الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عار الشعراء

عدنان محسن

2014 / 4 / 11
الادب والفن


عار الشعراء
عدنان محسن
أصدر الشاعر الفرنسي بنجمان بيريه في أربعينات القرن الماضي كرّاسا بعنوان " عار الشعراء " ردّا على كرّاس صدر في المكسيك أثناء الحرب العالمية الثانية بعنوان " شرف الشعراء "، وهو مجموعة من قصائد المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، كتبها لويس آراغون وبول أيلوار وآخرون.
للوهلة الأولى، يعصى على المرء فهم عنوان الكرّاس هذا، فالأمر لا يتعدى أكثر من قصائد مقاومة تدعو إلى الحرية ومقاومة الاحتلال النازي.وقد يبدو الأمر مفهوما في ما يخصّ لويس آراغون، فبنجمان بيريه، لم يكن بوسعه أن يتجاوز تحامله على آراغون بعد انضمام الأخير إلى الحزب الشيوعي الفرنسي وتقديمه الانضباط الحزبي على الانضباط السريالي. لكن الأمر مختلف مع ايلوار الذي انضم في العشرينات من القرن الماضي إلى الحزب، مع أندريه بروتون، ولم يبق فيه سوى أسبوعين فقط، لكنّه عاد إليه أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، أي في الفترة التي كان فيها من الخطر أن تكون شيوعيا، كما يقول آراغون. ويبدو الأمر أكثر غرابة، إذا أمعن المرء بقصيدة ايلوار " أكتب اسمك أيتها الحرية " موضوع الاتهام. ايلوار قامة شعرية كبيرة في الشعر الفرنسي. كيف يمكن للمرء أن ينسى ما كتبه بروتون لايلوار: قل لي يا بول، إن كنت تريد للسريالية أن تنتهي، قل هذا وسأفعل. والقصيدة واحدة من القصائد التي يحفظها الفرنسيون عن ظهر قلب، ويدرسها التلامذة منذ المراحل الأولى من دراستهم.فما الذي يجعل قصيدة كهذه أن تلحق العار بصاحبها.
لهذه القصيدة حكاية يرويها الشاعر الفرنسي ألن جوفروا: بعد طلاقه من زوجته الأولى "غالا" التي هجرته لتعاشر سلفادور دالي، تعرّف ايلوار على " نوش" وتزوجها وأحبها حبا كبيرا وصارت مصدر إلهامه. أبان الحرب العالمية الثانية وخلال أمسية كان يقضيها أيلوار بلعب الورق مع زوجته "نوش". كان مولع بلعب الورق ولا يحب الخسارة حتى مع زوجته.وفي إحدى المرات، خسر في اللعب فتشاجرا. وتحايلت "نوش" وعملت ما بوسعها كي تمنع عنه الخسارة ولكن دون جدوى.فلم يهدأ وانتابه الغضب وانتهت المشاجرة بصفقه الباب وذهب لينام. في الليل، وهو خير الناصحين كما يقول الفرنسيون، ندم على ما فعل، وراح يكتب:
نوش
أكتب اسمك على دفاتري المدرسية
على طاولتي، على الشجر، في مداخل السحب، فوق تاج الملوك، فوق صدى طفولتي.....الخ
وفي الصباح قرأ عليها هذه القصيدة كي تغفر له شطط الليلة الماضية. وكان عندهم في البيت أصدقاء، وأعلن أحدهم أنّ هذه القصيدة ستكون قصيدة مقاومة حقيقية لو استبدلت كلمة الحرية بكلمة نوش! فوافق ايلوار على الفور، وهذا تحولت
قصيدة حب عادية إلى قصيدة مقاومة بمجرد استبدال كلمة بأخرى. ويعتبر ألن جوفروا أنّ ضرر هذه القصيدة جسيم إلى حد بعيد، لأنّ كلمة الحرية مشبّعة بضروب مختلفة من ضروب الأفكار الثورية، فكيف يتسنى لشاعر حشرها هكذا، في الصباح وبشكل مفاجئ وببرودة دم وأثناء الحديث عن أشياء وأشياء لا علاقة لها بالحرية.ويعتبر جوفروا أنّ هذا اللصق بداية لانهيار ايلوار شعريا.
لا أحسب أن بنجمان بيريه كان يعرف هذه الحكاية، فليس ثمّة ما يشير إليها في كرّاسه الصغير، لكنّه تناولها من وجهة نظر شعرية صرفة، حسب مفاهيم كان يدافع عنها طوال حياته,من هذه المفاهيم فصل الشعر عن كاتبه، فالكتابة تبدأ في نقطة ذهنية عليا، هذه نقطة ارتبطت بانتونان آرتو حيث جعلها موضوعه المفضّل وحجته الأثيرة، لا مكان لغير الشعر فيها. من حق الشاعر كإنسان، يقول بيريه، أن ينضم إلى الأحزاب السياسية ويشترك في المظاهرات ويقيم الإضراب ويطالب بزيادة الأجور ويدخل النقابات، شريطة أنّ لا يتسلل كلّ هذا إلى شعره لحظة الكتابة، فإن فعل كفّ أن يكون شاعرا، فمن عار الشاعر أن يكون صوتا لغيره.
يقول سعدي يوسف هذه طريقة لأبعاد الشعر عن الحياة، وكان بيريه سيقول ، بل هو تخليص الشعر من شوائبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع