقيق المطالب لهذه الجماهير المحرومة، وهي بداية للانتقال من العمل لذاتها الى العمل لمصلحتها كما يقول ماركس.
فنتائج حكم 10 سنوات لم يلمس المواطن البسيط تغييرا جذريا يساوي دوي سقوط الصنم، وثمن التضحيات الجسام التي قدمها قبل التغيير وبعده. وخير من اختزل تلك الحالة ذلك الصوت المدوي للمرأة العراقية القادم من مجاهيل الفقر و التهميش لفظائية (الحرة عراق) رافعة اصبعها البنفسجي ((رحت انتخبت وكلشي محصلت)) به كسرت كل الاقلام، ومتصدري المواقع الدعييييييييييييين .
لان الماسكين بعصمة السلطة اشتغلوا على الاستحقاق التاريخي الطائفي /القومي، فعندما تبدلت الادوار بين الحاكم والمحكوم، فمن كان في المعارضة واستلم عصا السلطة نقل معه بعض اسباب ونتائج حكم الطاغية، بما فيها امراض العمل السري من الخوف من المقابل والانتقام منه و التشكيك بنياته وعدم الثقة به و يصل الامر حتى من يشاطره العقيدة، وتسويغ الاستبداد والحرص المرضي بالتمسك بالسلطة دون الاحتياط لتولد محرومية جديدة تعيد قايش المحرومية من جديد، تعويضا عن المحرومية التارخية الطائفية اولا وعلى الكثرة العددية الانتخابية ثانيا باعتبارها غنيمة وفرصة تاريخية لا يمكن التفريط بها، وليس فوزا ديمقراطيا وانما صراع غلبة بدوية لاسقاط الاخر.
و المقابل استند على الحق التاريخي ايضا بامتلاكه الخبرة السياسية لحكم اكثر من الف سنة، حتى اصبح هذا الامتياز في لا وعيهم الجمعي، وان السلطة قد سرقت منهم، عمق ذلك شعورهم بالتهميش، وخوفهم من الديمقراطية الاصولية التي تولد مظلوميات جديدة للاقلية (جورج طرابلسي/جريدة طريق الشعب العدد 153) فانتقل البعض الى السلطة حاملا معه (عقلية المؤامرة) ساق داخل السلطة والاخرى خارها من اجل اسقاط السلطة او على الاقل اضعافها؟!.
وارى ان بعضا من لم يستفد من امتيازات حكم صدام، بل تعرض الى التهميش والجوع و الملاحقة و حتى السجن، اوكان صفرا على الشمال، وبعض المحسوبين على اليسار اوالاتجاهات الليبرالية و القومية وقف موقفا عدائيا او على الاقل سلبيا من التغيير، رغم هامش الحرية وتحسين وضعهم الاقتصادي، متنمنين بقاء القديم على قدمه، متذرعين بالامن السابق و كأنهم يتناسون ان البقايا الصدامية هي من تساهم في عدم الاستقرار داعمين ومتعشقين مع المنظمات الارهابية والمتطرفة.
كما ان شفرة عقلهم الجمعي اللاواعي ترفض الانصياع لحكم من غير طائفته او قوميته والادهى، والامر ان بعض من يحمل لقبا علميا لم يسعفه بالنأي به بعيدا عن مرض السكر الطائفي القومي تلميحا او تصريحا او تصرفا وعملا فعليا ضد التغيير و العملية السياسية بنفس طائفي مقيت.
نحن العراقيين جميعا مصابون بمرض السكر دينيا او طائفيا او قوميا او سياسيا او مناطقيا او عشائريا، ولكن نختلف بالدرجة لا بالنوع والقلة نادرة، لانه نتاج ارث تاريخي طويل من الغزو و التهميش والاحتلال والتخلف و الصراعات، هذه الاحداث حفرت عميقا في ذهنيا وسلوك الشخصية العراقية. فنجد احد تمضهراتها في ازدواجية الفرد العراقي كما يذهب اليه البرفسور علي الوردي وهي تزداد حدة لدى غالبيا رجال الدين والسياسة والمتمنطقين بالثقافة. فحين يجد الجد نحصر الفرد في زاوية من المظلومية او الحصول على الامتيازات حقا او باطلا سنذهب الى اقرب طائفة من تلك. والى تنوع التقوقعات التي ينتمي اليها الفرد العراقي كما يراها عالم الاجتماع عبد الجليل الطاهر (مجلة الثقافة الجديدة العدد 55).
في الحقيقة ان الخوف الشديد والقلق وفقدان الامن والامتيازات، يرفع من وتيرة نسبة السكر الطائفي القومي الذي يهدد المصالح والكينونة البشرية، وكلما ارتفعت نسبة السكر الطائفي القومي ازدادت حركة الناس الدائرية سرعة نحو النواة الطائفية، فتُسرع هذه الحركة العمل الغير الانساني تجاه المختلف حتى تصل الى الابادة الجماعية، و هذا ما حدث بين 2006-2007 ولا يزال، ولكن بشكل اخف لان سرعته تباطأت.
ان اختلاف الارادات وسراعها بين اطراف العملية السياسية، ناتج من اختلاف وتصادم الاستحقاقات التاريخية، فكلما ارتفع مرض السكر الطائفي القومي ارتفعت نبسة اصابة الدولة والمجتمع، بأمراض باطنية وقلبية. فيضعف كفاءة عمل جهاز الدوران فتتصلب اطراف الدولة والمجتمع فتصاب (بالكانكرينا) واحتمال القطع المتدرج لاطراف الدولة، اذا لم يأخذ جهاز الدوران كامل دورته.
و ما تفرزه البنكرياس ما يعادل 132 ترليون دينار عراقي لسنة 2013 تكون كافية لسد حاجة الدولة والمجتمع، ولكن تلبس خلايا الدولة بدهون ضارة وسامة ومشوهة وشرهة تعرقل وتعيق انتاج طاقة مجتمعية، تكون كافية لازدهار و رفاه الانسان والمجتمع. ولكن تهميش الطاقات الحقيقية يعيق خطط التنمية من الوصول الى مدياتها المجتمعية. لان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة في التعامل في سوق النخاسة.
واذا ما ارتفعت نسبة السكر الطالئفي القومي ستصاب الحكومة بالسقطة الدماغية او الذبحة الصدرية، فتصاب بالاغماء وادخالها غرفة الانعاش لوصولها حالة الموت السريري ولا بد من رجة (التعايش) الكهربائية فاذا لم تفق ولا اظنها. فلا بد لانتخابات جديدة لحكومة اغلبية سواء بالدورة القادمة او التي تليها، ستكون اكثر قدرة نسبيا على تمرير وتنفيذ خططها بالاستناد على اغلبية برلمانية، لتتحمل لوحدها مسؤولية النجاح او الفشل، ولكي لا تموع القرارات بين الاطراف المتعارضة، الكل في الحكومة والكل معارضة ؟! مقابل معارضة برلمانية قوية تراقب عمل الحكومة.
على ان يسبقها اقرار قانون عادل للانتخابات وتشريع قانون الاحزاب وتعداد سكاني وانتخاب مفوضية انتخابات حيادية ومحكمة دستورية تقف على مسافة واحدة من الجميع، و عدم مشاركة الاجهزة الامنية في الانتخابات لكي لا تجير اصواتها لصالح الحكومة، و بهذا نضمن حياديتها، كما هو معمول في مصر العربية و الاردن.
ويضرب مرض السكر الطائفي جهاز المناعة للحكومة، بحيث اصبح غير قادرة على حماية المجتمع والدولة دعك عن نفسه، لما اصابه من ضعف وترهل وفقدان التوازن بين تركيبته، واخترقته الفايروسات السامة.
كما يعطل عمل الكلية التي تصبح غير قادرة على طرح السموم خارج جسم الدولة والمجتمع، فتتشوه اجهزتها بشكل مرضي.
ويضرب مرض السكر الطائفي القومي عين السلطة فيصيبها بعمى الالوان وقصر النظر والحول، بتعويض المحرومية بالامتيازات ليس للملايين المحرموة . انا مع حق الناس في ممارسة طقوسها ولكن ليس بهذا الشكل المتطرف، التي تقاد فيها الملايين لمسيرات وكرنفالات طائفيا هستيرية لجلد الذات لابعادها عن جلد مستغِليها، بإسقائها سكر الافيون بكاس الدين ليرتفع لديها نسبة السكر الطائفي الى 400 درجة لتبقا في حال غيبوبة وبعيدة عن امتيازات ساقيها، بدل العمل الحقيقي بتعويض محروميتها التاريخية برفع مستواها المعاشي والصحي والثقافي، فيتم استغلال عاطفتها الدينية البسيطة وجرها الى الخطر وتعطيل طاقاتها وطاقات الاخرين واستغلال موارد الدولة(1) بما فيها الجهد الامني بقتل الوقت، والذي نحن بأمس الحاجة اليه، لان ما فاتنا ليس قليلا.








-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1. ويذكر وزير النقل و المواصلات ان وزارته سخرت 5000 عجلة حكومية و 8000 نقل خاص و تخصيص 5 قطارات يوميا لنقل الزوار. اضافة الى توجيه الحهد الامني لحماية الزوار، بينما كان الاولى توفيرها في المساهمة بالقضاء على الارهاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد مخرجات اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي


.. غالانت: إسرائيل تتعامل مع عدد من البدائل كي يتمكن سكان الشما




.. صوتوا ضده واتهموه بالتجسس.. مشرعون أميركيون يحتفظون بحسابات


.. حصانة الرؤساء السابقين أمام المحكمة العليا الأميركية وترقب ك




.. انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض