الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم السعدان -قصةٌ قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2014 / 2 / 16
الادب والفن


شئٌ لا يُصدق عيناه لا تنصاعان لإرادته وكأن ما بينها وبين صاحب دكان الفاكهة والفاكهة وقفص السعادين الموضوع مقابل الدكان على الرصيف تمتد خيوطٌ لزجة ،تخيلها مصيدة لعنكبوت أخفاه الوهم لكنه ظلّ متحفزا لصيد ما استدرج من مخلوقات لمصيدته ، عبثا حاول أن يحيد بنظره عن التُفّاح وعن قفص السعادين ، فكر أنهُ لن يحظى كل يوم بفرصة مراقبة سعادين عن كثب، لكنه وهو يراقب السعادين شعر أن عيني صاحب الدكان تلتقطانه بخيوط نظراته اللزجة كعنكبوت أدمن مد تلك الخيوط في دروب الفرائس وهو يعرض المخلوقات التي تشبهنا كثيرا على الرصيف، هي الخيوط ذاتها و العنكبوت الخفي لازال في رأسه يترصد ضحاياه ، حاولَ تخليص نظره المشدود نحو المشهد ولكن عبثا فكلما حاول تفاقم خيط العنكبوت حول عينيه ليعجزهما عن الهروب بها إلى جهةٍ أخرى فيبدو للناظر رجلا فضوليا يدفع بصره نحو المشهد بإلحاح ، عينا صاحب الدكان تكفان عن متابعة سعادينه وتنشغلان بملاحقة الرجل الذي راح ينظرُ إليه شاملا بنظراته أنواع التفاح الثلاثة ، الأخضر والأصفر والأحمر كابتاً في الوقت ذاته شهيته العارمة لالتهام بضع موزات ناضجات اصطفت واحدة فوق الأخرى بنسقٍ جميل قد أجادت شجرة الموز صنعه وكأنها قد تعمدت ذلك لصيد شهيته لموزاتها الناضجات، وفيما هو يفكر كانت السعادين تتصرف على سجيتها في القفص الحديدي المتين، أنثى السعدان تنتبذ مكانا في أقصى القفص تمضغ قشورالموز تاركة صغيريها يلهوان ويستعرضان قدرتهما على لفت انتباه المارة وهما يُكشران عن أنيابهما بابتسامةٍ عريضةٍ للمارة ، أنثى السعدان منهمكةٌ بأفكارها وكأنها تظنّ أن الوضع ليس عادلاً فبعدما كانت تسرح وتمرح في الغابة تأكل ماتشاء من موزها أصبحت حبيسة قفصٍ متين ترى الموز وتشمه ولا تحصل عليه وقد أحاطت بها غابةٌ من القضبان وكأنها تصيح أي عذابٍ هذا الذي ألمّ بالسعادين ، تتلفت يمينا ويسارا وتصر عينها على أن ماتراه ليس أكثر من سعادين حالفها الحظ وارتدت أثوابا وتدبرت أمرها فكانت خارج القفص ، راقب أنثى السعدان بكل جوارحه وكأنه يحاورها بالنظرات والإشارات ويحدث نفسه قائلا: عجيب شبه هذا الحيوان بنا ولو منحه الله عقلا متطورا لكانت السعادين على الأرصفة تسير وفي دوائر الحكومة والبرلمان ولربما كنا نحن في الأقفاص ويحتمل أن تستطيع دمجنا بمجتمعها كرها بالأقفاص وانتصارا للحرية وبينما كان الرجل قد ذهب مذهبا فلسفيا في مونولوجه مع السعادين فكر صاحب الدكان أن هذا الذي ينظر للسعادين باهتمام بالغ ربما هو من المولعين بها وبلونها الأسمر المشوب ببياضٍ قليل، ولربما يعد العدة لترتيب وضعه لشرائها فإذا أراد أن يشتري واحدا من الصغار سأقول له لابد من بيعها جميعا مع القفص، هي عائلة، أمٌ وصغيراها ولا يرضيه أن يشتت عائلة جمعها قفص ثم إن الصغار بحاجة لأمهم ، وفي هذه الحال سيقتنع وسيشتريها بقفصها ومعها الكثير من الموز ، إذ أن رؤية السعدان في حديقة المنزل وهو يفوقنا بتقشير الموز أمرٌفي غاية الروعة وحين وصل صاحب الدكان لهذه النقطة من مونولوجه الداخلي اقتطف موزتين وأعطى واحدة لأنثى السعدان وواحدة أخرى للسعدانين الصغيرين الذين راحا يتعاركان من أجل الفوز بها لكنه لم يبخل بنظرات سريعة نحو الرجل الذي يراقب الفاكهة وقفص السعادين وقد بهرته حقا حركة صاحب الدكان .
أنهت أنثى السعدان التهام الموزة و ألقت بقشرها لصغيرها الذي لم يفز بالموزة الأخرى وراح الصغير يلحس ويقشط باطن قشر الموزة بأسنانه متلذذاً ، رجعت أنثى السعدان إلى زاويتها وقد وضعت كفها ذات الشعر الكثيف على خدها وكأنها تفكر وعاد السعدانان الصغيران يلصقان وجهيهما بقضبان القفص وهما يبتسمان للمارة ،بينما أمهما بدت مهمومة وكأنها أحست بأمر جلل .
الرجل صاحب الدكان بدا متوجسا ومتحفزا وكأنه أعد نفسه لسيناريوهات عديده وفي اللحظة ذاتها راح الرجل ينقل نظراته بين صاحب الدكان وسعادينه وربما ألقى نظرة خاطفة على الموز المنضد في عثوقه ولا زال راغبا بالتهام موزة ناضجة مدركا في الوقت ذاته أنها رغبة السعادين أيضاً.
لم يكن الرجل الذي يراقب ولا صاحب الدكان معنيا بما تفكر به أنثى السعدان ولكن أغلب الظن أنها كانت تفكر بشيءٍ مهم في تلك اللحظة التي تراخت فيها الخيوط وهي تجمع الجميع تحت شبكتها لم يلاحظ أحدٌ من المارة ولا الرجل الذي يراقب ولا صاحب الدكان وقوف سيارة التاكسي الصفراء بمحاذاة القفص الذي تحيز مكانه فوق الرصيف فهناك الكثير من السيارات الصفر تتوقف ثم تغادر دون أن يلفت ذلك انتباهاً بيدَ أن عائلة السعادين المحبوسة داخل القفص قد جُنّ جنونها وراحت تتصرف بغرابة وهي تزعق بأصوات عالية لم يألفها صاحبها من قبل وقد لفتت انتباه المارة الذين تجمهروا حول القفص، انبطحت السعادين فوق أرضية القفص واضعةٍ أكفها الكبيرة على رؤوسها وكأنها تحتمي من خطر وشيك مما جعل الناس جميعا ينظرون إليها مستمتعين بحركاتها ، اهتزت خيوط الشبكة الوهمية التي تربط عيون الرجل الذي كان يراقب السعادين وسنحت له الفرصة أن يتخلص من تلك الشبكة بعدما حالت جمهرة المارة بينه وبين القفص مغيرا اتجاههُ إلى الشارع الفرعي ، تاركا الجموع تتجمع حول القفص الذي لا زالت السعادين بداخله تتصرف بغرابة شديدة ،دلفَ الرجل إلى الشارعٍ الفرعي و في تلك اللحظة دوّى انفجار هائل، تسمر الرجل الذي ابتعد عن رصيف القفص بمكانه وحين زال ذهوله رجع إلى مكانه الأول الذي كان يراقب فيه السعادين وصاحبها فلم يجد غير ألسنة لهب ودخان وأشلاء متناثرة لمخلوقات كانت بشرا و بقايا سيارة كأنها عنكبوت محترق ولا أثر لعائلة السعادين، في تلك اللحظة تخلّى عن رغبته بالتهام الموز وأحس بغثيان شديد ودوار أخذه بغيبوبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع