الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى مقصودة

محمد مهاجر

2014 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


فوضى مقصودة

--
محمد مهاجر

--


المتابع لاخبار الفساد المنتشر فى السودان يدرك بان الامر ينسجم تماما مع حالة الفوضى التى شملت المجتمع واجهزة الدولة, وهى فوضى مقصودة. وقد يبدو التقييم غريبا لكن المنطق يؤكد ان القائمين على امر الحكم فى السودان لم يضعوا فى قائمة اولوياتهم اصلاح نظام الحكم وتطوير الدولة, بل شعروا منذ مدة ان قمع المعارضة, خاصة المسلحة, ليس بالامر السهل, لذلك تركوا الحبل على القارب, واطلقوا العنان ليد المتنفذين لكى يفعلوا ما يحلو لهم. والمنطق يؤكد كذلك ان 25 سنة من حكم البلاد بواسطة نظام البشير, هى مدة كافية لبناء دولة رشيدة وقوية


والدول الحديثة تسعى الى تقوية الحكم الرشيد وتطويره. والمفكر نايف الروضان, عضو مركز جنيف للسياسات الامنية, كان قد حدد فى كتابه التاريخ المستدام وكرامة الانسان, اسس الحكم الرشيد من وجهة نظره. هذه الاسس هى الغاية والامن وحقوق الانسان, وكذلك المساءلة والعدالة, اضافة الى توافر الفرص والابتكار ومشاركة الاخرين. والغاية من هذه الاسس ,بحسب الروضان, هى الحد من طبيعة الانسان وضمان توفر جو من السعادة والانتاجية وذلك من خلال التحفيز على السعى وراء تحقيق الغايات والكرامة. اما الحكومة الهولندية فقد نشرت كتيبا عام 2009, مهر بتوقيع الوزيرة خشة ترهورست التى وضعت له المقدمة, ووردت فيه 7 مبادئ تحدد مبادئ الحكم الرشيد وهى

الانفتاح والنزاهة
المشاركة
التواصل الجيد مع الجمهور
الفعالية والكفاءة
الشرعية
المقدرة على التعلم وتطوير الذات
المساءلة

والمندوبية السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة حددت 4 معالم للحكم الرشيد وهى لا تختلف عن المبادئ التى وردت فى الفقرة السابقة. والحقيقة ان الدول المتقدمة تتفق على مبادئ عامة للحكم الرشيد وتقوم بتطبيقها وتطويرها. اما فى حالة السودان فالذى حدث هو العكس, اى الانتقال من مرحلة الدولة الى مرحلة الفوضى

والحال فى السودان اصبح يقترب من حال الصومال, حيث اضمحلت سلطات الدولة المركزية حتى انحصرت بعضها فى العاصمة فقط. ففى السودان نجد ان من يمسك بزمام الامور هم زمرة صغيرة من اصحاب النفوذ, وهم يمتلكون المال والسلطة, وهم من ساهم فى اضعاف سلطة الدولة لصالح سلطة الافراد. وكمثال على ذلك الفوضى الامنية. فقد تمت تقوية جهاز الامن حتى اصبح يحل محل الجيش والشرطة وينفذ الكثير من العمليات رغم انف قادة هذه الاجهزة. كذلك توجد اجهزة امن عدة وهى تتبع لافراد بعينهم وتأتمر باوامرهم وترعى مصالحهم. بالاضافة الى ذلك تم دمج ميليشيلت الجنجويد سيئة السمعة, فى الجيش السودانى. والانكى من ذلك ان قادت هذه الميليشيات احتفظوا بمزايا كثيرة مثل الاستقلال فى اتخاذ القرارات وتوجيه جنودهم وحرية الحركة والافلات من القانون, فاصبحوا يتمادون فى ارتكاب جرائم النهب والسلب والاغتصاب والابتزاز, ومع ذلك يتمتعون بالحصانة الدستورية.

مثال اخر هو الفوضى الادارية والتى تظهر فى سهولة التزوير وانتحال الشخصية الاعتبارية والتلاعب فى السجلات. والنتيجة هى معاناة المواطن الفقير وضياع الحقوق. ففى الدول المتقدمة لا يستغرق استخراج شهادة من السجل المدنى او العقارى سوى دقائق معدودة. اما فى السودان فمدة الانتظار تكون عادة عدة ايام وقد تطول. والاعتذار بعدم توفر التكنولوجيا الحديثة لحفظ البيانات وتنظيمها, هو امر غير مقبول, لان التكنولوجيا اصبحت متوفرة فى العالم كله واصبحت رخيصة, من حيث الامتلاك او التشغيل. فبرنامج اعداد البيانات وادارتها كلفته هى الاف قليلة من الدولارات واجر المهندس فى السودان لا يزيد عن بضع مئات من الدولارات فى الشهر. اما تكلفة الفوضى فهى باهظة جدا على المواطن وعلى الدولة, لان الحق يضيع, و احيانا يضطر البعض الى ان يدفع تكاليف المحاكم و غيرها.

ممارسة اخرى هى سهولة انشاء الشركات وازالتها من الوجود. والواضح هو انعدام الرقابة الادارية والقانونية.
والرقابة تكون اكثر سهولة اذا كان هنالك سجل تجارى واضح وثابت فى مكاتب المسجل التجارى والغرف التجارية, وان تكون الشركات ملزمة بالتسجيل وفقا للقانون, و كذلك اذا وجد سجل ثابت وواضح للديون حتى تتمكن اى شركة من معرفة الموقف المالى للفرد او الشركة التى تتعامل معها ومن ثم تستطيع تقدير حجم المخاطرة. والقوانين والهياكل الادارية تحدد الضوابط حتى لا تضيع الحقوق عندما تعلن شركة ما افلاسها, او تنهى اعمالها وتختفى فى خضم الفوضى. والتلاعب يحدث حتى فى الدول المتقدمة. فنجد ان هنالك شركة متعثرة او هى على حافة الافلاس, فيعمد القائمون على امرها الى انشاء شركة اخرى او عدة شركات, ومن ثم يقومون بنقل الاموال وبعض الاصول الثابتة الى هذه الشركات. والفرق بين الدول المتقدمة وتلك المتخلفة هو ان الاولى بها اجهزة قوية ومتمرسة و القانون فيها يكون فوق الجميع. وما يصعب امر المحاسبة هو ان المسؤولية فى شركات المساهمة تقع على عاتق الشركة وليس على الافراد. واذا افلست الشركة فلا يوجد قانون يحاسب الشخص على ثروته الخاصة الا اذا ثبت تورطه فى تلاعب او مخالفات قانونية.


اما مدة العقدين ونصف التى قضتها زمرة الانقاذ فى السلطة فكانت كفيلة بتطوير نظام الحكم ليكون رشيدا وقويا ويعمل لمصلحة الشعب. لكن الواضح ان الفوضى التى شملت كل مجالات الحياة, هى فوضى مقصودة والهدف منها هو الا تكون هنالك دولة حديثة وقوية, انما افراد ومجموعات قليلة تستفيد من حالة الفوضى. وقد استطاع هؤلاء ان يؤثروا سلبا على السلطة القضائية, واصبح بامكانهم فعل كل ما يعن لهم, ويحقق لهم مصلحة, دون حسيب او رقيب. فهنالك من يستغل سلطته الامنية لكى يقوم بعمليات قذرة مثل الابتزاز والتعذيب والارهاب والتنكيل بالخصوم والثراء غير المشروع. والشواهد على الثراء الحرام كثيرة وهى تظهر فى العقارات الكثيرة والشركات والمزارع والارصدة فى البنوك وغيرها, وهذه يصعب اخفاؤها عن اعين الجميع


فى البدء كانت هنالك اموال تدفع للمؤيدين من الكيزان والمؤلفة قلوبهم حتى تضمن الحكومة الولاء. لكن بعد انفصال الجنوب وجدت الحكومة نفسها فى ازمة اقتصادية نسبة لخسارتها لمعظم الاموال التى كانت تجنيها من استخراج وتصدير النفط, والذى ذهب معظمه لدولة جنوب السودان. هذا الوضع جعل الحكومة تسعى الى تدبير اخر للصرف على المؤيدين والحلفاء, خاصة ان الضغوط الشعبية عليها قد ازداد وقويت. والانتهازيون كذلك تزايدت اعدادهم, فقد انضم بعض الموقعين على اتفاقية سلام الدوحة وتوابعها, الى هؤلاء الانتهازيين, هذا بالاضافة الى قادة ميليشيات الجنجويد وبعض قادة ميليشيات الشرق والميليشيات الاخرى التى انشاتها الحكومة لقمع التمرد. وبهذا اصبح الصرف على كل هؤلاء امرا مرهقا لذلك اطلقت الحكومة ايديهم يستطيعوا الاثراء باى وسيلة كانت, سوى كان ذلك بتهريب المخدرات او تجارة السلاح او تبييض الاموال او الاتجار بالبشر او الابتزاز او غير ذلك. والصحف تنشر بشكل يومى اخبارا عن تلك الجرائم.


ثراء فاحش يظهر فى البنايات الفارهة والعقارات والسيارات والشركات ومظاهر البذخ البين ومليارات الدولارات المخزنة فى البنوك الاجنبية, وجرائم الاتجار بالبشر والاختلاسات والفساد التى وصلت الى قبة البرلمان, كل هذا لم يات صدفة او نتيجة لعجز الدولة. فالحقيقة ان الغرض النهائى من الفوضى هو ان يتراكم المال والسلطة فى ايدى ثلة قليلة من متنفذى حكم الانقاذ. وهم يرسمون صورة واضحة لمن يعارضهم ومضمونها ان السلطة والمال بيدهم ومن اراد المال والحماية فليكن حليفا لهم, ومن لم يرض بذلك فمصيره المعاناة والتنكيل. لكن المؤكد هو ان الشعب واع ولن يرضخ لذلك السيناريو , لذلك فهو ينتفض ويقاتل ويواصل المقاومة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا