الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف الاديان : نصوص ام واقع؟

عبد عطشان هاشم

2013 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحفل الاديان جميعا بدأ من البوذية وانتهاء بالاسلام بنصوص مقدسة متواترة تحث وتأمر الانسان على سلوك السلام والمحبة والتسامح وعدم الركون الى العنف كوسيلة لحل المشاكل مع الاخرالمختلف، ويفترض وفقا لهذا السياق ان يتصرف رجال الدين ومريديهم باسمى معاني النبل والايثار والتسامح الانساني الرحب اذا كانوا حقا مؤمنين بتلك النصوص ولكن ياترى هل ينطبق حساب الحقل مع حساب البيدر في هذا الشأن؟
بالامس القريب (الثلاثاء 9/5/2013) استنكر الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتبت الذي يعيش في المنفى،هجمات الرهبان البوذيين على المسلمين في ميانمار قائلا إن القتل باسم الدين شيء لا يمكن قبوله ، واردف قائلا أن السبب الأساس للصراع في ميانمار الذي يتخذ مظهرا طائفيا، هو سياسي وليس روحيا.
دعنا نتوقف هنا قليلا لتأمل هذا المشهد ونرى كيف يقود رجال دين بوذيون ، من دين مسالم لاتسمح نصوصه بقتل اي كائن حي حتى لو كان نملة، ابشع عملية تطهير عرقي في القرن الحادي والعشرون ضد اقلية مضطهدة لاغراض سياسية كما صرح الدالاي لاما بنفسه. وهكذا، كما اكدت ذلك مرارا في كتاباتي السابقة ،عندما يستخدم الدين كاحد ادوات السياسة للوصول الى السلطة او ممارستها فسيتحول الى حاضنة لتفريخ العنف والتطرف والارهاب ايا كانت هويته ونصوصه المقدسة ومكانه الجغرافي.ولنا اسوة برجال الدين المسلمين في الوقت الراهن ، الذين يشنون حربا على من يخالفهم الراي والتفكير عبر سيل من الفتاوى السوداء التي تثير فتنا نائمة في بطون التاريخ وتدعو علنا الى سفك الدماءالبريئة ، وتحظى المرأة عادة بالنصيب الاوفر من حملاتهم المستمرة ضد الحريات والفكر الانساني مخالفين جوهر النصوص القرانية في هذا الصدد (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) سورة الكهف ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )سورة يونس (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) سورة الغاشية.
وبالعودة للتاريخ ، فأن الاديان جميعا وبدرجات متفاوتة حسب الظرف والمكان ، حملت لواء العنف والقتل المقدس الذي يصل لابشع الممارسات الهمجية ابتداء من القرابين البشرية كما في مجمل الديانات البدائية الى الحروب الدينية والاضطهاد الديني والتكفيروالهرطقة والحرق بالنار لدى الديانات السماوية (وبخاصة الدين المسيحي والاسلامي) ، ولم تحفل على الاطلاق بماورد لديها من نصوص مسالمة تدعو الى الرحمة والتسامح،، لقد استطاعت النظم العلمانية في الغرب من كبح جماح الكنيسة الكاثوليكية ووضعها في اطارها الطبيعي كدين شخصي ورغم ذلك تتسرب بين الحين والاخر اخبار عن الانتهاكات الجنسية التي يقوم بها الرهبان والقساوسة ضد الاطفال الى حد اضطر فيها البابا الى الاعتذار عنها علنا . اما في الجانب الاسلامي فقد تصرف خلفاء المسلمين على هواهم في اموال الناس وارواحهم بل ان العديد منهم انتهج العنف الذي يصل حد السادية للوصول الى سدة الحكم فمنهم من قتل اخيه او والده وافراد عائلته الاقربين للاستيلاء على السلطة المقدسة وباركهم رجال الدين عبر تأويل النص ولوي عنقه حتى ينضح بما يشتهي ولي الامر. بل ان مشايخ المسلمين على اختلاف نسخهم المذهبية ، يحاولون الان تجريد النص من كل معاني الرحمة والانسانية والعدالة عبر سيف التفسير الاحادي الذي يدعي لنفسه احتكار الحقيقة المطلقة مما يذكي روح التطرف و يجعل العنف والقسوة والكراهية الخيار الوحيد لدى المسلمين .
كل ذلك قد يدفع الى التساؤل ما هو الوجه الحقيقي للدين ؟ هل هي النصوص النظرية المركونة في زوايا النسيان ام الواقع المر الذي يقدمه لنا رجال الدين على طبق من التفاسير المعصومة التي لاتقبل النقض. ان تطبيق النص على ارض الواقع هو المعيار الوحيد لمصداقية النص وقدرته على الحياه فنرى مثلا ان دساتير الدول المتخلفة تحفل بنصوص رائعة عن الحريات والعدالة وكرامة المراة وحقوق الانسان ولكن التطبيق العملى لهذه النصوص في واد اخر قاحل ومجدب تماما من هذه القيم والثوابت كما نعرف جميعا، لقد اثبتت تجارب تطبيق الشريعة بدءا من ايران والسعودية والسودان انها تولد مظالم اجتماعية جسيمة وامتهان منهجي لكرامة الانسان وحياته الخاصة وبدلا من اقامة العدالة الالهية المنشودة شرعنت تلك التجارب عنف الدولة ضد الانسان عبر المحاكمات الشرعية الصورية وهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها وسنت حجرا قاسيا على حرية التفكير والمعتقد.
واذا كانت النصوص الدينية الاسلامية لم تفلح حتى الان في تكوين وصقل القائمين عليها من سدنة ودعاة ومشايخ ناهيك عن ولاة الامر بما يعكس رؤيتها المسالمة المسامحة كما يتبدى ذلك في النصوص القرانية والاحاديث النبوية ، فكيف نتوقع منها ان تفعل ذلك في المستقبل كما ينادي المشايخ باعلى اصواتهم ، فقد تعودنا ان نسمع ان اخطاء التطبيق هي اخطاء بشرية واجتهادات لا غبار عليها لاتمس جوهر النص رغم مرور 1400 سنة من التطبيق ، مما يترك لدينا اسئلة شائكة ، هل هذه النصوص التي اجتزءت من سياقها التاريخي والموضوعي الذي ولدت فيه واحيطت بهالة القداسة قابلة للتطبيق اصلا ؟ ام هي تركت عن عمد من قبل اصحابها لعدم استجابتها مع الواقع الحديث مع متغيراته الاجتماعية والاقتصادية الجوهرية وكيف يعقل ان نسقط التاريخ والزمن والعلم ونتفاخر بأن الانسان الحاضر ليس الا نسخة كاربونية من البدوي العربي ذاته قبل 14 قرنا من ناحية التفكير والحاجات والتطلعات كما تروج لذلك النظرية الدينية المتداولة بأنه (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) ولم لا ونحن الامة الوحيدة التي تفتش عن حلول لمشاكل الحاضر في اقبية الماضي ولاتكتفي بذلك بل تستحضر مشاكلها وصراعاتها الطائفية من سراديبه الرطبة.
وهكذا فان شواهد الماضي والحاضر معا تفضي بنا ، الى استنتاج لامفر منه وهو ان النصوص الدينية لم تفلح على الاطلاق في كبح جماح العنف بل رمت فيه المزيد من الحطب عبر مصادرة حق الافراد في الاختلاف ورجم افرادها بالكفر والارتداد عن الملة كما يحدث الان وما الصراع الطائفي الا الاطار الاجتماعي السياسي لعنف الدين ، فالنص الديني مهما كان ساميا فانه سيتم تدنيسه عبر رغبات وشهوات رجال الدين للنفوذ والسلطة والمال وتحويله الى حجر بازلتي ثقيل يجثم على صدور الناس فيمنع عنها التنفس والحركة ان لم يسرق منها الحياة.
------------------------------------------------------------
مصادر:
د.فؤاد زكريا- الحقيقة والوهم في الحركة الاسلامية المعاصرة – دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع- الطبعة الاولى – القاهرة 1986








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابو العلاءالمعري
عامر سليم ( 2013 / 5 / 13 - 03:35 )
لقد قالها قبل الف عام شاعر الفلاسفه وفيلسوف الشعراء ابو العلاء المعري الذي نجا برقبته في حياته وقطعوها لتمثاله في مماته
اذ يقول
ان الشرائع القت بيننا احنا واودعتنا افانين العداوات
وهل ابيح نساء الروم عن عرض للعرب الا بأحكام النبوات
وقوله
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت.... ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا.... دين وآخر ديّن لا عقل له

وقوله

أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء
فلا تحسب مقال الرسل حقاً ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاءوا بالمحال فكدروه
دين وكفر وأنباء تقص وفرقان وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل، يدان بها فهل تفرد يوماً بالهدى جيل

وتحياتي للكاتب


اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24