الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوابات الماضي

خالد صبيح

2014 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



الجيش يهاجم الإرهابيين. هذا ماتقوله الحكومة ومصادرها الإعلامية والتعبوية. والجيش يحاصر المدنيين ويبيدهم، هذا ما يقوله المعارضون للحكومة وبعض المثقفين والإعلاميين. لا أثق بالحكومة ولا أستطيع أن اصدق معارضيها، اشك بهم جميعا. لكن هناك نقاط مبدئية يجب تأكيدها كمدخل للحديث. أي إساءة أو أذى يلحق بالمدنيين الأبرياء في أي عنف داخلي تكون الحكومة هي المسؤول الأول عنه. وهي ملزمة بصيانة حياة المدنيين الأبرياء مهما تكن النتائج. الفرد اثمن من أي مشروع سياسي أو نصر عسكري. وعليه، وبافتراض أن مايقال عما يجري في الانبار والفلوجة صحيح، فان الحكومة مدانة ومسؤولة عن الأذى الذي يصيب المدنيين هناك. وصمت المثقفين والساسة عما يجري هناك من أذى للمواطنين هو صمت مدان بكل المقاييس والاعتبارات.

المثقفون الذين يعارضون الحكومة يتحدثون عن الأحداث في الانبار بلغة مليئة بالشجن والتأسي وينتقدون، محقين، صمت مثقفي السلطة، لكن، وكما يفترض بهؤلاء أن يعرفوا أن المواقف لا تتجزأ ولا تنتقى، والمثقف تقع عليه مسؤولية إبداء مواقفه الإنسانية التي يفرضها عليه موقعه، كمنتج للمعرفة والرأي ومساهم في بلورة وعي المجتمع وإنضاج مواقفه، في كل مكان وزمان. وجريمة صمت المثقف هي نفسها في كل الظروف. ومنتقدو موقف مثقفي السلطة اليوم هم أنفسهم مثقفو السلطة في زمن حكم صدام حسين الشمولي الاستبدادي، وقد صمتوا حينها عن جرائمه بحق المدنيين العراقيين خصوصا الكرد منهم. هل نذكّر بالأنفال والكيماوي وما جرى من حوادث في الجنوب إبان أحداث عام 1991. وإذا كانت هذه الأحداث ملتبسة بسبب خلفية الحرب والتمرد والتوتر الذي رافقها، (علما أن مايجري الآن في الانبار قد يبرر بنفس الطريقة) اتساءل: أين كانت مواقف هؤلاء عندما صادر النظام الحياة السياسية واضطهد، بالتصفيات والملاحقة، الأحزاب السياسية ومثقفيها الكثيرين ذوي الحضور الفاعل في مشهد الثقافة العراقية كما جرى للشيوعيين العراقيين وكثير من المستقلين الديمقراطيين.

اقول، إذا أراد احد ما أن يبرر ذاك الصمت بالخوف فان ظروف اليوم، رغم مافيها من مظاهر حريات عامة، لاتقل خطورة على المثقف من ظروف عهد حكم الدكتاتورية البعثية، بل أن ظروف العراق الحالية هي أسوأ من تلك الظروف بسبب تعدد القتلة، ميليشيات وجماعات خاصة وعشائر وغيرها، بالإضافة الى تجييش المجتمع طائفيا وحزبيا وسياسيا، يعني خطر منفلت. وإذا كان المثقف في زمن صدام حسين ينال شهادة رمزية لبطولته فان ظروف اليوم قد تسلبه حتى هذا (الامتياز) وسوف يسجل قتله ضد مجهول وسيضطهد وسط بهجة المجتمع وإدانته له. وإذا كان الخوف سببا أو مبررا للصمت فهو، اي الخوف، كان دائما وأبدا يحدق بالمثقفين، بل يمكن القول انه بسبب هذا الخوف تكتسب المواقف جدارتها وأهميتها، فالمواقف تفقد قيمتها إن لم تتخذ في ظروف عصيبة وصعبة ومخيفة ( كلمة حق عند سلطان جائر) أي أنها تقال بالضبط حين يكون الوضع استثنائيا. هكذا دفع برتراندرسل، على سبيل المثال، ثمنا كبيرا بسبب مواقفه المدينة للحرب، فقد عُزل وهُمش وعومل بازدراء من قبل مواطنيه. ولكي لايكون كلامي تجريديا ومتجاوزا على الواقع فانا اقدر أن هناك فارقا بين خوف وآخر وبين ثمن قد يدفعه المثقف بسبب موقفه وآخر. ولكن لكل وضع وظرف طريقته وإمكاناته ليعبر المثقف فيه عن موقفه، ولن أتحدث هنا عن تضحية وما شابه، فهذه مرهونة بقدرات خاصة للناس.

ربما سيتذرع البعض بان مواقفهم كانت صامتة، فالصمت موقف أيضا، ولكن أما آن الأوان لهم الآن للحديث عن هذا الماضي وتصفية الحساب معه لتتضح الأمور، بسلبيها وايجابيها، وليقولوا لنا الآن، على الأقل من اجل أن يكتسب موقفهم الآني مصداقية، لماذا صمتوا وجبنوا مثلما يصمت غيرهم الآن ويجبن،. أو ليشرحوا لجمهورهم كيف احتجوا واعترضوا، إن كانت لهم احتجاجات واعتراضات، حتى وإن كان ذلك همسا، أو ليبرروا، ان كانوا مقتنعين، إن ما وقع من خراب وما كان من جرائم بحق المواطنين مبرر عقليا وأخلاقيا وسياسيا لتتبين الخيط الأبيض من الأسود. اليس لنا حق عليهم في معرفة رأيهم في تلك الحقيبة ورأيهم في أنفسهم فيها. أعرف أن بعض الكتاب والمثقفين حاول أن يدعي مواقفا بأثر رجعي سواء بأعمال فنية أو بإعلان مواقف، مثلما فعل الروائي عبدالرحمن الربيعي في روايته (نحيب البحيرة) التي حاول أن يجسد فيها سيرته الذاتية روائيا في حقبة الحرب العراقية الإيرانية محاولا أن يقنع القارئ والتاريخ انه كان رجلا صاحب موقف وموضع شبهة ونقمة من السلطات. لانعلم، ربما كان الأمر كذلك، وان كانت الأدلة الحياتية والتجارب لاتؤكد مثل هذا الأمر. ولكن لنفترض إن نظرتي التشكيكية للواقع في تلك الحقبة نظرة مغلقة ولا ترى بغير اللونين الأسود والأبيض، أليس من واجب مثقفي العهد ألصدامي، في هذه الحالة، تلوين الواقع لنا لنراه على حقيقته وتنتهي الظنون والافتراضات مرة واحدة والى الأبد.

التاريخ فعل وحركة متواصلة وحلقاته متصلة ولا يمكن لنا أن نفتح بوابات المستقبل ونضيء واقعنا الحاضر بماض مغلق الأبواب. افتحوا بوابات الماضي لنرى واقعنا بنور النهار لكي ننظر الى الأمام بحرية ولكي نحيا معا لا أن نموت معا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل