الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش على الوضع السياسي الدولي

سنان أحمد حقّي

2014 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هوامش على الوضع السياسي الدولي
تنشغل الأمم الأوربيّة اليوم بين حلم توحيد جهودها لمواجهة عالم التحديات المختلفة التي لم تعد قادرة على مواجهتها كلاّ على إنفراد وبين هواجس الليبرالية والديمقراطيّة التي خرجت من حضارة روما القديمة وتَعمقَ مختلف المفكرين الأوربيين بها لما طرحته من مفاهيم تناسب حريّة التجارة وفتح الأسواق في بداية العهد الرأسمالي والصناعي
وليس خافيا ما يبدو عليه العالم اليوم من تشكّل للقوى فهناك الولايات المتحدة التي تتقدّم العالم حضاريا لحد الآن والكتلة الأوربية ثم العالم المندفع بقوّة إلى أمام وأعني بها الصين وشرق آسيا فالهند وكلها تقع في مركز ثقل متقارب وهناك البرازيل المرشّحة لزعامة كتلة القارة اللاتينيّة .
ويقع العرب في منطقة مهمة جدا لأنهم يُشكلون حاجزا بشريا بين القارة الأوربية والكتلة الشرقيّة الموصوفة
وما فتئَت الكراهية الأوربية للعرب والمسلمين تفتّش عن مخارج متجددة لتفتيت العالمين العربي والإسلامي بمختلف الوسائل والفتاوى الواقعيّة منها والملفّقة ولكننا نتسائل الآن هل يُدرك الأوربيون مخاطر ما يسعون له بدأب واجتهاد متواصل؟
لا شك أن تفتت الكتلة الأوربيّة وهو أمر متوقع بدلا من توحّدها بسبب المفاهيم الليبراليّة والديمقراطيّة التي أشرنا إليها ومواصلة تحجيم العالمين العربي والإسلامي سيضع أوربا والحضارة المعاصرة بأجمعها أمام إمتحان صعب إذ أن الولايات المتحدة تُدرك أكثر من غيرها بسبب موقعها الحالي أن التحدّي الصيني يمكن إعتباره أضخم وأكبر تحدّي لها وللقارّة الأوربيّة وبالتالي للحضارة المعاصرة وتسريع سقوطها بالكامل
إن الأوربيين سيحتاجون العالمين العربي والإسلامي بقوّة بعد أن يُدركوا حجم التهديد والتحدّي الصيني على أقل تقدير كحاجز بشري بينهم وبين الشرق الأقصى ولا نعلم على وجه الدقة هل أن مخططي السياسة الأوربيين قد وضعوا ذلك في حساباتهم أم لا
وليس من العسير فهم محاولات الولايات المتحدة لبناء قوة مناسبة في منطقتنا كما يعلم الجميع بإسم الشرق الأوسط الكبير أي من أفغانستان إلى المغرب ولكن الأوربيين للأسف لم يرتقوا كما نظن إلى المستوى الذي تتطلبه الأوضاع والمسؤوليّة ومازال كثير منهم يُهاجمون مكونات هذه المنطقة بقوّة وهذا يصب في مصالح الصين والشرق الأقصى الستراتيجيّة تماما ولم يضع أحد في حسابه ماذا سيحصل لأوربا لو أن الصين إتجهت غربا أو لو حصلت مواجهة كبيرة بينها وبين أوربا وانتهت باحتلال أوربا ، وإستطاعت إجتياح المنطقة الواسعة من الصين إلى أوربا ؟ كما حاول جنكيز خان والقادة المغول في القرن الثالث عشر الميلادي وما بعده رغم أنه كانت في ذلك الوقت كثير من الممالك والإمبراطوريات العظيمة يمكنها مواجهة التحدّي المغولي كالإمبراطوريّة الإسلامية في بغداد ومملكة خوارزم والممالك الأخرى ، وهل سأل أحد ما ذا كان سيكون الحال لو أن المصريين كانوا قد خسروا معركة عين جالوت أمام المغول ؟ إن أوربا بأجمعها كان من الممكن أن تكون الساحة التالية لهم ، لم تتغيّر الحال كثيرا والترف الذي تعيش فيه مختلف الدول الأوربيّة الغربيّة قد أوشك أن ينتهي تماما وأن ألمانيا سوف لن تستطيع أن تواصل إعالة أوربا بأجمعها فضلا عن معطيات كثيرة تشير إلى إنكماش عدد سكان القارّة الأوربيّة أضف لذلك إنكماش الصناعة الأوربيّة مقابل الإنفجار التنموي في الشرق الأقصى
أمس يُصرّح وزير الخارجيّة الأمريكي ويقول إن التحدّي والنفوذ الصيني هو أهم ما تواجهه الولايات المتحدة، كما إن الصينيين جادّون في كل ما يقولون وللأسف مرّ تصريح المسؤول الصيني بدون تحليل عندما أُشير أمامه موضوع إنضمام العراق لمشروع طريق الحرير فقال : لم يتبقّ كثير من الوقت لتقرير ذلك ، كل هذه المعطيات تجعلنا نعتقد أن المسؤولين الأوربيين نائمين في العسل بعد ويتعيّن عليهم أن يستيقظوا سريعا
كل هذا من ناحية وكون الصين بتنميتها الهائلة حاليا لا شك تحتاج إلى وقود لهذه التنمية وذلك أيضا شأن جميع بلدان الشرق الأقصى والهند وما يلحق بها وهذا الوقود موجود في المنطقة العربيّة والأنظار كلها تتجه إليها وهذا يعني أن كتلة الشرق الأقصى ستتوجّه بالتأكيد بتأمين إحتياجاتها من هذه المواد الهيدروكاربونيّة من منطقتنا بالذات وللأسف ما زلنا نسمع من صغار الأوربيين كالرئيس التشيكي تصريحات وأفكار ليس من شانها تعزيز التعاون الأوربي الإسلامي ، أمّا إذا كان بعض الأوربيين يفكرون بأن يصنعوا من المارد الصيني بازا للصيد فهذا منتهى الحمق لأن الشاعر العربي يقول:
ومن يجعلِ الضرغامَ بازا لصيدهِ ....تصيّدهُ الضرغامُ فيما تصيّدا
إنني لا أقطع بأحوال هي قيد التشكّل ولكنه من الواضح أن القارة الأوربية التي تتداعى وتنكمش إقتصاديا وحضاريا وديموغرافيّا سوف لن يكون بمقدورها الدفاع عن نفسها وستحتاج بالتأكيد إلى أصدقاء كثيرين يُشاركونها همّها المقبل وأيامها المعتمة وفي ظل إنتهاء عهد الإستعمار أو غروبه بكل أشكاله فلن يكون هناك سوى الصداقة المقبولة والأصدقاء الأوفياء الذين هم وحدهم سيصمدون وقت المحن دائما ،
أمّا التعالي والتكبّر فللأسف لم يعد يأتي بشئ بعد الآن .
إننا نقف مع حق شعوب الشرق الأقصى في التقدّم ولكن إحتمال نشوب صراعات جديدة كبرى مازال قائما وهذا يُقلقنا جدا لا سيما أن النادي النووي بدأ يكتظّ بالأعضاء الناشطين ، ونوصي جيراننا الأوربيين أن يهدّئوا اللعب قليلا وأن لا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تسعير وتأجيج الصراعات في منطقتنا شرق الأوسطيّة والعربيّة بالذات على قاعدة برامجهم القديمة وخططهم التي لا يكفّون يُخرجونها من أدراج مكاتب أسلافهم المستعمرين ، الوضع الآن مختلف تماما وإن لم يكونوا ليُصدّقوا مقالنا هذا فليسألوا حلفاءهم الأمريكان فهم وإن كنّا لا نتّفق مع كثير من سياساتهم ألاّ أنهم يتوفّر لهم كثير من الموضوعيّة بسبب موقعهم المتميّز في العالم
إن وجود نزاعات في بيت جيرانك ليس مما لا شأن لك به فقد تمتد الحريق لك وفي عقر دارك
إننا نأمل أن يتفهّموا الوضع الدولي على وجه الدقّة ويكفّوا عن تأجيج نيران الفتن والصراعات في منطقتنا فليس في هذا مصلحة لأحد لا في المنطقة ولا في ما يُجاورها وأهم جيراننا هم الأوربيون فمثل هكذا صراعات قد تخدم أحد المتفرجين أكثر من العناصر المشاركة فيها، ولا يظنن أحد أن تحطيم الأبنية التحتيّة لبلداننا يمكن أن يفتح الباب واسعا أمام إستثمارات أوربيّة ومنافع طفيليّة لاستنزاف طاقات وقدرات وثروات هذه البلدان فأكثر الظن أن المارد الأقصى هو الذي سيستفيد من كل ذلك
إن النفوذ الصيني يتعاظم بشكل رهيب ولا يمكن مواجهته بالفتن الأوربيّة فقط
إن الغرور لا يمكن أن يورّث إلاّ الخيبة
وأفضل طريق لمواجهة المستقبل ومشاكله هو توطيد علاقات الصداقة النزيهة بين أوربا والشرق الأوسط بكل مكوناته وشعوبه كما لا يفوتني أن أتوجه للإتحاد الأوربي بإيلاء المشكلة الفلسطينيّة إهتماما أكبر من أجل التوجّه إلى حل سلمي دائم بهدف إطفاء بؤرة الفتن وأن لا يُعوّلوا على إسرائيل كثيرا بل عليهم أن يضغطوا عليها من أجل السعي إلى تطبيق التعهدات والإتفاقيات بدلا من التغاضي عن التلكّؤ في ذلك ومن جانب آخر فإن البلدان النفطيّة العربيّة ليست قادرة على حماية نفسها من أي نفوذ جدّي أيضا ولا يمكنها مواجهة أي قوة حقيقيّة وهذا أمر مهم جدا لتأكيد عدم إمكانيّة أوربا من حماية نفسها من النفوذ الصيني المقبل
وللحديث صلة والسلام عليكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يوتوبيا الصداقة النزيهه في العلاقات الدولية
سعيد زارا ( 2014 / 5 / 30 - 12:08 )
الرفيق العزيز سنان تحية صادقة

ان مطلبك في مواجهة المستقبل و مشاكله للخروج بالمنتظم الدولي من الازمة الراهنة و الذي رصدنه في توطيد علاقات الصداقة النزيهة بين اروبا و الشرق الاوسط هو مطلب من اليوتوبيا لا علاقة له بمالمفاعيل الحقيقية التي تتحكم في الوضع الدولي الراهن الذي يتفرد بكيميائه المختلفة عن التي سبقته اثناء قيام الامبريالية.

كيف يمكن توطيد علاقات الصداقة النزيهة في علاقات دولية تقوم منذ خطاب نيكسون 1971 و اعلان رامبوييه 1975 على اللصوصية ؟

وضع امريكا العسكري بعد انهيار مشروع لينين في السوفييت و انفكاك المستعمرات عن مراكزها الراسمالية مكن الولايات المتحدة من الانفراد بالقرار و تخريب كل الدعامات التي يقوم عليها الدولار كنقد عالمي يشير بدقة الى السلع.

امريكا تطبع الدولارات و كانها تطبع اوراق المراحيض , تطبع الدولارات دون الارتكان الى قانون القيمة الراسمالي, تطبع دولارات مزيفة قبلت اروبا ان تسبح عملاتها في فلكها, تطبع دولارات فارغة من كل قيمة تذعن الصين بمبادلاتها بسلعها الوفيرة الوافرة , تطبع دولارات لا روح فيها الخليج العربي اقسم باحيائها ببراميله النفطية.


2 - الأستاذ سعيد زارا
سنان أحمد حقّي ( 2014 / 5 / 30 - 21:15 )
نعم ولكل هذا فإن الوضع اللدولي سينجم فيه مزيد من الصراعات والمشاكل لا ريب ولهذا فإن ما يتشكّل حاليا يُنذر بمخاطر كثيرة ولكن عندما نجد أن الناس كلهم يسرقون لا يعني أن لا مكان للفضيلة والرجوع عن السرقة والتلاعبات ، إن قلق أمريكا من المارد الصيني أمر واقعي وأوربا تشيخ وهذا أمر واقعي أيضا ووجودنا إلى جوار الأوربيين يتطلب إستقرار وتنمية وأن وقوف الأوربيين مع هذه المطالب يعود بالنفع عليهم أكثر بكثير من تأجيج الصراعات وإدامتها
إن ما يبدو اليوم خيالا سيكون غدا أمرا واقعيا مطلوبا بالنظر لتفاقم الأزمات وبالنظر إلى أن النظام العالمي بأجمعه يشيخ أيضا لقد رعت المنظمة الدوليّة كثيرا من الندوات والإجتماعات الخاصة بالوضع الأوربي ولم يخرجوا بنتيجة سوى التعاون مع مجاوريهم ونحن أهم مجاوريهم فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تأجيج الصراعات وإثارة الإضطرابات؟ ومن ينتفع بكل هذا؟
إن الوضع الإقتصادي المتهاوي الذي تشيرون إليه هو من سيدفع الجميع إلى التفتيش عن حلول ولن تكون هناك من حلول سوى التعاون وهو نفسه الذي يزيد من تعظيم الدور الصيني بعين الأمريكان، وخلال عقد واحد من الزمن أو عقدين رأينا
يتبع رجاء


3 - الأستاذ سعيد زارا2
سنان أحمد حقّي ( 2014 / 5 / 30 - 21:18 )
تابع رجاء
هبوطا واضحا في هرم القيادة الأمريكي وهذا ليس خيالا إنما واقع حقيقي ترجمته وقائع الأزمة الإقتصادية الكبرى التي لم تخرج منها الولايات المتحدة لحد الآن
إنني من الذين يؤمنون بأن العلاقة الجدليّة بين الإقتصاد والسياسة لا تعني أن كل المبادرات يجب أن تبدأ بالإقتصاد ، إذ أن كثيرا من الإجراءات الفوقيّة أحيانا هي الأخرى تشكل محركا لتلك العلاقة بسبب كونها علاقات متبادلة إن الأوربيين يحتاجوننا وكذلك الأمريكيون ونحن بالنسبة للعالم مازلنا نمتلك حضورا ديموغرافيا كبيرا وواعدا لو قارناه بالوضع الديموغرافي الأوربي المتهاوي إذ يتوقّع بعض الخبراء أن مجموع سكان أوربا بأكملها بعد خمسين عاما لن يتجاوز مائة مليون شخصا لكم أن تقدّروا ماذا سيعني كل هذا على النطاق الدولي ! إن منخفضا حضاريا يُنذر بالتشكّل طبعا ولو مثّلنا القوى العالميّة الحاليّة بمجموعة غيوم على الخارطة كما هي خارطة الطقس فسنرى بعد تفعيل المؤثرات أن تشكّل هذا المنخفض الموصوف ستكون له عواقب جسيمة على الطقس الأمر الذي يدفع
بمختلاف الغيوم والسحب
يتبع رجاء


4 - الأستاذ سعيد زارا 3
سنان أحمد حقّي ( 2014 / 5 / 30 - 21:20 )
تابع رجاء
بمختلف الغيوم والسحب بالتحرّك من كل الإتجاهات إلى مركز التخلخل المتشكّل
هذا هو رأيي الذي لا يتناقض مع توقعاتكم بل ينجم عنها وبسببها

إنتهى رجاء

اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا