الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع هادى العلوى الذى جمع بين الماركسية و التراث الاسلامى و التصوف

ممدوح مكرم

2014 / 5 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



فى عام 2000 م كنت مسافرا للقاهرة / للتقديم فى دراسات عليا ( كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ) و محاولة البحث عن عمل بعد إنهاء دراستى الجامعية ، عند بائع الصحف وجدت مجلة العصور الجديدة ، تصفحت عناوينها خارجيا وداخليا ، و اشتريت العدد.
كان من أبرز المقالات ؛ مقال عن " الطائفية فى الوطن العربى " اشترك فى كتابته إثنين ؛ هادى العلوى ، و علاء اللامى. كانت المجلة تقدم ميزة لا تتوفر كثيرا فى دورياتنا الثقافية ؛ وهى نبذة عن كتاب و محررى العدد ، هادى العلوى مفكر عراقى ، ...وكذا
أدهشنى هذا العمق و التناول التحليلى للظاهرة الطائفية ، بل و الجرأة فى هز عرش المقدسات القارة فى عقولنا ووجداننا، فمن هنا أحسست بعلاقة حميمية مع العلوى ، و بدأت أبحث له عن أعمال ، لأعرف من هو ذاك الرجل ؟؟
و وجدت فى مجلة النهج السورية فى أحد أعدادها .. عرض تحليلى و ملخص لكتابه الأشهر و الأهم " مدارات صوفية : تراث الثورة المشاعية فى المشرق" فزاد ذلك أكثر من حيرتى و من اندهاشى من هذا الرجل !!
فهو يملك رؤية عميقة مستندة على عمق معرفى واسع بالتراث من جهة و التصوف من جهة أخرى و التحليل الماركسى من جهة ثالثة .
ثم صياغة عباراته و كلماته ؛ فهو لجأ حتى لإعادة تصريف الكلمات ، و إن دل ذلك تمكنه الكامل من اللغة العربية ، و معرفته بجوهر قوانينها الداخلية .
و القارئ لمدرات صوفية سيدرك ذلك .
ولد هادى العلوى فى كرادة مريم ؛ أكثر المناطق فقرا فى العاصمة العراقية بغداد فى عام 1932 م ؛ فى أسرة شديدة الفقر و التدين ، حيث كان أبوه عامل بناء بسيط ، و جده السيد سلمان واحدا من الفقهاء ؛ الذى ترك مكتبة ضخمة تعج بكتب التراث، و كانت صدمة هادى العلوى عندما اكتشف بعد اطلاعه على مكتبة جده ؛ أن الإسلام يبيح التملك ، و بالتالى الطبقية ، و تقسيم الناس إلى خادمين و مخدومين، هذا الفقر الذى نشأ فى ظله ورؤيته لبؤس أهل بلدته ( فلاحون ) و لأسرته خاصة الوالدة ؛ جعله يكره الأغنياء و دولهم .
بدأ فكره يتبلور على مقهى حسين الحمد فى لقائه بالقيادى الشيوعى فى الكرادة " شاكر جابر" الذى وجهه لقراءات أخرى ساهمت فى تشكيله الفكرى و الثقافى .
درس العلوى التجارة و الاقتصاد ، و كان من المتفوقين ، سافر إلى الصين و درس تجربتها و كتب عنها فى كتابه " المستطرف الصينى " فهو كان من المولعين بالتاوية ( التصوف الصينى ) = التاو ( الطريق أو الحق ) = تاو تى كنج( الطريق و الفضيلة ) التى أرساها فيلسوف الصين العظيم لاو تسى .
عرف عن العلوى تبحره المعرفى و ثقافته الموسوعية ، و التى استطاع أن يمازج بين التحليل الماركسى ، و التراث الإسلامى ، و التراث الصينى ، و تراث التصوف المشرقى فى عمومه.
كان معارضا شرسا للسلطة و المال و الدين ( الثالوث المقدس ) الذى يسحق الفقراء و المهمشين ؛ وأدى به ذلك إلى العيش متنقلا من منفى إلى آخر ؛ حتى وافته المنية 23 أيلول 1998 م.
قدم هادى العلوى ما يقرب من عشرين كتابا ، قضلا عن مقالات و أبحاث نشرت فى المجلات و الصحف العربية و العراقية ,من بين أعماله :-
- مدارات صوفية : تراث الثورة المشاغية فى المشرق
-الإغتيال السياسى فى الإسلام
- محطات فى التاريخ و التراث
- فصول من تاريخ الإسلام السياسى
- تاريخ التعذيب فى الإسلام
-تظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازى
- شخصيات غير قلقة فى الإسلام
و غيرها من كتب قيمة ..تمثل مشروعا فكريا و حضاريا ..لنهضة المنطقة العربية .
قيمة هادى العلوى
تتجلى قيمة هادى العلوى فى بحثه العميق ؛ عن جذور المشاعية فكرة و سلوكا فى تراثنا الوسيط ، و نقد المركزية الأروبية ، و الأصولية الدينية، كما أنه دخل مناطق شائكة فى البحث و الدراسة ، ليعيد تفكيك التراث بكل مكوناته ، و إعادة البناء على ما قدمه من إيجابيات .
ليس مستغربا أن دعا إلى إنشاء جمعيات مشاعية فى العراق ، و أن يكون هناك وزارة مختصة بالمشاعات ، إيمانا منه بالإنسان المهمش و المقهور ؛ الذى تدهسه البرجوازية / الرأسمالية ..حتى و إن بدا ذلك منه حلما رومانطيقيا .
عرف عنه حياته البسيطة و تواضعه الجم ، و طريقة عيشه التى تشبه عيش زهاد و متصوفة القرون الوسطى ، حتى لقب بحلاج القرن العشرين .فعندما مات لم بترك نقودا و لا عقارات .. لكنه ترك لنا تراث معرفيا يتعين علينا درسه جيدا ، و الإستفادة منه ، فى تعميق رؤيتنا لتراثنا ، و فى بناء كوادرنا الثورية على التواضع ، و حب الرفقة ، و حب البسطاء من الناس .. وكره التملك الخاص كما كان يكرهه و يمقته هادى العلوى .
فهو نموذج للمثقف العضوى بالعبير الجرامشى ..الذى نحتاج لآلاف مثله ..فى مجتمعاتنا التى نخر فيها الخراب بفعل أنظمتها التابعة ، و أغنيائها المستغلين ؛ الذين يعملون لحساب الرأسمالية العالمية ، العدو اللدود للفقراء و المهمشين .
هذه كانت بعض شذرات سريعة لا تفى الغرض ..عن مفكر و مناضل عظيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل