الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ست دانات لندنية ...

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2013 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


منذ 66 سنة إستقل نصف مسلمي الهند فى ظل كيان جديد سموه "باكستان" . وقد توجوا بذلك مشروعا إسلاميا رعاه المفكر الهندي المسلم أبو الأعلي مودودي (الأب الروحي لعظم أفكار سيد القطب) والسياسي الهندي المسلم محمد علي جناح. وخلال السنوات الست وستين الماضية أسست الهند نفسها كأكبر ديموقراطية فى العالم. أما باكستان فبجانب إنشقاقها لدولتين (بينجلاديش وباكستان) فقد شهدت العديد من الإنقلابات ولم يكمل أي برلمان من برلماناتها (بإستثناء البرلمان الأخير الذى إنتهت مدته هذا العام 2013) ولا يمك وصف باكستان على الإطلاق بأنها دولة ديموقراطية. فى الهند واحدة من أرقي المؤسسات القضائية فى العالم ، وهو ما لا وجود لنظيره فى باكستان. الهند اليوم هى رابع أكبر إقتصاد فى العالم ، أما باكستان فلا وجود لها بين أكبر خمسين إقتصاد فى العالم. فى الهند مؤسسات بحث علمية وجامعات من أرقي المؤسسات العلمية فى العالم. وهو أيضا ما لا نظير له فى باكستان . وبينما لا تساهم الهند فى "صناعة الإرهاب العالمية" ، فإن باكستان تضم أكبر حضانات الإرهاب فى العالم. الأقليات فى باكستان يقتلون ويضطهدون بشكل منهجي ، أما فى الهند فإن رئيس الجمهورية السابق كان من الأقلية المسلمة ورئيس الحكومة الحالي هو من أقلية السيخ (2% من الشعب الهندي). ودراستي لسنوات للحالتين الهندية والباكستانية تؤكد لي أن سبب نجاح الهند هو المرجعية العلمانية ، وأن سبب كوارث باكستان هو الهوس الديني (الإسلامي) فى باكستان ...

----------------------------------------------------------------------

مصر والمصريون يعيشون حاليا حالة "وجدان جمعي مشوه" ... فالصيغة التى يروج لها رجال الدين : وهى أننا هنا كعابري سبيل ، ووجودنا فى الحياة رحلة قصيرة لا ينبغي ان نهتم بها وانما ان ينصب كل إهتمامنا على الآخرة ! هى صيغة سماها المفكر اﻹيراني علي شريعتي منذ 40 سنة "نظرية الإستحمار" ! ولكن "المستحمرين" (بضم الميم الأولي وفتح الميم الثانية) مستمتعون بحالة اﻹستحمار هذه ، والتى لا أمل فى تقدمهم الا بتجاوزها (أي بتجاوز حالة اﻹستحمار).


-----------------------------------------------------------------------



الحالة الثقافية فى مصر إنهارت وتدهورت خلال السنوات الستين اﻷخيرة بشكل يصعب على كثيرين تصوره وفهمه بالشكل الواجب. ومن أعراض هذا الإنهيار والتدهور ما نراه فى المفردات واللغة المتداولة بين الناس ، بل وبين من يظن الناس أنهم متعلمون ومثقفون (ومعظمهم ليسوا كذلك). أستعرض ما يكتب على الفيس بوك من تعليقات يظن كاتبوها وقارؤها أنها من قبيل "الدعابة" humor والحقيقة أنها من قبيل "الهزل" farce. ونادرا ما أطالع تعليقات ذات قيمة مضافة ... وإذا أضفنا لهذه الحالة التى يظن الناس فيها ان ما يكتبوه "دعابة" وهو محض "هزل" ، حالة الهستيريا الدينية التى تسيطر على عقول وتفكير معظم المصريين المعاصرين (من كافة الخلفيات الإجتماعية والثقافية والدينية) والخلط المزري بين "الحقيقة العلمية" .scientific reality والحقيقة الدينية religious reality, فإن وجود "هؤلاء" على مقاعد قيادة المجتمع لا تكون شيئا غريبا وعجيبا ، فمقيادة كهذه هى إفراز منطقي لحالة ثقافية وعقلية وفكرية وتعليمية كتلك السائدة اليوم (ومنذ سنوات) فى مصر المنكوبة بأبنائها المخربين



---------------------------------------------------------------------


عندما أكرر أن الإخوان منشغلون بتفكيك مفاصل الدولة المدنية فى مصر ، فإن البعض يتسائل : ألا يحدث ذلك فى كل الديموقراطيات ؟ ... وتكون إجابتي ب "لا" ... فالرئيس الديموقراطي فى الولايات المتحدة يضع رجالا ونساء من الحزب الديموقراطي فى عدد كبير منم المناصب. ولكن هؤلاء يشتركون مع الحزب المنافس فى القيم الأساسية للمجتمع الأمريكي. فلا يتصور أن أن يقوم رئيس منتخب فى أي ديموقراطية بالمساس بقيم مثل حقوق المرأة وحرية التعبير وحرية المعتقد وحرية الإعلام. أما الإخوان فإنهم معنيون بالتخلص من قيم وركائز الدولة المدنية. فهم يسعون لنشر نموذجهم القرون - أوسطي للتعامل مع المرأة ... ويسعون للعودة لنظام جنائي / عقابي من قبل العصور الوسطي ، وإذا أتيح لهم ، فسيعاقبون من يترك الإسلام بقتله ، وسيمارسون دور الرقيب على الكتب والأفلام والتلفزيون والتعليم والفنون. المشكلة الكبري هى أن العالم المتحضر عاجز عن فهم قدر التخريب الذى سيحدثه الإسلاميون عندما يتولون الجكم فى أي بلد مثل مصر او تونس او سوريا ، وهى بلدان كونت رصيدا لا ينكر من بناء هياكل (أو بعض هياكل) الدولة المدنية الحديثة ... .



-----------------------------------------------------------------------


- موقف المتأسلمين من الفكر والفنون والأدب والإبداع والغناء والموسيقي والثقافة والإعلام غير معروف بشكل كامل لمعظم غير المسلمين. بل ان معظم المتأسلمين يحاولون جاهدين عدم الدخول فى حوار حول موقفهم من هذه المناطق . ويستثني من ذلك أعضاء التيارات السلفية ، فموقفهم واضح من كل هذا المناطق . وأستطيع ان اجزم بعد رحلة إستمرت لأربعة عقود مع فكر وأدبيات وآراء المتأسلمين أن موقفهم من كل هذه المناطق هو أقرب للرفض والتحريم منه للقبول والإباحة. ففنون خشبة الأوبرا وفى مقدمتها "البالية" مرفوضة كلية من كافة المتأسلمين. أما موقفهم من الغناء والموسيقي فأشد مكرا ، فهم يقولون ما كرره مؤخرا أحد أبرز قادة الإخوان المسلمين فى مصر (عصام العريان) عندما قال أن حرمة او عدم حرمة الغناء أمر يتوقف على ما يتغني به المغنون ! وكان كريما فأوضح مراده إذ قال : عندما يغني أحد أشهر مطربي اللغة العربية فى القرن العشرين وهو محمد عبدالوهاب "أخي جاوز الظالمون المدي" ، فهذا غناء لا إعتراض عليه ! وعندما يغني محمد عبدالوهاب نفسه "جفنه علم الغزل" (كلمات أحمد شوقي) فإنه يكون قد تجاوز حدود الإباحة ودخل لدائرة التحريم. وأؤكد للقاريء أن تجربة أربعين سنة من دراسة التأسلم والحوار مع المتأسلمين تجعلني مرتاحا وأنا أقرر أن هذا هو رأي السواد الأعظم من المتأسلمين. وهو رأي يعكس الحقائق التالية : أولا ، أن الغناء للحب والعشق والهوي (وهو معظم الغناء بكل لغات العالم) هو أمر مرفوض عند المتأسلمين . ثانيا ، ان الغناء المباح هو الذى يتغني بعظمة الإله وبالطبيعة وبالوطن ! ثالثا : ان هناك "جهة ما " سيكون مرهونا بها تحديد ما هو مباح وما هو غير مباح من الغناء . أما فنون التصوير (الرسم) والنحت فالأغلبية العظمي من المتأسلمين ترفضها. والرقص بكل ألوانه وأشكاله مرفوض تماما. أما الأشكال الأدبية مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية فتكون حلالا لو أجاز الإسلاميون محتواها وشكلها وهدفها ! ... حتى الإعلام ، فإنه يخضع لنفس القانون : فإن كان يساير المرجعية الإسلامية ، فهو "جيد" ، أما إن كانت مرجعيته "علمانية" أو "ليبرالية" فإنه يكون بمثابة خصم وعدو للمشروع الإسلامي. وبإختصار ، ففى ظل المشروع الإسلامي لا تغني أم كلثوم "هات عينيك تسرح فى دنيتهم عنيا " ولا يغني عبدالحليم حافظ "أهواك ، وأتمني لو أنساك" ولا تغني فيروز "حبيتك بالصيف " ولا يغني فريد الأطرش "أول همسة" وتكون كل أوبريتات "سعاد حسني" حراما مؤكدا ! ويكون تمثال "نهضة مصر" لمحمود مختار عملا ضالا ومضلا ، كما أن فرقة رضا للرقص التوقيعي فإنها تكون محظورة كلية ! ... بإختصار ، يكون المجتمع المتأسلم بدون معظم الفنون واِشكال الإبداع الأدبي والموسيقي والتشكيلي ... ولا أدل على ذلك من مناداة إسلاميين كثيرين بإلغاء دروس الموسيقي ... كما يدل على نفس الشيء أن الإخوان المسلمين لم يقدموا مبدعا واحدا خلال أقل قليلا من قرن من الزمان فى أي مجال من هذه المجالات : الغناء ، الموسيقي ، التصوير (الرسم) ، النحت ، فنون الأوبرا والباليه ، الرقص ، الرواية ، القصة القصيرة ، المسرح ... بل ان سيد قطب الذى كان ناقدا أدبيا وشاعرا (متواضع الموهبة) قبل إتجاهه للتأسلم (بعد عودته من بعثة لأقل من سنتين بالولايات المتحدة من 1949 الى 1951) لم يكتب حرفا واحدا فى النقد الأدبي والشعر (وكان هو مع سلامة موسي فى طليعة مكتشفي عبقرية نجيب محفوظ الروائية عندما نشرت رواية نجيب محفوظ الأولي "عبث الأقدار" فى 1939) ... ومن غرائب الحياة أن يقدم سيد قطب نجيب محفوظ كروائي عبقري فى 1939 ، وبعد نصف قرن بالكمال والتمام يقوم متأسلم (وكل المتأسلمين هم "عيال سيد قطب" بشكل او بآخر) بمحاولة ذبح نجيب محفوظ !!! والفارق بين الموقفين (الإشادة بمحفوظ سنة 1939 ومحاولة ذبحه بعد خمسة عقود) هو "التأسلم" وموقف المتأسلمين من الفنون والأدب والإبداع والفكر والثقافة ! ... إن المجتمع الذى يسعي لإقامته المتأسلمون هو مجتمع مترع فى الظلام ، ناهيك عن ثقل ظله بشكل يصعب على كثيرين تصوره ...



------------------------------------------------------------------------


لاشك أن الشهور التسعة الماضية قد شهدت تنفيذ خطة أخونة العديد من قطاعات المجتمع المصري ، سواء بشكل كلي او جزئي. ومن أهم تلك القطاعات مجلس الشوري الذى هو سلطة التشريع فى هذه المرحلة ومنصب النائب العام والمحكمة الدستورية ومجلس الوزراء والتلفزيون المصري وقمة وزارة الداخلية. وبقت فى مصر ثلاث جبهات لن يتمكن اﻹخوان من تحويل مصر لما يريدونه قبل أخونتها. اما الجبهة اﻷولي فهى الجيش المصري الجريح من موقف الكثير من المصريين منه أثناء موجة "يسقط حكم العسكر" التى كانت فى صالح اﻹخوان. وأما الجبهة الثانية فهى التيارات السياسية المدنية الرافضة ﻷخونة مصر. وهى جبهة مشتتة وتفتقد للقيادة الفعالة والمؤثرة. وأخيرا ، الجبهة الثالثة وهى اﻹعلام غير الحكومي ، والذي هو (اليوم) رأس الحربة وسط الجبهات المناهضة للمشروع اﻹخواني. وفى إعتقادي أن هزيمة هذه الجبهة (اﻹعلام) ستؤدي لهزيمة كل الجبهات المناهضة للمشروع اﻹخواني. لذلك فإن علينا العمل محليا ودوليا على منع اﻹخوان من كسر شوكة اﻹعلام المصري غير الحكومي الذى هو اليوم أنبل لاعب سياسي فى الساحة المصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا