الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهي المثلية الجنسية ولماذا نخاف منها؟

بسام البغدادي

2013 / 9 / 5
حقوق مثليي الجنس


سؤآل وصلني على بريدي الالكتروني من إنسانة تعيش في السعودية وتشعر بالرعب والشك تجاه كل من حولها من الاناث لأعتقادها بأن ابسط علامات الصداقة والمودة مثل اللمس تحمل بين طياتها إشارات جنسية. وهي تسأل ماهي المثلية الجنسية وماسببها؟ وهل ستتخلص من الخوف من المثليين حولها؟ قلقها يسبب لها الشعور بالكثير من الارتباك والحيرة والوحدة خاصة بعد قرائتها لتقارير دولية تؤكد أنتشار ظاهرة المثلية الجنسية في السعودية وكل بلدان الشرق الاوسط بشكل واسع.

الجواب هو جزء من قصتي عند أنتقالي الى السويد, فأنا كنت أعاني من ظاهرة الخوف من المثلية الجنسية (الهوموفوبيا). بالطبع ليس غريباً أن تعاني من كل أنواع الفوبيا والرعب من الآخرين بعد سنين طويلة من البرمجة النفسية المتواصلة على التخويف من كل شئ مُختلف عن ماتعودنا عليه منذ آلآف السنين. فنحن نعاني من الخوف من كل شئ جديد, من الكاميرا ثم التلفزيون والتلفون والراديو ثم السيارة ثم الطيارة ثم الكومبيوتر ثم الفيسبوك الى آخره من مخاوفنا والمحرمات المتوالية علينا. وبعد هذا وذاك, يخرج أحدنا من زنزانة الشرق الاوسط الاخلاقية, ليدخل في عالم مفتوح الابعاد والاجناس والهويات, فيستيقظ في داخلنا الرعب القديم الذي واضبنا على أبقاءه على قيد الحياة في نفوسنا, الرعب من كل شئ في هذا العالم الجديد. فملابسهم ليست كملابسنا و أخلاقهم مهما كانت طيبة تجاهنا فهي سيئة وليست مثل أخلاقنا بل حتى تعاطفهم مع قضايانا نعتقد أنهُ ذو مقاصد شريرة وخفية. هذه هي حصيلة سنين طويلة من الرعب والخوف المبرمج في نفوسنا من كل شئ لايشبهنا, وليس حصراً المثليين جنسياً, لكن اليوم سأتحدث عن المثلية الجنسية والرعب الغير مبرر منها وكأنها سلاح مشع يؤذي كل من يقترب منه.

المثليين جنسياً في الوطن (العربي) يتم غالباً وصفهم زيفاً بالشواذ جنسياً لأجبارنا على عدم القبول بهم أو التعاطف معهم ومع قضيتهم في نيل حقوقهم كمواطنين متساويين بالحقوق والواجبات. تماماً كما يتم وصف العلمانين أو العقلانين أو الملحدين بأنهم شاذين أو يمارسون الجنس مع محارمهم فقط لطمغهم بوصمة ترعب البسطاء منهم وتجعلهم يكافحون ليس للتعبير عن أفكارهم وأنما للدفاع عن أنفسهم من هذه الاتهامات السخيفة. عندما تدخل مجتمعاً جديداً يبيح للمثليين جنسياً الزواج والمعيشة المشتركة بل وفي بعض الحالات حتى أنجاب الاطفال فأنت تشعر لسبب تجلههُ بالتقزز من أخلاقيات هذا المجتمع. تعتقد أنك ذكي جداً بل أذكى من الجميع في هذا المجتمع ولك نظرة ثاقبة للامور فتقرر بأن المجتمع الذي يسمح بمثل هذا (الانحلال) الجنسي والاخلاقي مصيره للخراب والزوال.

يوم بعد يوم تراقب نشرات الاخبار السيئة في هذا المجتمع, تشاهد المزيد من الاحصائيات حول زيادة عدد مدمني المخدرات, وتلاحظ أحصائيات زيادة حوادث السيارات والقطارات و أرتفاع معدل الاخطاء الطبية في المستشفيات. تطارد هذه الارقام وتؤكدها أكثر بالاخبار السيئة والجرائم التي تظهر في نشرات الاخبار. كل خبر مفجع و اليم يؤكد نظريتك السابقة عن هذا المجتمع, في طريقه للزوال, لانهُ يسمح بمثل هذا الشذوذ الجنسي. كل خبر سئ هو نقطة جديدة تحسب لصالح نظريتك أنت, فتتكئ وتبتسم كلما حل مصيبة ما في مجتمعك الجديد.

لكن, الحقيقة التي تصفعك كل يوم حتى تكسر عدستك المشوهة للامور هو الواقع الذي تقابلهُ رغماً عن أنفك في مجتمعك الجديد. فرغم الاخبار التي سمعتها بالامس عن المخدرات والحوادث في المستشفيات فلا الاخلاق في مجتمعك (الكافر) الجديد في أنحدار متواصل ولا الحقوق والحريات في تقلص وأنحسار. بل على العكس, المجتمع من حولك يزداد تطوراً وأزدهار. رقي وإنسانية المجتمع حولك ملموسة وتقدر أن تلاحظها تطورها وبشكل ملموس مع الغرباء والمهاجرين من عام لعام. كل شئ في هذا البلد يتطور, الإنسان والشوارع والتقنيات والنماذج السياسية والخطاب الاعلامي. لكنك, تصر على الدخول لقوقعتك التي تؤكد نظريتك, بأن هذا المجتمع في طريقهِ للخراب, تلجأ للاخبار والأحصائيات في المنتديات الدينية وتصبح مدمن على متابعة قنوات دينية مثل (قناة الجزيرة) لتؤكد لكبريائك نظرتك المغلوطة للواقع وتقنع نفسك بأن عدساتك ونظرتك الثاقبة للواقع تقول لك بأن هذا المجتمع سينهار قريباً لأنهُ مُجتمع مُنحل أخلاقياً يسمح بِزواجِ المثلييّن.

على الطرف الآخر, تشاهد وطنك, في هذه الحالة العراق, الذي يتحلى بأرقى الاخلاق في العالم طبقاً لمقاييس الاخلاق التي أنت تعتقد بها, ويمتلك كذلك أفضل الملابس المحتشمة و و و و... الخ. تشاهد وطنك الذي قامت عليه نظريتك الثاقبة ينهار.. بل يتشرذم, و يزداد إنحلالاً ويزداد أبنائهُ تشرداً وتأكلهُ الحروب الداخلية والتناحرات الطائفية. بل وتشاهد الملايين من أبناء وطنك (العظيم الخلوق الكريم الشهم ذي الغيرة) يقومون بتفجير بعضهم بعض, وأغتصاب بعضهم بعض وتعذيب بعضهم بعض بالمنشار أو المثقب الكهربائي وأخيراً النحر على قبلة أسيادهم و آلهتهم المختلفة. لكنك تصر, أن نظريتك صحيحة, وبأن السويد بلد منحل اخلاقياً وسينهار والعراق بلد عظيم وسينهض من جديد. وتعتقد أن نظرتك الثاقبة للواقع لم ولن تخيب.

لكنك تعود لتخرج كل يوم من قوقعتك التي بنيتها لنفسك بين قناة الجزيرة وكتبك المقدسة وأحصائياتك المريبة, تخرج كي تعمل أو تدرس وتصطدم بحقيقة الواقع الذي تعيش فيه. تكتشف أن هناك خطأ ما في نظرتك للواقع, تكتشف أن هناك خلل ما في نظريتك. تبدأ بقراءة الواقع من جديد, وبعد جهد جهيد, تقنع نفسك لمراجعة نظريتك من جديد. تبحث في كتب علمية عن سبب المثلية الجنسية, ولماذا هذه المجتمعات ليست مصابة بهستريا أخلاقية ضد هذا الشئ؟ تكتشف يوم بعد يوم بأن هناك حولك العديد من المثليين جنسياً والذين ماكنت تعرف أنهم كذلك لو لم يتحدث هو عن زوجهِ أو هي عن زوجتها, وتكتشف أنهم لطفاء وطيبين, تماماً مثل كل الآخرين. حينها تمتلك خيارين لا ثالث لهما. أما أن تعود لقوقعتك, وقناة الجزيرة وكتبك المقدسة التي تطالب بإحراق أو رجم أو ذبح هؤلاء الملاعين الكفرة, أو أن تقبل بالحياة الرائعة كما هي وتصدق بما توصل لهُ العلم الحديث بأن المثلية أو الاختلافات بالميول الجنسية ليست مرض, وأنما هي شئ طبيعي موجود في الجنس البشري وفي كل الثدييات الاخرى.

الخوف من المثلية الجنسية لشخص من الشرق الاوسط شئ طبيعي لأننا جميعنا نشأنا مع عقدة الخوف من كل شئ. لكن أن تترك خوفك يتغلب عليك فهذا هو المرض الحقيقي, وليس الاختلاف بميولك الجنسية. حاول أن تعيش حياتك وتكتشف هويتك الجنسية بعيداً عن تأثيرات المجتمع من حولك وتذكر دائماً, بأن الحب بين شخصين لايتوقف على نوع العضو الموجود بين فخذيهما, بل بمقدار الحب الموجود في عقليهما تجاه الإنسان الآخر الذي يختارون أن يتقاسموا الحياة معهُ.

بسام البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية