الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية المعمار المكاني والإشتغال النصي في مسرحية( سفر .. طاس)

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2013 / 11 / 19
الادب والفن


يعد العنوان النصي ركناً أساسياً في إنتاج العلامة سواء على مستوى التحليل اللغوي أو على مستوى التحليل البصري في الاشتغال داخل منظومة العرض المسرحي ، ذلك أن العنوان لم يعد مجرد مقترح مشاكس يسطره المؤلف من أجل السعي وراء إثارة التلقي كما هو الحال مع العديد من العنوانات التي تتوافر على أغلفة الروايات البوليسية ، بل إنه بات يشكل محوراً في الإشارة إلى مواضع عدة من المتن النصي سواء كانت ترتبط بالحدث الدرامي أو بالمكان أو غير ذلك ، كما هو الحال في عنوان مسرحية (سفر ...طاس) إخراج (حليم هاتف) وهي عن نص (حمام بغدادي) للمؤلف والمخرج (د.جواد الأسدي) .
أنتج العنوان المقترح (سفر ...طاس) نوعين مع الإحالات الدلالية إرتبطت الأولى بالمفردة المحلية التي تشير إلى ان (السفر ..طاس) هو نوع من الاواني التي يوضع فيها الطعام ، وغالباً مايستخدمه العمال والموظفون في حفظ بعض الاطعمة التي يبتغون تناولها في دوامة العمل الطويلة.
أما الإحالة الثانية التي نتجت عن تقسيم الكلمة في العنوان إلى قسمين ( سفر ...طاس) والتي أراد المخرج من خلالها إقصاء الإحالة الاولى والتاكيد على فكرة ان (السفر ... طاس) الذي يبتغي إنتاج دلالاته يرتبط بذلك النوع من الأواني المصنوعة من مادة (النحاس الاصفر) والتي غالباً ماتستخدم في الحمامات الشعبية ، والمخرج يمتلك الحق في توصيف علامات العرض بما ينسجم مع الرؤية الإخراجية التي يبتغي تجسيدها في العرض، إلا ان المفارقة التي كانت حاضرة في بيئة العرض أن المخرج لم يعمل على تفعيل العنوان البديل من خلال مفردات إكسسوارية بما يسهم في إنتاج إحالات جديدة ، ذلك أن جميع الأواني كانت من مادة (الإستيل – الأبيض) وبذلك يكون العنوان قد غادر خاصية التفاعل مع المفردات التي إفترض المخرج انها تشكل محوراً في العرض الامر الذي جعله يعمد إلى توصيفها في العنوان ، على الرغم من أن المخرج عمل على توظيف تلك الأواني (الفافونية) في مواضع عدة منها المشهد الذي يتم فيه القذف بها على نحو عشوائي في فضاء العرض من دون وجود معنى لذلك ومن ثم إشغال المتلقي في موضع آخر في لملمتها من فضاء العرض عبر مشهد بصري أستخدم فيه إضاءة (الفلاش) المتقطعة التي إمتلكت جماليتها، على الرغم من ان المخرج أقتصر وجودها الجمالي على مشهد بدا في لحظاته الأولى مثيراً إلا انه سرعان ماتحول إلى أفعال باهتة إعتمد حدوثها على جمع أواني (الإستيل) من حمام العرض .
لم يكن إشتغال المخرج على العديد من افكار النص حاضراً بل إنه إعتمد على وجود الشكل الإيقوني للحمام واللغة الحوارية التي تنوعت بين اللهجة المحلية واللغة الفصيحة ، حتى أنه لم يعمد إلى تكسير مقترح المؤلف المتعلق باللغة على الرغم من أن بيئة الشخصيات وسلوكها المنفلت ، بدا واضحاً في العديد من الألفاظ النابية والخارجة عن الذوق العام ، وكلها منحت المخرج فرصة تحويل اللغة الفصحى إلى اللهجة المحلية لكي تأتي منسجمة مع سلوك الشخصيات ، إلا ان المخرج لم يجرؤ على مغادرة الملفوظ النصي ، فضلا عن ذلك فإن المخرج لم يضع بصماته الإخراجية على نحو فاعل في مشهد السياسي الذي يعد محوراً اساسياً في النص الدرامي بل إكتفى بالمرور عليه على نحو متسارع مكتفياً بما سطره المؤلف من حواريات كانت بها حاجة إلى التفسير وإعادة إنتاج المعنى وصولا إلى مقترحات جمالية مغايرة لمقترحات المؤلف .

فضاء العرض والشكل السينوغرافي للمكان
إختار المؤلف (جواد الأسدي) تضمين (حمامه البغدادي) العديد من المقترحات المكانية التي بدا واضحاً فيها إشتغاله داخل المتن النصي ، ولم يكن بعيداً عنها في تكوين الرؤية الإخراجية التي بدت واضحة في العديد من المواضع ،الأمر الذي جعل من النص والعرض يدخلال في ثنائية إيقونية منسجمة ، وكأن المؤلف إختار كتابة النص من اجل مقترحات مكانية مؤسسة سلفاً في وعي المخرج ، حتى بات عصياً على غيره من المخرجين النفاذ إلى خارج حدود الرؤية الإخراجية المقترحة داخل المتن النصي ، وقد بدا ذلك واضحاً في (سفر .. طاس) التي كان المخرج موفقاً في إختيار بناية (منتدى المسرح ) ذلك أن معماره المكاني كان ملائماً للمقترحات المتوافرة في النص ، بمعنى آخر فإن المخرج لم يبذل جهوداً في إختراق البيئة المقترحة في نص الاسدي، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال تأثيث الحمام وتوظيف (الدخان الإصطناعي) الذي اضفى على المكان القديم شكلاً بصرياً ينسجم مع المفردات المستخدمة بوصفها أدوات الحمام التقليدية كما في احواض الغسل ، وكذلك (دكة التدليك) فضلا عن مساحيق الغسيل ورغوتها التي ملأت المكان .
وبدا واضحاً في المشهد الاول ان المخرج قد عمل على مغادرة البيئة المقترحة في النص ، من خلال الجو العام للمكان ، حيث بدا المكان قريباً من (المشرحة) أكثر من كونه حماماً شعبياً من خلال توظيف (دكة التدليك) وتحويلها إلى مصطبة (تغسيل الموتى) وتغليفها بأكياس (النايلون الشفافة) ، وكان يمكن لذلك أن يبتعد بالعرض بعيداً عن مقترحات (جواد الاسدي) على مستوى النص والعرض، إلا ان المخرج (حليم هاتف) سرعان ماتراجع عن المشاكسة الجمالية والفكرية ، حيث إقتصرت مغامرته الإخراجية على ذلك ، الأمر الذي جعله يتقهقر سريعاً وينكمش على مقترحات المؤلف .
إن تأسيس البيئة لايقتصر على التشكيلات البصرية فحسب بل يشتمل على تفاعل العناصر السمعية معها ، وقد بدا ذلك واضحاً في توظيف أصوات المياه من اجل تعميق الجانب البصري للحمام الشعبي ، إلا ان المخرج لم يعمد إلى تأسيس الفضاء السمعي بل إن المقترحات السمعية التي إشتغل عليها المخرج دفعت بالبيئة المحلية إلى التشتت بين ماهو متوافر على النحو البصري ، وبين ماهو سمعي حيث إعتمد المخرج على توظيف العديد من الأغاني الاجنبية التي لم تكن منسجمة مع بيئة العرض البصرية ، معتمداً في ذلك على جملة لفظية توافرت في المتن النصي ، نعتقد انها غير كافية من اجل خلخلة المنظومة الجمالية بين عناصر العرض .

مقترحات التمثيل وإشتراطات البيئة
إعتمد المخرج على توظيف مجموعة من الممثلين في فضاء العرض /الحمام على الرغم من ان الإحالات النصية تشير إلى أن الحمام يقع في منطقة محظورة بسبب الفوضى والإقتتال الذي يقع بين المليشيات والامريكان ، بمعنى ان كل من يرتاد ذلك المكان ينتمي بشكل او بآخر إلى أحد اطراف الصراع ، ويبدو ان المخرج قد أفاد من المقترحات النصية حيث بدا واضحاً ان جميع الشخصيات (المجموعة) التي كانت ترتاد الحمام، لم تكن بالوضع الطبيعي ، كما في المشهد الاول حيث بدا واضحاً في سلوك الممثلين بانهما يشكوان من العوق الجسدي ، فضلا عن دخول شخصية (القزم) في موضع آخر من العرض ، إلا ان الوظيفة التعبيرية التي ألقيت على عاتق (المجموعة) كانت تتمثل بغسل الأرض بدلاً من غسل الأجساد الملوثة بدماء الأبرياء ، وقد عمد المخرج إلى توظيف ذلك في دلالة حاضرة المعنى تتمثل في رغبة الشعب العراقي بتطهير (المكان / الوطن) من الإحتلال الأمريكي، والعودة في المشهد الاخير إلى تطهير أجسادهم من كل الدماء والجرائم التي أسهم الإحتلال في تفعيلها .
إختار المخرج ممثلّين مختلفين في البنية الجسمانية من اجل تجسيد شخصيتي العرض (حميد و مجيد) حيث لعب الممثل أنس الراهي دور الأخ الاصغر الذي إمتلك العديد من إشتراطات الاداء التمثيلي وبخاصة إعتماده سلوك الشخصية الخائفة والمضطربة منذ اللحظات الأولى للعرض إلا ان ذلك لم يجعله بعيداً عن إكتساب السلوك النمطي للشخصية على الرغم من تحول الاحداث الدرامية ، التي لم تمنحه الفرصة في التحول الادائي بل إنه إستمر في سلوكه القائم على تبني سلوك الشخصية المضطرب ، حتى انه دفع المتلقي في كثير من المواضع إلى إعتباره ممسوساً او مجنوناً ،وعلى الجانب الآخر يقف الممثل (يحيى داود) الذي إجتهد المخرج في إختياره من الناحية الشكلية ، حيث تنطبق عليه الكثير من مواصفات شخصية (الأخ الأكبر)، إلا أنه إعتمد على بنيته الجسدية العارية ، حيث يبرز جسده الممتلئ ، أكثر من إعتماده على بناء سلوك للشخصية، فضلا عن ذلك فإن الاداء التمثيلي لدى (يحيى داود) كان مرتبطاً بالملفوظ النصي فحسب ولم يتفاعل مع الشخصية وتحولاتها ، بل أنه إعتمد سلوكاً بدا مناقضاً للملفوظ النصي في الكثير من المواضع حيث إرتسمت إبتسامته على نحو واضح في العديد من المشاهد التي كان ملفوظها النصي يكشف عن فجيعة أو هزيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع