الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوى التقسيم

خالد صبيح

2014 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



العراق سيقسم. لم يعد هذا موضع شكوك كبيرة ولا اعتراضات صادقة. فوراء مشروع التقسيم إرادات، (بتعريف خاص كلها شريرة)، ومصالح وقوة لا تقاوم. هناك أمريكا التي تركت أمر تصفية العراقيين للعراقيين أنفسهم، وهناك أيضا (ساسة) عراقيون تحركهم مطامح غامضة وخيوط خفية وأيضا هناك قوى إقليمية تنفر من فكرة عراق موحد ومنطوى على تناقضاته. الجميع مشترك ومنهمك بفكرة التقسيم. وليس أي تقسيم بل ينبغي أن يكون شرذمة.

بعض التوقعات، كما ذهب الشاعر سعدي يوسف في احد نصوصه، تضع عام 2018 تاريخا فاصلا في تنفيذ المشروع – الرغبة. أرى إن هذا التوقع متفائل. فالعراق سيقسم خلال عامين وبضعة اشهر، وبضعة الأشهر هذه هي فسحة زمنية ساخرة للجم وتهدئة من مازال يعارض التقسيم من المعتوهين الحالمين بوطن موحد.

فكرة التقسيم بدعة جديدة على العراقيين رغم أن لها بعض التهويمات التي إستوهمها الأكراد في بعض مفاصل صراعهم من اجل نيل حقوقهم. ولدت الفكرة في دوائر أمريكية في التسعينات ونضجت كمشروع مع الاحتلال الأمريكي، وهي فصلة من فصلات مسلسل (الحرب العالمية الرابعة) التي نحيا فصولها الآن، وهي حرب مابعد الحرب الباردة حيث تتألف إستراتيجيتها الكبرى بالسعي لتفتيت الكيانات والدول والمجتمعات وتآكلها الداخلي، وإشعال وتغذية الحروب الصغيرة ( نيران صغيرة مشتعلة بخفوت هنا وهناك لاينظر إليها على أنها حريق كبير). حروب صغيرة، جانبية، عرقية ودينية ومذهبية وفئوية..الخ. لاتشغل المسرح كله، تنزوي ويمكن التعامل معها بروية وتأني حتى تؤدي مفاعيلها كاملة دون أن يشعر بثقل عبئها احد غير المكتوين بلسعاتها (العابرة).

سيزعل (وليزعل!!) اللبراليون العرب عشاق أمريكا وأصدقاء إسرائيل إذا قلنا إن المؤامرة حاضرة في عالم السياسة. ولنقم بتسوية مؤقتة معهم ونقول: قد لاتوجد نظرية مؤامرة ولكن توجد مؤامرة. مايجري في العراق بكل تفاصيله وتجلياته هو مؤامرة علنية ومكشوفة. وتقدم خدمات لحسابات عديدة.. وتخدم أجندة متنوعة، وأجندة إسرائيل حاضرة في قلب المعادلة.

أكثر من تحمس ودفع لفكرة التقسيم هم الأكراد. بدت فدراليتهم التي رسموا ملامحها ونفذوها على الأرض انفصالا صريحا، ولكن بشروط مجزية ومريحة. بل إن الانفصال إذا جرى الآن سيضر بمصالحهم وسيقلص من مكاسبهم السياسية والاقتصادية والمعنوية. والأكراد لايريدون الانفصال عن عراق موحد، فهذا من شانه أن يتركهم مكشوفين في العراء ونهبا لأهواء قاسية من قوى إقليمية ناقمة عليهم. إنما يريدون أن يكون أمر انفصالهم تحصيل حاصل ورغبة خاصة بمن بنفصلون عنه. لذا وجب السعي والمساهمة في تقسيم العراق ليكون الأمر مهضوما ومقبولا.

فلا يوجد عراق بعد الآن تريدون منا أن نلتحق به أو نبقى في ظلاله. العراق قُسم. لنقتسم مع الآخرين مالنا فيه من حصة إذن.

هكذا يقول لسان حالهم.

طوال الوقت كان الأكراد يتصرفون وكأنهم بلد صديق مجاور ولكنه لايبالي بهموم جاره، بل ويغذي مايبرحّها من وراء الأجمة. وتخفوا ساكنين وراء الأحداث الصاخبة في وسط العراق وجنوبه ونالوا حظوة استثنائية في الوضع العام بفضل جهود عديدة؛ شراء أقلام وضمائر لمثقفين وكتاب وساسة، لتبعد عيون النقد عنهم وتبرئهم من روائح الفساد والاستئثار بالسلطة والمال العام وغيرها من المقومات الكارثية للعهد الجديد، بل لم تعد حتى الجرائم السياسية – الجنائية التي ترتكب على أرضهم بخلفية الفساد والاستبداد جرائما. على الأقل أنها لاتذكر كجرائم في أعمدة جريدة المدى الذي منح صاحبها (فخري كريم) الكرد قدسية عصَمتهم من النقد ونأت بهم عن الاتهام. لقد قُتل الصحفي الشهيد كاوة گرمياني بأيدي الفساد السياسي في كردستان ولم يتحدث صحفيو المدى وكتاب أعمدتها عن الجريمة وكأنها وقعت خارج مدار السياسة العراقية، رغم أنها كانت جريمة نموذجية تستدعي الإدانة والتوقف عندها ولو بكلمة أو إشارة، فهي أولا جريمة سياسية ترتبط بالفساد وبجهود مواجهته والكشف عنه، وتتعلق ثانيا بحرية الرأي وبتكميم الأفواه، وضحيتها، ثالثا، إعلامي وناشط سياسي يساري.. كل هذا لم يحرك افئدة صحفيي المدى ليذكروا الشهيد بعبارة واحدة. يبدو إن الجريمة في عرف هؤلاء تعرّف بحسب مرتكبيها وليس بصفاتها الخاصة المعروفة. فلو لم يكن القتلة من سياسيي الإقليم لارتفعت أصوات الإدانة والاستنكار منهم الى عنان السماء.

مسكين أنت ياكاوة فقد قتلت مرتين مرة بالمسدس وثانية بالصمت.

قيل لنا واقتنعنا أن المكون السني هم حافظو وحدة العراق. ولايضرنكم إن بعض ساستهم، لاسيما الإسلاميون منهم، طائفيون ولا يكترثون لا بالوطن ولا بوحدته. كان ذلك قبل وقوف أهل الانبار في ساحة (العز والكرامة) حيث سنكتشف اصواتا طائفية مقيتة مجرد وجودها وحضورها في المشهد يفتح شهية من يريد الضرر بالعراق. واذن فان الهاجس الطائفي واسع لدى الانباريين وليس كما توهمنا او اوهمونا. ومع ذلك فالانبار بقيت عقدة في منشار مشروع التقسيم بعدما انظم النجيفي بما يمثل جغرافيا وسياسيا الى
مشروع بايدن، وذلك بعدما اخذ يردد كتلميذ فاشل مايفكر به بايدن، وبعدما غدا بوقا مدويا يطالب بإقليم سني كلما زار بايدن في أمريكا، أو زاره بايدن في العراق.

ولكن إذا كان الانباريون مريدين للوحدة الوطنية فلايمكنم أن يقنعوا شركاءهم وخصومهم بما يريدون لان صدقيتهم مثلومة، فقد آووا، مرات عديدة، إرهابيين في أرضهم وأعانوهم على إيذاء مقتسمي الأرض والخير معهم. أبناء وطنهم من الشيعة. فمن أين تأتي داعش وتحتل مدن وتحارب حربا جبهوية عريضة وتقيم دولتها وتفرض نظامها؟ فداعش والقاعدة لم تهبطا بالمظلات ولم تطفح برجالهما المجاري.. لقد احتضنوا في ارض الانبار ووفرت لهم الوسائل والحماية، احتضنوا لأسباب عقائدية ووظفوا لدواع سياسية انتهازية. مع ذلك يبدو الأمر في النهاية، كما نستكشفه من ممارسات الحكومة بجيشها الذي يحارب هناك الآن، أن الانبار هي نقطة العرق الأخيرة التي ينبغي إسالتها ليكتمل مشروع التقسيم.

لكن كيف يكون ذلك؟ كيف بمكن إسكات، ولا اقول إقناع، من مازال يحلم ويعاند أن العراق بلد موحد؟

الإجابة بسيطة وجاهزة: بالخوف، إخافة الخائف، وبالقتل: تدمير من يعاند؛ تجويع، حصار، وخراب شامل، حتى ينفد الصبر، كل الصبر المدخر، ويخرج الناس معلنين استسلامهم ويطالبون أن يقصى احدهم عن الآخر خوفا منه واتقاء لشروره.

سيقسم العراق بإرادة ورغبة أبناءه، ولا يلام احد في ذلك.. وسوف ينتصر من ينتصر ويهزم من يهزم. والنتيجة واحدة. لاعراق بعد الآن.

قد يبدو الأمر لمن قرأ سطوري وكأني استثني ضمنا الشيعة، مكونا وساسة، من جدول دائرة الخراب العراقي، أو إني أعفيهم من مسؤولية الأدوار التخريبية، وردي هو: إن ادوار الشيعة السيئة كثيرة جدا، لاتعد ولا تحصى، لذا اختصرها بعبارة واحدة:

إن أس مصائب العراق هم الشيعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد خالد صبيح 1/2
آكو كركوكي ( 2014 / 1 / 25 - 09:54 )
بكل صراحة كنت أتمنى لو كانت السياسة الكوردستانية بهذا المستوى من الدهاء والعبقرية كما تصورنه، بحيث تكون اللاعب الرئيس في حياكة هذه -المؤامرة- وتنفيذها. على الأقل كانوا قد خلصوا أنفسهم من نير الأحتلال والأستعمار والعبودية للحكومات العربية والتركية والفارسية، وتقسيم بلادهم ونهب ثرواتهم . فكانوا أسياداً في كوردستانهم وليس تابعاً ذليلاً لغيرهم يرشهم بالكيمياوي ويمنع عنهم الكلام بلغتهم أو يتعامل معهم وكأنه سيد أو أخ كبير.
لكن الموضوع ليس كما تصفون. الأحزاب الرئيسية الكوردستانية غارقة في الفساد ، والأستراتجية القومية آخر ما تفكر فيه. وإن كان لها دور فهو مقرون بالقوى الإقليمية والتبعية لها فقط. حتى دور إسرائيل والولايات المتحدة ليس بتلك السهولة التي تتناولنه. فبرئي الضامن الوحيد لبقاء العراق موحداً كانت ومازالت هي الولايات المتحدة. فهي ورثت العداء لتطلعات الشعب الكوردي في الإستقلال من البريطانين، وتقولها دائماً إنها ضد إستقلال كوردستان في أي جزء.
يتبع


2 - السيد خالد صبيح 2/2
آكو كركوكي ( 2014 / 1 / 25 - 09:55 )
وهي لا تعادي البككة فقط بل هي لاتدعم حتى صديقها القديم البرزاني وتركيا في سياستهما النفطية وتقف مع المالكي -أيراني الهوى- ضدهم. وبين الحين والحين يخرج مسؤول أسرائيلي -سابق- أو صحفي يبدي تعاطفه مع الكورد. لكن سياسية الحكومة الأسرائيلية واضحة ومتحالفة مع الدولة التركية ، وليس مع الكورد مع أني لا أجد أي مانع من تحالف كوردستان مع أسرائيل ، لكن إن لم ترد إسرائيل فماذا نقول.
وأرجو أن يكون هناك تعامل أكثر موضوعية ومنطقية مع مسئلة التقسيم، ولا ننظر لها من الناحية العاطفية فقط. فلو أنطلقنا فقط مما تذكره في مقالك فإن الكرد والسنة يتأمرون على تقسيم العراق والشيعم هم أم المصائب بالعراق. فأي بلدِ هذا إذا كانت الغالبية الساحقة من الكرد والسنة والشيعة لايريدونها. أذ لاتوجد رغبة في العيش المشترك وأحدهم لايقبل الآخر فلماذا الإستمرار بجحيم الإقتتال الداخلي والصراع ألا يكفي إراقة الدماء والفوضى؟
قوة الأوطان ليس بأحجامها أنظر لقائمة الدول المؤثرة بالعالم وأنظر الى أحجامها الجغرافية. أنظر الى أمارة كدبي أو دويلة كقطر والى دولة كبيرة كليبيا أو السودان أو موريتانيا.


3 - السيد اكو كركوكي
خالد صبيح ( 2014 / 1 / 25 - 16:45 )
بالتاكيد سيد اكو ان هناك مسافة بين الرغبات والمطامح والخطط وبين القدرة على التنفيذ وتحقيق هذه الرغبات. ولهذا فان الكرد لم يبلغوا، كما رغبت انت لهم، مايريده منهم قوميوهم ليش فقط لعجز ذاتي وانما لان الواقع وطبيعة اللعبة السياسية لاتتيح لا لهم ولا لغيرهم ان يتحركوا كما يشتهون ليحققوا مايريدونه. وفشلهم النسبي لايلغي غياب رغباتهم وخططهم. ثم ان منطلقات القيادات السياسية الكردية هي مزيج من مطامح قومية، وهذه بعض منها شعاراتي، ومن مصالح سلطوية. وايغالهم في الفساد لايعني انهم بدون اهداف سياسية استراتيجية من بينها واهمها انفصال كردستان لتحقيق مطامح شخصية وحزبية وعائلية.
انا اعرف، واشرت لذلك بوضوح، ان جل اوراق ا السياسة العراقية هي بيد امريكا، وان مطامح تقسيم العراق هي رغبة مشتركة ايرانية امريكية، بوايضا دول اقليمية صغيرة وكبيرة ترغب بهذا التفتيت لاسباب متباينة. والتقسيم عبر الفدراليات او بغيرها لن يات من اجل تحقيق مصالح شعوب المنقسمين ( سنة شيعة اكراد) لتحقيق تنمية ورفاه ومااليه، وانما من اجل تفتيت الكيان العراقي ليسهل التعامل معه على جميع الاصعدة.


4 - السيد اكو كركوكي 2
خالد صبيح ( 2014 / 1 / 25 - 16:46 )
. فالفدرالية وحتى التقسيم ليش شر بذاته وانما تكمن مصائبه في الطريقة التي يقع فيها(قتال وعنف وقسر كما يقع الان في العراق) وبالاهداف التي تقبع خلفه.. واظنني اشرت للدوافع الدولية في سياق ماكتبت. اما ان الجميع مذنب في هذا التقسيم والتفتيت فهذه حقيقة لم نعد نستطيع حجبها او التغاضي عنها ولكن هذا هو تحصيل لتراكم تاريخي طويل ادى الى هذا المال الصعب. ربما يعود في جذوره الى طبيعة تشكل الدولة العراقية المعاصرة وبنيته والظروف التي احاطته.

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية