الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد والماركسية .. 9

فواز فرحان

2013 / 11 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


القانون الاقتصادي الاساسي لمجتمع الرق ..
كانت بعض الأسر في المجتمع تحمل شعار التعاونية المستقلة , القائمة على أساس الاكتفاء الذاتي الذي يحققهُ أفراد هذه الاسرة , والتي تنتج حاجاتها المادية وتكفي نفسها بنفسها , فقد كانت منتجاتهم للاستهلاك الخاص , المنتجة قيمة استهلاكية لا تبادلية , كان هذا الانتاج زراعياً بشكل خاص ..
لكن يجب أن نلاحظ أنهُ كان يقوم في الاستثمارات الزراعية الكبرى انتاج حرفي بشكل بدائي , لتحضير النسيج للثياب , وكذلك الجلد للأحذية , وبعض الأدوات التي تخص الانتاج الزراعي , والمنزلي , كان أصحاب الرقيق لا يستخدمون عادةً فائض الانتاج بصورة انتاجية كما يجب , أما تحويل بعض المنتجات الى سلع ( قيمة تبادلية ) فقد كان يحدث عندهم في حالة اقتضاء الضرورة بالحصول على أشياء لا تنتج في استثماراتهم الخاصة ..
لقد كتب الكثير من المهتمين بالاقتصاد القديم عن فائدة تطور التعاونية المستقلة للأسر , حيث كان رب الأسرة يفرض على الاسرة الاقلال من الشراء , وإنتاج ما يحتاجونه فقط والتخلي في بعض الأحيان عن الحاجة لمنتجات اخرى .. ووردت الأمثلة العديدة نسبياً عن تكديس الثروات , والمذكورة في تاريخ المجتمع القديم , تشهد أيضاً على أن كميات كبيرة من فائض الإنتاج بقيت بدون استعمال , أو استعملت بشكل غير انتاجي من أجل إقامة ما أمكن من المعالم الفنية والمعمارية في البلدات الناشئة , وكذلك استخدمت لأجل احياء الطقوس الدينية واللعب والمسارح البدائية وغيرها ..
وبكلمة موجزة , ان اقتصاد عهد الرق كان محدداً بمهمة سدّ الحاجات الغذائية والكماليات , عند المستثمرين , مما يؤكد مرة اخرى طابعه الطبيعي بصورة أساسية ..
لم تكن الثروات المكدّسة في اليونان وروما القديمتين تنفق على الأهواء الدينية أو الأرستقراطية فحسب , بل على تجميع الأموال لشن حروب جديدة , مما يدخل أيضاً في دائرة الاستهلاك الغير انتاجي ..
يقول ماركس ..
(( كان هدف الإنتاج في العالم القديم , كما في العصور الوسطى الانسان وحاجاتهِ ))
ماركس .. الأشكال السابقة للإنتاج الرأسمالي .. ص 20
وطبيعي أن المقصود بالإنسان هنا .. أصحاب الرقيق , والتجار , والمرابون , والى حد ما الفلاح الحر ، والعامل الحرفي , لا الرقيق طبعاً .. فلم يكن بمقدور الإنتاج أن يهدف الى سد حاجات الرقيق , لأنهُ نفسهُ كان وسيلة لهذا الإنتاج وأداة لهُ ..
كانت حاجات طبقة أصحاب الرقيق تزداد باستمرار , مما أدى الى زيادة عدد الرقيق , وزيادة درجة استغلالهم وتوسّع طرقه , ففي المراحل الأخيرة من عهد الرق , كانت كماليات الطبقة السائدة قد تحولت الى تبذير جنوني , في حين كان بؤس الرقيق يزداد , وخاصة في ظروف الحروب , والأوبئة , والمجاعات , كان الرقيق يبلغون حدوداً فاجعة , وتؤدي بهم في بعض الأحيان عند قسم منهم الى الموت وعند القسم الآخر الى الانهيار الجسدي والنفسي , وبذلك كانت عملية تجديد سير الانتاج تتحطم ..
كان ما يميز اسلوب انتاج عهد الرق هو انتاج الخيرات المادية التي تسد مختلف حاجات أصحاب الرقيق , وخاصة الكمالية , لذلك كان يتضاعف زج المزيد من الرقيق في عملية انتاج الفائض , أما وسيلة تحقيق هذا الهدف كان يتم عبر الاستغلال المتزايد كما ذكرت للرقيق ..
وفي هذا ينحصر جوهر القانون الاقتصادي الأساسي لعهد الرق ..
وإذا ما أردنا طرح السؤال بالشكل السليم نقول ..
ما هو القانون الاقتصادي الأساسي لمجتمع الرق ؟
يكون الجواب ..
انتاج المزيد من الحاجات المادية لأصحاب الرقيق كان يتم عبر زج المزيد من الرقيق في عملية الإنتاج , ومضاعفة درجة استغلالهم ..
كانت الأنواع الأساسية في الإنتاج المادي لعهد الرق هي .. الزراعة , وتربية الماشية , وما يتفرع عنهما ممن حرف يدوية , الزراعة وحسب معطيات علم الآثار كانت قائمة منذ الألف الخامس قبل الميلاد في البلدان الآسيوية والشرق الأوسط والبلقان والقوقاز على نفس النمط , وكانت تقنية استثمار الحقول آنذاك شديدة البدائية , وتنتشر فيها الأدوات الخشبية , والحجرية , ومن المهم ذكر أنهُ لم تكن الزراعة تحظى بتنظيم دقيق , وكذلك انتاجية العمل الزراعي كانت ضئيلة للغاية , لمحدودية خبرة المجتمع البشري آنذاك في طرقها ..
لذلك كانت تربية الماشية هي أكثر فروع النشاط الانتاجي فعالية , وظهرت في العديد من البلدان قبل ظهور وتطور الزراعة , أي بين الألف السادس والخامس للميلاد , ومع التطور التدريجي البطيء في المجالين , قامت علاقات تبادلية بينهما , ففي المناطق التي لم تكن فيها الظروف تسمح بتربية قطعان الماشية من غير توفير الاحتياطي اللازم من العلف , نشأت ضرورة الاهتمام بالزراعة وتوفير الحبوب للعلف , وبالتالي وفرت هذه الحاجة الظروف الموضوعية لتطور الزراعة في تلك المناطق , كما ساعدت تربية الماشية من جانب آخر على تقدم الزراعة , من خلال توسيع استخدام الحيوانات كماشية للعمل في الحقول , والنقل ..
أما الحرفة .. وما تفرع منها لخدمة أهداف الانتاج في مجالي الزراعة وتربية الماشية , فقد ظهرت في الألف الثالث قبل الميلاد , وبلغت تطوراً بارزاً في الألف الثاني قبل الميلاد , وهو أمر أثبتتهُ مصنوعات البرونز والنحاس والقصدير التي اكتشفها علماء الآثار في العديد من دول العالم والتي تعود لتلك الحقبة بالتحديد ..
بدأت انتاج العالم القديم الحرفي بمؤسسات فردية يدوية بدائية , أصبحت تدريجياً تابعة لحرفيين أحرار , لكنها وصلت مرحلة مؤسسات وورش صناعية كبيرة في العهد الأخير لمجتمع الرق , حيث بدأت الحكومات باستغلال الرقيق في المناجم الجبلية والورش الصناعية بشكل واسع ..
التطور المستمر , وتحسين أدوات العمل أدى الى تطوّر فروع النشاط الانتاجي الاجتماعي في الفروع الثلاثة التي ظهرت في عهد الرق .. الزراعة , وتربية الماشية , والحرفة ..
ويبقى ثابتاً أن العنصر الأساسي في القوى المنتجة هو الانسان , وتجاربهِ , وأدوات عملهِ , ان مستوى تطور القوى المنتجة يحدد طابع تلك العلاقات الانتاجية التي تنشأ في كل مرحلة تاريخية بين الناس , في سياق الإنتاج الاجتماعي ..
ان عصر الانتقال من المجتمع البدائي الى مجتمع الرق تميّز بالنجاحات الضخمة في قضية تحسين الإنتاج وأدواتهُ ..
مثلاً ..
ــ استخراج المعادن ومعالجتها واستخدامها كمادة لصنع أدوات العمل , استخدام النحاس والبرونز أولاً , ثم الحديد فيما بعد .
ــ كان صهر النحاس من الفلزات معروفاً في بعض بلدان آسيا , ومصر , منذ الألف الرابع قبل الميلاد , واستمر حتى الألف الثاني قبل الميلاد , ورغم أن الحديد اكتشف كمعدن منذ الألف السادس قبل الميلاد إلاّ أنهُ لم يستخدم سوى في الألف الأول قبل الميلاد وصاعداً ..
وشهد مجتمع الرق انتقالاً في استخدام أدوات العمل , من الأدوات الحجرية , الى المعدنية القوية والصلبة والمقاومة , وتميزت الأخيرة بأنها تؤمن انتاجية أرفع من السابق , كما أن الأدوات الحجرية كانت أثقل وأقل مقاومة ..
ظهور الأدوات اليدوية بكميات كبيرة , وتحسينها باستمرار , وتباين اشكالها , وقوة المعادن المصنوعة منها كل ذلك ساهم في استخدام الرقيق كقوة عمل جماهيرية ..
ومع تطور أدوات العمل , تطوّرت قوة الإنسان المنتجة ذاتها , وظهرت في الحرفة نفسها التخصص , والمهنة , ففي اليونان القديمة مثلاً , كان هناك قرابة عشر اختصاصات , الحجارون ، والحدّادون , وقاطعوا الأخشاب , وصانعوا الفخار وحرف ومهن أخرى , وفي مع اقتراب نهاية عهد الرق أحصيَ ما يقارب الخمسون مهنة فيها ..
لكن .. مع وجود قلة في أدوات العمل عند بعض المجتمعات , وانخفاض مستوى تطور القوى المنتجة , اعتمدت هذه المجتمعات على الشكل البدائي للتعاونية في عمل الرقيق كضرورة ملحة لا بد منها , كان هذا الشكل من التعاونية يتمثل في توحيد عمل الكثير من العمال الذين يقومون بعمل واحد , سواء في الزراعة , أو في اقتصاد أصحاب الرقيق الاخرى , فالسيطرة المباشرة والإخضاع كانا يشكلان جوهر العلاقات الإنتاجية الرقية ..
أما ما الذي يُميّز تعاونية العمل البدائي عن تعاونية الرق فهناك خصائص قامت على أساسها تعاونية الرق البسيطة وهي ..
ــ نطاقها كان أوسع من تعاونية المجتمع البدائي ..
ــ كانت تقوم على اكراه العمال اكراهاً مباشراً ..
من ثمار هذهِ التعاونيات التي استخدمت على نطاق واسع آثاراً كثيرة في العالم لا تزال ماثلة وشاهدة على العمل الإكراهي وهي ..
أهرامات مصر وأبي الهول , بنايات بابل القديمة , ومعابد الهند واليونان , وقصورهما , والمسارح الرومانية والمدرّجات , والقنوات المائية , وجدار الصين وغيرها من الآثار التي تعود لذلك العهد بالتحديد من تطور البشرية الاقتصادي ـ الاجتماعي ..
والحقيقة .. أن اللجوء الى هذا الشكل من التعاونية البسيطة التي يتم فيها استخدام جماهير واسعة أحدث ثورة في الاستثمارات الزراعية الكبيرة , وفي منشآت الري , والمناجم , أدى في نهاية الأمر الى حدوث ارتفاع كبير في انتاجية العمل ..
ومع حدوث هذا التطور بدأت تجزئة بعض الحِرَف والمهن , كالنسيج , وصنع الأدوات المنزلية الذي اتسع للغاية , وأدوات الزينة , والإنارة , وحتى ظهور صناعة الأسلحة , ووصل الأمر الى تجزئة تقسيم العمل نفسهُ الى فروع , أي التخصص , وهو ما شكل فعلاً قفزة كبرى بالنسبة لإنسان مجتمع عصر الرق ..
لكن هذا التطور حدث في المجال الزراعي بوتيرة أقل , فانفصلت تدريجياً زراعة القمح عن زراعة الخضروات , وكذلك عن زراعة بساتين الكروم والزيتون , وتربية ماشية الحليب في بعض الفروع الزراعية , وتربية الماشية , الى صناعة الجبن , والألبان ..
ان تقسيم العمل في المجتمع باعتباره نتيجة لتطور القوى المنتجة , بدأ دافعاً ومحفزاً للتطور اللاحق الذي حدث في مجتمع الرق , فالعمال عندما ينتجون أنواعاً واحدة من المنتجات يُغنون تجاربهم الإنتاجية , ويحسّنون أدوات العمل , وبالتالي ينتجون بشكل أكبر , ونوعية أفضل مما لو كانوا يصنعون أنواعاً كثيرة من المنتجات ..
وقد تحدث افلاطون عن ذلك بنفس العبارة ..
(( كل شيء يمكن انتاجه بشكل أفضل وأسهل , وبكميات أكبر , عندما يقوم الإنسان بعمل يتناسب مع ميولهِ الشخصية , وفي نفس الوقت خال من أيةِ شواغل اخرى )) ..
كان وجود الورش المتنوعة دليل على تقسيم العمل الاجتماعي في الحرفة , ففي الصين وبالتحديد في الألف الثاني قبل الميلاد وجدت ورش خاصة لصهر النحاس , ولمعالجة الحجارة فيما بعد , أي في فترة القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد , وجدت ورش لصناعة الأدوات الزراعية الحديدية , كما صنعت في الكثير من مدن الدولة الرومانية وسائل عمل متباينة وبكميات كبيرة , إلاّ أن تقسيم العمل الاجتماعي المتنوع هذا , لم يُرافَق بتقسيم عمل آخر داخل كل ورشة أو حقل زراعي , تحت شكل تقسيم الوظائف الانتاجية المختلفة التي يقوم بها عمال مستقلون ( ما يدعى بتقسيم العمل المانيفاكتوري ) ..
ولو سلطنا الضوء على محدودية الانتاج في عهد الرق لشاهدنا انها تجد تعبيرها قبل كل شيء في أن حجم الانتاج بقي واحداً , أي كان تجديد انتاج بشكل مبسط للغاية , وإذا كان هناك من وقت لآخر , توسيع للإنتاج , فهذا التوسيع كان يحدث في حدود ضيّقة جداً ..
ويمكن البحث عن سبب ذلك في هدف الإنتاج ذاته , وفي نوعية علاقات عهد الرق الإنتاجية .
وأكثر أسباب ذلك تجسيداً هو تفوق النموذج الطبيعي في الإنتاج وسيطرة الزراعة , فرغم تطور الحرفة تطوراً هاماً , وتقدمَ تقسيم العمل باستمرار , بقيت الزراعة في مجتمع عهد الرق الشكل الرئيسي للاقتصاد , وكان الشكل الطبيعي للاقتصاد مشروطاً بالطابع النوعي للعلاقات الانتاجية المسيطرة وهي ..
ــ اكراه العمال الرقيق .. اكراهاً مباشراً على العمل .
ــ الانتاج الصناعي وما يلائمه من أشكال الملكية يتسم بطابع زراعي بشكل واضح .
ويعود ضعف تطور الحرف في مجتمع الرق الى عاملين هما ..
ــ سيادة عمل الرقيق القسري يومياً .
ــ الرقيق لم يكونوا مهتمين بتطوير التخصص , أو تطوير مهن جديدة .
ويعتبر عمل غالبية الرقيق منتجاً من وجهة نظر صناعة منتجات نافعة , تسد حاجات الناس المباشرة من أكل وملبس وسكن , وكذلك متطلبات الإنتاج من أدوات عمل , ومواد أولية .
كان يتم استغلال أعداد كبيرة من الرقيق في أعمال تتطلب صرف كميات هائلة من العمل الجسدي , فاستخدمت أعداداً كبيرة في الحقول والبساتين وتربية الماشية , وكذلك في تحويل المنتجات الزراعية ..
كما استخدم عدد كبير نسبياً في الإنتاج الحرفي , والبناء وفي المناجم , والطواحين والملاحة البحرية , الى جانب ذلك عمل عدد غير قليل من الرقيق لخدمة الأسياد في الأعمال المنزلية , والقيام ببعض الأعمال وفقاً لمقتضيات نزواتهم , إلاّ أنهُ مهما كان الشكل الذي استخدم فيه عمل الرقيق المنتج , سواء أكان فردياً أم جماعياً , وسواء قسّم الى عمليات متباينة , أو لم يقسّم , فانهُ كان بشكل عام عملاً يدوياً , ويستخدم أدوات بسيطة للغاية ..
هذه هي صفات محدودية انتاج عهد الرق , ومع هذا , فإن اسلوب الانتاج في هذا العهد يعتبر خطوة الى الأمام في تطور المجتمع قياساً الى المرحلة التي سبقته , لأنهُ أتاح تنظيماً جديداً للعمل , وبالتالي تطور للقوى الإنتاجية ..
ان تقسيم العمل الى عمل جسدي يقوم به الرقيق , وآخر ذهني يقوم به الأسياد , هو نوع خاص من التقسيم الاجتماعي للعمل , وهذا النوع من التقسيم رفع انتاج المجتمع للحاجات المادية الى حد كبير ..
كما أن استخدام شكل التعاونية الجماهيرية في عمل الرقيق المكرهين شكل أيضاً مكسباً عظيماً من مكاسب الاسلوب الجديد في الانتاج قياساً الى حياة المجتمع البدائي , وهنا يكمن المعنى التقدمي لأسلوب انتاج عهد الرق , في المقابل ظهرت فيه تناقضات داخلية تنبئ عن هلاكه ..
ولو لخصنا هذه التناقضات لوجدناها على الشكل التالي ..
ــ التناقض بين العمل الجسدي والفكري .
ــ التناقض بين القرية والمدينة وسياسة أسياد الرقيق حيالها .
ــ التناقض بين الانتاج الضخم الرقي , واستغلال العمال الأحرار الصغير .
ولو سلطنا الضوء أكثر على هذه التناقضات الأساسية لوجدنا .. أنهُ في جميع مراحل تطور المجتمع يحدث تراكم في تجارب الناس الإنتاجية , وتحسين أدوات عملهم , وبالتالي تطوير الإنتاج باستمرار , وبتعبير آخر .. أن القانون العام ( قانون زيادة إنتاجية العمل ) كان يعمل في مجتمع الرق أيضاً ..
هذا القانون أول من اكتشفهُ كان كارل ماركس , ووجد هذا القانون الذي سماه ماركس بقانون اقتصاد العمل تعبيرهُ في مجتمع الرق , في تحسين أدوات العمل وطرقه , رغم أن هذا التحسين والتقدم كان بطيئاً جداً ..
بيد أن عوائق أساسية برزت في طريق تقدم انتاج المجتمع منذ البداية , وقفت حائلاً أمام تطوره في بعض الأحيان , ومن بينها التناقض الذي قام بين العمال الرقيق من جهة كقوة عاملة , وبين أصحاب الرقيق من جهة اخرى كقوة غير عاملة وتستحوذ على كل شيء , لم يكن أصحاب الرقيق يمارسون العمل المنتج للخيرات المادية , ولهذا لم يكن بمقدورهم تحسين الإنتاج وأدواتهِ , وقد استثني من هؤلاء قلة بدأت تمارس دراسة الحسابات ( الرياضيات ) والزراعة , وغيرها من العلوم التي ساعد ظهورها على تطوير الإنتاج الى حد ما من خلال تطبيقاتها العملية , ولما كان الرقيق لا مصلحة لهم في انتاجهم مادية أو معنوية لذلك لم يكونوا قوة مطورة للإنتاج ..
وقد يبرز هنا سؤال ..
ــ من ساعد إذاً على تطوير الإنتاج البطيء ؟
الجواب ..
العمال الأحرار , والحرفيين , والفلاحين الأحرار الذين اخترعوا نول النسيج وأدوات صناعة الفخار والأدوات الزراعية وغيرها هم من وقفوا بشكل مباشر خلف تطوير عملية الإنتاج , فقد كانت أدوات العمل في عهد الرق ,كبيرة الحجم وثقيلة الوزن , كانت تصنع من المواد والمعادن المتينة , والسبب بشكل خاص كي لا يستطيع العمال تعطيلها ونسفها أثناء حالات تمردهم وتذمرهم , أي أنهم كانوا يضعوا في الحسبان هذه الحالات بحيث لا يمكن تدميرها بسهولة ..
غير أن طابع الإكراه المكشوف في عمل الرقيق , مع انعدام أيةِ مصلحة لهم تحسين الانتاج وأدواتهِ دفع اقتصاد عهد الرق الى الجمود والتفسّخ ..
وهنا يكمن السبب الرئيسي في حكم التاريخ على اسلوب انتاج عهد الرق , وهو أمر تحدث عنهُ انجلز بوضوح حين قال ..
(( هناك حيث يصبح الرق شكل الإنتاج السائد , يغدو العمل من مهمات الرقيق , أي يصبح أمراً غير مشرفاً للناس الأحرار , ولهذا يغلق باب الخروج من مثل هذا الاسلوب الانتاجي , في الوقت الذي يُطالب فيه من ناحية اخرى بالتخلص منه , باعتباره ( الرق ) عائق للتطور , وكل انتاج قائم على الرق يموت نتيجة هذا التناقض . ))
ماركس وانجلز ... المختارات .. الجزء 14 .. ص 450
ان شكل العمل والملكية عند الرقيق وأصحابهم , أصبح التناقض الأساسي في عهد الرق والذي سيؤدي بشكل حتمي الى هلاكهِ ..
أما التناقضات التالية ... هي الأشكال الملموسة لظهور هذا التناقض الرئيسي العام في عهد الرق ..
ــ التناقض بين العمل الجسدي والذهني .
ــ التناقض بين الإنتاج الضخم العائد لأصحاب الرقيق . وبين الاستثمارات الصغيرة العائدة للفلاحين والعمال الأحرار والحرفيين .
وكما نعلم أن نظام الرق .. هو شكل خاص لتقسيم العمل في المجتمع الى عمل جسدي يقوم به الرقيق , وعمل فكري يقوم به أصحاب الرقيق , ووجود هذا التقسيم هو المستوى المنخفض في انتاجية عمل الناس الذين لم يتمكنوا بعد من الخروج من الحالة البدائية النصف متوحشة ..
ولم يكن بالإمكان تحقيق زيادة ضرورية في ثروات المجتمع المادية , حيث مازالت أدوات العمل , وعاداته , وطرق الناس الإنتاجية , بدائية للغاية , ما لم يتم تحميل الجماهير الواسعة أعباء العمل الجسدي الإكراهي الفظ , بينما كانت قلة من أصحاب الامتيازات تقوم بمختلف أنواع النشاط الفكري ..
وكان لتقسيم العمل الى جسدي وفكري في هذه المرحلة التاريخية المبكرة من التطور أهميته , وقد ساعد هذا التقسيم كما ذكرت على احداث تطور بطئ في رفع انتاجية العمل لمصلحة أصحاب الرقيق , وبمقدار ما كان الرقيق يتحملون أعباء العمل الجسدي , كان أصحاب الرقيق ينعمون بالمزيد من الوقت للتفرغ للتفكير في علوم بدأت تدريجياً بالظهور بشكل واسع , كالكيمياء , والرياضيات , والطب , والفنون الحربية وغيرها , ولازم ظهور هذه العلوم , ظهور فنون المعمار , وأعمال البناء الواسعة وبناء السفن وغيرها , ونجاحها في ذلك الزمن شكل أهمية كبرى في تقدم المجتمع الإنساني لاحقاً , مادياً , ومعنوياً ..
الأوضاع المتناقضة لتقسيم العمل هذا انعكست في النواحي السلبية للتناقض بين العمل الجسدي والفكري , فكان أصحاب الرقيق يبتعدون أكثر فأكثر عن ادارة عملية الانتاج المادي , والرقيق يتحولون الى حيوانات خالية من التفكير يتم الاستفادة منها فقط ..
ان تبعية الرقيق الى حد القيام بالأعمال آلياً , لم تمكنهم من تطوير روح المبادرة لديهم , ولا الفكر المبدع فيهم , وهكذا كان للتناقض بين العمل الجسدي والفكري أهمية مزدوجة , فهو من جهة أمّن الى حد ما تطوراً للإنتاج , ومن جهة اخرى تضمن شروط الحد من تطورهِ وموته فيما بعد ..
كان الشكل الملموس الآخر لتناقضات عصر الرق .. هو التناقض بين القرية والمدينة , الذي ولد هو الآخر في قلب نظام عهد الرق , وبقي في المجتمع عندما انقسم الى طبقات متناقضة , ظهر هذا التناقض منذ بدء التقسيم الاجتماعي الثاني الكبير للعمل , أي منذ انفصال المهنة كنشاط صناعي خاص , معزول عن الزراعة ..
نشأة المدن جاءت نتيجة الجيوش الجرّارة من الرقيق وعملهم في أماكن عمل واحدة لا سيما في الزراعة , تطلب هذا الأمر بناء مساكن طينية للرقيق , وتم احضار الحرفيون والعمال والمزارعين الأحرار الى هذا المحيط لتسهيل عملية الإنتاج , هذا الأمر أدى في النهاية الى خلق تجمع سكاني كبير بدأ يزدهر من خلال بناء الأسواق القديمة للحرفيين , وكذلك ساحات لمالكي رؤوس الأموال , والسماسرة الذين كانوا يسهلون عملية تبادل البضائع والعمال والآلات وغير بين أصحاب الرقيق أنفسهم , هذا كلهُ أدى في النهاية الى نشوء المدينة , هذا التجمع الحضري الكبير ..
في محيط هذه المدن التي اطلق عليها في بقاع اخرى من الأرض اسم الدول , كانت هناك أراضي شاسعة تم غزوها وإخضاعها بالقوة , وتم تحويلها تدريجياً الى مقاطعات صغيرة تابعة لتلك المدن , من خلال ارسال الرقيق اليها بأعداد توازي حجم الأعمال اللازمة فيها من زراعة الى تربية الماشية وغيرها ..
وهنا نشأت القرية , أو الريف , بأشكال إنتاجية متأخرة للغاية , وكثيراً ما كان الرقيق يستخدمون سمات النظام البدائي في أعمالهم لبعدهم عن عيون أصحاب الرقيق , وكذلك لاحتفاظهم بتلك السمات عبر الوراثة , وهنا تحولت المدن تدريجياً الى مراكز تجارية وثقافية كبيرة , بينما بقيت الأرياف تعيش في نظامها الخاص وظلامها الدامس ..
ولا بد من الاشارة الى أن العمل الاكراهي ومشاركة جماهير واسعة في العمل أدى الى استصلاح مساحات شاسعة محيطة بالمدن الكبرى , هذه المساحات لم تكن مزروعة من قبل , كما أن ادخال الأدوات الحديدية , واستعمال قوى الدواب للجر , ساهم في مضاعفة انتاجية العمل الزراعي في هذه المناطق المتأخرة , كما تم الاستفادة من التجارب الطويلة التي استخدمت قبل بناء المدن في العمل في المناطق المتأخرة هذه , لا سيما في مجالي الري , وإصلاح الأراضي ..
ظهور المدن ساعد على تجمع ارستقراطيات كبيرة من أماكن مختلفة لعقد صفقات تجارية , وتطورت هذه اللقاءات حتى تحولت الى تحالفات بدأت تظهر تدريجياً بتحويل قسماً كبيراً من الرقيق الى جيوش للغزوات والنهب , وكان هذا الفجر الأول لظهور مؤسسة الجيش على الارض , رقيق لتنفيذ الأوامر , وربما الظفر بوجبات طعام أكثر من خلال الغزو أو نهب ما كان يقع بأيدهم من أجل الخلاص من نير العبودية فيما بعد ..
وتطور نمو السكان تدريجياً كان يهدد سلطة أصحاب الرقيق , فكانوا يحافظوا باستمرار على نقل مجاميع كبيرة للأراضي التي استعمروها وكذلك يقوموا بنقل الحرفيين والعمال الأحرار اليها كي لا يهددوا طمأنينتهم ..
أي تم استخدام الهجرة الاجبارية وفرضها على مجاميع كبيرة في المجتمع بحجة حاجة المستعمرات الجديدة لها , مفهوم الدولة البدائي هنا أخذ يتطور من خلال تبادل الخبرات بين الأرستقراطيات ..
التخصص الذي نشأ عن الانفصال بين الحرفة المتمركزة في المدن الأم . وبين الزراعة المتمركزة في الأرياف ومقاطعاتها المتفرعة , أدى الى ظهور طرق جديدة لمعالجة التربة , وأساليب جديدة لزراعة الأرض , أكثر حداثة من السابق , إلاّ أنهُ الى جانب ذلك ظهرت الأهمية السلبية للتناقض بين القرية والمدينة الى السطح , فكان استغلال المدن للأرياف والقرى يتعاظم باستمرار , عن طريق بيع سلع انتاج المدينة بأسعار تفوق قيمتها الى سكان القرى والأرياف , وكذلك شراء منتجات فلاحي القرى بأسعار دون قيمتها ..
بالإضافة الى ذلك .. كانت الضرائب وغيرها من الاعباء التي كانت تجنى من المقاطعات وسط غياب القوانين , وسيلة مباشرة لخراب الريف وتدمير الحياة فيه , ان غزو الريف والمقاطعات الجديدة التي كانت تنتهجها جماعات اصحاب الرقيق لعبت دوراً كبيراً في تحويل هذه المقاطعات الى أماكن مهجورة تدريجياً ..
وهكذا خلقت علاقات الاستثمار في عهد الرق تناقضاً بين الريف والمدينة ..
وكان من بين نتائج اسلوب عهد الرق هي .. افقار فئات العمال الأحرار والفلاحين والحرفيين نتيجة الضرائب , وكذلك تحميلهم في بعض الأحيان نفقات تصرف على أجهزة الدولة البدائية ومنها مؤسسة الجيش , كما أن الحروب كانت تزوّد أصحاب الرقيق بالمزيد من الأيدي العاملة والذين كانوا يشكلون الجماهير الأساسية بين محاربي الجيش في عصر الرق ..
ومع التطور التالي لأسلوب انتاج عهد الرق , حدث انتزاع واسع لملكية صغار الملاكين الأحرار , وكذلك الحرفيين , حدث هذا الانتزاع نتيجة المزاحمة الناشئة في السوق , لدى بيع سلعة واحدة منتجة في الاستثمارات القائمة على الرق , وفي استثمارات الفلاحين والحرفيين ..
كان انتاج الاستثمارات الاولى بشكل عام أرخص لأن تكلفة الإنتاج تكون أقل , وكذلك لأن اعالة الرقيق , وحاجاتهِ كانت أقل من تلك التي تعود للعامل الحر , أو الحرفي , ثم ان الإنتاج في استثمارات أسياد الرقيق كان يحدث على نطاق واسع لا سيما وانه كان يتبع شكل تعاونية العمل الضخمة ..
لهذا في المنافسة كان الأسياد هم الفائزون باستمرار , وكانت نتيجة هذه المنافسة انهيار انتاج الحرفيين والعمال الأحرار , وجمود نشاطهم الإنتاجي ..
أما العوامل الاخرى التي ساعدت على تحطيم صغار الملاكين وتنحيتهم , فكان الاستعباد الربوي الذي جعل اسياد الرقيق يسيطرون بشكل مباشر على أراضي وورش الفلاحين الاحرار والحرفيين , في المقابل بدأت تنشأ شرارة أول تمرّد للحرفيين والعمال الأحرار وخوض نوعاً من النضال للمطالبة بإصلاحات تضمن لهم إعادة توزيع الأراضي على أسس جديدة وكذلك على وجوب ترسيخ حقوق العمال الأحرار في بقاءهم في اطار حريتهم وعدم الخضوع للعبودية ..
ورغم حدوث اصلاحات في اغلب دول الرق وتشريع قوانين جديدة , إلاّ أن ذلك كان مؤقتاً , ولم يتوقف تجريد الحرفيين , والفلاحين الأحرار من ورشهم , أو أراضيهم , هذا التناقض الحاد بين سيطرة اسياد الرقيق المطلقة وبين ملكية صغار المنتجين تفاقم ولم يستمر زمناً طويلاً , لأن الاستثمارات الصغيرة ليست مستقرة بطبيعتها , فوقعت من جديد تحت سيطرة كبار الملاكين , والمرابين وغيرهم من أرستقراطية أدى في نهاية الأمر في مختلف دول عهد الرق الى ظهور طبقة من البروليتاريا الفاقدة لكل صلة بالإنتاج ..
من الواضح أن الرق .. باعتباره شكل العمل السائد , نسف العمل الإنتاجي القائم على مبادرة السكان الأحرار واستقلالهم , وبهذا تقلصت إمكانية تطور القوى المنتجة في المجتمع ..
أن الأهمية السلبية لتجريد العمال الأحرار من ملكياتهم تبدّت بكل قوتها في مرحلة انهيار عهد الرق وقد علق انجلز على ذلك قائلاً ..
(( لم تكن الديمقراطية هي التي دفعت أثينا الى الهلاك , بل نظام الرق الذي جعل عمل المواطن الحر أمراً محتقراً ))
اانجلز .. أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة .. ص 123
ومع تطور المجتمع التدريجي .. ظهر في قلب مجتمع الرق الشكلان الأولان تاريخياً للرأسمال , ونشأت أيضاً طبقة من التجار , وكذلك النقد المعدني ..
ظهور طبقة التجار والنقد المعدني شكل حدثاً هاماً في التاريخ , لأنهُ مثل التقسيم الثالث الكبير للعمل , كان أساس العلاقات التجارية في عهد الرق هو الملكية الخاصة , والتقسيم الاجتماعي الثالث بدأ يظهر بقوة من خلال ارتباط الفلاحون الأحرار والحرفيون , والعمال الأحرار ببعضهم ارتباطاً شاملاً في العملية الانتاجية , من خلال انتاج سلع من أجل البيع ,كقيمة تبادلية ..
في الوقت نفسهُ كانوا منعزلين نسبياً عن بعضهم , كان التبادل الناشئ في عهد العشيرة يتعقد باستمرار , فتخلى تبادل الإنتاج المباشر لقاء إنتاج آخر عن مكانهِ للتداول , وإذا كانت عملية التبادل في السابق تتم على أساس سلعة مقبل اخرى , فإن تطوراً هاماً في الإنتاج حدث من أجل التبادل , حيث أن بعض السلع بدأت تقوم بدور المعادل العام للسلع ..
وأصبح التبادل عملية أكثر تعقيداً من السابق , لقد أصبحت السلعة العامة هنا تلعب دور الوسيط بين السلع , فحامل سلعة معيّنة أصبح يبادل سلعتهُ لا لقاء سلعة يحتاجها بل مقابل السلعة العامة ومن ثم السلعة التي يحتاجها , والسبب كان يعود الى ندرة بعض السلع في بعض الأوقات , فكان هذا الأمر يضطر حامل السلعة الى الاحتفاظ بالسلعة العامة لحين توفر السلعة التي كان يحتاجها , كما أن أطرافاً أخرى ظهرت خصيصاً للمتاجرة بالسلعة العامة فقط ..
فأصبحت المعادلة ..سلعة مقابل سلعة عامة للحصول على السلعة التي يحتاجها ..
هذا النمط من التبادل استمر زمناً طويلاً حتى ظهر النقد المعدني ..
الشكل النقدي للقيمة ظهر لأول مرة في سومر , وانتقل بعدها الى باقي بلدان الشرق الأوسط ومنها الى العالم , ظهر هذا النقد في الألف الثالث قبل الميلاد , بدأ بالنقد النحاسي وانتهى عند النقد الفضي ..
ومع انتشار الشكل النقدي للقيمة , أصبح التبادل ينقسم الى عمليتين ..
ــ السلعة لقاء النقد .
ــ شراء سلعة اخرى بهذا النقد .
هاتان العمليتان لا تحدثان في وقت واحد , فبائع السلعة ليس مجبراً لتوه على شراء سلعة اخرى , هذا الفصل بين عمليتي البيع والشراء أدى الى افساح المجال لظهور التجارة الوسيطة , وخلق الشروط التي تسمح للتجار الوسطاء بممارسة نشاطهم ..
ان انتاج مختلف السلع , خاصة من أجل البيع , وضع أمام صغار منتجي السلع من حرفيين وفلاحين مهمة خاصة تتجسّد في تصريف منتجاتهم , وإذا كان هؤلاء المنتجون الصغار يستطيعون تصريف منتجاتهم في السوق المحلية بأنفسهم , فإن هذا التصريف لم يكن بالإمكان القيام بهِ في أسواق بعيدة , كان يلزمهم لهذا الأمر التوقف عن العمل لبعض الوقت , حتى يتمكنوا من تصريف سلعهم , كما أن ايصال المنتجات الى الأسواق البعيدة كان يتطلب نفقات إضافية ..
هنا نشأ تناقض بين انتاج السلعة ... وبين تصريفها .
لكنهُ نشأ أيضاً في سير تطور انتاج السلع ذاته مقوّمات حل هذا التناقض , فبرز بين منتجي السلع أنفسهم اناس يتمتعون بأدوات عمل أفضل , وإنتاجية عمل أعلى من الآخرين , ولذلك كانوا أكثر تلائماً مع السوق , كان هؤلاء المنتجون للسلع يحققون ربحاً لا في نفقات العمل فحسب , بل وفائضاً أدى الى ثرائهم , وقد أصبح هؤلاء يقومون بدور الوسيط عندما يحدث بيع سلع منافسين آخرين في السوق , هذه الوساطة تحولت فيما بعد الى عملية شراء دائمة بقصد بيعها , وأصبح المشتري تدريجياً تاجراً مهمته الوحيدة شراء السلع وبيعها من أجل تحقيق الربح ..
كان شكل حركة النقد في تداول السلع بالنسبة الى المشتري يأخذ شكلين .
ـــ الأول .. جني كمية من النقد عند بيع سلعة تفوق الكمية التي انفقت عند شراءها , وتحقيق قيمة السلعة التبادلية , وزيادة هذه القيمة ..
ــ الثاني .. كان يخص المنتجين المباشرين , الذين يهدفون الى بيع منتجاتهم , والحصول على منتجات أخرى , أي تحقيق القيمة الاستهلاكية بمختلف أشكالها ..
أن طبقة التجار , وتجار الوساطة , نشآ عندما تطور التبادل الى درجة ..
1 ــ ظهور المعادل العام في مجتمع الرق , ومن ثم المعادل النقدي .
2 ــ ظهور تباعد واضح بين الإمكانية المجرّدة لبيع السلع , وبين الخطر الجدي الناشئ عن عدم إمكانية بيعها ..
3 ــ ظهور تناقض بين توسيع نطاق العلاقات السوقية , تحت شكل تكوين أسواق مستقلة , وبين صعوبات تسليم السلع من قبل منتجيها المباشرين في تلك الأسواق ..
لم تساهم طبقة التجار في الانتاج مساهمة مباشرة , كان الرأسمال التجاري في مجتمع الرق , يستثمر عن طريق حيازة سلع الآخرين وبيعها , المنتجين والمستهلكين على السواء كانا ضحايا لهذا النوع من التجارة , فقد كان التاجر يشتري السلع من المنتج بقيمة معينة , ويبيعها الى المستهلكين بقيمة تفوق قيمتها الأصلية , وقد خدم هذا الرأسمال منذ البداية الحرفيين , والعمال والمزارعين الأحرار , أي الإنتاج السلعي الصغير , إلاّ أن نطاقهُ توسّع ليشمل نطاق استثمارات أسياد الرقيق الخاصة ..
كانت غالبية طبقة التجار تنحدر من وسط صغار منتجي السلع , وقسماً آخراً تكون من أسياد الرقيق أنفسهم من الذين كرهوا العمل الروتيني اليومي مع الرقيق , وكذلك من كبار الملاكين الزراعيين الذين توفر لهم المال والوقت للقيام بهذه التجارة ..
لقد شغلت التجارة الداخلية , أي التجارة التي كانت تقوم في الأسواق المحلية , والبعيدة , مكانة هامة في الاقتصاد في ذلك الوقت , وانتشرت أنواع من التجارة على نطاق عالمي لأول مرة , كشراء كميات كبيرة من السلع من دول اخرى وبيعها في الأسواق المحلية , وكانت التجارة هذه تشمل .. أدوات العمل , الأسلحة , وسلع الاستهلاك الواسع , وماشية العمل , وحتى الرقيق ..
كانت التجارة الخارجية لما وراء البحار في عهد الرق تقوم حسب تعبير ماركس على القسوة على الشعوب المنتجة , التي كان ينهبها التجار الوسطاء , كان بيع السلع في السوق الخارجية يختلف كثيراً عن تصريفها في السوق الداخلية , فإذا كان الإنتاج يباع في السوق الداخلية بقيمة معينة ، فإنهُ في الأسواق الخارجية كان يباع بأضعاف قيمتهِ , أي كان يخضع بشكل مكشوف الى الجشع الواضح ..
إن تاريخ الرأسمال التجاري في مجتمع الرق ملئ بصورة الإكراه الفظ , والقسوة التي كانت تعانيها تجارة الرقيق , والتجار لم يكونوا سوى تجار رقيق بالشكل الدقيق للكلمة ..
ورغم أن التجارة لم تكن بعد , حسب تعبير ماركس قد شملت جميع العلاقات الاقتصادية , باعتبار أن الإنتاج في عهد الرق بقي في أساسهِ طبيعياً , فإن العلاقات السوقية , وخدمة الرأسمال التجاري , كانت مع هذا تلف أكثر فأكثر استثمارات أسياد الرقيق , وكذلك استثمارات الانتاج السلعي الصغير ..
كان تأثير التجارة على اقتصاد أسياد الرقيق يتحدد قبل كل شيء , في بيع الرقيق الذي كان الأساس في هذا الاقتصاد , والشرط الضروري له , من أجل هذا كان أسياد الرقيق يحولون قسماً من المنتجات التي أنتجها الرقيق الى سلع , لقد مرّ الاقتصاد الرقي بعدة مراحل بدءاً بالشكل الأبوي والشكل الزراعي في مرحلة لاحقة من تطوره , كانت الخاصيّة التي تميز الشكل الزراعي تنحصر في أن كميات كبيرة من المنتجات كانت من أجل التبادل ..
كما كان انتاج الورش الصناعية الضخمة في عهد الرق ينمو بشكل أكبر من السابق , وأسياد الرقيق كانوا يعتمدون الى حد بعيد على التجار في بيع منتجاتهم , وكذلك شراء ما يلزمهم من أدوات العمل , وشراء السلع الكمالية والأخرى القادمة من أسواق البلدان البعيدة ..
كان تأثير رأس المال التجاري على اقتصاد عهد الرق ذا طابع تناقضي , فمهمة الرأسمال التجاري التي تنحصر في شراء الرقيق ساعدت في توطيد هذا النظام , من جهة أخرى أدت الى تفسّخ اقتصاد أسياد الرقيق تدريجياً , محوّلةً إياه الى اقتصاد سلعي , وبمقدار ما كانت استثمارات أسياد الرقيق العامة للسوق الواسع تتطور , تحت تأثير الرأسمال التجاري , كان الاستغلال على الرقيق يشتد عن طريق التشديد على مضاعفة أعمالهم وفتراتها الزمنية المرهقة ..
وتحت تأثير التجارة حدث التقسيم التالي للعمل في المجتمع , ظهرت فروع جديدة في الانتاج الزراعي والصناعي , ونشأ تخصص متزايد الاتساع في النشاط الاقتصادي , كل هذا وطد مواقع الرأسمال التجاري , عن طريق تسهيل تغلغلهُ في اقتصاد أسياد الرقيق , وتأمين قسم هام من انتاج الرقيق الفائض للتجار ..
كما كان للرأسمال التجاري أيضاً تأثير مزدوج على إنتاج الحرفيين السلعي الصغير , وعلى استثمارات الفلاحين الأحرار الصغيرة النصف طبيعية , فهو من ناحية دفعها الى توسيع انتاجها , ومن ناحية اخرى هدمها , عن طريق امتصاص معدل ربح تجاري متزايد منها .
لقد حدث بفعل هذه التجارة المتنامية انفصل للاستثمارات الصغيرة , كان من النتائج المترتبة على انتاج سلع للأسواق والمساهمة بالتالي في المزاحمة التجارية أن أثرت أقلية من الحرفيين والفلاحين والعمال الأحرار , بينما افتقرت غالبيتهم , لقد عمل آنذاك في نطاق الإنتاج السلعي قانون القيمة , الذي تطلب ان تباع السلع بشكل يلائم نفقات العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها ..
وكان الرأسمال التجاري آنذاك يُساعد على توازي القيم السلعية ..
فقد كان بيع السلعة بقيمتها , انما يعني .. أن على كل منتج للسلع أن ينفق على إنتاجها لا ما يتطلبهُ من عمل اجتماعي فحسب , بل العمل الذي تنفقه الغالبية من منتجي هذا النوع من السلع , في ظروف إنتاجية متوسطة , أي أكثرها انتشاراً ..
لذا كان يحدث باستمرار في أوساط منتجي السلع سباق من أجل تطوير أدوات العمل , وتسريع سياق الإنتاج , وكذلك تسريع السباق في السوق من أجل تصريف البضائع , أي المزاحمة ..
هنا ... الرأسمال التجاري بتأثيرهِ على تطوير المزاحمة بين الاستثمارات الصغيرة ساعد على تحسين طرق الانتاج , وتطوير أدوات العمل , وبالتالي ساهم في رفع انتاجية العمل , إلاّ أن النتائج الايجابية لتطوير الإنتاج لم يحصل عليها سوى التجار ذاتهم , وهم الذين رفعوا معدل أرباحهم التجارية من وراء ذلك ..
أما الرأسمال الربوي ... فهو الرأسمال الذي يعطي فائدة ..
ولم يكن بالإمكان ظهورهُ لولا ظهور واتساع التداول السلعي في المجتمع , وكذلك ظهور النقد , والقروض النقدية , هنا يجب أن نلاحظ أن مقوّمات الصفقات الربوية وجدت حتى قبل ظهور الأشكال النقدية السلعية المتطورة , ومن الواضح أن أول ما تناولهُ الربا .. هو المنتجات الغذائية ووسائل الانتاج كالقمح والماشية وغيرها , وهذه المواد التي كانت محل الالتزامات التسليفية بقيت كذلك حتى يومنا هذا وفي العديد من الدول النامية والفقيرة ..
ومع تطور العلاقات النقدية السلعية , بدأت القروض تأخذ أكثر فأكثر شكلاً نقدياً , أصبح النقد كسلعة عامة يبرز مع تطور التجارة , لا كوسيلة للتداول , بل كوسيلة للدفع ..
وأصبح الشكل النقدي للثروات تدريجياً الشكل العام الذي يناقض الشكل السابق للثروة , الذي كان عبارة عن شكل كميات من القيم الاستهلاكية المختلفة , وكان تطور وظيفة النقد كوسيلة للدفع عاملاً أساسياً في تقوية الصلات بين منتجي السلع , ومن هذا النوع من الصلات التسليفية نشأت القروض , وفوائدها ..
فإذا كان بيع السلعة وشراءها يجري بدون نقد سائل , فإن البائع يصبح آنذاك دائِناً , والمشتري مَديناً , ويصبح المشتري المدين بعد فترة معيّنة من الزمن ملزماً بأن يدفع ثمناً للسلعة , مبلغاً نقدياً أكبر مما لو تم الدفع نقداً من قبل , وينال البائع هنا لا قيمة السلعة فحسب , بل وفائدة على هذه القيمة , لهذا فالنقد بالنسبة الى البائع الدائن أصبح هنا رأسمالاً , أي قيمة تتيح لهُ حيازة كمية أكبر من القيمة ...
وهكذا فإن انتشار النقد المعدني كوسيلة للتداول , وتطور وظائفهِ , وتحوله الى شكل عام للثروة , كل هذا حدد ظهور الرأسمال الربوي ونشاطه , كان المرابون في عهد الرق يتألفون من صنفين , أسياد الرقيق وهم الذين يمتلكون ثروات نقدية كبيرة , والمرابون المتوسطون , وهم الذين كانوا من منتجي السلع الأحرار الذين تمكنوا من جمع مبالغ نقدية مكنتهم من عقد صفقات الربا مع باقي منتجي السلع وغيرهم ..
لعب الربا دوراً كبيراً في تدمير صغار منتجي السلع الأحرار وتحويلهم الى رقيق , كما ساعد على توطيد اقتصاد الرق بمقدار ما كان يضاعف استغلال الرقيق , لكنه أثر أيضاً من جوانب اخرى على الاقتصاد بشكل سلبي , فهو الذي دفع الفلاحين الأحرار والإنتاج الحرفي الى الانهيار مجبراً تجديد الإنتاج على الحدوث دائماً في شروط أقسى ..
وبين أهم نتائج تطور الرأسمال التجاري والربوي في مجتمع الرق , تحول الأرض الى أداة للبيع والشراء , ونشوء الدين الرهني , أي وضع الفلاحين الأحرار البائسين أراضيهم موضع الرهن , وطوال الفترة التي كانت أراضيهم ملكاً للمشاعة , لم يكن بالإمكان بيعها أو رهنها , إلاّ أن ظهور الملكية الخاصة والفردية للأرض أوجد إمكانية بيعها أو رهنها ..
غير أن هذه الإمكانية لم يكن لها أن تتحول الى أمر واقع لولا ظهور الرأسمال التجاري والربوي على صعيد النشاط الاقتصادي , ومع ظهور هذه الأشكال من الرأسمال , أصبحت أرض صغار الفلاحين المفتقرين ترهن وتباع على نطاق واسع مما أدى الى زيادة أعباء الحياة على الرقيق الناجم عن الديون ..
إن تهديم الرأسمال الربوي لصغار المنتجين , واستعباده لهم , دفه جماهير الرقيق الغفيرة الى التذمر وبروز ظاهرة التمرد بشكل واسع , والقيام بنضال حاد ضد طبقة المرابين الطفيليين , وهو تعبير واضح عن تفاقم التناقضات في مجتمع الرق , وهكذا ضاعف ظهور الرأسمال الربوي والتجاري تناقضات هذا المجتمع ..
وحينما نقوم بمقارنة القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية في الفترة الاولى عن الفترة الأخيرة , ودراستها بالإجمال طوال فترة مجتمع الرق , نستطيع تتبع شروط موت هذا المجتمع بمنتهى البساطة ..

الفترة الاولى ..
ــ كانت أدوات الإنتاج وطرق العمل بدائية ..
ــ بقي الحجر مستعملاً كمادة أولية لصنع أدوات العمل ..
ــ على الرغم من اكتشافهم للمعادن في هذه الفترة والعثور على بعض أدوات العمل النحاسية , إلاّ أنهم فشلوا في الحصول على الحديد وتحديد طرق معالجته , للحصول عليه بكميات وافرة ..
ــ كانت الطرق المستعملة في الزراعة بدائية ..
ــ كانت عملية طحن القمح تتم بطرق بدائية بالاستعانة بالمطحنة الحجرية ..
ــ كانت علاقات الإنتاج تتناسب وهذه التقنية الفجة , وتلك الأدوات البدائية ..

الفترة اللاحقة ..
ــ تطور القوى المنتجة في عهد الرق كان بطيئاً جداً استغرق قرابة الأربعة آلاف عام ..
ــ استخدم الحديد في الانتاج استخداماً متزايداً , ولعب دوراً ثوريا حاسماً في التاريخ ..
ــ بقيت العلاقات الانتاجية دون تبدل , وقبل كل شيء ملكية أسياد الرقيق , وكانت تتناسب تناسباً ضئيلاً بمرور الزمن مع نمو القوى المنتجة ..
ــ ظهور الرأسمال التجاري والبوي وسيطرتهِ على مفاصل الاقتصاد ..

كانت ملكية أسياد الرقيق للرقيق , ولوسائل الإنتاج على العموم عبارة عن احتكار من نوع خاص , قائم على الملكية الفردية , وكان مثل هذا الاحتكار محدوداً بطبيعته بمقدار ما يكمن فيه من تحكم حفنة من غير العمال على شريحة واسعة من المجتمع هم الرقيق والحرفيين والفلاحين والعمال الأحرار , وقد قضى هذا الاحتكار على أيّةِ إمكانية للمبادرة والعمل المبدع عند العمال ونشاطهم الخاص ..
ان التقنية الآخذة بالتعقيد تدريجياً , والطرق الجديدة المكتشفة في الإنتاج تطلبا باستمرار أعداداً مهنية أرفع نوعيةً , وتدريب المنتجين المباشرين تدريباً إنتاجياً أرقى , كان لا بد من استخدام أدوات جديدة محسّنة , ورغم ذلك لم يتمكن الرقيق من رفع نوعية عملهم , وكانت إنتاجية عملهم في هبوط مستمر ..
ومع انخفاض انتاجية العمل في عهد الرق , واتساع التناقضات بين الرقيق وأسيادهم , أصبحت الاستثمارات الزراعية الكبرى عديمة الجدوى , كما كان لا بد لشروط الانتاج الحرفي من أن تسوء نتيجة تأخر الزراعة , وللسوق أن تضيق بسبب خلو المقاطعات من سكانها , وخراب صغار الفلاحين الأحرار .
يقول انجلز ..
(( لقد عاش الرق القديم زمانه , فلم يعد يُعطي دخلاً يُغطي ما يُنفق من عمل , سواء في المزارع الضخمة أو في مانفاكتورات المدينة , وتلاشت سوق تصريف منتجاته , ولم يكن في الاستثمارات الزراعية أو الحرفية الصغيرة مكان لعدد كبير من الرقيق ..)) .
انجلز .. أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة .. ص 154 ـ 155

وبمقدار ما كانت الاستثمارات الرقية تبدو ضخمة , في نفس الوقت غير مربحة , كانت الاستثمارات الصغيرة تؤمن حاجات مادية أعظم , وفي ظروف انهيار اقتصاد الرق , أخذ أصحاب المزارع الكبرى القائمة على استثمار عمل الرقيق , يجزئون ملكياتهم الى أجزاء صغيرة بعضها يُعطى لرقيق مجتهدين في خدمة أصحابهم والبعض الآخر لفلاحين أحرار لحق بهم الفقر , وأصبحت العلاقة هنا وضع الأرض في عهدة أشخاص يعطون مالك الأرض النسبة الأكبر من محصول الأرض , وسمي هؤلاء بالمعمرين ..
كان حال الرقيق من المعمرين الرقيق , يختلف عن حالهِ في السابق عندما كان رقيقاً عاملاً , فقد طرأت بعض التغييرات على شكل العلاقة بينه وبين أسيادهِ , المقصود هنا العلاقات الانتاجية بينه وبين أسيادهِ , لم يكن يتمتع في السابق بأدنى قدر من الحرية وبقي حيواناً عاملاً يستطيع مالك الأرض بيعهُ مع الأرض , لكن في حالتهِ الجديدة أصبح يعمل دون رقابة , محاولاً نيل أكثر ما يمكن من منتجات الأرض التي يتصرّف بها ..
كان ملزماً بإعطاء قسماً كبيراً من محصول الأرض لسيدهِ , إلاّ أنهُ كان يتبقى قسماً منهُ يتصرف به كما يحلو لهُ , هنا نشأ عند المعمرين ( الرقيق سابقاً ) مصلحة مادية لهُ في الإنتاج , ونشأ عندهُ حافز لمضاعفة إنتاجية العمل ..
في الوقت ذاته , فقد قسماً من الفلاحون الأحرار أراضيهم أو عانوا من حالة فقر نتيجة شحة المحاصيل والديون المتراكمة عليهم , كما فقدوا بذلك حريتهم , والتصقوا بالأرض التي أصبحت تابعة لدائنيهم مباشرة حتى تمكنهم من دفع ديونهم مع فوائدها وهذا ما كان شبه مستحيل في ظل العلاقات الانتاجية التي سادت بين الطرفين ..
نظام المعمرين هذا أنذر بفوات أوان مجتمع الرق , أو بداية انهياره , فلجوء أسياد الرقيق الى نظام تأجير الأرض كان لهُ دافعاً قوياً بسبب تمرد الرقيق في أغلب الأحيان وتدمير الأراضي وحرق المحاصيل والأشجار , وحتى يتخلص أسياد الرقيق من هكذا أزمات أوجدوا نظام المعمرين كي يقولوا للرقيق أن الأراضي لم تعد ملك لنا , لكن الواقع كان يقول أنها لا تزال لهم ونسبة كبيرة من الإنتاج كان تابعة لهم , هذا الشكل الجديد من العلاقة أسس لظهور علاقات الانتاج القائمة على القنانة , التي تحولت الى الشكل الرئيسي في علاقات الانتاج في المجتمع الاقطاعي ..
وهنا ظهرت الضرورة التاريخية للانتقال من اسلوب الانتاج في مرحلة الرق الى اسلوب انتاج أكثر تقدماً ..

أسئلة متعلقة بالموضوع ..
ــ ما هو القانون الاقتصادي الأساسي لمجتمع الرق ؟
ــ ما هي أشكال وسائل الانتاج التي سادت في عهد الرق ؟
ــ ما هي الأسباب التي أدت بأصحاب الرقيق الى ابتكار وسيلة جديدة في علاقة الانتاج والمتمثلة بنظام المعمرين ؟
ــ الى أي شيء أشار ظهور المعمرين في مجتمع الرق ؟
ــ الى ماذا أدى ظهور طرق جديدة في الانتاج في عهد الرق ؟
ــ متى أصبح النظام المتبع في الانتاج في عهد الرق عائقاً أمام التطور ؟
ــ كيف يمكننا تلخيص التناقضات التي ظهرت في مجتمع الرق ؟
ــ هل كان قانون اقتصاد العمل الذي اكتشفه ماركس يعمل في عهد الرق ؟
ــ ما الذي كان يميّز تعاونية المجتمع البدائي عن تلك التي بقيت في مجتمع الرق ؟
ــ لماذا اتسم الانتاج في عهد الرق بالمحدودية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ فواز فرحان المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 11 / 15 - 05:40 )
تحية و سلام و محبة و احترام
العقل الذي حول التراب الى معادن و صنفها و عرف خواصها هو الذي بدا الثورة الصناعية الاولى
العمال عندما ينتجون نوع واحد
يفكرون به و يطورون اساليب الانتاج و من هنا بدات الانتاح الواسع و بداء التخصص في الزراعه و انتقل بعد ذلك الى الحياة كلها
شكرا على هذه الرحلة السريعه في التاريخ و تلك الاسئلة التي تجعل ا لانسان يحترم اي عمل او جهد لأن اساسه كفاح و عرق و تعب الاولين و حتى موت البعض منهم احيانا و هذا يعني فيما يعنية كل التشريعات التي نعيشها اليوم فاساسها كفاح و ابداع اولئك الاوائل
اكرر التحية
دمتم بتمام العافيه
ننتظر التالي


2 - الاستاذ والأخ العزيز عبد الرضا حمد جاسم
فواز فرحان ( 2013 / 11 / 15 - 16:19 )
شكراً لمرورك الكريم الذي يترك بصمات طيبة دائماً
احاول أن اكون عند حسن ظن من يقرأ
واتفق معك في طرحك
تقبل خالص مودتي واعتزازي

اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام