الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخطيط اجتماعى ام تخريب للمجتمع

محمد مهاجر

2014 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


تخطيط اجتماعى ام تخريب للمجتمع

-
محمد مهاجر
-

فى عام 1993 اختار الدكتور حسن الترابى, اﻻ-;-ب الروحى لنظام اﻻ-;-نقاذ الحاكم فى السودان, تلميذه والرجل الثانى فى حركته, على عثمان طه, ﻻ-;-ن يتولى وزارة التخطيط اﻻ-;-جتماعى التى انشئت خصيصا له, واصبحت بديلا عن وزارة الرعاية والضمان اﻻ-;-جتماعى. واعتقد الكثير من السودانيين بان اﻻ-;-مر لا يعدو عن ان يكون تغييرا شكليا لارضاء اقر ب المقربين من الترابى, و لكى يقترن اسم الوزارة بالهيبة واﻻ-;-بهة والسطوع. لكن المتتبع لسيرة المحامى, وهو مقرب من الرئيس البشير وصنوه فى العمر, بدأ بالمناصب التى شغلها منذ رئاسته لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1971, ثم عمله بالجهاز القضائى ثم المحاماة من سنة 1973 الى سنة 1977, ثم عمله كنائب فى البرلمانات المعينة والمنتخبة من عام 1977 الى عام 1993, يدرك ان التعيين كان لامر خطير. والحقيقة ان تلك الوزارة قد ساهمت مساهمة فعالة فى اكبر عملية تخريب طالت المجتمع السودانى والحياة السياسية فى هذا البلد العظيم


والوزارة انيط بها ان تجرى تغييرا جذريا فى المجتمع السودانى. والمنطق يقول بان التغيير المنشود سيكون نحو اﻻ-;-فضل , لكن الذى حدث هو التخريب الهائل الذى اصبح ينذر بتفكك كامل للمجتمع وتشرذم الدولة بعد ان لاحت نذر انفصال اجزاء اخرى من السودان بعد ان انفصل الجنوب. والباعث اﻻ-;-ول لتسريع التغيير اﻻ-;-جتماعى هو الشعور بفشل المشروع الحضارى اﻻ-;-سلامى الذى اتى به الترابى وروج له ودعى اليه المتطرفين اﻻ-;-سلاميين من كل انحاء العالم. وكانت اولى بوادر الفشل هى ان شوكة المعارضة قد قويت, وكانت ممثلة انذاك فى التجمع الوطنى الديمقراطى والحركة الشعبية. كذلك تكاثرت الهزائم على كتائب المجاهدين وقوات الدفاع الشعبى فى الجنوب. ولم ينجح رفع شعار الحرب المقدسة, او الجهاد, الا فى زيادة قوة الحلف المضاد لهم. والسبب هو ان الدعاية الحربية لنظامهم قد ادت الى زيادة عدد المتعاطفين مع الجنوبيين من مسيحيين ومدافعين عن حقوق اﻻ-;-نسان ومناصرين لحركات محاربة الرق وتحرير العبيد وغيرهم. والمثير للسخرية واﻻ-;-شمئزاز هو ان الترابى تراجع وانكر دعاوى الجهاد بعد ان طرده البشير فى ديسمبر عام 1999 من السلطة فيما عرف بالمفاصلة, بل قال ان الذين ماتوا فى تلك الحرب هم فطائس, فى تنكر واضح لدعوات الجهاد واﻻ-;-ستشهاد, حيث كانت ترتبط بتحويل اتباعه مآتم قتلى تلك الحرب الى احتفالات تطلق فيها الزغاريد وتبشر فيها اﻻ-;-مهات بان ابنائهن موعودون بزوجات من حور الجنة. وبالرغم من ان اﻻ-;-علام الحكومى الرسمى حاول نفى التهم الموجهة للحكومة بشن الحرب المقدسة, اﻻ-;- ان الواقع كذب ادعاءاته حيث اتضحت للعيان ممارسات القتل على نطاق واسع وجرائم الحرب الكثيرة والسبى وتبنى الخطباء لدعوات الجهاد, فى خطب تشبه جلسات التنويم اﻻ-;-يحائى. وكانت نتيجة الفشل ان اقتنع الكيزان بان سياساتهم لن تؤتى ثمارها فى المجتمع السودانى, لذلك يجب اعادة برمجته وتخطيطه وفق رؤاهم.


والتخريب الذى طال المجتمع السودانى واصبح يبين بشكل واضح, انما هو ثمرة ذلك التخطيط الذى بدا عام 1993. وقد استخدم راسمى سياسة حكومة اﻻ-;-نقاذ, وعلى راسهم وزير التخطيط اﻻ-;-جتماعى على عثمان طه, استخدموا مبادئ العلوم السياسية واﻻ-;-جتماعية واﻻ-;-حصاء لرسم سياسات يسرت لهم المهمة. واهم تلك المبادئ هى ما يعرف بالهندسة اﻻ-;-جتماعية. والمفهوم يعرف فى القواميس بانه ممارسة تتم برسم السياسات واصدار القوانين والنظم اﻻ-;-دارية أو باستخدام وسائل أخرى للتأثير على الرأي العام والسلوك, وذلك من اجل حل مشاكل المجتمع و تحسين الظروف الاجتماعية, وادارة الموارد البشرية على حسب موقعها ووظيفتها في المجتمع. واول من اشار الى الهندسة اﻻ-;-جتماعية هو رجل الصناعة الهولندى جى فان ماركن سنة 1894, وقصد بها حوجة مجتمع العمال لاخصائى اجتماعى كى يساعده فى حل مشاكله اسوة بالمهندس الذى يحل مشاكل اﻻ-;-ﻻ-;-ت. والجانب اﻻ-;-يجابى من الهندسة اﻻ-;-جتماعية يظهر فى استخدام العلوم لتحليل وفهم النظم اﻻ-;-جتماعية ومن ثم انتهاج السياسات وعمل البرامج المناسبة. لكن المفهوم استخدم استخداما سيئا خاصة من قبل اﻻ-;-نظمة الكتاتورية. فقد استخدم هتلر ذريعة اﻻ-;-صلاح والتخطيط اﻻ-;-جتماعى لاقصاء وتخوين الملايين من اﻻ-;-قليات فى المانيا النازية, مثل اليهود والغجر وغيرهم, ومن ثم ارتكب اكبر جريمة ابادة فى التاريخ. كذلك فعل جوزيف ستالين فى روسيا الشيوعية حيث هجر الملايين من اﻻ-;-قليات من مناطقهم ونفى اﻻ-;-عداد الهائلة الى سبيريا وعذب واباد البشر بحجة اصلاح المجتمع وفق النهج الذى يؤمن به. واﻻ-;-مثلة كثيرة تمتد من دكتاتوريات بورما والصين وكمبوديا مرورا باليونان واسبانيا الى اﻻ-;-رجنتين. والمشترك بين هذه اﻻ-;-نظمة الدكتاتورية هى الغاء مفهوم الفردية واعتبار اﻻ-;-نسان مثل اﻻ-;-لة التى تخضع لقوانين ونظم وقوانين ثابتة تطبق على كل فرد فى المجتمع بغض النظر عن تميزه وهويته. وعند تطبيق اﻻ-;-نظمة الدكتاتورية لسياسات الهندسة اﻻ-;-جتماعية, او اﻻ-;-صلاح اﻻ-;-جتماعى كما تسميها, فانها كانت تسعى الى التاثير على السلوكيات من خلال استخدام كل الوسائل المتاحة, وﻻ-;- تستثنى من ذلك الوسائل غير اﻻ-;-خلاقية, وكذلك التاثير على الراى العام بصورة سلبية تخدم مصلحة السلطة الحاكمة. ومما يدعو الى السخرية ان اسم ثورة اﻻ-;-نقاذ الوطنى هو تقريبا نفس اﻻ-;-سم الذى استخدمته الطغمة العسكرية الحاكمة فى اليونان, من 1967 الى 1974, حيث وصفت نفسها بثورة انقاذ اﻻ-;-مة. وتستخدم الكتاتوريات فى تنفيذ سياسات الهندسة اﻻ-;-جتماعية وسائل اﻻ-;-علام واجهزة اﻻ-;-من ومراكز البحث والشرطة وغيرها من اﻻ-;-جهزة المرتبطة مباشرة بالمجتمع



ومما جعل سياسات حكومة اﻻ-;-نقاذ تؤثى ثمارها السلبية فى المجتمع هى انها استخدت اﻻ-;-ساليب اﻻ-;-كثر وحشية مثل الصدمات واشعال الحروب واﻻ-;-رهاب وتعطيل العقل النقدى. وفى حرب الجنوب لم تستطع الحكومة حسم الحرب لصالحها فدلفت الى الخطة البديلة وهى عقد اتفاقية السلام, ثم تم دفع الجنوبيين دفعا الى تبنى خيار اﻻ-;-نفصال, وقد كان لهم ما ارادوا. نفس هذه السياسات اصبحت تمارس اﻻ-;-ن فى دارفور وجنوب كردفان والنيل اﻻ-;-زرق وبصورة اكثر وحشية وكثافة. والحرب لها تاثير الهلع والصدمة الكبيرة والذى يفوق تاثير الزﻻ-;-زل والفيضانات والكوارث الطبيعية اﻻ-;-خرى. والحرب استطاعت ان تخرب النسيج اﻻ-;-جتماعى بفعل ازهاق ارواح مئات اﻻ-;-ﻻ-;-ف واﻻ-;-عتداءات على اﻻ-;-موال واﻻ-;-نفس واﻻ-;-غتصابات والتشريد وخلق الفتن اﻻ-;-جتماعية واﻻ-;-حقاد ونسف الهوية الوطنية والمحلية, فسادت بدﻻ-;- عن ذلك الهوية القبلية, وهى هوية هشة, وانتشرت العنصرية وساد البغض بين الناس. واصبحت المجمتعات فى تلك المناطق معدة لتقبل الخطة البديلة وهى اﻻ-;-نفصال


ولتنفذ سياسات تخريب بنية المجتمع تم كذلك اضعاف اجهزة الدولة مثل الخدمة المدنية والجيش والشرطة. وبالمقابل اصبح جهاز اﻻ-;-من قويا ينافس الجيش ويقوم احيانا بمهامه. كذلك انشأت اجهزة موازية ﻻ-;-جهزة الدولة مثل اجهزة اﻻ-;-من الخاصة والميليشيات ومجموعات البلطجية المنظمة مثل عصابات النقرز. ويتحدث المواطنون عن شخصيات بعينها فى الحكومة وفى الحزب الحاكم باعتبارها مسؤولة عن هذه اﻻ-;-جهزة البديلة وعن توجيهها وتمويلها, بل يدعى الناس معرفة اماكن تجمعات افرادها ومراكز بعضها. والسبب هو ان المجتمع السودانى مجتمع بسيط ومتداخل والناس فى المدن يعيشون حياة قريبة من حياة القرى من حيث التداخل والتواصل. والقصد من انشاء هذه اﻻ-;-جهزة البديلة هو ارهاب المواطنين وتثبيط هممهم حتى يصلوا الى اقتناع بعدم جدوى اللجوء الى الشرطة والقضاء والصحافة الحرة والبرلمان الذى يرجى منه القيام بدور الرقيب على عمل الحكومة ومحاسبتها. وكمثال على فشل اﻻ-;-جهزة الرسمية نجد ان بعض الميليشيات مثل الجنجويد تقوم بتوفير الحماية لمركبات نقل المواطنين فى المناطق النائية وتاخذ من المسافرين مقابلا ماديا لتلك الخدمة


وقد ساهمت اجهزة اﻻ-;-علام فى الترويج لسياسات الحكومة الهادفة الى تخريب المجتمع, حيث اصبح اﻻ-;-علام يركز على عرض حياة اثرياء اﻻ-;-نقاذ مثل مظاهر البذخ البين وعادات الزواج الغربية والشرقية وتبذير اﻻ-;-موال على الموضة فى اللبس وتصفيف الشعر وغيرها. ولم يكن هدف اﻻ-;-علام من العرض هو النقد واﻻ-;-صلاح لكن الهدف هو الترويج. وكان اجدى باﻻ-;-علام ان يعرض ثقافات اﻻ-;-قليات التى لا تجد حظها الكافى من زمن البث فى محطات التلفزيون واﻻ-;-ذاعة. اما سهولة الحصول على تكنولوجيا اﻻ-;-تصال والخدمات الرقمية فلم يصبح حافزا لكى تستخدم هذه الوسائل فى التوعية وتنمية الموارد البشرية, لكنها اصبحت وسائل لالهاء صغار الشباب وشغل وقتهم بتفاهات اﻻ-;-مور, فاصبح الكثير منهم يستهلك التكنولوجيا وﻻ-;- يقتطع الوقت الكافى من زمنه الخاص لتطوير نفسه علميا. وساهم فى هذه الميول نظام التعليم, وهو نظام بنى اساسا على نهج التلقين الخاطئ, ولم يسع الى التشجيع على التفكير النقدى وتمليك الطالب القدرات والمهارات واﻻ-;-ستعدادات حتى يتمكن من تعلم كيفية الحصول على العلم


ومن نتائج الحروب الوحشية الزيادة الكبيرة لعدد المهاجرين من دول الجوار والذين جاؤوا بتشجيع من قادة النظام بفعل دعايتهم بان السودان اصبح دولة اﻻ-;-سلام التى ساد فيها العدل وعم الرخاء. فتقاطر المتطرفين اﻻ-;-سلاميين من كل حدب وصوب, وساعدتهم فى ذلك حدود السودان الواسعة المفتوحة. كذلك ساهم فى تدفقهم اكتشاف البترول والمعادن, واطلاق العنان لزعماء الجنجويد الذين اصبحوا يعيثون فى اﻻ-;-رض الفساد. وارتكبت ميليشيات الجنجويد الجرائم الكبيرة والوحشية فى حق النساء واﻻ-;-طفال والشيوخ, من اغتصاب النساء امام اعين اﻻ-;-هل الى اهانة الزعماء والشيوخ ذوى المكانة, ماديا ومعنويا, وفى اﻻ-;-ماكن العامة, بقصد اﻻ-;-هانة ونزع هيبتهم امام جماهيرهم


وبدلا عن ان يصبحوا قدوة حسنة فى ترشيد استخدام موارد الدولة من اموال وارض وغيرها, اصبح قادة نظام اﻻ-;-نقاذ قدوة للبعض فى اﻻ-;-ثراء من المال العام واكل الحرام ومال السحت. وبانت فى المدن مظاهر الثراء الفاحش التى اصبحت تعيش جنبا الى جنب مع الفقر المدقع. والفقراء يمرون على مراكز التسوق الفخمة واليخوت والقصور الفاخرة وهم ﻻ-;- يملكون شروى نقير, يتسولون ثمن الدواء ووجبة افطار ابناءهم فى المدارس. والمفرح هو انكشاف ثروات هؤﻻ-;-ء اﻻ-;-سلاميين واستثماراتهم الخارجية, فهذه اﻻ-;-شياء اصبحت تفضح بسهولة بفضل العولمة وانتشار شبكات التواصل اﻻ-;-جتماعى والتكنولوجيا الحديثة مثل اﻻ-;-قمار الصناعية

وفى نهاية المطاف فان المواطن العادى هو الذى قدر له ان يتحمل تبعات التخريب المريع الذى طال المجتمع, وثمن فشل سياسات اجتماعية خرقاء. اما المخدوعين من مؤيدى نظام اﻻ-;-نقاذ وحزبها الحاكم فقد شاهدوا بام اعينهم كيف ان المشروع الحضارى اﻻ-;-سلامى اصبح احلاما تبخرت فى الهواء, وﻻ-;- غرو فالزبد يذهب جفاء. و الكثير منهم رضى من الغنيمة باﻻ-;-ياب, والبعض اﻻ-;-خر اتجه الى كنز اﻻ-;-موال والذهب وامتلاك النساء والسعى المحموم وراء ملذات الحياة الدنيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية