الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور سونغ وحكاية -دع الخلق للخالق-

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 6 / 18
كتابات ساخرة



كل الأساتذة الكوريين الذين تعلموا في البلدان العربية يعتبرون هذه البلدان بلدهم الثاني. خاصة الجيل الأول وكذلك الجيل الثاني من الذين ذهبوا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين لنيل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العربية. في تلك الفترة كانت الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية بين العالم العربي وكوريا محدودة. وكان الرخاء والهدوء وكانت السلوكيات الطيبة من السمات الغالبة على العرب. عاد هؤلاء الأساتذة إلى كوريا وظلت قلوبهم متعلقة بتلك البلدان وظلوا مخلصين لأساتذتهم الذين علموهم بدرجة تصل إلى التقديس. فما أن تنطق "محمود فهمي حجازي" حتى لتجدن تلاميذه بأقدم الجامعات الكورية يريدون الوقوف وتقديم التحية لمجرد سماع الاسم. بعضهم يحمل حبًّا خالصًا لكل ما هو عربيِّ. وبعضهم مع كل الفضل للعالم العربي عليه لا يرى إلا المساوئ والعيوب؛ ويرد الصاع صاعين لكل عربي يصادفه هنا في موقف يكون فيه هو الأقوى!

الطريف أنهم عندما يتقابلون لوضع امتحانات المدرسة الثانوية أو لتأليف الكتب التعليمية. تجد كلا منهم يضع مثالا أو يسأل عن عاصمة البلد الذي تعلم فيه حتى أنك بعد وقت قصير تستطيع أن تعرف مَن الذي وضع الامتحان من خلال المدن العربية والأطعمة التي وردت فيه. فالأستاذ موسى "كيم جونغ دو" لا يمكن أن يخلو امتحانٌ شارك في إعداده من شيء عن السودان الشقيق. الأستاذ "عبد الرزاق لي جونغ هوا" يعشق المغرب. والأستاذة "إحسان جو هي صن" تحب تونس كما لو كانت وطنها الثاني والأمثلة كثيرة.

أما الدكتور حمزة "سونغ كيونغ كن" فهو مصري حتى النخاع. عاش قرابة عشرين عامًا فيها. درس في جامعة الأزهر. هو واحد من أطيب خلق الله وأكثرهم هدوءًا وأقلهم كلامًا. ركبتُ معه السيارة ذات يوم. وكان الوحيد الذي يقود بسرعة وسط المدينة ويستخدم آلة التنبيه أكثر من مرة. لم أسمع آلة التنبيه في سيارة كورية خاصة ولم أسمعها سوى في الباص وفي بعض سيارات التاكسي. قلت له :" كأنك تقود في القاهرة". فقال ضاحكًا بصوته الخافت كالعادة: "صحيح. قدتُ السيارة هناك لسنوات طويلة ولا أستطيع أن أغير أسلوبي الآن".

يزور مصر مرة كل سنة. مرت عشرون عامًا تقريبًا أو أكثر على عودته. وحتى الآن كل ملابسه وأحذيته وأدويته البسيطة "الصداع مثلا" يشتريها من مصر. قال لي: أرخص ملابس بأجود صناعة تجدها في مصر. الملابس الكورية غالية. الملابس المصرية سعرها معقول جدا وتبدو جديدة حتى بعد عشر سنوات. نصحني كثيرًا ألا أشتري ملابس أو أحذية من كوريا. وكلما تقابلنا وكانت الظروف تسمح بالحديث عن أي شيء، ينتهي الكلام دائمًا بمصر وعنها. عندما أرادت ابنته أن تدرس في أمريكا. أرسلها أولا لمدة عامين تقريبًا لتدرس في الجامعة الأمريكية بمصر ثم بعد ذلك ذهبت إلى أمريكا كما كانت تحلم. يحدثني عن مصر أكثر ما يحدثني عن كوريا. يقول دائمًا: "مصر من أجمل بلاد العالم. المصريون أطيب الشعوب التي عشتُ معها. هم في حاجة إلى النظام والهدوء فقط. أتمنى أنْ يعرفوا كيفية الاستمتاع بالحياة مثل الكوريين وأنْ يكون كلُّ واحد منهم مشغول بحياته وبنفسه فقط وأنْ يترك الآخرين في حالهم كما تقول العبارة المشهورة التي كانت تُلصق على السيارات والحافلات في مصر منذ زمن: "دع الخلق للخالق".

محمود عبد الغفار غيضان
19 يونيو 2013م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع