الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقيم والعابر ..في حياة المرأة والرجل

أماني فؤاد

2014 / 2 / 10
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


المقيم والعابر .. في حياة المرأة والرجل
د. أماني فؤاد

كيف تستطيع المبدعة الروائية أن تغوص في التابوهات المجتمعية الجنسية دون الوقوع في شرك الابتذال ؟ وأن تعالج أدق تفاصيلها النفسية والعاطفية لدي كل من المرأة و الرجل ، دون خشية من زوابع الانتقاد من كهنة حراس القيم الأخلاقية و الدينية ، و محاذير العادات والتقاليد في المجتمعات الشرقية شديدة المحافظة ، وشديدة الزيف في تناولها لبعض القضايا الإنسانية ؟
هذا ما استطاعت " هالة البدري " القبض عليه "في امرأة ما " ، روايتها التي صدرت في مايو 2001 م ضمن إصدارات روايات الهلال ، لكن حتي الأن يمكن قراءة النص عملا حيويا ومعاصرا لانتماء جوهره السردي للقضايا الإنسانية التي لا يفتأ الفن يجد خصوبتها المتجددة في الديمومة الزمنية ، لا الانقطاع اللحظي .
يتميز نص " امرأة ما " بلغة شديدة الرقي والانتقاء ، لغة تنزع إلي الشاعرية المكثفة في بعض الفقرات ، ذلك رغم خوضها في أدق المشاعر العاطفية و الجنسية ، والفروق الحساسة للغاية في تفاصيل تلقينا لمشاعرنا ، ودرجة تقبلنا لمن نحيا معهم في دائرة الحميمية ، ونتبادل معهم فاعليات الحياة ، وكيفية ممارسة الحب ، وأليات التعبير عنه ، هذا فضلا عن وقوع العمل في منطقة معالجة اجتماعية هي الأصعب من نوعها ، فالعمل يحكي : مأساة فتاة ترتبط برجل دون علاقة حب ، تجمعهم مؤسسة الزواج وتفاصيل الحياة التي تضم الأولاد والأهداف المشتركة ، وتستمر هذه العشرة التي تتميز بالاحترام فيما بينهما ، لكن دون إشباع لعواطف الزوجة أو احتياجاتها ، إلي أن تشعر" ناهد" الشخصية الرئيسية بالعمل بحب يجتاح كيانها " لعمر" الروائي والصحفي ، المتزوج هو الأخر من "ماجي" ذات الأصول المصرية اليونانية ، والذي كان يربط بينهما حب ، ثم وجود ابنهما شريف .
نجحت الروائية أن تستبطن المشاعر البشرية في مناطقها الشائكة المسكوت عنها ، وأن تصور متغيرات مشاعر المرأة والرجل وفق مراحلهما الزمنية ، وأحداثهما المحورية بحياتهما ، أن تعبر عن كل ما هو متداخل وبيني من مشاعر الأنثى التي مهما لاقت من نجاحات بحياتها يظل الحب عمادا جوهريا يحقق السواء والسعادة الحقيقية بحياة المرأة ، هذا غير جانب الأمومة ، الذي يعد محورا غير هين التغاضي عنه بحياتها متي تحقق .
وتواجه الكاتبة السؤال الأصعب في تاريخ المرأة الشرقية حين يعترض طريقها علاقة حب جديدة طرأت علي حياتها ، هل من الامثل الاستمرار زيفا في علاقة مع الزوج ؛ من أجل الأولاد والبيت والشراكة المؤسسية التي بين الطرفين ، أم أنه من الأفضل المكاشفة والمصارحة ؟ ومن ثم تقويض كل هذه الكيانات التي بنيت علي مدي سنوات عمرية متراكمة ، أم أن هناك طريق ثالث ، فيه تتحايل كل من المرأة والرجل علي ارتباطاتهما ، ومحاولة عيش حياة موازية لحاياتهما الأساسية ؟ وهنا تتكشف الكثير من المناطق التي تقع تحت وطأة المحرمات وازدواجية المشاعر ، أو عيش مشاعر لا تتسم بالصدق لدي كل من الرجل والمرأة ، تلك القضايا التي تواطأ الجميع على عدم الخوض فيها أو مواجهتها .
تصور "البدري" في تلك المنطقة أيضا حياة التوازي مع الواقع المعلن ، تلك التي تقع في منطقة الأسرار الخاصة بطرفي العلاقة ، العذاب المقيم بنفس كل من المرأة والرجل نتيجة للازدواج ، كما أنها تكشف عن جانب من سيطرة الثقافة الذكورية في المنظومة الأخلاقية للمجتمع ، فتلقي "عمر" لعلاقة "ناهد" بزوجها "مصطفي" تختلف عن تلقي "ناهد" لعلاقة "عمر" بزوجته "ماجي" ، وإن كانا يقعا في المنطقة النفسية ذاتها ، هذا اتساقا مع كوننا كلنا إنسانا امرأة أو رجلا ، هذا فضلا عن كيفية تلقي البطلة لنزوات زوجها مصطفي أو حبيبها عمر ، المتناقض تماما مع تلقي مصطفي أو استشعاره لمجرد علاقة بين ناهد ورجل أخر .
استطاعت الكاتبة أن توائم بين جوهر ومضمون عملها والبناء الفني الروائي الذي اعتمدته لنصها ، فقد اتكئت علي تقنية تعدد الأصوات ؛ لتستطيع أن تنقل الواقعة وما كوَّنها واحاط بها من مشاعر من أطرافها الأربعة ، والتي يمتلك كل طرف منها ثقافته ، ونوع عواطفه ،وموقعه في المجتمع ، الذي يهب حقوقا للبعض ويمنعها عن الطرف الأضعف .
هذا مع تنوع إيقاع الرواية الزمني في السرد ، ففي أول النص كان هناك استرسال لعرض أطراف تلك الحكاية ونقل الأبعاد النفسية لكل طرف وخاصة مشاعر ناهد وعمر ، وفي الثلث الأخير اعتمد العمل علي الإيقاع السردي السريع الذي يشبه الومضات ، كأنها مشاهد سينمائية تعتمد علي تقنية المونتاج المتسارع ، لتنقل التطورات المتباعدة زمنيا في لقطات متسارعة ، لكنها تحمل المخزون العاطفي الرئيسي المعبر عن أبعاد العلاقات المتشابكة ، وتنوع تداخلها لدي كل شخصية من شخوص النص ، ويظل السؤال أين هو حدود المقيم والعابر في حياة المرأة والرجل ، وهل هناك اختلاف في تلقي الحياة والحب لدي كليهما أم أن المجتمع بثقافته الذكورية هو من صنع تلك الاختلافات بما يمكن أن يمنحه من حرية للرجل ويسلبها من المرأة ، بل ويضعها في منطقة المحرمات التي قد تصل لأن يستحل قتلها والإجهاز علي حياتها ، ووصمها هي وكل طرفها بالعار ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا عن الانتهاكات في الحرب في السودان خصوصا بحق النساء؟


.. بسبب أصولها الإيرانية.. ملكة جمال ألمانيا تتلقى رسائل كراهية




.. تمرين تعزيز الحجاب الحاجز | صحتك بين يديك


.. إصابة طفلة بقصف الاحتلال التركي على منبج




.. لقاء صحفي يتناول موضوع المتاجرة بالنساء المغربيات إعلامياً