الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحدار التعليم إلى أين ؟ وإلى متى ؟ .....التلقين وطريق الخروج من كهوف الماضي

عبد المجيد حمدان

2014 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


انحدار التعليم إلى أين ؟ وإلى متى ؟
التلقين وطريق الخروج من كهوف الماضي ؟


انحدار التعليم ، تراجع مستوياته ، وفي مختلف مراحله ، من الروضة وحتى الدراسات العليا ، في فلسطين ، كما في سائر العالم العربي ، وسنة في أعقاب سنة ، بات حقيقة لا تقبل الجدل . لكن السلطة الفلسطينية ، كما نظيراتها العربية ، وهي تواصل محاولة تغطية شمس هذه الحقيقة ، بغربال نتائج الثانوية العامة ، لا تفعل شيئا ، بإعلانها النتائج الكارثية ، غير التذكير بتواصل عملية الانحدار هذه . فحين يحصل العشرات في فلسطين ، والآلاف في مصر ، على الدرجات النهائية ، فوق 98% ، في امتحان كهذا ، فلا تفعل مثل هذه النتيجة ،غير إعادة التنبيه والتحذير من خطر الهاوية التي ننزلق إليها . وفي الجانب المضاد ، لا تعكس المبالغة في الاحتفالات بالنتائج ، وذلك الصخب بإطلاق المفرقعات ، حتى لأصحاب نتائج أل 51 % ، غير نوع من شعور عميق باقتراب الخطر ، واحتجاج سلبي على تواصل حالة الانحدار هذه .
إحدى فضائل ثورات الشباب العربي ، تمثلت في كشف إضافي لأضرار انحدار التعليم الخطيرة ، على أول مطالب هذه الثورات ، وهو العيش . فالعيش يتطلب انطلاقات كبرى في التنمية . والانطلاقات تحتاج لتعليم متقدم ، يقع على عقول منفتحة نشطة متحركة ، فمستويات عليا من المعرفة ، تمتلك قدرة الإبداع أثناء توظيف هذه المعرفة .
وإذا كان صحيحا أن توفر الثروات الطبيعية يشكل قاعدة هامة لانطلاق التنمية ، فإنها لا تشكل العامل الفيصل في عملياتها . فمنذ وقت غير قصير، وعت البشرية أن ثروة العقول هي الثروة الأهم ، من بين سائر الثروات التي تملكها الأمم . كما تأكد أن الأمم الغنية بثروة عقول أبنائها ، هي التي تملك مفاتيح التقدم ، حتى لو افتقرت لثروات طبيعية أساسية . و اليابان ، هولندا ، الدنمارك ، النمسا ، كوريا الجنوبية ، هونغ كونغ ....والكثير الكثير غيرها ، أمثلة ناطقة . وفي غياب ، أو تغييب ، أو تقزيم ثروات العقول ، وتوفر الثروات الطبيعية ، يحل البذخ ، السفه ، التبذير ، فالإهدار لتلك الثروات ، بديلا لاستثمارها في التنمية ، كما هو جار في أغلب بلداننا العربية . وبديهي أنه في حال اجتماع الثروتين ، العقول والخامات الطبيعية ، تكون انطلاقة التنمية أقوى بما لا يقاس .
وأظن أن لا حاجة للتذكير بأن انحدار التعليم ، في بلداننا العربية ، بالإضافة لعوامل أخرى ، ذو تأثير مباشر على تبديد وإهدار ثورة العقل العربي العظيمة . وإذا كان انحدار التعليم يعود لفعل عوامل عدة ، فإنني أكاد أجزم ، أن نهج التلقين ، العمود الفقري لنظم التعليم العربية ، يشكل العامل الأكثر فاعلية في عملية الانحدار هذه . ولأنه عامل مزمن ، رافق نظم التعليم من يومها الأول ، فقد غدا داء عضالا ، لا يفتك بجسد التعليم فقط ، ولكنه يفتك قبل ذلك بالعقل العربي ، فيجعل من حلم مقاومة الاحتلال ، عند الشعب الفلسطيني ، وحلم التنمية لبلداننا العربية ، ضربا من كوابيس لا فكاك منها .
كيف ولماذا ؟
في محاولتنا الإجابة ، دعونا نتذكر حادثتين شديدتي الدلالة . في مطلع القرن العشرين ، سئل لورد كرومر ، الحاكم البريطاني لمصر آنذاك ، إن كانت بريطانيا المستعمِرة ، وهي تضع نظاما للتعليم ، وتشجع المصريين على الالتحاق بالمدارس فالتعلم ، إن كانت تخشى أن يتحول هؤلاء الخريجون يوما ، وقد تسلحوا بالعلم ، ضد الاستعمار ، وأن يطالبوه بالرحيل . رد لورد كرومر بأن بريطانيا لا تخشى ذلك ما دام نهج التلقين سائدا في نظام التعليم . لم يسأل المفكرون آنذاك ، من أين استمد لورد كرومر ثقته تلك ، وإلام استند في رده ذاك . والمفارقة المضحكة المبكية ، أنه وبعد أكثر من قرن على قول لورد كرومر ذاك ، ما زال نهج التلقين يشكل العمود الفقري لنظم التعليم العربية كلها .
وبعد قرابة السبعين سنة ، وفي العام 1975 ، أجرت مجلة تايم الأمريكية مقابلة مطولة ، مع الجنرال موشيه دايان ، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك . وفي المقابلة تبرع دايان بتقديم معلومات عن أسلحة إسرائيل ، وإستراتيجيتها ، وخططها الأمنية ، القريبة والبعيدة ، الأمر الذي أثار دهشة ذلك المراسل الأمريكي ، ودفعه لسؤال ديان : ولكنك يا سيادة الجنرال تكشف ، هكذا وببساطة ، معلومات ، وأفكارا وخططا ، تضعها بين يدي أعدائك ، تحتاج أجهزة المخابرات لبذل جهود كبيرة ، وصرف مبالغ طائلة ، للحصول عليها . وجاء رد دايان مذهلا . قال : لا تخش شيئا يا صديقي فالعرب لا يقرأون . وأضاف جوابا على دهشة المراسل ، وإن قرأوا لا يفهمون ما يقرأون ، وإن فهموا لا يستوعبون .
ومرة أخرى ، وقبل أن نسأل من أين استمد دايان ثقته تلك ؟ وإلام استند في إصدار حكمه ذاك ؟ دعونا نتذكر التالي : أولا : أن الاحتلال حرص ، ومنذ اليوم الأول ، على انتظام العملية التعليمية في الأرض المحتلة . لا يقلل من شأن هذا الحرص أن الاحتلال أجرى تغييرات تتفق مع رؤيته ومصالحه في إدارة العملية التعليمية . تغييرات طالت بعض المناهج ، وأخرى غربلت جهاز التعليم ، معلمين وإدارات . وثانيا أنه هو من أصدر تراخيص الجامعات في الضفة والقطاع . جامعات : بير زيت ، بيت لحم ، النجاح ، الخليل ، أبوديس والأزهر/ غزة . وكان واضحا أن الاحتلال ، وهو يصدر تلك التراخيص ، لا يخشى أن يفرز التعليم الجامعة قيادات سياسية وشعبية وعسكرية متقدمة ، وأن يشكل الخريجون ، بما يتحصلون عليه من معارف وعلوم ، الكتلة الأكبر والأصلب ، والأكثر فاعلية ونجاعة في مقاومته .
والآن لا أظن أن هناك حاجة لإعادة تفسير مواقف الرجلين ، لورد كرومر والجنرال ديان . فالاثنان ، ورغم ابتعاد الشقة الزمنية بينهما ، أوضحا ، بما لا يدع مجالا لأي تفسير آخر ، أن نهج التلقين ، صاحب السيادة المطلقة في نظم التعليم العربية ، هو الحليف الموثوق ، مضمون الفعالية والنجاعة ، لكل من الاستعمار والاحتلال على السواء . كما أوضحا ، ومن جديد بما لا يدع مجالا لأي لبس ، أن مقاومة الاستعمار والاحتلال ، مع سيادة نهج التلقين في التعليم ، مسألة لا يخشاها ، ولم يخشاها هؤلاء الأعداء ، لأنها في المحصلة مقاومة لا تستند إلى العقل ، ولذلك هي غير ذات جدوى .
إذن ، ومنذ ذلك الوقت المبكر، كان لا بد من بروز سؤال : ما الذي كان يتوجب على القادة السياسيين والمناضلين العرب عامة ، والفلسطينيين خاصة ، فعله آنذاك لحرمان العدو – الاستعمار بداية ثم الاحتلال لاحقا - من هذا الحليف الموثوق ، كبير الفعالية ومضمون النتائج ؟ فالطموح لمقاومة فاعلة ، تتوخى تحقيق ولو بعض الأهداف ، يوجب العمل على تجريد العدو من بعض أسلحته ، وأخرى تشكل ولو بعض عوامل قوته . والأمر البديهي أن ينصب التفكير على حرمان العدو ولو من بعض معاونيه وحلفائه . ولأن هذا الحليف المتمثل في نهج التلقين ، وسيادته على نظام التعليم ، هو عدو رابض داخل البيت ، ويبسط سطوته ، ويعلن هيمنته على العقل ، كان التخلص منه ، وحرمان العدو من خدماته ، يوجب ، كما يفترض المنطق ، أن يحتل رأس سلم أولويات القادة السياسيين والمناضلين . لكن ما حدث أن الفعل كان على العكس تماما . فقد تمسك به هؤلاء القادة والمناضلون ، وكأنه قدس الأقداس ، كما وكأن التفريط به تفريط ليس بالتراث فقط ، ولكن بالهوية الوطنية ذاتها .
الكُتَّاب والتلقين :
ومن جديد يعود السؤال ليفرض نفسه : لماذا رأى الاستعمار والاحتلال في نهج التلقين ، السائد في التعليم ، حليفا موثوقا ، وعلى هذا القدر من ضمان الفعالية ؟ وهل يفهم المرء أن الاستعمار هو من أتى بنهج التلقين ، وفرضه على نظام التعليم في كافة الأقطار العربية ؟
لا مراء في أن الاستعمار هو واضع نظم التعليم الحديثة في البلاد العربية . ففي تلك التي خضعت للاستعمار البريطاني ، سادت نظم تعليم بريطانية . كما وسادت نظم تعليم فرنسية في تلك التي حكمها الاستعمار الفرنسي . لكن ، وللحقيقة ، لم يأت الاستعمار بنظمه من العدم . فقبل وصوله طبقت الخلافة العثمانية نظامها التعليمي ، على كل الأقطار العربية ، باستثناء السودان ، الصومال ، جيبوتي وجزر القمر ، لأنها لم تخضع لسلطانها . وهو – الاستعمار - لم يفعل غير إجراء تحديث لذلك النظام . وفي ظني أن لا حاجة للتذكير بأن نظام التعليم التركي شهد أول تحديث له مع بداية القرن العشرين ، وإثر صعود حركة تركيا الفتاة إلى الحكم . وعليه صار بمقدورنا تصور حال التعليم في أقطارنا ، لحظة وصول طلائع الاستعمار إليها . وعلى سبيل المثال فإن مواد العلوم الطبيعية ، وحتى اللغة العربية والتاريخ ، لم تعرف طريقها إلى المناهج المدرسية إلا قرب العام 1910 . أما الفلسفة وعلم الاجتماع ، فظلت غائبة عن تلك المناهج .
ما يعنينا هنا أن الكُتَّاب ، وعلى مدار مئات السنين ، شكل العمود الفقري لنظام التعليم ذاك . ولأن هذا الكُتَّاب ، بات غير معروف لأجيالنا الحاضرة ، لبعد شقة الزمن ، نقول فيه : الكُتَّاب هو مدرسة بنين كاملة ، مكونة من غرفة واحدة ، أو عريش ، أو ظل شجرة ، في أحيان كثيرة ، ومن ثلاثة صفوف إلى خمسة ، ولكن بمعلم واحد . وما دام هذا هو الحال ، فلا مناهج ، ولا مقاعد ، ولا حتى لوح أسود ، ولا إدارة مدرسية ، ولا تفتيش أو رقابة ، ولا علاقة للدولة من أي نوع . والمعلم هنا ، وهو في الغالب شيخ الجامع ، الذي يحفظ القرآن ، أو بعضه ، ويعرف القراءة والكتابة ، وبعض الحساب ، ويعشش في رأسه كم هائل ، من الغيبيات ، الأوهام ، الأساطير وحكايات الجن والعفاريت ، الخرافات والخزعبلات والشعوذات ، هو سيد هذه المدرسة المطلق . ومزاجه وشخصيته ، ثم محدودية معارفه ، هي المقررة لقواعد التربية من جهة ، ولما يتحصل عليه الطالب ، من جهة أخرى .
ومعلم هذه مواصفاته ، لا يملك وسيلة لنقل المعلومة للطالب ، غير حشوها قسرا في رأسه . ذلك أن القاعدة التربوية ، والتي يطبقها طرفا المعادلة ، المعلم والطالب ، تقوم على الأمر المدعم بأدوات العنف من جهة ، والطاعة المطلقة القائمة على الخوف من العقاب من جهة أخرى . وفي التطبيق ، يكرر المعلم القول ، والأولاد يرددون وراءه بصوت عال ، إلى أن يتم الحفظ . وتتجلى العلاقة هنا كعلاقة بين مرسل – المعلم – ومستقبل – الولد - . ومثل العلاقة بين أي جهازي إرسال واستقبال ، لا يكون هناك أي مجال لاستفهام ، أو تساؤل ، أو حوار . وإذا حدث وتجرأ مستقبل على ذلك يتلقى جزاءه عقوبة ، يحدد نوعها وحجمها مزاج المعلم لحظتها . وتتراوح بين التعنيف والجلد والشبح والحرمان من الفسحة .....الخ .
وقرب نهاية الخلافة العثمانية ، وفي هذا النظام ، كانت هناك ، إلى جانب الكُتَّاب ، في القرى والعزب ، مدارس في المدن والبلدات الكبيرة ، وإن ظلت محدودة العدد والاستيعاب . وهنا يبرز سؤال : هل كان حال التعليم في تلك المدارس بأفضل من مثيله في الكُتَّاب ؟ والجواب : من حيث الشكل نعم ، أما من حيث الجوهر فلا . فللمدرسة إدارة ، وبها عدد من المعلمين ، ونوع من التخصص في التعليم ، ومناهج مقررة ، وتفتيش وتوجيه ....الخ . هذا اختلاف مهم عن الكُتَّاب ، لكن ظل المشترك هو الأهم . فالمعلم ، وخلال كل النصف الأول من القرن العشرين ، ظل يتصف بمحدودية المعارف . ومثل معلم الكُتَّاب ، تختلط عنده حقائق العلم بالغيبيات ، والواقع مع الأساطير والخرافات . وهو أمر لا يؤهله لغير أسلوب الكُتَّاب ، التلقين ، في نقل المعلومة إلى الطالب . وعلى أي حال فنهج التلقين ، ظل النهج المعتمد لنظام التعليم كله . ثم هناك ذات النظام التربوي الذي يقيم العلاقة بين طرفي العلاقة ، المعلم والطالب ، على الخوف بديلا للاحترام ، والعقاب بديلا للحوار ، وغير ذلك كثير . وللتذكير فقط فإن جامعة الأزهر ، ومنذ نشأتها في القرن الرابع الهجري ، اعتمدت نهج الكُتَّاب في التلقين ، وإلى يومنا هذا .
بيئة حاضنة :
وقبل المضي بعيدا دعونا نتذكر أن الكُتَّاب ، فنهج التلقين ، نشأ ، عاش وتكرس ، في ظل بيئة حاضنة ، اجتماعية اقتصادية ، أكثر من داعمة . فالأسرة والمجتمع ، الذي كان الجهل فيه صاحب حق السيادة ، - فمعلم الكُتِّاب ، الذي هو إمام الجامع ، هو ( الفالح !) بين قومه - ، والذي كانت الغيبيات والخرافة ، وحكايات الجن والعفاريت ، ومختلف أنواع الشعوذات ، تشكل كل إرثه وتراثه الثقافي ، كان لا بد أن يعتمد ذات نهج التلقين ، في نقل التجربة الإنسانية من السلف إلى الخلف ، ومن الكبير للصغير . وشكلت ثنائيات الأمر والطاعة ، الثواب والعقاب ، الخوف والاحترام ، والانصياع والحوار ......الخ أعمدة البنية التربوية ، داخل الأسرة ، وفي الحارة والحي والقرية والمجتمع . أعمدة ساهمت مساهمات كبرى في سيادة نهج التلقين . وحتى يومنا هذا لا تشهد الأسرة شكلا مقبولا للحوار ، ومن ثم الوصول إلى الفهم ، بين أعضائها .
ومن جديد يطرح السؤال نفسه : ولكن متى ، أين ، كيف ولماذا تشكلت هذه الحاضنة ، وأدواتها بهذه القوة والفعالية ؟ ومحاولة الإجابة تلزمنا بالعودة بضعة قرون إلى وراء .
وبدءا لا أظن أن هناك حاجة للتذكير بأن جدلا سياسيا واجتماعيا ظهر مبكرا ، وفي اللحظة التي شهدت غياب النبي بالوفاة . وأن هذا الجدل تطور ليصل إلى بعض جوانب العقيدة ، في سنوات الفتنة الكبرى ، خلافة عثمان ، وسنوات الحرب الأهلية في خلافة علي . لكن الفتوحات والغنائم ، والتي تعاظمت أيام الخلافة الأموية ، حدت من تطور حالة الجدل تلك ، رغم بروز إرهاصات لذلك التطور .
وفي الخلافة العباسية شكل ظهور العنصر الفارسي ، في قيادة الدولة ، محفزا قويا ، وشديد الفعالية ، لدفع حالة الجدل إلى أمام . ثم كان الانفتاح على ثقافات الأمم المغلوبة ، والمجاورة ، حافزا إضافيا على مزيد من دفع حالة الجدل تلك . وفي ظني أن الإطلاع على الفلسفتين ، الهندية واليونانية ، مثل العامل الأهم في ذلك الانفتاح .
خلق الانفتاح حالة ذهنية جديدة ، كل الجدة ، على الذهنية العربية الإسلامية ، تبلورت فيما عرف ، في حينه ، بتيار العقل ، متعدد الروافد . وعلى عكس ما كان سائدا في عهد الخلافة الأموية ، انحاز لهذا التيار الجديد - تيار العقل - وسانده ، أغلبية خلفاء الصدر العباسي الأول . ووصل الأمر حد انتماء بعض الخلفاء لأحد روافده – المأمون ، ثم الواثق لفرقة المعتزلة - .
ولأن فكر هذا التيار قام على إعلاء شأن العقل ، تنشيطه ودفع حركيته ، ومن ثم الاحتكام له في القضايا الحياتية ، وحتى العقيدية ، المستجدة ، كان طبيعيا أن يصطدم ، ومن ثم يتصارع ، مع روافد التيار الآخر الكبير ، ممن نصبوا أنفسهم سدنة ، لما أسموه الحفاظ على نقاء العقيدة ، وتطبيقات الشريعة ، على المستجد من الأمور الحياتية ، تماما كما وصلت من السلف الصالح . بمعنى آخر فإن سدنة تراث السلف الصالح ، رأوا أن صلاح الدين والدنيا ، يتحقق بتجميد الحياة الإنسانية ، عند تلك الفترة الذهبية التي عاشها السلف الصالح . ولكي يحدث ذلك ، كان لزاما على هذا التيار مواجهة التيار الآخر – تيار العقل - ، ليس فقط بمعارضة أطروحاته ، وإنما بالعمل الحثيث ، والمتواصل ، على تقييد نشاط العقل ، ومصادرة حركيته .
كهوف الماضي :
وبسبب انحياز خلفاء الصدر العباسي لتيار العقل ، كان أن اتخذ الصدام ، مع تيار النقل ، شكل الحوار ، ومقارعة الحجة بالحجة ، من جهة ، وسيادة هذا التيار للحياة العامة ، على طول القرنين الثاني والثالث الهجري ، وجزءا من القرن الرابع من جهة ثانية . وهو ما وضع الأساس لِ ، فانطلاق وازدهار ، ما عرف بالحضارة العربية الإسلامية .
ما يهمنا هنا ، أن سيادة تيار العقل ، انعكست على نظام التعليم في صورة تطبيق النهج الحواري . كان بعث العقل ، إثراؤه ، تحفيزه على النشاط ، تعظيم قدرته على الاستيعاب ، ومن ثم على استخدام ما اختزنه من معارف ومعلومات ، في التعامل مع الظواهر الجديدة ، وعلى التخلص مما ترسب فيه من أوهام وخزعبلات ، هو محور عمل تيار العقل هذا . وإذا ما انتقلنا للتعليم ، وهو محور اهتمامنا هنا ، كان بعث العقل هذا يوجب الاحتكام في عملية نقل المعارف ، من المرسل إلى المتلقي ، من المعلم إلى التلميذ ، إلى نهج يستهدف تنشيط العقل وإثراءه بالمعرفة ، وتفعيل قدرته على البحث والتحليل والاستقراء والاستنتاج . نهج يقوم على الشك في صحة المعلومة ، فالتساؤل والحوار ، ، البحث والتخليل ، التدقيق والاستنتاج ، ومن ثم القبول أو الرفض ، وهو نهج الحوار .
لكن وبالقرب من نهاية القرن الهجري الثالث ، وقع انقلاب في مواقف خلفاء العصر العباسي الجديد . انحاز أغلبهم ، وبدءا من الخليفة المتوكل ، لتيار النقل ، مرجحين كفة الصراع لصالح هذا التيار . ومع نهاية القرن الخامس حسم تيار النقل الصراع ، ونهائيا ، لصالحه ، مخرجا تيار العقل من الحياة العامة ، بخروج لا رجعة له .
هنا لا بد أن نسترجع التالي : لما كان حسم الصراع بأسلوب وأدوات الحوار ، هو النهج المثالي لروافد تيار العقل ، فقد كان العنف ، والحسم بالقوة ، هو الأسلوب الأكثر ملاءمة لروافد تيار النقل . ومع حسم الصراع ، قرب نهاية القرن الخامس الهجري ، لصالح هذا الأخير ، كان أشياعه قد انقضوا على تراث تيار العقل ، وأبادوا ودمروا كل ما طالته أيديهم ، من إبداعات العلماء ، التي شكلت الحضارة العربية الإسلامية ، موضع فخرنا الكاذب ، حتى يومنا هذا . وإنصافا للحقيقة فقد أبقوا على كل أبدعته قرون الصراع من إضافات على علوم الدين واللغة .
ولم يكتف أنصار التيار المنتصر بتدمير وإبادة ما وصلت إليه أيديهم من كنوز الحضارة العربية الإسلامية . فقد ظل نظام التعليم محط اهتمامهم . بداية ، وبعد وقف الترجمة ، والانفتاح على الآخر ، استبعدوا من التعليم كل العلوم ذات العلاقة بنشاط وحركة العقل . تم تحريم وإخراج علوم الفلسفة ، فعلوم الطبيعة ، والرياضيات والفلك ....الخ من المناهج . كما وحُظِر وجودها في المكتبات العامة . وصدرت فتاوى بتكفير متداوليها ، ومن ثم تحليل قتلهم . ولإكمال الصورة كان الانقضاض على نهج الحوار في التعليم ، واستبداله بنهج قادر على تقييد حركة العقل ، أمرا أملته الضرورة . وكان هذا البديل جاهزا : العودة لنهج التلقين ، وللكُتَّاب عماد النظام القديم .
وللتذكير أيضا ، فقد شهدت القرون التالية ، التسعة في بعض البلدان ، والعشرة في أخرى ، استمرارية تكريس نصر تيار النقل ذاك . وكان أن خيم ظلام دامس على منطقتنا على مدار هذه القرون . وكان الظلام الذي سقط فيه العقل العربي هو أكثرها حلكة . وفي المقابل ظل منتسبو ، وأنصار وأشياع تيار النقل ، يرون فيما حدث مكسبا خاصا ، يُحظر التفريط به ، ويستعدون للدفاع عنه بالغالي والنفيس ، بالنفس والمال والبنين وكل شيء . ويمكن للمرء أن يتذكر مقاومتهم الضارية لما عرف بحركات ، ورواد التنوير ، والتي ظهرت مع بداية القرن العشرين . وحتى يومنا هذا ظلت مقاومة هذا الخلف من تيار النقل ، والمتمثل بتيارات الإسلام السياسي ، المقاومة الأشد ضراوة ، لأية توجهات تدعو للخلاص من نهج التلقين .
وماذا كانت النتيجة ؟ ما أن وصلت البشرية إلى مشارف عصر الاستعمار ، حتى كانت شعوبنا من الضعف والجهل وقلة الحيلة ، ما جعلها لقمة سائغة لأي طامع . والطريف أن المستعمِر ، سبق المفكر العربي ، في التوصل إلى معرفة السبب الجوهري لضعفنا وانعدام قدرتنا . ورغم أن لورد كرومر كشف لنا ذلك ، ثم أعقبه دايان بعد أكثر من ستين سنة ، فقد واصلنا الغفلة ، وادعينا أن الحفاظ على نظامنا التعليمي كما هو ، مقاومة ووقوف في وجه الاستعمار والاحتلال معا .
قفزات في الهواء :
ورغم أن الحقيقة مرة ، إلا أنها تستوجب استدعاء جوانب أخرى كي تكتمل الصورة . فمنذ منتصف خمسينات القرن الماضي ، شهد التعليم في فلسطين - كما في عالمنا العربي - قفزات كبيرة يمكن وصفها بالطفرات . واتسعت هذه الطفرات كثيرا بعد مجيء السلطة . ولكي نقف على حجم هذه الطفرات إليكم المثال التالي .
تخرجت في مدرسة قريتي ، المشتركة مع القرية المجاورة ، من الثالث الإعدادي ، العام 1955 . كانت بناية المدرسة ، والتي تخدم خمس قرى أخرى مجاورة ، مكونة من أربعة غرف ، عقد عربي ، 7×7 ، وطاقم تعليم من سبعة معلمين ، بينهم مدير المدرسة . وكان المترك ، معادل التوجيهي ، أعلى شهادة يحوزها بعض هؤلاء المعلمين . والآن حل محل هذه الغرف الأربعة ، مجمعان من ثمانية أبنية ، بعضها بثلاثة طوابق ، اثنان منها مهجوران ، بينها مدرستي وما ألحق بها ، بكل أسف . أما الهيئة التدريسية الموزعة على خمس إدارات ، فتقرب من المائة ، ليس بينها واحد حاصل على شهادة تقل عن البكالوريوس . وهذا المثال ينطبق تماما على القرى التي كانت هذه المدرسة تستقبل طلبة الإعدادي منها – واحدة كانت ترسل طلبة الابتدائي أيضا - .
مثل هذه الطفرة تجاوزت الأبنية المدرسية والمعلمين ومؤهلاتهم ، إلى باقي المنظومة التعليمية . المناهج مثلا شهدت أكثر من تغيير ومن محاولة تحديث . ومديريات التربية انتقلت من ثلاث مديريات ، حتى أوائل الستينات ، إلى أكثر من 12 مديرية الآن ، مع توسع كبير في أقسامها ومجالات نشاطها . والأمر ذاته ينطبق على الوزارة ، ونظم الإدارة المدرسية ، كما التوجيه والتأهيل الخ .
ولم تقف البيئة الحاضنة بعيدا عن هذه التغيرات . فالأمية في قريتي التي كانت تتجاوز أل90% وقت تخرجي من مدرستها ، انخفضت انخفاضا هائلا الآن – ليس لدي إحصائية رسمية - . وليس ذلك فقط . ففي القرية الآن أعداد من الحاصلين على التعليم الجامعي ، والعالي منه – درجة الدكتوراة - ، وفي مختلف التخصصات . ومجالات المعرفة والوصول إليها مفتوحة . ووسائل نقل المعلومات الحديثة ، الانترنيت ، التلفزيون والراديو ، تضخ في مجتمع القرية ، كما هائلا من المعلومات المتنوعة . كما أن الخدمات ، على تنوعها ، في القرية تقارب مثيلتها في المدينة .
وينفجر السؤال في وجهنا هذه المرة : إذن ، ومع كل هذه الطفرات والتغيرات الحاصلة ، لماذا يواصل التعليم انحداره ؟ والجواب بسيط : لأنها تغيرات وتوسعات أفقية . اعتنت بالشكل أكثر من عنايتها بالجوهر . استقرت على السطح ، و لم تقترب من العمق . هي تغيرات كمية ، لمت تصل إلى مرحلة الكيف ، لأنها ذات طابع ترقيعي ، وليصدق عليها القول بأنها قفزات في الفراغ . ومرة أخرى يطالعنا السؤال : كيف ؟ ولماذا ؟
تجميد لا تطوير :
حافظت السلطة الفلسطينية ، أسوة بباقي النظم العربية ، خصوصا الأردن الذي طبق الاحتلال نظامه ، على نهج التلقين عمادا لنظام التعليم . ولنتذكر أن نظام التربية ، رغم الحفاظ على الاسم ، التربية والتعليم ، غاب منذ فترة غير قصيرة . وجاءت التغييرات الكمية ، التي وصفناها بالطفرات ، لتصب في صالح تقنين فتكريس هذا الحال – عمادية نهج التلقين - وتعميقه . ولأن هذه التعييرات تكرست في صورة وقائع على الأرض ، فقد جعلت من مجرد التفكير بالمساس به – التلقين - ، مغامرة غير محسوبة العواقب . ذلك لأن مساسا محتملا بنهج التلقين ، كنقله للنهج الحواري ، يتطلب ليس فقط بذل جهود هائلة ، وإنما رصد وإنفاق أموال كثيرة . وفي تقديري هنا بالتحديد يكمن السر في نشوء ظاهرة انحدار التعليم ، ثم في استمراريتها . وللتدليل على صحة استنتاجي هذا ، أستأذنكم في إلقاء نظرة سريعة ، على ثلاثة من بين الجوانب التي طالتها التغييرات الكمية الكبيرة ، وهي : هيكلية البناء المدرسي ، المعلم ، ثم البيئة الحاضنة .
البناء المدرسي :
أظن أن لا جديد في القول أن تصميم الأبنية المدرسية جاء متلائما تماما مع نهج التلقين ، باعتباره دائما وسرمديا ، وأبعد ما يكون عن أي تفكير بالتغيير . فالبنايات تتكون من غرف التدريس ، مرصوصة الواحدة بجانب الأخرى ، وخالية من أية إمكانيات لاستعمال الوسائل المعينة ، باستثناء اللوح الأسود ، وباتساع يسمح بتكديس أعداد كبيرة من التلاميذ ، وبما يجعل تطبيق نهج الحوار معهم مستحيلا . إلى جانب غرف التدريس تأتي الإدارة واحتياجاتها ، وبعض الديكور ، مثل المكتبة والمختبر . أما الملاعب ، المغلقة منها والمفتوحة ، والرياضة عموما ، فغالبا ما تكون خارج اهتمام المصممين . والتفكير في قاعات للنشاطات الأدبية والإنسانية ، شديدة التنوع ، فلا تخطر على فكر المصممين ، وعلى أي نحو .
وإذن فإن التحويل إلى النهج الحواري ، يتطلب إجراء إضافات كبيرة على الأبنية المدرسية ، من جهة ، وتحول في فكر مصممي الأبنية الجديدة من جهة أخرى . مثلا اعتدنا على التفكير بأن علوم الطبيعة وحدها هي من يحتاج للمختبرات . ومؤخرا جرى تزويد بعض المدارس الثانوية بمختبر حديث للعلوم ، يستوفي المواصفات النموذجية ، كما تراها وزارة التربية . وفي زيارة لواحد منها – في مدرستي – اتضح أن المختبر ، رغم حداثة البناء ، مخصص لعلوم الفيزياء ، الكيمياء والأحياء معا . بمعنى أن معلما واحدا يشغله في المرة الواحدة . وبمعنى أنه مخصص للصف الأخير فقط ، أو ربما للذي قبله . وإذا ما أخذنا بالاعتبار محدودية الأدوات والمواد المخبرية ، نستنتج أن مثل هذا المختبر ، وببساطة ، لا يلبي جزءا ، ولو يسيرا ، من احتياجات تطبيق النهج الحواري .
ولا أظن أن هناك حاجة للتذكير بأن حال المكتبات ليس بائسا فقط وإنما شديد البؤس ، ليس لقلة الكتب ، ومحدودية تنوعها ، أو لضيق المكان ، بل ولخلوها من أي وسيلة تهيئ للباحث فرصة البحث ، أو لمتشوق المعرفة فرصة لبل الريق لهذا الشوق . كما لا أظن أن هناك حاجة للتذكير بأن التردد على المكتبة ، من المعلمين قبل الطلاب شبه معدوم ، بما يجعل حال المكتبة البائس هذا شديد التواؤم مع نهج التلقين .
إذن فإن مجرد التفكير بالتحول هنا من نهج التلقين للنهج الحواري ، يستدعي ، أول ما يستدعي ، رصد أموال طائلة من جهة ، ووقتا وجهودا كبيرة من جهة أخرى .
المعلمون :
موضوع المعلمين طويل ، شائك ومعقد . لكن اسمحوا لي أن أبدأه بملاحظات ، ، منها ما هو شخصي ، قد يرى القارئ بعضها خارجا عن صلب الموضوع ، أو حتى خارج السياق .
1- وصل إلى سمعي أن إدارة إحدى الجامعات ، تفكر في إغلاق كلية التربية ، بسبب ضعف الإقبال عليها من جهة ، والعجز المالي المتراكم على هذه الكلية من جهة أخرى . والمفروض أن كليات التربية هي المزود الرئيسي لوزارة التربية والتعليم ، نظرا لجمع خريجيها بين علوم التربية والعلوم الأخرى . أما لماذا ضعف الإقبال ، وهو حقيقة محزنة ، فذلك أمر يطول شرحه ، وإن كان يرتبط بأحوال المعلمين .
2- في دراستي الثانوية علمني اثنان فقط من حملة الدرجة الجامعية . كل الآخرين كانوا إما من حملة المترك ، أو الدبلوم المتوسط – دار معلمين - . وما أتذكره أن المعلمين آنذاك حظوا باحترام عميق ، ليس من الطلبة وأهاليهم فقط ، بل ومن كل فئات المجتمع . فقد كان وضعهم الوظيفي مريحا ، والدخل الشهري جيدا ،، لدرجة أن الارتباط بمعلم ، كان أمنية لنسبة غير قليلة من الصبايا . بالمناسبة ، في كل سنواتي المدرسية لم أدخل مختبرا ، لأن التعليم آنذاك كان غير متنبه لأهمية المختبرات .
3- في سنتي الجامعية الأولى قال أستاذ محاضر أن كل ما تفعله الجامعة أنها تشق للطالب ممرا في غابة كثيفة مترامية . وعليه وحده يقع عبء معرفة ما على الجانبين وفي عمقها . ما يقوله الواقع الآن أن طلبة الجامعة ، وبعد التخرج ، لا يعبأون باكتشاف الغابة فقط ، ولكنهم يغادرون ممرها ، حتى إذا فكروا في العودة إليها صعب عليهم معرفة الممر ذاته .
4- أخيرا ، وحين تسلمت عملي معلما ، العام 62 ، سلموني الكتب المقررة وقالوا لي : دَرِّسْ . قال مدير المدرسة أن تعليمات مكتب التربية تقضي بوجوب تحضير الدرس مكتوبا في دفتر يعرف بدفتر المعلم . ولأني أدرس مادتي الرياضيات والفيزياء ، كان علي حل المسائل حلا نموذجيا ، واصطحاب الدفتر إلى الصف ، ليكون مرجعيتي . ولأنني رأيت أن هذا الأسلوب يصنع مني جهاز إرسال ، ويمنعني من التفاعل مع الطلاب ، رفضت تطبيقه . وظل التوجيه ، فصلا بعد فصل ، وسنة بعد سنة ، ينبهني إلى ضرورة التحضير والدفتر واصطحابه . تكرر ذلك كل سنوات عملي ، وهي 12 سنة – فصلت في العام 74 فصلا أمنيا – .
وإذن ، ولأن المعلم يشكل أحد أهم مكونات العملية التعليمية ، فإن أي تفكير بإنقاذ التعليم ، ووقف حالة انحداره ، لا بد وأن يكون المعلم محوره . ومقارنة بالملاحظات السابقة يمكن ملاحظة ، وبسهولة ، حالة التردي ، التي هبط إليها المعلم ، وفي كافة المستويات .
بداية يمكن ملاحظة حالة التردي لأحواله الاجتماعية ، وفقدانه للاحترام المجتمعي الذي حظي به في عقود الأربعينات والخمسينات ، وحتى الستينات . انتقل المعلم من دخل وراتب مريح ، إلى دخل يحرمه من إمكانية مواصلة الحفاظ على مظهره اللائق من جهة ، ويجبره على البحث عن وظيفة ثانية ، تتعارض في أحيان كثيرة مع وظيفته كمعلم ومربي ، ولتطيح بما كان قد ترسخ له من هيبة ، وما تبقى له من احترام ، خصوصا من جانب تلامذته وأهاليهم من جهة أخرى . حالة التردي هذه أطاحت بثنائية الخوف – الاحترام ، التي حكمت العلاقة بين المعلم والطالب ، في الحقب السابقة . أكثر من ذلك أدت إلى انقلاب في هذه العلاقة . فقد تحول تعدي الطلاب العنيف على معلميهم ، وبمسنادة الأهل ، إلى ظاهرة مزعجة ومتفاقمة . وأصبحت السخرية من المعلم ، في الصف وفي ساحة المدرسة ، ومن ثم إعاقته عن تأدية واجبه ، هي الأخرى ظاهرة مقلقة .
ولأن وظيفة التعليم تتطلب تطويرا مستمرا لمعارف المعلم ، الخاصة بمادته ، والأخرى العامة ، ولأن هذا التطوير يستوجب اقتناء الكتاب والمطالعة ، فإن ضعف الراتب ، وعدم توفر الوقت ، بسبب الوظيفة الثانية ، شكل سدا أمام مثل هكذا رغبة ، إن توفرت ، في التطور . ولأن التوقف عن التطور يعني التراجع ، فقد بات التعليم يواجه مشكلة . مشكلة تتفاقم وتتحول إلى معضلة ، إن لم يكن إلى علة .
لكن نهج التلقين لا يوفر الحل لهذه المشكلة فقط ، بل ولكل المشاكل الأخرى ، قديمها المزمن ، وحديثها المستجد . فالتلقين لا يتطلب أي تطوير ، ولا حتى إلى التخصص . وكثيرة ، في مدارسنا ، هي الحالات التي يوكل فيها للمعلم تدريس مادة بعيدة عن مادة تخصصه . وتعدد أعذار الوزارة لا يغير من بؤس ومرارة هذه الحقيقة . وأثناء عملي معلما زاملت عددا من هؤلاء . فالتلقين يحتاج إلى إعداد المعلم لدفتره إعدادا جيدا ، لينفث ما قام بتحضيره أمام الطلاب ، استمعوا إليه أو لم يستمعوا سيان . فهم في الأول والآخر مطلوب منهم حفظ المقرر عن ظهر قلب .
وتبدو هذه المسألة – عدم تطور المعلم – معضلة عسيرة الحل ، مع أول بادرة تفكير بالتحول عن نهج التلقين إلى النهج الحواري . ذلك أن أبسط متطلبات الأخير تتمثل في حيازة المعلم على معارف واسعة ، ليس في مادة الدرس ، موضوع الحوار ، فقط ، ولكن أيضا في الموضوعات العامة . فالمعلم هنا ، وحتى يضمن تفاعل الطلاب ، فالوصول إلى النتيجة المرجوة ، يجب أن يكون واسع الأفق ، متفوقا من الناحية المعلوماتية ، بارد الأعصاب ، وشديد الثقة بالنفس ، وهو ما توفره سعة المعرفة وغزارة المعلومات ، والتدرب على استعمالها بالصورة الصحيحة .
وخلاصة القول أن الإقلاع عن النهج التلقيني ، والنزول إلى مدارج الحواري ، يتطلب ليس الاعتناء بالمعلم من ناحية منحه راتبا يوفر له ولعائلته حياة كريمة ، أو من ناحية استعادة مكانته الاجتماعية ، أو من ناحية إعادة تصحيح العلاقة بينه وبين طلبته وأهاليهم ، ولكن أيضا من ناحية إعادة تأهيله معرفيا ، تأهيل يمكنه من القيام بمهمته الجديدة على نحو مقبول .
ومثلما كان التطوير الإداري ، الوزارة بأقسامها المتعددة ، مديريات التربية ، التوجيه والإرشاد التربوي ، مديرية المناهج ، مديرية الامتحانات العامة ، الإدارات المدرسية ، مثلما كان هذا التطوير في الماضي خادما لنهج التلقين ، يتوجب إحداث ثورة تطوير لهذه الإدارات ، تجعل منها خادمة للنهج الحواري البديل . وبديهي أن ثورة تطوير كهذه ، لا بد أن تطال المناهج قبل أي شيء آخر .
البيئة الحاضنة :
وفي مجتمعاتنا حالة من الفخر ، غير المفهوم . بأن الناس لا يقرأون . وأن سنوات تمر على خريج الجامعة ، لا يمسك فيها كتابا . وينتقل هذا الحال من خانة غير المفهوم إلى خانة المقلق والمستنكر ، حين يندرج على نسبة من أساتذة الجامعات أنفسهم . ومخاصمة الكتاب لا تعني فقط عدم تجديد المعلومات ، بقدر ما تعني ضياع ما سبق وأن تحصل منها . وهي تعني مخاصمة الثقافة ، الأدب بكل فروعه : القصة والرواية والملحمة والمسرحية والشعر . وتعني مخاصمة الفنون بكل تلاوينها : الموسيقى والغناء ، الرسم والنحت والتمثيل ....الخ . باختصار تعني مخاصمة للتراث الإنساني برمته . فما المتوقع أن يكون الناتج الإنساني من كل هذا ، غير فراغ في العقل ، يجعله جاهزا لاستقبال الخرافة والتفاعل معها ، و بلادة في الإحساس ، تجعل العنف وسيلة محببة في التعامل ، وجفاف في الروح ، يغلق أي فسحة للتعامل الإنساني ......الخ .
وإذا أضفنا لكل ذلك ، ما هو حادث على أرض الواقع ، من تصنيف حاسم وحازم ، بات وقاطع ، واضح وبَيِّن : هذا حلال ، وذاك حرام ، وهذا فعل كفر ، وذاك فعل إيمان ، وهذا تقرب إلى الله ، وذاك ابتعاد عن رحمة الله ......الخ ، فيمكننا أن نتصور نوع الفكر والثقافة الحاضرة لملء فراغ العقل ذاك .
إذن وبعد كل ما سبق هل يفاجئنا أن العلاقات داخل الأسرة ، وفي الحارة والحي والقرية والمجتمع ، ما زالت هي هي كما كانت في الأربعينات والخمسينات ، عمادها نهج التلقين ، والابتعاد عن الحوار ، وتقوم على ثنائيات : الأمر والطاعة ، الخوف والاحترام ؟ . وأن هكذا حاضنة للمدرسة لا تفرز غير تثبيت لنهج التلقين ، عماد نظام التعليم ، بما يعكسه من تقييد للعقل ؟، من شل لحركة العقل ؟ من نفي كلي للعقل ؟ من خسارة ثروة غدت هي الثروة الأساس للشعوب المتقدمة ، وتلك المتطلعة للتقدم ، وهي ثروة العقول ؟
خلاصة :

انحدار التعليم واقع قائم ، وحقيقة معترف بها . ونتيجة ذلك فإن خطر الانزلاق إلى كارثة هو الآخر بات حقيقة ، واضحة ومن ثم متوقعة عند البعض ، وخافية ، مستترة عند آخرين . والكارثة لا تتمثل في أن الأمة العربية باتت غير قادرة على المساهمة في مسيرة الحضارة الإنسانية . الكارثة في احتمالية خروج الأمة كلها من التاريخ . فلا يخفى على أحد الآن أن أمم العالم المتقدم تطير بسرعة صاروخية نحو رحاب المستقبل ، بينما عالمنا العربي يعبر المستقبل على ظهر بعير . ثورات الشباب العربي كشفت عري هذا الانحدار . فلتحقيق شعارها :" عيش ، حرية ، كرامة إنسانية ، عدالة اجتماعية " ، ظهرت الحاجة لخطط وسياسات طموحة للتنمية . وظهر أن انحدار التعليم راكم من المصاعب ما قد يحول حلم التنمية إلى سراب . ويندفع السؤال : هل تملك الشعوب العربية ترف استمرار حالة الانحدار هذه ، فالقعود في انتظار الكارثة ؟ وإذا انتقلنا من عام العرب إلى خاص فلسطين ، يصبح السؤال : هل يملك الشعب الفلسطيني ، وهو الشعب المعرض ، حقيقة لا افتراضا ، لخطر الفناء ، وليس الخروج من التاريخ فقط ، هل يملك ترف استمرار حالة الانحدار في التعليم ؟ والجواب بالنفي للخاص الفلسطيني والعام العربي . لا خيار أمام الشعب الفلسطيني غير خيار وقف حالة الانحدار هذه ، فبدء مرحلة الصعود في التعليم . فالشعب الفلسطيني ربما يكو أكثر شعوب العالم ، وليس العالم العربي فقط ، احتياجا لتنمية وتطوير ثروته المتمثلة في عقول أبنائه . واستمرار انحدار التعليم لا يفعل غير مواصلة تبديد هذه الثروة العظيمة ، والذي هو في أشد حالات الاحتياج إليها .
قد يقول قائل : ولكن الصراع مع إسرائيل يقترب من النهاية . والسلام ، رغم العقبات ، قادم لا محالة . وإذن فإن تعليق الفشل الفلسطيني ، المتكرر والمتواصل ، في الصراع مع الحركة الصهيونية ، ثم مع إسرائيل ، على شماعة انحدار التعليم ، سيفقد مبرراته . لكن ذات القائل يعرف أن التوصل إلى السلام لا ينهي مشاكلنا ، بل ربما يبدؤها . ففلسطين حينها ستحتاج إلى البدء ، فالإسراع في التمنية . وقبل ذلك ستبقى حالة التنافس مع الجارة قائمة . لكنه سيأخذ طابع الصراع الحضاري ، العلمي ، بديلا للصراع العنيف القائم . والتقاعس عن خوض هذا الصراع يعني الإقرار ، فالرضا ، بحالة البون الحضاري الواسع القائم الآن . والأخطر الاستسلام لخطر استمرار بقائنا حطابين وسقاءي ماء لهم ، تصديقا لحكم التوراة .
إذن فنحن لا نملك خيارا غير خيار إصلاح التعليم ، تمهيدا لبدء مرحلتي الصعود فالانطلاق بسرعات تقارب ، ثم تتساوى مع ، وأخيرا تتفوق على سرعات الآخرين ، وبالأخص إسرائيل .

والإصلاح يعني معالجة جدية لمختلف العوامل التي تسببت ، وتتسبب ، في انحدار التعليم . ولأن نهج التلقين ، عماد نظام التعليم من قبل ومن بعد ، ولأنه علة العلل ، لأنه المرض العضال الذي يفتك بجسد التعليم ، فإن عملية الإقلاع عنه ، عملية استبداله بنهج الحوار ، هي الخيار الوحيد المتاح . هي الخيار لضمان البقاء ، ولضمان عدم خروجنا من التاريخ . ولنتذكر أن ضمان نجاح عملية الإقلاع عن نهج التلقين ، يتطلب ، ويوجب علاج ، فالتخلص من كل عوامل الانحدار الأخرى .
العملية صعبة ومعقدة ، بسبب التراكم الضخم للسلبيات – المسماة بالتطوير - ، والتي حدثت لكل فروع عملية التعليم ، والجهاز الوزاري ، كما سبق وأشرنا . ولأنها كذلك ، فهي تحتاج لجهود مضنية ، وتوفير طاقات وإمكانيات ضخمة – مالية بشكل خاص – . ولأنها بهذا التعقيد والصعوبة ، فقد تُرى على أنها مستحيلة ، أو غير ممكنة . وإذا ما وضعنا في الاعتبار ، حقيقة أننا لا نملك خيارا آخر ، فستنتقل من خانة الاستحالة ، إلى خانة الممكن . فقط نحتاج إلى قرار يعتمد هذا الخيار . وبعده يأتي دور الإرادة الصلبة والعزيمة الصادقة والقوية ، وهي موجودة . إرادة القرار ، وعزيمة التنفيذ يمكنها أن توفر الاحتياجات الكثيرة ، والمالية بالأساس ، والعون من الأصدقاء ، وهم كثر . إرادة القرار تعيد ترتيب الأولويات . وإعادة ترتيب كهذه ستوفر ما يبدو أن توفيره من سابع المستحيلات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أسباب عزوف العرب عن قراءة الكتاب
رمضان عيسى ( 2014 / 4 / 16 - 22:20 )


رمضان عيسى

April 12

.


أسباب لعزوف العرب عن قراءة الكتاب :

ا- تفشي اسلوب التلقين والحفظ يُولد الضجر والرغبة في التخلص من الكتاب
2- عدم تقدير العرب لكثير من المتع المعنوية والثقافية ومنها متعة القراءة .
3- عدم ادراك العربي أن الكتاب خبرات وتجارب تضاف لخبراته عند القراءة
4- تفشي الشيئية وربط السلوك بالفائدة المادية السريعة ، ومنها القراءة .
5- استهتار المجتمع لدرجة السخرية من القارئ خارج المدرسة أو الجامعة ، لاعتبارهم أن القراءة هي لقتل الوقت وليس للفائدة والمتعة .
6- النظر الى القارئ أنه انسان عاطل عن العمل ، ولديهم اعتقاد أن من يقرأ هو طالب المدرسة أو الجامعة ، أما غير هذا فهو عاطل عن العمل .
7- يسود اعتقاد أن من لديه رغبة في القراءة ، فليقرأ القرآن والتفاسير أو البخاري ومسلم .أما غير ذلك فلا ينفع .
8- لا يمكن تجاهل ضغط الحياة المعيشية والتي حصرت التفكير في تدبير متطلبات العيشة المادية فقط .
9- النظر الى من يقرأ بأن لديه رغبة في التفلسف والترفع على غيره من الناس بشكليات منها القراءة
10- انتشار وسائل المرئيات والسمعيات من تلفزيون وراديو واكتفاء الكثير من الناس بذلك


2 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 17 - 08:44 )
شكرا عزيزي رمضان عيسى على المشاركة . أوافقك الرأي فيما طرحت من أسباب ولكن ألم تلاحظ أنك توقفت عند تأثير المجتمع على الفرد ، والمجتمع الذي انحدر من مجتمع شبه أمي ، منغلق على نفسه وعلى ثقافة المجتمعات الأخرى ؟


3 - ياريت
سعيد في شكي ( 2014 / 4 / 18 - 20:29 )
بداية اشكرك على هذا المقال الشيق والمهم، قراته واعجبني التسلسل التاريخي للموضوع وتسلسل الافكار ورغم اتفاقي مع كل ما كتبته، الا انني وجدت نفسي اسأل نفسي : ترى لو توفرت الامكانات المالية لابنية حديثة وضخمة وفيها كل ماتمنيته وتتمناه الانفس ، كما توفرت الامكانات لعقد دورات (ما يسمى بالتاهيل لكل المعلمين) ، بل واعدنا تدريسهم في الجامعات واصبح كل المعلمين يملكون شهادات دكتوراة في مختلف التخصصات، ترى هل من الممكن ان يتغير التعليم للاحسن، انا اشك في ذلك، وشكي نابع من ان الخلفية الدينية لمجتمعنا هي السبب الرئيسي وراء هذا التخلف ، او وراء هذه العقلية التي تنزعنا وتشدنا للرجوع الى ماقبل التاريخ.
شاكرا مرة اخرى تحليلك وسردك العميق لهذا الموضوع المهم والذي هو مغيب عن اجندة مثقفينا .وقادتنا واحزابنا السياسية


4 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 19 - 09:43 )
تحياتي صديقي سعيد . في المقارنة الخاصة بمدرستي أوضحت أن الطفرات في البناء المدرسي وفي عدد وتحصيل المعلمين لم تؤثر إيجابيا على نوعية التعليم . وبالعكس زاد التردي . أشرت إلى العوامل الأخرى لأقول أن تطوير التعليم يتطلب معالجة كل تلك العوامل . أنت هنا تشير إلى البيئة الحاضنة والتأثير الكبير للفكر الديني السياسي عليها . أوافقك الرأي . فقد سبق وأشرت إلى هيمنة سدنة تيار النقل على العقل العربي قرابة عشرة قرون. وقلت أن السدنة هؤلاء لن يقبلوابالتخلي عن هذه الهيمنة وحيث التلقين في التعليم و رفض القراءة وتعشيش الخرافة والأسطورة وسائر الخزعبلات في العقل العربي ، وعقل المتعلمين بالدرجة الأولى حلفاء لهم . إذن فإن علاج التعليم لا يتم بالانتقال من نهج التلقين إلى النهج التفاعلي ، الحواري فقط ، وبتأهيل المعلمين والبناء المدرسي . . العلاج يتطلب تكاتف مؤسسات عدة في مقدمتها وزارات الثقافة والعدل والضمان الاجتماعي ...الخ .معاداة الدين غير مطلوبة بالمرة . لكن معارضة بث رجال الدين للخرافات ، وقف منهج التحريم والتحليل ، وتوزيع شهادات الكفر والإيمان هو المطلوب. الحوار وتحكيم العقل فيما يقولون هو قصد السبيل .


5 - وماذا بعد
سعيد في شكي ( 2014 / 4 / 19 - 20:00 )
شكرا على ردكم السريع
ولكن السؤال ..... ما المقصود بتكاتف المؤسسات ؟ كيف يمكن ان تتكاتف تلك المؤسسات اذا كان وضعها اسوأ بكثير من المؤسسة التعليمية فكل مؤسسة تحتاج جهود ضخمة لتستطيع ان تقول عنها انها بدأت تسير في الاتجاه الصحيح
وحال القائمين على كل المؤسسات سواء الحكومية او الاهلية او الخاصة وفي ذيلهم القائمين على المؤسسات الحزبية والحركية والجبهاوية ليس بافضل من العاملين في المؤسسات التعليمية
مع العلم انني حتى هذا الوقت لست ادري مالعمل وكيف يمكن ان نبدا
شاكرا لكم تواصلكم


6 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 19 - 22:05 )
تحياتي من جديد .قلت في المقال أن على قيادة الدولة ، ، بمختلف مكوناتها أن تجيب على السؤال : هل يمكن التعايش مع هذا الانحدار المستمر في التعليم ؟ وهل يمكن احتمال خطر الخروج من التاريخ والاكتفاء بمجرد البقاء؟ وهل يمكن قبول أن نبقى لإسرائيل حطابين وسقائي ماء ؟ إذا كان الجواب بلا فعلى الدولة أخذ قرار بحل معضلة انحدار التعليم . هذا يعني أن تعبئ كل طاقات إداراتها ومؤسساتها الرسمية والمدنية لتطبيق القرار . والجميع يعرف أن دولة كالولايات المتحدة ، وعندما سبقها السوفييت في غزو الفضاء ، كانت قيادتها من أخذ القرار بتطوير مناهج التعليم وسد الثغرة بين الجانبين . طبعا لا يحصل الأمر بأن يأخذ أبو مازن القرار ، ويأمر بالتنفيذ . القيادة ككل تتوصل لذلك وتخوض حوارا مجتمعيا ، لتضمن تكاتف كل المؤسسات لإنجاح قرار الحياة أو الموت هذا . في وضعنا ستكون المقاومة شديدة جدا لمثل هكذا توجه ، لكن التعبئة العامة التي تستهدف كل قطاعات الشعب ستشكل ضمانة النجاح . المشكلة أن لا السلطة ولا الأحزاب ولا الفصائل تطرح المسألة على هذا النحو ، وستجد بينها من يجادل بأن التعليم بخير ، وأن لا خطر علينا . ها نحن نعلق الجرس .


7 - اللي كاتبه ربك بصير
سعيد في شكي ( 2014 / 4 / 20 - 08:16 )
كل ما تقوله صحيح ، في ظل مجتمع معافى ،ولكن في ظل مجتمعنا الذي ينخر فيه الفساد وتحكم افعاله وتفكيره الغيبيات والخزعبلات، كيف يمكن ان ان نبدأ او نخوض حوارا مجتمعيا، ومن سيدير هذا الحوار ومن سيتفق مع الاخر ، فالكل يعتبر نفسه هو الذي على حق والاخرين جاهلين فاسدين كافرين، ونحن اكثر ما نجيد عمله قمع الراي الاخر واقصاء الاخرين، ونحن كما قلت ، ، اعداء للقراءة والكتاب، وليس عندنا ايمان بالبحث والاحصاء ، نحن نجيد الارتجال والسطوة والسلطة ، وفي مصالحاتنا بعد خلافنا فان اكثر ما نجيده هو ان نقسم العرب عربين

شاكرا اهتمامك بهذا الموضوع المهم


8 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 20 - 18:27 )
تحياتي : إذا افترضنا أن اجتماعات لمجلس الوزراء ، بقيادة الرئيس ، كرست للإجابة على السؤال الخاص بالبقاء في ، أو الخروج من التاريخ ، وقرر من ثم إحداث الثورة افي التعليم ، تكون خطوته التالية خروج الرئيس وجهاز الرئاسة ، والوزراء وكبارال مسؤولين لطرح الأمر على الشعب . القرار سيحتاج لخطة تمويل ، وتحويل في الأولويات ، فتدبير بتحويلات من ميزانيات القطاعات . هؤلاء جميعا يجب أن يستخدموا الإعلام لإيضاح القرار وقبول الشعب للتضحيات . . وأظن قبل الخروج للشعب يتطلب الأمر حوارا مع القوى السياسية والمدنية لإقناعها بأهمية القرار ، ومن ثم إشراكها في العمل . . مرة أخرى أقول أن فعلا كهذا يتطلب تشغيل أجهزة الدولة خصوصا الإعلام والثقافة . والناس قد يشتركون في الحوار وسيحدث ما تفضلت به . لكن حوار الدولة سينصب على قبول الناس للتضحيات المطلوبة وليس لإقناعهم نطبق القرار أو لا نطبقه .


9 - حلم خلية النحل
سعيد في شكي ( 2014 / 4 / 22 - 19:30 )
انا اتفق معك ان قرارا ممكن ان يصدر من الرئيس او حتى من مجلس الوزراء بضرورة احداث ثورة في التعليم، ولكن السؤال المهم هل لدينا ثوار؟هل لدينا من يتحمل المسؤولية في متابعة هكذا قرار؟ ومن اين التمويل؟ وكيف سيسمح الفاسدون واصحاب الواسطة والمعينون في غير اماكنهم المناسبة بتمرير مثل هكذا قرار يعرفون مسبقا انه سيقضي على مستقبلهم؟
فانت اذا استعرضت اعضاء المجلس التشريعي فلن تجد احدا يملأ كرسيه، واذا استعرضت السلك القضائي فحدث ولا حرج ومشاكله اكبر من ان يخوض اصلاحا ذاتيا، واذا استعرضت السلطة التنفيذية فالفساد ينخر فيها ولا احد مناسب في المكان المناسب، واذا استعرضت التنظيمات السياسية فحالها ليس بافضل من نزاع العائلات في كل قرية فلسطسنية وقادتها لا يهمهم سوى سياراتهم الفارهة ومقاعدهم الوثيرة ،وجامعاتنا فيها دكاترة على قفا مين يشيل والدزينة ببريزة

اخيرا انا اتفق معك فيما قلت ولكني اعتقد ان هذا حلم على الاقل لا يمكن ان يتحقق ما لم يحدث تغيير جذري في الوعي الفردي والجماعي ، واعتقد ان هذا ليس بقريب


10 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 23 - 10:44 )
تحياتي .إذن نحن متفقان أنها مسؤولية القيادة . وأضيف هي مسؤولية المثقفين وأصحاب الرأي أيضا . دائما يتعالى الصوت عن مؤامرات لتمزيق الأوطان طمعا في الثروات الطبيعية - النفط - . ولا نتوقف عند إضاعة الثروة الأهم ، ثروة العقول .مصر الآن ، وتونس أيضا ، مضطرة للتنمية حلا لمشاكلها العميقة . أدركوا هناك أن لا سبيل لتنمية ناحجة مع استمرار التفريط بثروة العقول ، والحل إحداث ثورة في التعليم . هم يرون أيضا العبء الثقيل هنا . يرون العقبات التي أشرت إليها والتمويل الهائل في المقدمة . في فلسطين لامناص أمامنا ، إن اخترنا البقاء ، وليس بقاء الحطابين وسقائي الماء لإسرائيل ، إلا إحداث ثورة في التعليم . نعم لا ثوار لدينا الآن . والسلطة بأجنحتها المختلفة ، كما أشرت ، ولكن لا بد مما ليس منه بد . التمويل في ظني هو أسهل العقبات . إعادة جدولة الأولويات في الميزانية ، التخلي عن المصروفات المظهرية ، طلب العون من الأصدقاء .....الخ ربما يحل المشكلة . مهمتنا مواصلة الدق على جدار الخزان علنا نوقظ أحدا من النيام . أخيرا هذا ليس حلما هو ضرورة حياة . إذا بدأت مصر خطوات ، وهي ملزمة ، محبرة ، مضطرة ، فسيصبح الحلم حقيقة


11 - الى الحكومة ووزير التعليم
رمضان عيسى ( 2014 / 4 / 25 - 10:34 )
المناهج الموجود فشلت في تعليم النشئ فهي مليئة برفض الآخر والكره للغير عربي والغير مسلم ، فكيف يقبلون تجاربهم وخبراتهم ، فهم كفره ، ونحن خير أمة أخرجت للناس !!!
لهذا يجب 1- تعزيز فكرة المنهجية العلمية والفلسفية في المناهج . 2- اعادة مادة الفلسفة والعلوم الانسانية . 3- شرح نظرية داروين كاملة وأبعادها التطورية . 4- تعزيز فكرة الانسانية واحترام الانسان كانسان بغض النظر عن اللون والدين والجنس . 5- رفض فكرة الخصوصية الحضارية - لما فيها من تعزيز فكرة الانعزال عن العالم حضاريا وفكريا 6- التخفيف من فكرة التميز الديني لما تحمل في أبعادها من أفكار ترفض الآخر وتبعد أفكار المساواة بين البشر . 7- تعزيز فكرة المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات ورفع التمييز بين الرجل والمرأة . 8- غربلة التاريخ ورفض التجارب التي لا تتوافق مع هذا الزمن من أخلاقيات أو نظمة حكم وراثية . 9- تعزيز فكرة الحرية والممارسة الديمقراطية لتعزيز مشاركة الشعب في القرارات المصيرية . تعزيز الاخلاص للوطن وتعزيز أفكار المواطنة الحقيقية ورفض التشيع للأحزاب التي لها أجندة خارجية على حساب الوطن المستقل نهجا وسياسة .


12 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 4 / 26 - 08:57 )
تخياتي يا أخي رمضان . أوافقك الرأي في ضرورة أنسنة وعلمنة مناهج التعليم ، وفي البدء إعادة تدريس مادتي الفلسفة والمنطق ، وأيضا علم الاجتماع . ما أراه أن تحديث المناهج بالشكل الذي تشير لا بد أن تسبقه خطوة التخلص من نهج التلقين . فتدريس نظرية داروين مثلا من خلال نهج التلقين الحالي لن تعود بأية منفعة . كل منظومة التعليم تحتاج إلى ثورة تنسف القائم من جذوره وتضع له بديلا عصريا . هذا كما تعلم يحتاج لقرار سياسي ، أغلبية الأنظمة القائمة ، السلطة الفلسطينية مثلا ، أعجز من أن تتخذه . وأنت تعرف أن تنفيذه يحتاج إلى إمكانيات كبيرة والتغلب على عقبات أكبر ، وفي المقدمة تغيير أولويات الدولة . سأعطيك مثلا : هل لدينا قيادة في العالم العربي مستعدة لمجرد التفكير بأن تكون ميزانية التعليم أكبر من ميزانية فرع من فروع الأمن؟ . وفروع الأمن كلها في فلسطين لا لزوم لها ، مسألة مظهرية لا أكثر ولا أقل ، ومع ذلك تلتهم أضعاف ميزانية التعليم . وتحياتي لك مجددا .

اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو