الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو فهم صحيح للدين : اعرف الدين تعرف أهله ..

بتول قاسم ناصر

2013 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحو فهم صحيح للدين : اعرف الدين تعرف أهله ..

يدعو بعض المثقفين(1) دعوة مباركة مفادها أن يبادر المثقفون – بوصفهم أفرادا من الشعب – الى فعل التغيير الثوري الاجتماعي والسياسي والثقافي ، وهذا ما يرد على دعوات (موت المثقف أو نهايته) ، هذه الدعوات التي مصدرها نظريات تصدرها دول تدعي رعايتها لحقوق الشعوب وسعيها لخير البلدان ، ونأخذ على بعض مثقفينا ترديدهم لهذه الأفكار والنظريات التي تريد إلغاء دور المثقفين في بناء بلدانهم والتي لا تخدم الشعوب لا سيما التي مازالت في مراحل النضال ضد الظلم والديكتاتورية والتخلف والجهل وكل عوامل التردي التي تعاني منها ، فمثل هذه الأفكار تديم أمد الديكتاتوريات الحاكمة وعوامل التردي التي ترسخها ، وتديم أمد اضطهاد الشعوب المضطهدة ومنها شعبنا .
ولقد اتجه بعض أصحاب هذه الدعوة الى تفعيل دور المثقف وفي مناهضته ما يعوق هذا الفعل الى ما يظنه (الأصول التي تقوم عليها الثقافة الدكتاتورية بكل أشكالها وأنواعها ) وهي – كما يذهب – الدين والثقافة الدينية التي تبثها القنوات الفضائية الدينية ويخص منها ( البكائيات أو ما يساهم في إدامة البكاء ، فالحياة ليست عزاء مستديما وليست طقوسا تهزأ بالعقل البشري) . وأعتقد أنه يتحدث عن البكائيات الحسينية التي يراها طقوسا تهزأ بالعقل . ومع أنني أوافقه في وجوب أن لا تركز هذه القنوات الفضائية على جانب العزاء والفجيعة فقط إلا انني لا أوافقه في النظر الى هذا الجانب دون سواه واختزال هذه الشعائر به . صحيح أن جانب الفجيعة غالب لأنها فجيعة عظيمة إلا ان جوانبها الأخرى لا تهملها هذه الشعائر لاسيما التحريض على الثورة ضد الظالمين وإدامة الصراع معهم وعدم الرضا بما يعتري الحياة من أمراض وتشوهات . وإنني أعتب عليه أنه لم يتعب نفسه في تفحص مضمون هذه البكائيات كما أتعب نفسه في التفحص والتدقيق في قراءة أفكار الثقافة الغربية التي منها ما يشوه تفكيرنا ويربك نفوسنا . ولم يحاول التعرف على المبكي عليهم وسر البكاء الدائم عليهم والحرقة الكبيرة التي لا تبرد ما دامت العيون قادرة على البكاء . فهذه البكائيات لا تهزأ بالعقل البشري ، إنها أحاسيس صادقة فاعلة تهيج النفوس وتدفعها الى العمل على الإطاحة بكل الدكتاتوريات التي كانت السبب في هذه الأحزان الثقيلة . كما أنها تدعو العقل الى التفكر والإدانة ، فهي تفعل في العقل وظيفته الأصيلة في السؤال والإجابة وتوجيه الإرادة والفعل . وهي لا تجرد الفرد من إحساسه بالحياة وإحساسه بقيمة وجوده – كما يعتقد – بل تعطي وجوده قيمة وتلهب إحساسه وترتقي به الى مستوى الإنسان الثورة ، إنسان الملحمة الحسينية ، الذي سعى الى أن يغير حياته وحياة من حوله وأراد أن يؤسس لها قيمة تدعم رغبة الإنسان في البقاء لأنه يريدها حياة عادلة ، حياة لا ينغصها ظلم الظالمين ( فما الحياة مع الظالمين إلا برما ) كما قال سيد الثوار والأحرار الذي نبكيه بحرارة ونبقي البكاء متصلا لتكون الأحاسيس ملتهبة والإرادة متأهبة والفعل مؤديا . فعندما نبكي لا يكون بكاؤنا سلبيا بل بكاء يصنع الحياة التي أرادها الثائرون ، ويبقى مستمرا حتى نرتقي بالحياة الى مستوى الحياة التي أرادها الثائرون . وهي حياة لا ترضي (خصوصيات ) الأفراد فقط كما يريد هذا البعض : ( الخصوصيات التي تحفظ لك تميزك واختلافك عن الآخرين لا التي تجعلك عددا مكررا للآخرين وفردا من قطيع الأغنام ، حياة تحقق رغبات تعلن عن نفسها ولا تعرف الخوف . ) إن مثل هذه التطلعات والمطالب لا تسعى اليها ثورات جماهيرية تلتحم فيها الصفوف وتندمج فلا أهداف أنانية تفكر بمصلحة خاصة لا تمتد الى الجميع . إن هذا البعض يتكيء على أفكار قد تنتمي الى الفكر الوجودي تؤكد الخصوصية والفردية كما تقدس اللحظة الآنية التي يعيش فيها الإنسان وتحاول التملص من الماضي ومحو الثابت والمقدس الذي ورثناه عن هذا الماضي . ومن هذا الموقف يهاجم قنوات حكومية أو تابعة لمؤسسات دينية إسلامية ومسيحية ظلت تبث هذيانها – كما يذهب – بعيدا عن نزيف الشارع الحي ( كالقنافذ التي تجثم هامدة على صدور النوافذ والمسامات ) . وهو يفسر سلوك القائمين عليها بأنهم ( لا يملكون شيئا حيا كالذي يمتلكه الشارع ) وان النزول الى الشارع يكشف ( عقم وموت الأفكار والحياة التي ينادون بها وإليها ) وكأنه لا يرى شعارات الشارع والأفكار التي يرددها والتي تحركه ، وكأنه استفاق على حركة الشارع المصري والتونسي وغيره ولم يعرف حركات في السابق وما تزال تحرك الشارع باسم الدين وبأفكاره وأفكار ثواره . وأراه ينطلق من مواقف عدائية مسبقة تجاه الدين وجدت في حركة الشارع وفي برامج بعض الفضائيات التي يسميها بكائية مبررا للهجوم على الدين الذي يرى أنه ( لم يعد حيا ليقود أو يشير الى تظاهرة تدعو الى الحياة ) فالحياة ( الآن خارج نطاق الدين ) وان ( أصحاب القنوات الفضائية الدينية بكل اتجاهاتها يعون ذلك لذا فهم لا يشيرون الى أي شىء حي في شارع الحياة كما انهم يسكتون عن الحياة التي لا تشبه كتبهم الميتة ) وهو هنا يميز بين موقف الشارع وموقف الدين والفضائيات الدينية في الحركة والجمود . وهذا ما لا يستقيم في الواقع فإذا كانت الفضائيات الدينية ( بكل اتجاهاتها ) جامدة في برامجها – ونحن لا نجاريه في هذا – فإن الشارع يتحرك بأفكار الدين . ولولا الضمير الحي الذي يوقظه ويحركه الدين لما تحرك الشارع لأن الشارع حركة تكاتف وجموع لا حركة أفراد يبحثون عن خصوصيات تجعلهم مختلفين عن الآخرين . الشارع حركة إيثار وغيرية لا تعرف الأنانية والذاتية التي تريد أن تتمظهر في الواقع بعيدا عن الآخرين . والذي يدعو الى هذه الغيرية هو الدين لا بعض أفكار الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة . هذا البعض من المثقفين يردد بعض مقولات الحداثة كموت المقدس والثابت وهو يقصد المقدس والثابت الميتافيزيقي الذي سعت الحداثة الى أن تقيم بدلا منه مقدسا آخر هو ( العقل ) الإنساني نافية العقل المطلق أو الكلي . وقد انتهت بها عقلانيتها الوضعية الى الخروج على العقل والدعوة الى اللاعقل واللايقين والى الشك واللاتثبت والفوضى وهذا ما تتسم به حركة ما بعد الحداثة وهو نتيجة لاعتماد الحداثة الكلي على العقل الإنساني الذي يوصف بالنقص والوقوع في الخطأ ، فما بعد الحداثة هو خطأ الحداثة . ولو لم تكن قد أقصت المقدس الميتافيزيقي عن الحياة لما انتهت الى هذه الحال . لو لم تفصل الدين وتجعله يتقوقع في الكنيسة لما انتهت الى هذه الأفكار الضالة التي تريد تعطيل العقل الإنساني وإلغاء دوره بعد أن ألغت سابقا العقل الإلهي وأقصته عن أن يكون مرجعا للحياة المدنية والروحية . لقد انقلبت ما بعد الحداثة على منجزات عقل الحداثة فانتهت الى عمى وتيه وفوضى .
قد اتفق مع أصحاب هذه الدعوات في التنديد ببعض توجهات هذه القنوات الفضائية الدينية وفي مستوى برامجها وأنها قد تسكت عما هو حي يتحرك في الشارع ، فهذا قد يكون صحيحا ، ولكن ليس من الصحيح أن نسوي بينها وبين الدين فقد تختلف عنه أو تتناقض معه أو تسيء فهمه . ونعتقد أن بعض هذه القنوات مثل أصحاب هذه الدعوات لا تنطلق من فهم صحيح للدين حتى لو كان القائمون عليها على مستوى من الوعي والثقافة فالمسألة مسألة فهم وتأويل . وعلماء الدين والمتدينون ينقسمون في فهمهم وفي مواقفهم فتجد بعضهم يكتفي بالبكاء وبعضهم يعبىء بالبكاء إرادته ويغير بها الحياة وهو يعرف أن الدين ليس بعيدا عن حياة الناس وهمومهم وعن توجيه هذه الحياة في كل زمان ومكان . إننا نتفق مع هذا البعض في جانب مما يقرره فنجد بعض هذه الفضائيات تهتم بإبراز المسيرات المليونية في الشعائر الحسينية واظهار مستوى تلاحم الناس وسعيهم الى خدمتها ولكنها تركز على جانب التفجع دون أن توجه الى جانب الثورة والرفض والتضحية والبذل واحترام الحياة الإنسانية والسمو بها وهو ما تتضمنه هذه المناسبات الدينية . كما أننا ندين وعي جموع السائرين ممن لا ينطلقون من المعاني والغايات العظيمة التي تتضمنها هذه المناسبات للمطالبة بأهداف سامية ترقى بحياتهم وتسعى الى إقامة المبادىء العادلة التي ضحى من أجلها رموز الثورة أصحاب هذه المناسبات ومن سار على نهجهم على امتداد التاريخ ، فالوعي لا يحتاج الى وجود الفضائيات . ولقد كان المحتفون بهذه المناسبات سابقا ينتهزونها فرصة لمناهضة السلطات والجهات التي تقف في وجه مطالبهم العادلة وكانت السلطات تقمع هذه الفعاليات وتخشاها وتلقي القبض على بعض من يتولى إقامتها . وأظن أن هذه المعلومات ليست شيئا غير معروف وكلنا يتذكر مستوى القمع الذي مارسته السلطة الغاشمة في عهد النظام السابق ضد هذه الفعاليات وحجم الإبادة ضد حملة الأفكار الدينية وقادتها . وليس بعيدا عن ذاكرتنا ما حدث للمفكر الإسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر ومستوى البطولة التي واجه بها الطغاة ، وهل عرف تاريخ البطولة كلاما ككلامه في وجه الطاغية . وهل عرف تاريخ البطولة بطلا شيخا ارتدى كفنه ليواجه الطاغية بعد أن استطاع بذكائه أن يستغفل السلطة وأن يلتقي بالجماهير ليقودها ويعبئها ضد الظالمين وكان يدرك ما ينتظره وينتظر عائلته من مصير ولكنه قبل الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها فحملها هو بجسد واهن بكل قوة واقتدار . هذه أمثلة قريبة لثوار يهتدون بالدين ليثوروا ضد عوامل الضعف والتخلف والاستئثار والظلم والقسوة والتسلط على المستضعفين . وهم تلامذة صغار لرموز الثورة التي يهتدون بها والتي تضعف كل الأقلام عن وصف مستوى فعلهم البطولي الملحمي الفذ . وأدعو أهل هذه الدعوات الى قراءة تاريخ هذه الرموز وأفكارهم وسلوكهم وهم يصدرون عن أفكار الدين وكتب الدين التي يراها هؤلاء كتبا ميتة . فهل رأيتم كتبا تديم الجماهير قراءتها كما تديم قراءة هذه الرموز ، وهل رأيتم كتبا تنهل من معرفتها الجماهير كما تنهل من هذه الرموز وتتعلم منها وتطبق ما تتعلمه ، وهل رأيتم تطبيقا يرقى الى مستوى تطبيق المتعلمين منها ، وأخيرا هل رأيتم شارعا حيا كالشارع الذي يسترفد من أفكارهم وهل هناك هواء أنقى من هواء يتنفسه ذلك الشارع ؟ ..
يرى أصحاب هذه الدعوات أن بؤس الشارع العربي من بؤس الثقافات الدينية التي ساهمت في انتاجه ، فهي ثقافات ميتة تنتمي الى الثابت ( لذا ينبغي كنس كل أشكال الثابت بكل تدرجاته .. كنس كل ما يدعو الى القناعة ، كنس كل ما يدعو الى الصبر . الدعاء لا يوفر فرص عمل للعاطلين ولا يجعل رغيف الخبز أكبر من صور الحكومات ..) ولا ندري كيف يعلل تحرك الشارع العربي الآن وهو يقر بهذه الحركة ويفرح .. هل تحركه القنوات الفضائية التي توجهها الدول الأمبريالية ، وما هي الثقافة التي تبثها هذه القنوات لتوجيه الشارع العربي وصناعته ، هل هي دعواتها في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، وهي دعوات كاذبة تبينت الشعوب زيفها ، وهل هذه الأفكار بعيدة عن ثقافتنا الدينية أم انها في صميمها ونابعة منها .. إن الثقافة التي تصنع الإنسان العربي هي نفسها الثقافة التي يعتقد أنها ميتة لأنها تنتمي الى الثابت والماضي ، وقد تبين أنها جمر تحت المشاعر الهامدة أو الصابرة . والصبر في الدين ليس نهاية بل مرحلة إعداد ، والجماهير التي يعلمها الدين الصبر يعلمها كذلك أن تندفع وتثور وأن تجاهد وأن تكون الشهادة أعلى مراتب الجهاد . فلا قناعة بحياة الذل ولا صبر عليها . والدعاء ليس اعتمادا سلبيا على الثابت المطلق إنما تواصل روحي يتزود فيه الداعي من القوة المطلقة الدعم لكي يأتي فعله مسددا ومشحونا بقوة بلا حدود . والدين لا يعيق ( القدرة على التفكير الحي ) بل يفتح آفاقه على المطلق ويجعله بلا حدود ، ولو لازم هؤلاء قراءة الكتب الدينية ولاسيما قرآننا العظيم لوقفوا على مستوى احترام القرآن للعقل ودعوته إياه للتفكر والتدبر فلا يكف عن ترديد هذه الدعوة بل هو يراهن على العقل في انتصاره على الشيطان الذي يمكن أن نعبر عنه بالسلب أو الشر الذي في الحياة . وهو يقرر أن انتصار العقل هو الغاية النهائية التي يسعى اليها الدين ، والعقل يتقدم على طريق انتصاره . ويظن هؤلاء أن هذا التقدم لا يحث عليه الدين ولا يطلبه فيقولون إن ( ثقافة الغد أكثر عمقا وسموا من اليوم والأمس، الحياة تعلو وعلم الإنسان ومعرفته الحياتية في نمو واتساع ) وهذا ما يريده الدين ليرقى بالحياة ولكنهم ينسبون هذه الرغبة وهذا السعي الى ثقافة أخرى مع أننا لا نرى أن الثقافة التي يتحدثون عنها تتقدم في كل جوانبها ، فقد تكون سائرة في بعض جوانبها نحو التدهور الحضاري كما هي عليه الثقافة السياسية التي تقود الدول الغربية . إننا نختلف مع هؤلاء في أنهم يتحدثون عن الحياة التي أعلنت انفصالها عن الدين بأنها ( حياة تحترم العقل ولا تعمل على تعطيله أو تأجيله حياة لا تضع الكوابح أمام الأسئلة الناسفة ، الأسئلة التي تقتلع الأصول من جذورها . ) فهؤلاء الذين عملوا على فصل الدين وإبعاده عن الحياة في الغرب وابتعدوا عن روحية الدين وأخلاقه هم الذين يقوضون حياتنا ويقتلون العقول النابغة لدينا ويسلطون علينا حكومات تعمل على تسطيح ثقافتنا وكل ذلك لكي يتسنى لهم التحكم بنا ونهب ثرواتنا . وأعتقد أنهم يعملون ذات العمل مع شعوبهم ، فقد تحكموا بعقولها ودجنوها ليكون أفرادها كائنات لا تفكر إلا في مصالحها وخصوصياتها الشخصية ولا تلتفت الى ما ترتكبه حكوماتها بحق الشعوب الأخرى ما دامت تؤمن لها حياتها . وهذا ليس منطق الدين الذي يحث على العمل في سبيل الآخرين الى حد القتال والتضحية : ( ما لكم لا تقاتلون في سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ..) فدولهم تستضعف الناس ولا من معترض منهم لأنها ربتهم تربية (لا دينية ) لا تدعو الى الغيرية والإيثار .
عراقيا يشعر هؤلاء ( بالغضب على كل أشكال المقدس فجميعها تعمل على انتاج مؤسسات تمتص دم الشارع ، تسرق الحياة وتعمل على انتاج الموت سواء في الأفكار أو في الممارسات اليومية ، تجعل الفرد مستلبا خاضعا ذليلا ، تعمل على استغفال الفرد والضحك عليه ومنه معا ..) وهذا يجعلنا نكرر ما أشرنا اليه سابقا من أنهم يحكمون على الدين من خلال سلوك المتدينين ومنهم القائمون على القنوات الفضائية وكثير من المسؤولين الذين يتولون إدارة أمور الدولة والحكم . فهؤلاء لايمثلون الدين ويعبرون عن تعاليمه وهذه طريقة غير صحيحة في الفهم فنحن لا نعرف الدين من خلال المتدينين بل علينا أن نعرف الدين لنعرف من هم المتدينون وقديما قال سيد البلغاء وسيد المؤمنين : اعرف الحق تعرف أهله ، وهذا القول يختصر نظرية في المعرفة غابت عن تصور هؤلاء . صحيح أن بعض المتدينين يعملون بالضد من الدين ولكن مشكلة هؤلاء أنهم يفهمون الدين من خلال المتدينين ، وهذا الموقف يشبه موقف ماركس الذي دعاه الى أن يلعن الدين ويعده أفيونا للشعوب لأنه قرأه من خلال رجال الدين الذين يفسدون ويقفون بوجه التقدم وضد الثورات العادلة ويعلمون الصبر والقناعة والقعود في حين يريدها هو ثورة ممتدة على مستوى العالم تطيح بكل المظاهر والأسباب التي تؤذي الحياة وتشوهها .
وتدعو كتابات هؤلاء دعوة صحيحة للعمل على تطوير الحياة في كل جوانبها وهذا ما يريده الدين ثم تقول : ( لم يعد الشارع العراقي بحاجة الى بناء مساجد أو كنائس أو صوامع ) ونقول : نعم في بلد لا تمتلك نسبة كبيرة من مواطنيه سكنا ولا قدرة على دفع الإيجار ويعيش بعضهم في العراء ويعتمدون على ما في المزابل لإدامة الحياة في ظل دولة غنية وحكام ينتمون الى أحزاب دينية ووجود مرجعيات توكل اليها أموال طائلة . ولهذا قد نجد من يكفر بالدين عندما يعتقد أن الدين هو هؤلاء الذين يمثلونه ، ولكننا لا نعذر من يعتقد بذلك وندينه في وعيه ، فالدين بريء من أفعال هؤلاء . وأذكر رواية سمعتها من بعض المتدينين (حقا ) الذين يفهمون الدين كما هو في جوهره لا من خلال المتدينين ، إذ يروي عن مصادره أن الله تعالى أوحى الى نبيه ابراهيم أن ابن لي بيتا فبنى بيتا ، ولكن الوحي ظل يتكرر عليه بالأمر نفسه ، وهنا تساءل عليه السلام عن معنى هذا التكرار مع أنه ينجز ما أمره به ، فجاءه جواب السماء : هل آويت وأطعمت جائعا وهل كسوت عريانا ؟ .. وهذا يعني ان ابراهيم فهم من البيت معنى الجامع أو المسجد الذي يبنيه أثرياؤنا ومتدينونا عندما يريدون أن يتقربوا الى الله زلفى ، ولكن البيت الذي يريده الله هو الذي يأوي الجائع ويطعمه ويكسو العريان . ولا نريد أن نروي كل المرويات الدينية ونعرض لمضامين كل الكتب السماوية ولا نشرح تاريخ كل الأنبياء والصالحين فهذا غير ممكن ونتركه للذين لم يقتربوا من هذه المصادر واعتمدوا على كل الدعوات التي تناهضها لفهمها ، وهم بذلك يعطلون وظيفة العقل في حين يدعون نصرته ذلك لأن العقل جدلي لا يقرأ الحقيقة من خلال أحد أوجهها بل لا بد لمعرفتها من مقايستها بجوانبها الأخرى التي تضادها وعند ذلك تعرف الحقيقة وبغير ذلك نتعصب لأفكارنا وننحاز لما نهوى والهوى يحول بين المرء وعقله .
إن الشارع العراقي بحاجة الى فهم صحيح للدين والى عودة مخلصة إليه والى إعلام ينطلق من صدق الدين وشفافيته . وهو بحاجة الى مناهج دراسية تنطلق من فهم متجدد للدين وتعلم الدين كما يريده الله لا كما يريده المتدينون . الشارع العراقي بحاجة الى المتدينين العاملين الذين يفهمون الدين كما فهمه الأنبياء والصادقون المخلصون ويسعون الى تحويله الى مظاهر مادية ملموسة . وبعد هذا قد لا نكون بحاجة الى فضائيات (موجهة) يراها أصحاب هذه الدعوات توفر هواءا نقيا وتمحو الغباء وتقيم معرفة صحيحة فقد تكون نوافذ للتخريب والهدم وأدوات للعب بالعقول ومحاولة لاحتوائها .
(1) ينظر : ( الشارع العراقي بحاجة الى هواء آخر) جمال علي الحلاق /الملحق الثقافي لجريدة التآخي ( أبعاد ثقافية ) العدد 6047 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عرفينا بصحيح الدين كي نعرف اهله.
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2013 / 9 / 21 - 08:21 )
حاولت معرفة الدين الصحيح من خلال المذاهب الاسلامية التي انقست على انفسها وغدت تتقاتل على من في القبور ويئت بالفشل.قرات كتب السلفية الوهابية من حديث وتفسير وادت قراءتي الى تركه بدون رجعة. استنطقت فقه المذاهب الاربعة فوجدناها لا تقل تفاهة عن اختها السلفية الا في بعض الامور الايجابية. قلت لعل الدين الصحيح هو ممثل في المذهب الشبعي وقرات كتبه الاربعة وبحاره فوجدتها خرافات فاقت كل التصورات لان تاليه اهل البيت هو المحور الذي قام عليه المذهب كـ خلق الكائنات لاجل محمد وآله او صعود الملائكة بالامام الثاني عشر عند ميلاده ومخاطبة الله له كما صرح به السيد محمد الشيرازي في كتابه (المهدي المنتظر). توقفت متسائلا لماذا هذه المسيرات المليونيه لزيارة قبور الاولياء؟. قيل لي هي ثورة على الظلم. قلت اذا كان ذالك صحيح لماذا لا تسمح الحكومة العراقية باقامتها الا في المناسبات؟؟. اهي حقا ضد الظلم عامة ام الظلم الاموي خاصة؟.قيل لي هي خاصة فقط وهدفها الثواب والجنة ولو كان غير ذالك لاطاحت بحكومة المالكي.قلت لماذا قيل لي ان المالكي وحكام العراق السابقين سيان. قلت اذا كلنا في الهواء سواء.فاين اجد فهم صحيح الدين؟؟

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24