الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى الزعيم والثورة

بتول قاسم ناصر

2013 / 7 / 12
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


تختلف الأفكار والنظريات في تقدير دور الفرد في التاريخ فبعضها يعول على هذا الدور وعلى العبقرية الفردية ويراها تصنع التاريخ والأحداث والأمم. ففرد من الأفراد قد يختزل دور أمة إذ يلامس مشاعرها ويستشف أهدافها ويرقى إلى التعبير عن طموحها ، هذا إذا كان قائدا ، وقد يكون العبقري رمزا لأمة وعلامة عليها في كل المجالات الحياة الأخرى وكل مناحي الإبداع والابتكار. وبعض الأفكار والنظريات لاتقدر دور الأفراد بل تعطي الأهمية لدور الشعوب والأمم فهي الصانعة المبدعة وإذا كان هنالك من تميز لدور الأفراد فإنما الأمر يعود إلى الأمة اوالشعب الذي ينتمي إليه هذا الفرد والى المرحلة التاريخية التي صنعها هذا الشعب أو إلى أسلوب العمل الجماعي ونوع القوى المنتجة كما ترى بعض النظريات التي تقدر دور التاريخ والمجتمع. والصحيح هو ما تذهب إليه كلتا النظريتين ، أي ان الصحيح هو الجمع بينهما والانطلاق منها في تفسير دور العبقرية الفردية ودور الأمم والشعوب والتاريخ ، فقد لا يكون الشعب بمستوى القيادة فيخذل هذه القيادة وينقلب عليها ويوقف حركة التاريخ التي أرادت القيادة الرائدة أن تطورها إلى الأمام. وعندما تلتقي إرادة الشعب مع إرادة القيادة تحدث الانطلاقة وتتحقق النهضة التي سعى إليها الاثنان. وهذا ماحدث بين الشعب العراقي والقيادة الفذة للزعيم الأمين عبد الكريم قاسم. فثورة تموز هي ثورة القيادة العبقرية كما أنها ثورة الشعب بأسره وهي امتداد لثورات متتالية لم تفلح في أنجاز أهدافها لأن القيادة لم تكن بمستوى هذه الأهداف..
كان الشعب يحلم بالنور ويناضل من أجل الحرية ويعيش العذاب ويقدم التضحيات ثمنا لما يريد ويبحث عمن ينقذه من الاستعمار الذي كان يعمل على تحقيق مصالحه وسلب ثروات البلد وموارده وتمزيق وحدة شعبه ومحاربة أبنائه المخلصين والوقوف بوجه نهضته. وهو يعمد إلى المخاتلة والخداع والتمويه. فمنذ بدأ عهد الاستعمار وهو يعلن أن لا هدف له إلا تحرير شعوب الشرق من الاستعباد والظلم وتأليف حكومات وإدارات حرة تنتخبها شعوبها وتستمد سلطاتها منها. وعندما دخل الجنرال مود بغداد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى خاطب الناس بأن جيوشهم لم تدخل أرض العراق قاهرة بل محررة. ومازال منطق الاستعمار هو نفسه فالاحتلال الأمريكي والبريطاني مازال يتحدث بهذه اللغة في حين يمارس الدور القديم نفسه ..
كان الشعب على وعي بنوايا الاستعمار وبما يريده وكانت ممارساته تفصح عن عداوته للشعب وسعيه إلى تحقيق ماَربه فقط ، إلا أن جماهير الشعب لم تكن بمستوى واحد من الوعي ومن المبادرة إلى التغيير والسلوك الثوري ، غيرأن الشعب في كل قواه المعارضة كان على استعداد للاستجابة للثورة إلا أن الثورة تحتاج فيما تحتاج إليه إلى قائد عاش معاناة الشعب ونفذ إلى روحه وارتبط بأهدافه وتطلعاته وله من القدرات ما يستطيع بها انجاز هذه الأهداف والتطلعات. وهـذه القيادة قد يوفرها التاريخ في اللحظة المناسبة فتكون استجابة لمتطلبات تلك المرحلة وهذا ماتوفر في قيادة الزعيم عبد الكريم قاسم.
أحس الزعيم معاناة شعبه من تسلط الطغمة الغاشمة من عملاء الاستعمار الذين تسابقوا إلى خدمته فتنادوا إلى ظلم الشعب وسرقة حقوقه والبطش به. وكانت معاناته كبيرة فوضع نصب عينيه إزاحة الظلم والظلام عن المجتمع وتبنى هدفا خدمة الإنسان العراقي. كانت فكرة الثورة التي يعيشها الشعب العراقي تخامر روح الزعيم وكان يعمل لها منذ عقود ويعد نفسه إعدادا لتولي هذه المهمة فكان يدرس تاريخ بلده وأمته ويتشرب بألوان المعارف والعلوم وينفقه في العلم العسكري ليضع انجح الخطط ويضع أمامه كل الاحتمالات ويقدم لها كل الحلول. ويحلم بالمشاريع الوطنية التي سينجزها وبالمناضلين الوطنيين والعلماء والأعلام الذين سيتيح لهم تسنم مناصب الدولة ولايترك صغيرة ولاكبيرة إلا فكر بها وأنجزها في ذهنه العبقري ، وكان في ذلك صبورا يعمل بصمت وكان صبره وصمته من أهم جوانب شخصيته مساعدة في إنجاح الثورة. كانت فكرة الثورة على الاستعمار وعلى النظام الملكي العميل تضطرم في قلبه وتلهبه لينسف دياجير الظلام وينشر النور وليفتح الطريق أمام الناس ليتحرروا وينتفضوا على الظلم والظالمين. وكان بما ألهمه الله من قدرات قادرا على أداء هذه المهمة فتاريخه في الجيش العراقي وفي حرب فلسطين أكد أنه من أبرز القادة وأشجعهم وأكثرهم جرأة وقدرة على فهم الظروف والأوضاع ووضع التدابير القادرة على معالجتها والخروج منها منتصرا. لقد كان صناعة عبقرية معجزة فجاء بثورة معجزة حير تصميمها الباهر عقول الدارسين وسيبقون يكتبون عن أسرارها وقيمتها دون توقف. جاء بثورة الشعب وحدد وجهتها منذ البداية : خدمة مجموع الشعب وتطوير حياته ونصرة الضعفاء وإنقاذ الفقراء ومحاربة المتعسفين. لقد عاش معاناة الفقراء في بيت أبيه العامل الكاسب وكان يعتز بهم وينسب نفسه اليهم في خطاباته بعد الثورة ، وعمل بإخلاص وتجرد فانيا نفسه في سبيلهم وفي سبيل عموم الشعب.
فـي صبيحـة الثورة بوغت الاستعمار وأذنابه بدوي الثورة وبإعلان الجمهورية والقضاء على الملكية في البيان الأول الذي صاغه قائد الثورة ببلاغة عالية جعلت منه أعلى إعلان ثوري سياسي. وعملت الثورة على بناء عهد جديد فقضت على الاستعمار وعلى الرجعية وركزت الحكم الوطني وقلبت التوازن الاجتماعي فشالت كفة الطبقات المستضعفة من العمال والفلاحين والفقـراء وأطيـح بالمستكبرين من الإقطاع وأعوان الاستعمار المستفيدين من وجوده. وهكذا نسفت استراتيجية الاستعمار في الشرق الأوسط وانبثق عهد الحرية ونال العراق سيادته وتحققت للشعب أمانيه وتمتعت الأقليات بحقوقها كاملة. وانصرفت الجمهورية إلى تحقيق المنجزات العمرانية والحضارية فقصت على صرائف الفقراء وأبدلتهم مساكن حديثة مريحة ومكنت الفلاحين من تملك أرضهم الطيبة واستغلالها ووضعت يد الشعب على ثرواته العظيمة وأهمها النفط. ومضت تبني المشاريع المهمة ومنها مشروع أم قصر وقناة الجيش وسد دربندخان ومشاريع الماء والكهرباء وتشيد الدور والبيوت والمباني العامة والجسور والمستشفيات ورياض الأطفال وتصنع التصاميم لجامعة بغداد وتزيد في قوة وتسليح الجيـش العراقـي الجبار. كل هذه الخطوات قطعتها الثورة فـي مدة وجيزة هذا فضلا عن إطلاقها للحريات وللتنظيم السياسي والنقابـي وعفوها عن المسيئين والغادرين وتعاملها معهم بكل كرم وتسامح. ولقد عملت الثورة دعما للقضايا العربية والقومية على دعم حركـات التحررالعربية فتدفق المال والسلاح علـى الجزائـر وشعب عمان وانشـأ جيش التحرير الفلسطيني واعد لتولي مهمة تحرير بلده بنفسه بالتعاون مع الشعوب العربية والحكومات الوطنية المتحررة. ووقفت مع قضايا النضال وحركات التحرر في كل بلدان العالم فساندت حركة النضال في الكونغو والشعوب الآسيوية والأفريقية المكافحة في سبيل الحرية.
ولأن الثورة جاءت لتعطي وتبذل لم نجد قادتها يفكرون بالاستئثار والعلو في الحياة الدنيا ولم يقدموا أنفسهم وأهلهم على أبناء الشعب ولم يستفد أقرباؤهم من هذه القرابة أكثر مما استفاد أبناء الشعب ، واختاروا نمطا من الحياة اَسوا فيه بسطاء الناس وفقراءهم ، فلم يملك الزعيم عبد الكريم قاسم شيئا من المال وكان يتبرع براتبه الخاص للمحتاجين من شعبه وصدق حين قال : إنه لا يملك غير البزة العسكرية وهي ملك لشعبه كما قال : ((وأمنيتي هي أن يكون الشعب معززا مكرما سيدا حرا طليقا ، له مطلق الحرية والسيادة المطلقة في بلاده)).
ولهذا كله استنفر الاستعمار كل قواه واستعان بالعملاء والخونة والمتآمرين وطلاب المصالح للإطاحة بالثورة الجبارة وبمنجزاتها وأتيح لهم ذلك في شباط الأسود ومنذ ذلك العهد والعراق ينزف الدماء ويدفن في المقابر الجماعية وتنهب ثرواته وتستنزف طاقاته وتستباح حرماته وتهان كرامة أبنائه. وما أحوجنا اليوم بعد أن تجاوزنا أربعين عاما من التيه بعيدا عنه أن نستذكره دائما وان نقسم باسمه وباسم العراق على مواصلة السير على دربه المستقيم. لقد قال في أحدى خطبه إن روحه تبقى بعد مماته ترعى العراق ، وماذا لو عادت في مخلص ماجد عبقري ، في كريم اَخر .... إن العراق كريم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لزعيم كريم
فؤاد النمري ( 2013 / 7 / 12 - 22:13 )
الزعيم قام بثورة في تموز 58 وضيعها في شباط 63
يا ريته ما قام !!!

اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو