الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفحم المفترى عليه..

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2014 / 3 / 29
الصناعة والزراعة


الفحم المفترى عليه..

بقلم: د.م. ماهر عزيز
خبير الطاقة والبيئة وتغير المناخ


تداولت وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة معلومات عن استخدام الفحم فى توليد الكهرباء والطاقة أقل ما يقال عنه إنها تعود إلى خمسين سنة مضت قبل أن تطور الصناعة وسائل وأساليب الحماية البيئية المرتبطة باستخدام الفحم كوقود.

وفى ظل هذه التعمية المستندة إلى معلومات خاطئة ومغلوطة عن الفحم كوقود (وللأسف صدرت فى غالبيتها عن بعض أساتذة فى الجامعة يفترض فيهم معرفتهم بآخر ما وصلت إليه الحماية البيئية فى هذا المجال).. وفى ظل التجاهل المطلق لتكنولوجيا الفحم النظيف التى تنتشر فى العالم الآن، يصبح من الضرورى تأكيد المعلومات الصحيحة عن استخدام الفحم فى توليد الكهرباء والطاقة، وإبراز إلى أى مدى صار استخدام الفحم كوقود منافساً خطيراً لأنظف وقود أحفورى متاح عالمياً وهو الغاز الطبيعى، بشأن النظافة البيئية النسبية والحفاظ على البيئة.

لماذا الفحم؟
ونلفت الانتباه أولاً إلى أن تزايد الطلب على الطاقة الكهربية فى ظل التناقص المضطرد لمخزونات النفط والغاز الطبيعى، التى يقدر لها أن تنضب وتنتهى تماماً فى غضون عشرين سنة قادمة على الأكثر (اللهم إلا إذا مَنّ الله على مصر بكشوف جديدة غير منتظرة وغير متوقعة)، وفى ظل ارتفاع أسعار تكنولوجيا الطاقة الشمسية فى الوقت الراهن إلى ما يربو على ثمانية أضعاف الأسعار السائدة للوقود الأحفورى (وذلك إلى أن يحدث الاختراق التجارى والانتشار الواسع لهذه التكنولوجيا فتنخفض اسعارها) يصبح من الضرورى تنويع مزيج الوقود لتوليد الطاقة الكهربية فى مصر، ويتحتم أن يشتمل هذا المزيج على كل من الفحم والطاقة النووية إلى جانب النفط والغاز والطاقة المتجددة.

أما لماذا الفحم؟ فذلك لأسباب مهمة عديدة يتقدمها أن مخزون الفحم فى العالم باق لحوالى مائتى سنة قادمة بينما النفط والغاز يقدر لهما النضوب والانتهاء عالمياً فى حوالى أربعين إلى ستين سنة قادمة، ولذا فهو وفير ورخيص نسبياً فى السوق العالمية، فضلاً عن أنه يتوزع توزيعاً منصفاً فى معظم بقاع الكرة الأرضية على خلاف النفط والغاز اللذين يتركزان فى مناطق محددة تتحكم تحكماً كبيراً فى تجارته وتسعيره.

والدول ذات أكبر مخزون من الفحم، وأكبر إنتاج منه وتصدير له، تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند وإندونيسيا واستراليا وألمانيا وكندا وكولومبيا وأوكرانيا وبولندا وكازاخستان وجنوب أفريقيا، ومنها دول علاقتها وثيقة بمصر، وهى مرشحة بقوة لإمداد مصر بالفحم الذى تحتاجه بأسعار تنافسية للغاية.

كذلك فلقد استخدم الفحم لإمداد العالم بالطاقة على نحو كثيف ومنتظم منذ عام 1850 حتى بلغ الإنتاج العالمى منه (الذى ينمو بمعدل 3% سنوياً) عام 2012 حوالى 8 بليون طن، بعد أن كان حوالى 4.5 بليون طن عام 1990، ويتوقع أن يستمر فى الزيادة لزيادة اعتماد العالم عليه فى إنتاج الطاقة.

ويوفر الفحم 30% من احتياجات الطاقة الأولية فى العالم، كما يولد 41% من الكهرباء على مستوى العالم أجمع، ويستخدم فى إنتاج 70% من الصلب فى العالم. ويقدر الخبراء أن يستمر الفحم فى إمداد العالم بحوالى 40% من الكهرباء التى يحتاجها حتى عام 2030 وما بعده.

ويشكل الفحم الوقود الرئيسى لتوليد الكهرباء فى دول نقل عن بعضها العالم كله حماية البيئة، وأخذ عنها تطبيقاتها المختلفة، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية التى يولد الفحم فيها 43% من إجمالى كهربائها، وألمانيا (43%)، واستراليا (69%)، والهند (68%)، وبولندا (86%)، وجنوب أفريقيا (94%)، والصين (81%)، واليابان (27%)، والمملكة المتحدة (30%).

وتستخدم هذه الدول الفحم فى توليد هذه النسبة من إجمالى الكهرباء المولدة فيها تحت أقسى معايير بيئية تشدداً، ولذا يحقق استخدام الفحم فيها كل معايير البيئة النظيفة بالغة الحماية.. فاليابان المعروفة بأقسى معايير بيئية تشدداً فى العالم تولد –كما أسلفنا- 27% من كهربائها من الفحم، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، التى تضع فيها وكالة حماية البيئة الأمريكية معايير متشددة للغاية فى حماية البيئة، تولد -كما تقدم- 43% من كهربائها من الفحم. فهل تفرط هذه الدول فى سلامة بيئتها وصحة أبنائها؟

والفحم كذلك هو مصدر للكهرباء يعول عليه ويمكن دفع ثمنه إذ يتراوح سعر المليون وات ساعة المولدة من الفحم بين 28-64 دولار فى مقابل 44-69 دولار للغاز و97-181 دولار لطاقة الرياح، و226-2031 دولار للطاقة الشمسية الفوتوفلطية.

ويمكن تحويل الفحم إلى سائل وإلى غاز وإلى حرارة وإلى كهرباء.. فهو يغطى مدى واسعاً من الاستخدامات النظيفة بحسب أحدث تكنولوجيا متاحة عالمياً.

الامتياز البيئى لمحطات الكهرباء بوقود الفحم
ينتج عن توليد الكهرباء بوقود الفحم (وأى وقود أحفورى آخر كالنفط والغاز)
ثلاثة أنواع رئيسية من الابتعاثات التى يجب التحكم فيها، وهى: المواد الجزيئية، وأكاسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين. ولقد استقطبت المواد الجزيئية الاهتمام فى البداية بسبب سهولة رؤيتها، والأثر المباشر السيئ لها على المواطنين، أما الاهتمام بأكاسيد الكبريت فلقد نشأ عن تأثيراتها المحتملة على الصحة، والآثار الضارة الكامنة فيها على الحياة النباتية. كذلك تصاعد الاهتمام بأكاسيد النيتروجين بسبب مساهمتها فى التفاعلات الكيميائية المركبة، التى تؤدى إلى تكون الضباب الدخانى (ضبخان) الكيميائى- الضوئى فى الجو. وهذه الابتعاثات الضارة بالبيئة والصحة الإنسانية نالت اهتماماً كبيراً من صناع التكنولوجيا حتى صارت أجهزة التحكم البيئى فيها متقدمة لدرجة كبيرة تفوق التصور.

ففيما يتعلق بالابتعاثات الجزيئية (الجزيئات الكلية العالقة) يرتبط التحكم فيها بطرق إزالة الجزيئات (الجسيمات) التى تنتشر فى الجو مع تدفقات الغازات العادمة من محطات القوى الكهربية.

و تشمل أهم هذه الطرق المجمع الميكانيكى السيكلونى (أو الفاصل السيكلونى) والمرسبات الالكتروستاتيكية ومجمعات التراب النسيجية (أو الفلتر النسيجى)، التى بلغت كفاءة استخلاص الأتربة والجزيئات بواسطتها من الغازات العادمة الخارجة من مداخن محطات الكهرباء إلى ما يزيد على 99.6%.

ويمكن التحكم فى أكاسيد الكبريت (SOx) المبتعثة مع الغازات العادمة خلال واحدة أو تجمع معين من الوسائل التالية:
- استخدام وقود ذى محتوى منخفض من الكبريت.
- استخدام طرق نزع الكبريت من الوقود.
- استخدام منظومات نزع الكبريت من الغازات العادمة.

وقد بدأ استخدام منظومات نزع الكبريت من الغازات العادمة فى إنجلترا عام 1935، وظلت تكنولوجيتها على ما هى عليه حتى الستينيات من القرن الماضى حين تطورت تطوراً كبيراً على أيدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، حيث صارت توجد أكثر من 50 عملية لنزع الكبريت من الغازات العادمة تختلف فيما بينها فى المُفَاعِل الكيمائى chemical reagent والمنتج النهائى الناتج، وتصل كفاءتها فى نزع أكاسيد الكبريت من الغاز العادم إلى أكثر من 90%.

وجدير بالذكر أنه لمقابلة أكثر معايير حماية البيئة من التلوث تشدداً بدرجة عالية من الكفاءة، تتاح حالياً مرادفات متعددة لتركيبات متكاملة من مرسبات الجزيئات العالقة وغاسلات الغازات، بحيث يمكن الاختيار من بينها لتحقيق جودة عالية للهواء المحيط.

أما بالنسبة للتخلص من مخلفات منظومة الغاسل فعديد من نواتج التفاعل يجد له رواجاً فى السوق التجارية، بينما بعضها الآخر عبارة عن نواتج ليست لها قيمة إلا فى مجال ردم الأرض، ولذا فعند اختيار عملية إزالة الكبريت يكون من الضرورى أن يؤخذ فى الاعتبار أسواق المبيعات المحلية، والتنظيمات المطبقة الخاصة بالتخلص من المخلفات والنفايات (المعايير البيئية)، والأرض المتاحة لصرف المخلفات (وهى يمكن أن يستفاد بها فى تحصين الشواطئ المتآكلة من طغيان مياه البحر المتوسط على الشواطئ الشمالية لمصر).

أما بالنسبة لأكاسيد النيتروجين فتتسم المعايير الموضوعة لحماية الهواء من التلوث بأكاسيد النيتروجين (NOx) بالتشدد والصرامة، ربما أكثر من بقية الملوثات الأخرى، ولذا فلقد أُدْخِلَت -ولاتزال- التعديلات على تصميمات المراجل للتقليل من تكون أكاسيد النيتروجين من خلال:
-;- التحكم فى درجة حرارة اللهب،
-;- والنسبة المخفضة للهواء الزائد،
-;- والاحتراق على مراحل،
-;- واستخدام هواء الحرق الزائد،
-;- والحرق المُماسى (الجانبى)،
-;- وإعادة تدوير الغاز العادم على مراحل الحريق.

ورغم أن هذه المنظومات لها فعاليتها فى التقليل من أكاسيد النيتروجين المتكونة، وتعتبر كافية
بحد ذاتها وملائمة فى عديد من البلدان، فقد بذلت جهود أخرى للتقليل أكثر من ابتعاثات أكاسيد النيتروجين داخل الحدود المسموح بها، وهى إجراءات تحتاج عادة أحد أشكال المعالجة للغازات الخارجة من المرجل، ويوجد العديد من منظوماتها بصفة خاصة فى اليابان، حيث تُسْتَخدم كل من النظم الجافة والرطبة على التدفقات الغازية من كل من الوحدات المدارة بالبترول والغاز الطبيعى، التى طبقت بعد ذلك على الوحدات التى تدار بالفحم.

وبصفة عامة فإنه يمكن التنويه بأن الطرق الرئيسية للتقليل الجاف من أكاسيد النيتروجين
تتضمن ما يلى:
- التحلل بالحفز
- التقليل الانتقائى بالحفز
- التقليل الانتقائى بغير الحفز
- الامتصاص

كذلك فهنالك عمليات عديدة للتخلص من أكاسيد النيتروجين نهائياً تم تطويرها واختبارها فى محطات ريادية، أو بمراحل التطبيق التجارى، لعل من أهمها حالياً ما يسمى بعملية إكسون الحرارية لنزع أكاسيد النيتروجين، وعملية هيتاشى، وعملية ميتسوبيشى للتقليل الانتقائى بالحفز الجاف للصناعات الثقيلة.

والواقع أن التحكم فى تلوث الهواء بجملته مسألة لا ترتبط فقط بكمية الملوثات، ولكنها ترتبط أيضاً بقدرة الجو على استيعاب الملوثات دون أية تأثيرات معاكسة. وتوفر دراسات النمذجة مساعدات قيمة للتنبؤ بمسارات التشتت لسحابة نواتج الاحتراق الخارجة من المدخنة، وبالتالى الاحتفاظ بتركيزات الجزيئات الكلية العالقة والنواتج الغازية عند مستويات أقل كثيراً من المستويات المحددة بواسطة معايير جودة الهواء.

ولأجل تشتيت الابتعاثات الخارجة من مداخن المراجل، بنيت المداخن بارتفاعات تتراوح بين 800 و1200 قدم، ويمكن تعزيز هذا الطول وزيادته فى الواقع بسرعة تدفق عالية للغازات تتراوح بين 75 و100 قدم/ ثانية، إذ ينتج عن هذه العوامل، بالتضافر مع طفوية الغاز العادم الساخن، طول فعال للمدخنة حوالى مرتان ونصف الطول الفيزيقى للمدخنة.

ولمعرفة كفاءة التخلص من هذه الملوثات الرئيسية الثلاثة يكفى أن نقول إن محطة الكهرباء قدرة
600 ميجاوات (أى تشتمل على وحدتين فقط من الوحدات الأربع لمحطة كهرباء شبرا الخيمة)، التى تحرق الفحم كوقود ينتج عنها حوالى 21.5 ألف كيلوجرام فى الساعة من الجزيئات المتطايرة فى العادم بدون أجهزة التحكم فى التلوث، ولكن عند استخدام هذه الأجهزة تقتنص أكثر من 21.4 ألف كيلوجرام منها وتمنعها من الخروج إلى الهواء، وينتج عنها حوالى 2.5 ألف كيلوجرام فى الساعة من أكاسيد الكبريت تقل إلى حوالى 200 كيلوجرام/ساعة بعد استخدام أجهزة التحكم فى هذه الأكاسيد، كما ينتج عنها كذلك حوالى 2.2 ألف كيلوجرام فى الساعة من أكاسيد النيتروجين التى تنخفض إلى أقل من 150 كيلوجرام/ساعة بعد استخدام تكنولوجيا التخلص من هذه الأكاسيد.

وفى محطة الكهرباء التى تحرق الفحم كوقود فى توريفا بإيطالية (قدرة 600 ميجاوات) بلغت انبعاثات أكاسيد الكبريت 100 ملليجرام للمتر المكعب، بينما القانون المصرى -والبنك الدولى كذلك-يؤكدان أن حدود حماية الصحة والبيئة تصل إلى 1300 ملليجرام للمتر المكعب، وبلغت ابتعاثات أكاسيد النيتروجين أيضاً 100 ملليجرام للمتر المكعب، بينما القانون المصرى والبنك الدولى يضعان الحد الأعلى لحماية الصحة والبيئة بحوالى 500 ملليجرام للمتر المكعب، وذلك مثال من ومحطة كهرباء تستخدم الفحم كوقود شغالة الآن وتنافس فى ابتعاثاتها أنظف محطة كهرباء مناظرة تستخدم الغاز الطبيعى.

أما فيما يتعلق بابتعاثات غازات الاحتباس الحرارى (غازات الدفيئة)، فإن محطة الكهرباء العادية بوقود الفحم ذات كفاءة 30% تنتج حوالى 1000 جرام ثانى أكسيد كربون لكل كيلووات ساعة مولدة، ولكنها تنخفض إلى حوالى 800 جرام لكل كيلووات ساعة مولدة إذا ارتفعت الكفاءة إلى 38%، وتنخفض إلى حوالى 600 جرام لكل كيلووات ساعة مولدة (أى ما يماثل الغاز الطبيعى تماماً) عند رفع الكفاءة إلى 50%، وهى تكنولوجيا متوافرة حالياً فى السوق العالمية.

والسؤال الآن.. إذا كان بمصر موارد هائلة للطفلة البترولية -التى تعامل كالفحم تماماً- وهى تصلح لتوليد كهرباء تكفى مصر لأكثر من مائة سنة قادمة، وتحتاجها مصر بشدة فى ظل النضوب المتواصل لمواردها من النفط والغاز الطبيعى، كما تحتاج لاستيراد الفحم واستخدامه فى توليد الطاقة لإطالة أمد هذه الموارد الناضبة، فهل نمتنع عن استخدام الفحم والطفلة البترولية فى توليد الكهرباء لمجرد وهم أخرق خاطئ لا أساس له من الصحة بأنها ستلوث البيئة، تسبب فى الترويج له حفنة قليلة من أدعياء العلم الذين تحجرت معلوماتهم عن الفحم عند خمسين سنة مضت، ويقدمون استشارات مضللة للسلطات المسئولة عن البيئة؟


كاتب المقال شغل منصب وكيل أول وزارة لشئون الطاقة والبيئة، وكان عضواً بوفد مصر للأمم المتحدة فى مفاوضات التغيرات المناخية، وهو عضو بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو مجلس إدارة شركة وسط الدلتا لإنتاج الكهرباء، واستشارى دولى لدراسات تقييم الأثر البيئى للمشروعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا